البـطـالــة في المفهومين الاقتصادي والاجتماعي
د.طارق العزاوي
ظهرت البطالة في المفهوم
الاقتصادي والاجتماعي أول مرة في اثناء الثورة الصناعية في
انكلترا 1770-1830م وعلى وجه التحديد سنة 1810 وهي اول
ازمة اقتصادية دورية، حدث ذلك عندما اخذت عجلة تطور
الرأسمال تدور تلقائياً دونما تدخل من الدولة او من أي جهة
كانت.
كانت
تعني كلمة البطالة (شوماج) قبل ذلك التاريخ في اللغة
الفرنسية الاستمتاع بالتوقف عن العمل بمناسبة يوم عطلة
اسبوعية او بمناسبة الاعياد الدينية او غيرها من المناسبات
ولا يعني ذلك عدم وجود قبل ذلك التاريخ جماهير واسعة مشردة
من السكان لا تملك قوتاً او مأوى، عانت اكبر بكثير الاثار
الاجتماعية التي خلفتها الازمة الدورية التي اشرنا اليها
قبل قليل والازمات الاخرى التي تلتها حتى القرن التاسع
عشر.
ظهر هذا النوع من البطالة المشردة في انكلترا في القرن
السادس عشر إثر تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية في
الريف الانكليزي فقد انتهت القنانة في زمن مبكر في انكلترا
وتمكن الفلاحون والمزارعون من استئجار الارض من الاسياد
الاقطاعيين وكانت لأحفاد لوردات الارض تطلعات رأسمالية
تجارية والتجارة التي بامكانهم مزاولتها قبل غيرها هي
تجارة تصدير الاصواف عبر المانش الى منطقة الفلاندر
(هولندا) التي انتعشت فيها (صناعة) النسيج.
كانت ثمة اراض جماعية هي غابات ومراع الى جانب الاراضي
الزراعية في الريف انصب اهتمام لوردات الارض على الاراضي
الجماعية واستولوا عليها واحاطوها بسياج دليلاً على
الملكية وجعلوها مراعي للاغنام وتدعى هذه حركة التسييج.
تختلف بطالة حركة التسييج عن البطالة الدورية التي ارتبطت
بتقدم الانتاج الرأسمالي في ان الاولى مصادفة تأريخية بدأت
في مناطق معينة وفي زمن تاريخي معين، اما البطالة الناتجة
عن ازمات فيض الانتاج الدورية فأنها ملازمة لتقدم الانتاج
الرأسمالي وتخضع لقوانين تجريبية: قانون العرض والطلب،
وقوانين موضوعية: قوانين علاقات الانتاج وعلاقات التوزيع
وغيرها من القوانين الاقتصادية.
حدثت اول ازمة اقتصادية ادت الى بطالة واسعة سنة 1810 وهو
تاريخ مبكر في مسيرة الرأسمالية الصاعدة في ذلك الوقت كان
الرجل العادي الاوربي فلاحاً لا تختلف ادوات انتاجه
واساليبه الزراعية كثيراً عن التي كان يستخدمها اسلافه
الاقدمون طوال عدة قرون ولم تتسيد الرأسمالية حتى سنة 1850
سوى في بلد واحد: بريطانيا العظمى ولم تكن الولايات
المتحدة آنذاك سوى بلد يهتم سكانه بالنشاط الزراعي على
الاخص.
قامت البطالة بدور مهم في تقدم الرأسمال، اذ يسهم جيش
العاطلين في تزويد المشروعات الصناعية في فترات الانتعاش
الاقتصادي بأيدٍ عاملة منخفضة بالحد الادنى لاعاشة العامل
واعاشة عائلته وفي اوقات الانكماش يتضخم جيش العاطلين من
التحاق البعض الذين اضرت بهم الازمات الى جيش العاطلين ومن
بين هؤلاء على الاخص صغار الفلاحين وصغار المنتجين اضافة
الى العمال الذين طردوا من عملهم وتنخفض اجور من بقي منهم
في العمل وهؤلاء سوف يقاسون ظروفاً سيئة للغاية وبالاخص في
النصف الاول من القرن التاسع عشر واجريت تحقيقات وصدرت
تقارير في انكلترا وفرنسا تشير الى قسوة ارباب العمل تجاه
الشغيلة ولم تكن الحكومات تحفل وفقاً للمذهب الليبرالي
الحر الذي كان سائداً والذي يعتبر أي تدخل من الدولة يؤدي
الى ارباك الحياة الاقتصادية التي تسيرها قوانين طبيعية
خالدة مطلقة الصلاحية في الزمان والمكان حسب آراء ذلك
المذهب ظهرت في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر اوساط
فكرية بدوافع انسانية لوضع حد لشقاء العمال في مصانع ارباب
العمل وذلك بايجاد بدائل لتلك المصانع يقتطف فيها العمال
ثمرة عملهم في تعاونيات عمالية نشأت مثل تلك التعاونيات في
فرنسا وانكلترا وكان نصيبها الفشل ان عقد الاربعينيات من
ذلك القرن نقطة تحول الفكر الانساني نشأت فيه مدارس قومية
وتأريخية تعارض النظرية الثباتية للمذهب الحر ومذهب
المنافسة الحرة ونشطت فيه حركات سياسية تناهض الرأسمالية
وتنتقد الملكية الخاصة باعتبارها سبب الكوارث الاجتماعية
والبطالة.
لم تفلح كل تلك الاراء وذلك النشاط الفكري والسياسي من
زعزعة الاسس المتينة التي بُني عليها المذهب الحر
والمنافسة الحرة اراءه على الرغم من الجوانب السلبية التي
خلفها ذلك المذهب فاستمر تقدم الرأسمالية الاقتصادية
واستمرت معه الازمات الاقتصادية واستمرت البطالة بالتوسع
واستمر حدوث انتفاضات عمالية وفلاحية ضد البطالة وضد
الرأسمالية كذلك.
في نهاية القرن 19 وبالتحديد منذ سنة 1900 تغيرت المدد
الزمنية لفترات الانتعاش والانكماش الدورات الاقتصادية
واصبحت تتكرر الازمات وبالتالي البطالة كل ثلاث او اربع او
ست سنوات بسبب الدخول الى السوق انتاج دول رأسمالية جديدة
وبسبب التركيز في الوحدات الانتاجية وبداية ظهور
الاحتكارات ودخول الرأسمالية مرحلة جديدة تغيرت بنية
الاقتصاد الحر وبدأت ظاهرة البطالة المستمرة وتكونت نقابات
تدافع عن حقوق العمال.
في 24 تشرين الاول سنة 1929 وكان يوم خميس اطلق عليه
الخميس الاسود، اندلعت في امريكا اوسع ازمة اقتصادية في
العالم الرأسمالي ازمة تختلف عن الازمات السابقة تماماً
وتساءل الكثير في ما اذا كانت ازمة اقتصادية ام ازمة بنية
ام ازمة النظام الرأسمالي باكمله تميزت بعمقها وبسرعة
انتقالها الى دول اخرى وبشمولها لجميع القطاعات وبطول فترة
انكماشها طرحت في اول يوم من هذه الازمة ثلاثة عشر مليون
من الاوراق المالية، وبعد بضعة ايام عرضت في السوق 70
مليوناً من الاسهم لا يمكن بيعها الا بأثمان زهيدة توقفت
ماكنة الانتاج تماماً وتعرض ثلاثون مليون عامل الى البطالة
في خريف 1932 واكثر من هذا العدد بكثير العمال الذين
يعملون عملاً متقطعاً.
كان يذكر سابقاً ان الازمات تتحطم على عتبة القطاع الزراعي
لكن ازمة 1929 انبثقت من القطاع الزراعي وشملت باقي
القطاعات اخذت الدولة تتدخل تدخلاً واسعاً بانتشال
المشروعات المفلسة وتأميمها بعد ان كان الفكر الاقتصادي
يتبنى قاعدة عدم التدخل وما احرج الدول الرأسمالية ان هذه
الازمة لم تشمل الاتحاد السوفيتي وكان في تلك الفترة
بمشروع باول خطة خمسية للنهوض بالاقتصاد.
تأثرت بهذه الازمة الاقطار التابعة التي كانت تصدر المواد
الاولية والمواد الغذائية اذ هبطت اسعار تلك المواد واتلفت
كميات هائلة من المواد الغذائية لتجنب هبوط الاثمان اكثر
فاكثر.
قامت الدول الرأسمالية بمشاريع غير انتاجية لتشغيل العمال
وبسن قوانين اعانة للعاطلين عن العمل وسياسات اقتصادية
مبنية على التضخم النقدي لقد ادت سياسات التشغيل وعلى
الاخص في المانيا وكذلك سياسة التسلح الى تشغيل قسم من
العمال والتخفيف من حجم البطالة غير ان ذلك لم يؤد الى
انتعاش الاقتصاد والى انتهاء فترة الركود لقد تم ذلك بسبب
الحرب العالمية الثانية 1939-1944.
بعد الحرب العالمية الثانية اخذت الدولة تتدخل في الحياة
الاقتصادية للتأثير على سير الدورات الاقتصادية التي اتخذت
شكل تباطؤ ونمو كل ثلاث او اربع سنوات يتعاقب فيه التضخم
النقدي والانكماش: ارتفاع الاسعار وهبوطها.
اصبحت البطالة دائمة واصبحت مقياساً لحركة الاقتصاد ان 3%
من لايدي العاملة عاطلة عن العمل تعتبر اشارة الى صحة
التقدم الرأسمالي وان 5% الى 6% تبقى في حدود المستوى
المقبول من البطالة وان 7% الى 8% تشير إلى انكماش
الاقتصاد واكثر من ذلك يبدأ خطر حدوث اضطرابات عمالية
تساندها نقابات اصبحت قادرة في التأثير على العمالة وعلى
مستوى اجور العمال.
اضافة الى البطالة المتولدة من الانتاج السلعي للمشروعات،
هنالك بطالة متعلقة بخدمات السياحة اذ تقوم دول او مشروعات
اقتصادية في مناطق جغرافية معينة مهيأة لاستقبال السياح
بتشييد فنادق وفتح مطاعم ومقاهٍ الخ..
عمل في تلك المرافق عمال خلال موسم السياحة فقط ويعتبر
البعض ان ثمة بطالة موسمية يتعرض العمال عند انتهاء الموسم
السياحي لكن ذلك ليس صحيحاً الا لعدد قليل من هؤلاء العمال
لا غالبيتهم يحتفط نفسه بمهنة اخرى الى جانب مهنة خدمة
السياح الاكثر مردوداً من الناحية المالية.
هناك كذلك بطالة منقولة يسببها هبوط الاثمان في قطاع معين
يؤثر في هبوط الاثمان لسلع مماثلة في قطاعٍ اخر او في قطر
اخر لم يتعرض الى ازمة ما.
ويشار كذلك الى بطالة اختيارية وهي ابتكار مبهم يراد به
انعدام البطالة من النظام الرأسمالي اذ عندما يمتنع القبول
في اجور معينة ويرتضي عدم العمل انذاك يعرض نفسه الى بطالة
اختيارية لان العامل فرص العمل كانت مفتوحة لديه واغلقها
باختياره.
ينبغي ايجاد سياسة تنموية لمعالجة البطالة من جهة والنهوض
بالمستوى الفني للعمال والفلاحين يمتلك العراق موارد
طبيعية غنية وتمتلك الدولة عوائد كبيرة من تصدير النفط كما
تمتلك معلومات احصائية من جميع النشاط الاقتصادي قدمتها
الدوائل المختصة لمدة تزيد على الثمانين عاماً تسهم تلك
المعلومات في معرفة المشروعات التي ينبغي على الدولة
تشجيعها ويتم ذلك عن طريق سياسة مالية وسياسة ضريبية
ملائمة وفي دولة غنية مثل العراق لا ينبغي ان تكون الضريبة
مورداً لخزينة الدولة اذ لديها وظيفة تحويلية الى وظيفة
نقل الملكيات غير المستغلة الى القادرين على استثمارها
وتفتح على تلك العملية مجالاً واسعاً لتوظيف العمال
ولاجراءات لضريبة وظائف معروفة في مجال التنمية لا حاجة
لذكرها هنا في موضوع البطالة. |