مسرح

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

مسرح التعزية في العراق (1-3)

مناضل داود

ولد المسرح العراقي في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، على مجموعة من الرهبان المسيحيين في محافظة الموصل، فكانت البداية مسرحيات وعظية لها علاقة  بالمسرحيات التي قدمتها الكنائس في العصور الوسطى، وذلك للعلاقة الوطيدة بين الكنائس في مدن الموصل وروما وباريس حيث كان الرهبان يرسلون للدراسة ثم يعودون إلى العراق للعمل والتدريس في المدارس المسيحية العراقية.

وحين أسست الدولة العراقية عام 1921 وجد الفنانون العراقيون على قلتهم إن الاستعمار البريطاني يطوق عنق الوطن،فكان المسرح العراقي وطنيا على يد مؤسسيه ورواده الاوائل، امثال خالص ملا حمادي وبطانته المسرحية الممثلة بالفرقة العربية للتمثيل وصولاً إلى فنانا الرائد حقي الشبلي، الذي استبدل اسم (المعهد الموسيقي) باسم (معهد الفنون الجميلة) بعد أن ادخل فيه قسم الفنون المسرحية ببغداد.

 وهكذا ضاعت على المسرح العراقي فرصة ذهبية، وهي الانتباه للإرث المسرحي الغني المتمثل في الفرجة المسرحية في طقوس التعزية التي ظهرت في العراق خلال القرن الرابع الهجري وهي موضوع بحثنا اليوم.

يقول الباحث والمخرج العراقي محمد سيف في بحثه عن وطنية المسرح العراقي.. إن القدر العراقي قد خزن في أعماقه دراما لم تنجز، حتى أصبحت تراجيديا أسطورية قادرة على أن تنجز عملا مسرحيا بمعناه الحقيقي، إن التراجيديا الأسطورية من وجهة نظري هي مكان أو بالأحرى عرض للعقيدة التي تتأرجح بين الواقع والخيال، فالمواجهة اختلاف يأخذ جذره من طقوس عاشوراء.

التراجيديا وطقوس الدين

من هذا المنطلق، تكمن في تقديري أهمية طقوس التعزية في العراق كونها طقوساً دينية تراجيدية، يتم اللطم والنواح فيها على شخصية الحسين بن علي فحسب، بل أنها كانت تسهم في تطوير وبناء مسيرة المسرح العراقي لو أن الظروف الموضوعية لهذا الفن كانت تسير بشكل سوي، مثلما قدمت الطقوس اليونانية الأساس القويم لبناء المسرح الإغريقي ((إن الإيمان والزهد التام في تقديم طقوس البكاء، كان له الدور الحاسم في عملية سير وتكوين المسرح اليوناني.)) كما يؤكد الباحث المذكور وفي هذا فإننا نتحدث عن تراجيديا الحياة في الجسد، وهي ليست جسداً فردياً، وإنما الكل في حركة واحدة متوحدة متنوعة ومتناسقة، لا أحد يملك أن يجزم بأن هذه الطقوس تمارس لسبب ديني فقط، بل ستبكي الشيعة مادام الحسين ـ حسب اعتقادهم ـ سيكون شفيعهم يوم القيامة، وسيصرخون في وجه السياسي السلطوي الذي لم يقو على احتمالهم ـ وجدير ذكره ان هذه الطقوس منعت في منتصف السبعينيات من هذا القرن في العراق، هذا المسرح الطقسي الذي كان أرتو يبحث عنه وكروتوفسكي في مسرحه الفقير وأخيراً يسعى بيتر بروك إلى قرية إيرانية ليقول بعدها (( شاهدت في قرية إيرانية نائية شيئا من أقوى الأشياء التي شاهدتها في المسرح في أي وقت مضى: مجموعة من أربعمائة قروي يجلسون تحت شجرة ينتقلون من هدير الضحكات إلى النحيب العلني، برغم انهم يعرفون تماما نهاية القصة، فقد شاهدوا الحسين سابقا وهو يتعرض لخطر القتل ، وكيف كان يناور أعداءه، واستشهاده بعدئذ، وعندما يموت الحسين يغدو شكل المسرح حقيقة.)) ولكن السؤال الأهم هنا: أين هي التعزية في المسرح العراقي؟ وهو وريث هذه التراجيديا التي تمت على أرضه.

لقد اعتمد المسرحيون على الدوام، على استلهام مادة نصوصهم من الملاحم والقصص الفولكلورية التي أنتجتها شعوبهم على مر العصور، فأسسوا بذلك مسرحهم، وتطور المسرح ليصبح مادة إنسانية فنية جدلية، حتى أصبحت تتسابق في فهمها واستقرائها وتدريسها دول كثيرة ، وتكون لدينا منظرون لمدارس مختلفة ، ومازال البحث مستمرا ، فمنذ ستانسلافسكي وإلى اليوم تتنافس روسيا وأوربا وأمريكا في طرائق تربية الممثل كل واحدة بأسلوبها، وإذا مل الأوربيون من طريقة عملهم ذهبوا إلى الشرق لاكتشاف هذه الطقوس في بلاد الشمس.

إن ثلثي المجتمع العراقي يمارس هذه الطقوس بكل وجدانها أنتجت مسرحا لم نره وأعني لم نجر عليه بحثا ولو نستقرئه او نخوض تجربة واحدة فيه. وإذ نعتقد في هذا البحث، أن هذه الفرجة مسرحية تمتلك من عناصر الدراما والتراجيديا ما يجعلها تكون مادة فنية مهمة تغني المسرح العراقي بشكل خاص والمسرح العربي بشكل عام، لنا أن نعيد سؤلنا مرة أخرى: أين هي التعزية في المسرح العراقي؟ والجواب ليس خافيا على أحد، أولاً :فالسلطة الرسمية في العراق ومنذ أن تكونت الدولة، هي سلطة طائفية.

ثانياً: إن عمر المسرح العراقي قصير، ولما بدأ مخرجوه ـ أقول مخرجوه لأن المسرح لا يمكن أن يحيا متطورا من دون مخرج ـ الذين درسوا في روسيا وأوربا وأمريكا جاؤوا بتجارب جاهزة فكانت بتأثيرات المكان الذي درسوا فيه.

ثالثاً : إن اغلب المثقفين في العراق كانوا ومازالوا يتفادون الطقوس، والحال اننا وهي من وجهة نظرنا نظرة سطحية خالية من التأمل، لا نجيد اكتشاف ذاتنا ونلحق بالآخر الذي يتجاوزنا باكتشافه لنا، ابتداءً من المنجز الاقتصادي ـ لقد عثرت أوروبا على النفط في بلادنا لتبيعنا إياه ـ إلى المنجز الثقافي الذي ذكرناه سلفاً، فعلى سبيل المثال وحينما يتحدث مخرج مثل بيتر بروك عن مسرح التعزية، تتكشف لنا أهمية هذه الطقوس وتبدو عندئذ صالحة للبحث والاستقراء والتأمل.

الطقس وسطوته

إن طقساً استطاع أن يشغل مشاعر أمة كاملة عشرة أيام كل عام، بهذا الحضور والسطوة العالية منذ القرن الرابع الهجري حتى يومنا هذا عبر لغة تراجيدية بصرية ليستحق الدراسة منا بكل تأكيد.

إن أهمية بحث هذا الموضوع ودرجة حيويته في الزمن الراهن، تكمن في أنني ابحث عن المنجز الشخصي والهوية، فلا نستطيع أن نثبت جغرافيتنا من دون أن نمتلك تاريخنا، فالبحث في منجز التعزية هو البحث في منجز شعب، فعندما اقف على المسرح وأحرك يدي أو رأسي أو أطلق نفساً حاراً اشعر بانتمائي الحقيقي لهذا الفعل لأنه فعلي، وتلك إيماءاتي، بكل بساطة، أريد أن العب في بيتي الذي ترعرعت وحلمت وضحكت وبكيت فيه، فكم أليف هو شارع الطفولة الذي نلعب به كل يوم، ولكنه يصبح اكثر ألفة عندما تعلق الرايات والقناديل معلنة عن أيام عاشوراء.. وقس على ذلك فعالياتنا الشعائرية في أيام الاعياد وطقوس (زكريا) الشهيرة وشموع (خضر الياس) السنوية، وغيرها الكثير.

خلفية تاريخية

وعن أيام عاشوراء تحدث بعض الرحالة والسفراء الأوروبيين الذين عاشوا في إيران في القرن السابع عشر أمثال الألماني اولياريوس (1671) والفرنسي تافرنييه، وأن أول من شاهد عرضاً للتعازي وأطلق عليه اسم عرض مسرحي درامي هو الإنكليزي فرانكلين وذلك عام 1788 ويقول السير لويس بيلي (1879) وهو دبلوماسي بريطاني عاش في طهران ((إذا توجب قياس نجاح الدراما عن طريق التأثير الذي تحدثه في الذين ألفت من أجلهم، أو في المشاهدين الذين تمثل أمامهم، فلا توجد أبداً مسرحية فاقت التراجيديا المعروفة في العالم الإسلامي باسم الحسن والحسين)) ويرى محمد عزيزة في كتابه (الإسلام والمسرح) ظاهرة غياب المسرح في العالم الإسلامي: ((الاستثناء الوحيد لقاعدة الغياب المسرحي هذا: هو التعازي الشيعية التي أعطت الإسلام اعتباراً من القرن السابع الشكل الدرامي الوحيد الذي يعرفه.)) ويحدثنا جرجي زيدان(1861 ـ1914) عن وصف للتعزية شاهده جيمس موريه في مدينة اصفهان الإيرانية سنة 1811... وفي يوم عاشوراء بعث الشاه إلى السفير يدعوه لحضور الاحتفال (يوم القتل) فسرنا معه، أجلسونا في خيمة خاصة بنا بالقرب من خيمة الشاه بحيث نشرف على الساحة الكبيرة، فرأينا عند مدخلها جماعة وهم من عائلة الشاه وقوفاً حفاة، على شكل دائرة في وسطها رجل ينشد لهم وهم يوقعون أنغامه بالضرب على صدورهم، وفي بعض جوانب الساحة مكان مثلوا به كربلاء وبالقرب منه خيمتان تمثلان معسكر الحسين الذي كان يقيم فيه مع عائلته. وفي وسط الساحة مسرح من الخشب مغطى بالسجاد لتمثيل الرواية عليه . وثم يبدؤون بالاحتفال حتى جاء الشاه وجلس في خيمته فبدأوا بالتمثيل، فجاء رجل ضخم عاري الصدر يحمل قناة طولها (30) قدماً مرتكزة في منطقة من جلد حول خصره ، وفي أعلاه راية عريضة مكتوب عليها بعض الآيات القرآنية، ثم جاء رجل آخر في مثل ذلك تماماً وثم رجل اضخم منهما وأكثر عرياً يحمل قربة ماء رمزاً عما قاساه الحسين من العطش في ذلك اليوم.. ثم جاؤوا بتابوت عظيم يسمونه ((قبر الحسين)) يحمله ثمانية رجال على أكتافهم وعليه الاغطيية الثمينة وفي صدره إكليل مكسو بالحجارة الكريمة وفوقه كوكب من الألماس يتلألأ كالشمس وفي جوانب التابوت كثير من الحلي والمجوهرات وعلى قمته عمامة ترمز إلى عمامة الحسين والى كل من جانبي التابوت رجلان يحملان علمين ينتهي العلم من أعلاه بشكل كف مفتوحة رمزاً عن الحسين (يخطئ الراوي هنا في تصوره ، فالكف ترمز عادة إلى العباس أخي الحسين لأنه سقط في المعركة مقطوع اليدين أما الحسين فقد قطع رأسه) ثم جاءوا بأربعة أفراس مسرجة في اثمن مؤن وعلى جباهها صفائح من الذهب مرصعة بالألماس ، وفوق السروج أدوات تدل على مقتل الحسين . فلما اجتمع هؤلاء في الساحة وقفوا صفاً واحداً على حدة ثم جاؤوا جماعة عراة لولا شملات صغيرة تغطي بعض أجسامهم وعليهم ملامح البداوة والقسوة والخشونة وقد تلطخت أجسامهم بالدماء وهم ينشدون أنشودة بدوية يراد بها أصحاب الحسين وأهله الذين قتلوا معه، ثم جاؤوا بجواد أبيض عليه جروح عديدة يمثل الجواد الذي قتل الحسين فوقه. ثم جاء خمسين رجلاً في يد كل منهم قطعتان من الخشب يضرب أحداهما بالأخرى، فاصطفوا صفاً واحداً أمام الملك ثم مشوا مشية منتظمة على توقيع رجل منهم وهم يصفقون. ثم بدؤوا بتمثيل المعركة وكيفية قتل الحسين ورفاقه، فسمعنا أصوات الندب والنواح من سائر أنحاء الساحة وشاهدنا الدموع تتساقط من أعين الناس، حتى لم يبق أحد لم يبك وانتهى هذا الفصل بإحراق كربلاء، وهي أعشاش أقاموها في بعض جوانب الساحة، ثم ظهر قبر الحسين مغشى بالألوان السود وفوقها جلد نمر يريدون به أسدا يقولون انه حرس جثة الحسين بعد موته.))

إن إعادة تمثيل واقعة استشهاد الحسين بن علي كل عام في العراق، هو تعبير الناس عن الرغبة في محاكاة الواقعة التي تحاول الانسلاخ عن الدين في أحيان كثيرة، وذلك لمحاكاة الظروف المستجدة على المستويات الثقافية والاجتماعية والسياسية على الوجه الأخص، ففي دراسة له بعنوان: التعازي طقس درامي شعبي: يقول الدكتور فاضل سوداني. ((من المعروف أن التعازي في بداية نشوئها كانت تقليداً حياً لمأساة (الإمام الحسين) بكل تفاصيلها الواقعية ، ولكن بمرور الزمن لم تعد طقساً دينياً فحسب إنما امتزجت بالحياة السياسية والاجتماعية، حيث أن بطلها (الحسين) لم يعد رمزاً دينياً فقط بل رمز لبطل قومي، ثوري يستلهم الشعب ثوريته وتضحيته من خلال إعادة ذكراه ويتكشف لنا من خلال التأريخ، إن الطابع السياسي المعارض لسلطة الحاكم في طقوس التعزية ليس بجديد ولم يبدأ في القرن العشرين بل كانت بدايته منذ أن تكونت فكرة التشيع كما نعتقد نحن وفي هذا السياق يقول الدكتور علي الزبيدي (( إن معز الدولة البويهي قد أمر الناس بأن يغلقوا دكاكينهم في العاشر من محرم ـ وهذا تقليد جرت عليه العادة حتى يومنا هذا ـ ويضيف الزبيدي، والظاهر أن تقديم طقوس التعزية قد حدث فيها تطور في القرن التاسع عشر، فقد انتظمت بشكل فني رائع بحيث أمست مسرحيات حية تدور فيها حوادث استشهاد الإمام الحسين لمدة عشرة أيام متتالية، وحاول الولاة منعها بمن فيهم مدحت باشا فلم يفلحوا ، وهذا المنع جاء في بيان رسمي نشرته جريدة الزوراء في 4 محرم 1286 هجرية.)) وخبرنا محمد عزيزة عن سميرنوف الذي شاهد آخر عرض للتعازي في إيران عام 1916 حين اختتم وصفه بالعبارات التالية (( إنه لمن المؤسف حقا أن تخسر فارس مثل هذا الشيء العظيم.)) وفي دراسة للمستشرق الفرنسي ماريوس كنار، (بغداد في القرن الرابع الهجري) نجد أن هذه الطقوس قد منعت في بغداد سنة 1002 على يد حاكم العراق أبي علي بن أستاذ هرمز.


وداعاً جبار صبري العطية رحلت لكن ثروتك المسرحية بقيت في قلوب محبيك..

البصرة / عبد الحسين العزاوي

ودعت البصرة ومثقفوها ومبدعوها ابناً عزيزاً لها بعد ان اوجعته الآلآم وانهكه مرض عضال، فسكت قلب المبدع والكاتب المسرحي الكبير جبار صبري العطية الذي اعطى على مدى (50) عاماً عصارة روحه وابداعه المسرحي، لكن المرض لم يمهل كاتبنا الكبير العطية لكي يودع احبابه واصداقاؤه، ففاضت روحه الطاهرة في المستشفى. وكان وقع هذا الحادث الاليم والمفجع على محبي مسرحه وابداعه بالغ الأثر.. وعندما شيعه اهل مدينته البصرة الطيبة والوفية ومعهم اصدقاؤه من المثقفين والادباء والشعراء والمسرحيين والتشكيليين انسكبت الدموع من العيون، واحتدم الالم في قلوب الجميع فقد كان المشهد مؤلماً، وكانت عبارات وداعه لآخر مرة قد تركت وقع فاجعتها في نفوس مودعيه..

كان الكاتب المسرحي الكبير جبار صبري العطية متخصصاً في كتابة مسرح الطفل وكان في بداية حياته كاتباً ومخرجاً وقبلها معلماً للتربية الفنية في مدارس البصرة وبعد سنوات نقله النظام السابق موظفاً في الادارة المحلية، ثم احيل على التقاعد لأسباب سياسية. كان المرحوم يشكل مع اقرب اصدقائه الناقد المسرحي حميد عبد المجيد مال الله والكاتب المسرحي بنيان صالح والمحامي والناقد المسرحي عزيز الساعدي مربعاً ابداعياً تواصل عطاؤه طويلاً. لكن علاقته الاكثر والاقرب إلى روحه ووجدانه كانت مع الناقد حميد عبد المجيد مال الله الذي لازمه المستشفى طوال رقوده فيه، وكذلك في مجلس الفاتحة.

كان اهتمامه الشخصي بمسرح الطفل يشكل لديه منعطفاً كبيراً في حياته، لأن الطفولة عنده تعني انك تصادق الملائكة وتكتب عن عالمها البريء وتمنحها نبضات قلبك ودفئك الانساني وهذا ما جسدته كل اعمال المرحوم المسرحية ومنها (عسل النحل) و(السندباد) اما اعماله الجادة والمعروضة فكانت في مسرحيتي (تحت المطر) و(ساعات كالخيول) قصة صديقه القاض المبدع محمد خضير وهما عملان ينتميان إلى جنس (المونودراما). كانت كتابات المرحوم جبار صبري العطية المسرحية جادة وهادئة وملتزمة في مضامينها الحياتية والاجتماعية والانسانية، وهو يكتب كل اعماله بوعي صادق عالٍ وبمسؤولية اخلاقية نابعة من قيمه الانسانية وبيئته البصرية. مثلت اغلب اعماله على مسارح بغداد والمحافظات وفي جامعة البصرة شارك مع اصدقائه المخرج المرحوم طالب جبار د. طارق العذاري / وحميد عبد المجيد مال الله في اصدار مجلة (مسرح 92) في البصرة وصدر منها (4) اعداد وكانت متخصصة بالدراسات المسرحية عراقياً وعربياً وعالمياً.. تعددت الطاقات الابداعية عند المرحوم جبار صبري العطية حيث شملت النقد المسرحي والاخراج والتمثيل والكتابة في الصحف العراقية والعربية. صدر له عن دائرة الشؤون الثقافية كتاب ضم اعماله المسرحية، وكان آخر نشاط له في اتحاد ادباء البصرة في جلسة خصصت للمرحوم تحدث فيها عن تجربته في الكتابة المسرحية وتناول اهتماماته بمسرح الطفل وقدمه الكاتب جاسم العايف.. كما قام المرحوم جبار صبري العطية بالقاء المحاضرات في معهد الفنون الجميلة في البصرة. وشارك ايضاً بمهرجان رائد المسرح البصري عزيز الكعبي خلال هذا العام.. هكذا فقدت البصرة ومؤسساتها الابداعية في الثقافة والفنون المسرحية والادبية والتشكيلية رائداً مسرحياً كبيراً فاضت روحه الطاهرة وانتقلت إلى جوار ربها آمنة مطمئنة. وكانت البصرة قد فقدت قبله بشهر رائد المسرح الممثل بنيان زكي الساعدي الذي عمل في المسرح منذ الخمسينيات وكذلك الفنان التشكيلي الرائد جبار داود العطية رحم الله مبدعي البصرة الراحلين والهم ذويهم الصبر والسلوان وانا لله وانا اليه راجعون..

 


نافذة (بائعة الكبريت) الفلسطينية أشعلت المهرجان الاردني لمسرح الطفل العربي

د. حسين علي هارف

عمان

لم يكن عرضاً ككل العروض اذ لم يتسق مع باقي عروض المهرجان ولم يشبهها، إذ كان خارج السياق العام لجأ إلى مخاطبة الطفل بما هو غير متعارف، حتى انه اوقع (الصدمة) لديه بموت البطلة (الطفلة) في نهاية العرض وبما لا يتناسب أو يتوافق مع النهايات المفرحة والسارة والمبهجة السائدة في العروض المسرحية الموجهة للطفل، مما اثار حفيظة البعض وتذمر الآخر وتشكيك واستغراب البعض وتعاطف البعض الآخر.

هذا العرض هو المسرحية الفلسطينية "بائعة الكبريت" التي قدمت على خشبة المسرح الدائري في المركز الثقافي الملكي في عمان ضمن فعاليات المهرجان الاردني السابع لمسرح الطفل العربي الذي عقد في تشرين اول الماضي.

المسرحية من اعداد خالد المنصور واخراج رائد غزالة وسينوغرافيا نسرين بقاعي بمشاركة موسيقى مصطفى الكرد. والمسرحية ماخوذة عن القصة العالمية للكاتب الدانماركي هانس كرستين اندرسون التي تتحدث عن بائعة الكبريت التي تحاول ان تبيع في آخر يوم من العام حيث الثلج والبرد والجوع والجميع يتراكض نحو بيوتهم للاحتفال مع اسرهم إلا هذه البائعة الصغيرة التي ظلت وحيدة ولم يساعدها أحد.

وقد وفق الاعدد في تطوير هذه الشخصية لتكون نواة لبطلة العرض (الطفلة الفلسطينية) ذات الـ 12 عاماً والمليئة بالحب وذات المزاج الجميل برغم ظروفها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القاسية جداً. فلم يكن لديها خيار سوى ان تشرع بالحلم في ان تكون سعيدة وتتمتع بحقوق انسانية بسيطة وصغيرة والتي هي بذات الوقت تشبه احتياجات الطفل في البلدان النامية والفقيرة. وبذلك فقد افاد الاعداد من حكاية القصة ذات الاصل (الدانماركي) وشحنها بهموم وافكار من الواقع العربي وهي ذات طابع اجتماعي وسياسي وانساني بعيداً عن الخطاب السياسي المباشر وقد اتفق النقاد على ان عرض بائعة الكبريت ينتمي إلى الاتجاه الاخذ بالتنامي في المسرح الفلسطيني والمبتعدة عروضه عن الخطاب السياسي المباشر والمقتربة من التناول الاجتماعي المستغرق في التفاصيل الانسانية التي تجعل من الشخصية المسرحية المطروحة إنموذجاً إنسانياً عاماً.

وبرغم محاولة العرض ان ينأى بنفسه عن السياسة في صيغتها المباشرة إلا أن فكرة العرض لم تخل من ملامسة الفكرة السياسية في علاقة الشعب بالحاكم الجائر (العربي) الذي يتسبب ظلمه وجوره وطغيانه باذى للطفولة البريئة. وقد حاول العرض تبسيط هذه الفكرة وتقريبها إلى الطفل بطريقة مؤثرة تستدر العواطف وتثير الاسى. فلقد افتقد العرض وهو (العرض الموجه للطفل) إلى العنصر الفكاهي الكوميدي الذي قد يحتاجه الطفل، وكان ذلك بسبب طبيعة الموضوع والخطاب وحساسية العاطفية الذي ابعد العرض نسبياً عن ملامسة جوانب المرح والفرح والبهجة، فكانت ضحكات الاطفال اثناء العرض شحيحة ومقتضبة. وفي هذا الجانب افتقر العرض إلى الابهار الذي يحتاجه الطفل حتى في جانب الديكور الذي اعتمد التقشف في المفردات الديكورية التي تعامل معها بتوظيفات فنية متعددة.

ومن المؤاخذات الاخراجية ميل الايقاع العام للعرض إلى البطء والترهل وبما لا يناسب ايقاع الطفل وعروضه الخاصة به. كما ان الاغاني افتقرت (لحنياً وادائياً) إلى الحيوية المطلوبة ومالت بدورها إلى الترهل رغم الجهد الطيب الذي قدمه ممثلو العرض الثلاثة ولاسيما الممثلة (ربى صبحي) التي بذلت جهداً طيباً في تقديم شخصية بائعة الكبريت ذات الـ 12 عاماً باقناع، وإلى جانبها ممثلان اثنان تبادلا لعب جميع الادوار الاخرى (وهي عديدة)، الاب، الام، المعلم، الطالب، الملك، الوزير، وبذلك اثبتا مهارتيهما وكفاءتيهما العالية في الاداء المتنوع.

وإذا كان العرض قد نجح في تحريض (الطفل) ضد السلطة التي تستلب حقوقه وتحرمه من متطلباته وحاجاته الانسانية فانه نجح بالمقابل ايضاً في ان يقدم توجيهات سلوكية وتربوية كان يبثها في بعض المشاعر ولاسيما مشهد طبيب الإسنان الذي نجح في تجميل وتحبيب صورة الطبيب لدى الطفل والتأكيد على بعض النصائح بضرورة تنظيف الاسنان واستخدام الفرشاة والمعجون والتحذير من كثرة النظر إلى التلفزيون الذي قد يضر بالبصر.

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة