الاخيرة

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

السليمانية

مدينة السرو والقمم

احمد مهدي الصالح

رأيت مدناً وعبرت اريافاً، وتمتعت بمواطن شتى رف عند بعضها القلب، وتدورت الدمعة من السحر والدهشة لمرأى الاخرى. ولكني حين رأيت السليمانية جمعت حبات مسبحة للتسبيح والصلوات واحدة هي من (طويلة) المتدثرة بالوفر والصنوبر الى (دوكان) المحلاة بالصمت عند ضفة البحيرة. فالسليمانية في ريفها نبض قلبها وحركتها واحدة من الحدود الى الحدود. اما المدينة فهي سرّ فتنة معصومة من الخوف بين يدي (ازمر) و (بيرة مكرون) ليس اول ابهتها الفاكهة والالبان ومن السما ولا آخر دروسها الحاسوب والكمان ومقدرة التحضر. هي اناث فارعات من ضوء وماء عنب. وهي فتية يمضون بإتجاه الجامعة. اذن هي شيء قابل للتمثل والاستنتاج ما بقيت الحياة وتوافد الآدميين.

قيل في التاريخ عنها اخبار وقيلت فيها اساطير، فعندما قامت الامارة البابانية في شمال العراق في اواخر القرن الحادي عشر الهجري اتخذت من قلعة (جولان) الزاخرة بالمساجد والمدارس مركزاً لها. ولما كانت سنة 1778م قد تقلد شؤونها (محمود باشا بابان) واراد تقوية مركزه فأنشأ قلعة حصينة في قرية (ملكندي) احدى المحلات المعروفة في السليمانية سنة 1781 م فكانت قلعته اول عمارة رسمية تشيد هناك. ولما آلت الامارة الى ابراهيم باشا بابان بن احمد باشا بابان بعد عامين طمح الى تعزيز شؤون ملكه لأنه عاش في بغداد مدة طويلة وتذوق جمال المدينة فأنشأ حول القلعة المذكورة سنة 1784م دوراًُ عديدة وحوانيت كثيرة ومسجداً جامعاً تقام فيه صلاة الجمعة ثم نقل اليها مركز الحكم من (قلعة جوالان) فتحول معه الاغنياء والتجار والعلماء وكتب الى صديقه (سليمان باشا) والي بغداد يؤمئذ بذلك. وانه سمى المدينة الجديدة (السليمانية) تيمننا بإسمه على رواية دائرة المعارف الاسلامية. ونسبة الى جده سليمان باشا على رواية بعض المؤرخين- هذا ما اورده مؤرخنا الاستاذ عبد الرزاق الحسني -والسليمانية سلة غذاء وفير ولجبالها مسميات معادن اغرت الغزاة وفيها (سرسير) ويقال عند البعض (سرسر) مصيف لا اجمل من هدوئه ولا احلى، هانئ يمتلك متسعاً من جمال القرى عند رحلة الوديان وموقعه على الطريق الذاهب الى اللوز والسماق بين (جوارتا) وجبل (سركيو) واما (بنكرد) فإنها تأخذك بلطف الى (ميركة) موطن الورد والكروم والطيور. اما اذا عدت من ليل (سرجنار) فما اظنك ستعود قبل الواحدة ليلاً في الصيف. فهذا موقع يضج بالناس، قل بألوف الناس. عنده ينابيع ماء وصالات احتفال وكازينوهات ويجيد التحدث بلغة المرطبات وما من الله على الآدميين من لذيذ الفاكهة. قل هو موقع من فردوس. اما عند الغروب. ماذا اقول لك عن الغروب في امسيات الصيف وانت تراقب المدينة وتتمتع بشوارعها المنيفة وخاصة تلك التي يسمونها حولية ثم تصعد الى غابات يفترش ارضها الناس قبل ان تصل الى (كوردسات) اما هذه الكوردسات فإنها عمارة تنم عن فكر هندسي بارع مثلما فيه نوع من البشر يجيد احترام الضيف.

فعندما تصل الى كوردسات وبعد ان تعبر استعلامات ومستقبلين ستجد نفسك ضيفاًُ عند رجل بهي الوجه دائم الابتسامة جيد الثقافة اسمه (اوات)  و (اوات) بلغة القوم هي الامنيات وهو مدير ادارتها.

وفي السليمانية وجود مبهر تعمر عند اساس عمارة الـ (بابان) يسكنه ويعمل فيه قادة هذا الاقليم وصنعوا منه اشياء في العمارة والنظام بعد ان كان هذا المكان مقراً لجيوش تعاقبت عبر عشرات السنين. وقبل ان تصل الى هذا المكان الذي يسمونه اليوم (فلاجوالان) ستحدق مبهوراَ في بواد يكتظ بخضرة الشجر عند قرية (تكيران) وعندما تعود الى مركز المدينة حاول ان تتمشى قليلاً عند مدخل شارع الاطباء من جهة مبنى وزارة الداخلية تمش هناك وانظر الى الخلق. جموع وزرافات يتوافدون على عشرات القيصريات. تلك التي كتبوا على واجهتها (بازار) ويعنون السوق. وعندما تستيقظ في الصباح ايضاً تجول من  الموقع ذاته  ستجد السليمانية كلها مستيقظة واذ ذاك ستسأل نفسك متى هذه المدينة تنام؟

ومع ذلك للسليمانية متعبات ومنها قصبة بائسة المعالم، حارة مغبرة صيفاً، باردة موحلة شتاء اسمها (عربت) لا علاقة لها بتلك البيئة لا من قريب ولا من  بعيد فهي بمجملها فوضى بين مواصفات القرية وقدرة المدينة. ومثلها ركن الى الشمال الغربي من المدينة اسمه (سرداوه) غبار وطين وما من برد اقسى من بردها. كذلك زحمة في ريفها الجنوبي لمعامل صناعة الطابوق السمنتي (البلوك) واعني  عند (كلار) القضاء الذي بدأ الآن او بدأ تواً بالعمران والنهوض.

اما مسراتها فلا عد لها ولا حصر ولصباح الصيف في اسواقها لذة لا تذهب عن البال. برد ناعم ولذة قيصريات وثقافة مدهشة ومعرفة راقية بالفنون ومع ذلك لها حاجة بجامعات تتخصص بالعلوم واخرى بالفنون. مثلما لها ان تؤسس متحفاً يحمي تاريخها فهي تمتلك تاريخاً عظيماً احتضن اولى سلالات البشر.


 

امانة بغداد

جمال كريم

حينما يأتي الزائرون من مختلف المدن العراقية، او يأتي القادمون من دول اخرى سيجدون انه ما ان تطأ اقدامهم العاصمة بغداد حتى يلاحظوا كانها بلا امانة. اقولها بصراحة وقوة لأمانة لبغداد! سوى بعض الخدمات التي تقدمها هناك فالقمامة اخذت تستشري لتبتلع الساحات والطرقات العامة، وما خفي في ازقة الحارات السكنية واسواقها اعظم! اذ تتصاعد اعمدة الدخان الكثيفة نتيجة حرائق الازبال بإعتبارها الوسيلة الاسرع والانجح والتي يلجأ اليها المواطنون. اما ما تحت الجسور وخطوط السير السريعة فقد اعشوشبت هياكل السيارات المحطمة بل تحولت في بعض الاماكن من العاصمة الى مخابئ لمحطات تعبئة الرصيف! وربما ستتحول الى اسواق تبيع فيما وراء (سكرابها) كل ما لذّ وطاب واحتظر. لقد التقطنا وكتبنا ورسمنا عن اكثر المظاهر الحياتية سلبية التي تقع ضمن مسؤولية امانة بغداد - حصراً - لكنها، تمادت في التغاضي وعدم الاكتراث لما يكتب، وكأنها تتضامن علانية وجهاراً مع القائلين بأن ما يكتب وينشر في الصحافة العراقية الحرّة الجديدة هو (كلام جرايد) لا يقدم ولا يؤخر من شيء. حتى بتنا نشعر بأن كل ما يكتب عن هذه الظاهرة او تلك، انما يضفي على مقامها تمادياً واغماضاً مقصودين في اعين المديرين والعاملين معهم.

ان الامانة -مثلاً- ابتدعت فكرة الحاويات الاسمنتية الثابتة ووزعتها في مدن المسحوقين والمعدومين، في حين وفرت حاويات حديثة ومتحركة الى لمناطق اخرى ميسورة الحال، وفيما يحلل ويعتقد بعض الناس، ان فكرة الحاوية الثابتة جاءت تلبية لصفقة ارباح كبيرة ابرمت بين مسؤولين في تلك الامانة ومقاولين رئيسين وثانويين ودونهم على حساب توفير الخدمات  لأناس اكلتهم المعاناة وهم يتطلعون صابرين، الى نافذة حياة افضل. اما ترك السيارات المحترقة من جراء التفجير والتفخيخ وايضاً في الشوارع والساحات وامام محال وابنية الضحايا الابرياء من ابناء جلدتنا فإنه امر يجعلنا اكثر تساؤلاً ودهشة، وبخاصة عندما تتحول الى متفرج يرنو الى المتضررين وهم يعيدون البناء والاعمار فيما تحرق قلوبهم وقلوبنا جميعاً مشاهد هياكل السيارات المحترقة امام ممتلكاتهم ووسط شوارع رئيسة ومهمة في العاصمة بغداد.

ولو تكرم السيد امين بغداد او كلّف احد المسؤولين ممن يعملون في اماكن بزيارة حديقة الامة - على سبيل المثال لا الحصر - ووقف عند جدارية الفنان الراحل فائق حسن ليرى بنفسه كيف تحولت الساحة امام وخلف جدارية اختفت بأداء جميل بمكونات العراق الاجتماعية وتحولاته بإتجاه السلام والحرية والعطاء، الى سوق و (كراج) لوقوف وغسيل السيارات، هل ندعو النحاتين والتشكيليين الى انقاذ هذا الصرح الفني الكبير..؟ ام ندعو منظمات انسانية تعنى بالحفاظ على موروثات الشعوب الفنية من خارج الحدود؟ لا لشيء الا لأن امانة بغداد ، قد اصبحت متفرجاً من نوع خاص! ومن باب لفت نظر بعض الوزارات ومؤسساتها، الى ضرورة قراءة ومتابعة ما ينشر في الصحف، لا بإعتبارها سلطة، كما توصف، بل من كونها، خطاباً مسؤولاً وملتزماً في قضايا وشؤون المجتمع اقول: نشرت صحيفتنا في عددها الصادر في 20 / 10 /2004 كاريكاتيراً يرصد ظاهرة سلبية تمارسها بعض ادارات المدارس واسرها التعليمية، فما كان من وزارة التربية، متمثلة بمطالعة السيد الوزير في اليوم نفسه، الا أن يوجه في اليوم التالي، امراً بتعميم الموضوع الى مديريات التربية في العراق كافة، اضافة الى توجيه الشكر للصحيفة فيما تقدمه من تعاون لخدمة الصالح العام. نسوق ذلك متمنين ان تهتم الحقائب الوزارية الاخرى في الحكومة المؤقتة، بما يحصل في المشهد العراقي المعيش. لكننا لن ننسى ان نؤكد غياب الامانة وضرورة حضورها!

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة