المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

الشاعر الكوردي احمد دلزار حديث عن النضال والحياة والشعر..

الحوار/ محمد الملا عبد الكريم

كثيرون اولئك الذين يعرفون على نطاق كردستان محلها، واقصد جميع ارجاء كردستان الاربعة، دلزار الشاعر، كشاعر وطني وتقدمي يدافع عن حقوق شعبه الوطنية والقومية، ويناضل في سبيل تقدمه الاجتماعي وتطوره الثقافي، ويكافح من اجل العمال والفلاحين وسائر الكادحين والمسحوقين اجتماعياً، واكثر من ذلك كله كشاعر اممي يقف، بصدق وثبات، مع جميع الشعوب المقاتلة من اجل التحرر من الاستعمار والاستعباد والاستغلال.

احمد دلزار الشاعر الذي تحدثت عنه الصحافة الوطنية والتقدمية في العراق، من عربية وكردية، منذ  ثورة  الرابع عشر من تموز المجيدة وبالاخص خلال الربع الثالث من القرى الماضي مراراً وتكراراً الى ان خبت الاصوات التقدمية في الصحافة العراقية داخل الوطن بإستحواذ  الدكتاتورية الصدامية على كل مرافق الحياة الوطنية.. هذا الشاعر لا يعرف عنه الجيل العراقي العربي الذي ترعرع في ظل الحكم الفاشي وتلقى معلوماته من وسائل اعلامه التضليلي، اي شيء تقريباً.

قلنا اذن ان نجري معه حواراً لنعرف من خلاله على جيلنا.

مفردات شرقية

*ماذا عن بداياتك الشعرية وتطورك على هذا المسار، واهم منجزاتك الشعرية وعما اذا كانت لك مجاميع شعرية مطبوعة؟

- تسألونني عن بداياتي الشعرية وتطوري على هذا المسار. فأقول مجيباً عن السؤال: ان سر شاعريتي يعود الى البيئة التي عشت وترعرعت فيها فقد ولدت في مساء الثامن من كانون الثاني 1920 وفتحت عيني منذ الصغر على الازدهار والاشجار والمياه الجارية في بساتيننا النضرة في الضاحية الشرقية لمدينة كويسنجق وفي حديقتنا المنزلية. وكذلك رأيت الكتب والدواوين الشعرية في مكتبة والدي حيث كان مولعاً بمطالعة الشعر والادب والتأريخ وكان يجيد اللغتين التركية والفارسية ولا سيما الثانية منهما، فقد كان استاذاً فيها وحافظاً لكثير من ملاحم شاهنامه للفردوسي الطوسي، يقرأ علينا بين فينة وفينة وبصوت مسموع اجمل المشاهد و(سياوحش و سوادبه) و (رستم وسهراب) و (منيجه وبيرن) .. فكنت انتشي عند سماع هذه الروائع وافكر فيها طويلاً وحتى داخل فراش النوم، مما نمى لدى ملكة النخيل والانسراح الفكري، وكنت اعتبر الشاعر نبياً وكان منتهى غايتي واربي ان اكون شاعراً في يوم من الايام.

كانت جدتي (ام والدي) شاعرة شعبية ولها تسعة اخوان جلهم شعراء وكان اشهرهم (امين آغا الملقب بـ (اختر)) فقد كان شاعراً مجيداً وملحنا بارعاً وموسيقياً، وكان والدهم الحاج بكر الحويزي، واسمه الشعري (قاصد)، رأس اعيان كويسنجق، شاعراً معروفاً.

ان الملكة الشعرية وان كانت لا تنتقل الى  الآخرين بالوراثة، الا ان للبيئات التي عشت فيها الدور المشجع لظهورها ونموها، كما لجمال الطبيعة ايضاً دور مشجع في ذلك، فكنت مولعاً منذ الصغر بجمال الطبيعة، وكنت متيماً بصباحات الربيع واماسي الخريف الذهبية.

تعلمت اللغة العربية عن طريق مطالعة كتب (الف ليلة وليلة) وجميع حلقات روايات تاريخ الاسلام الثماني عشرة لجرجي زيدان، كما طالعت كثيراً من الروايات البوليسية في حينه، وتلوت القرآن الكريم مراراً وتكراراً بإمعان واستعنت ببعض كتب التفسير لفهمه واستفدت كثيراً من بلاغته. وعن طريق تعلم العربية درست الشعر الجاهلي وشعر صدر الاسلام والعهدين الاموي والعباسي وبخاصة  شعر ابي الطيب المتنبي وابي تمام والبحتري واعجبت بشعر ابي العلاء المعري وبشجاعته النادرة.

قرأت اشعار محمود سامي البارودي واسماعيل صبري وشوقي وحافظ ابراهيم والزهراوي والرصافي والشعراء المعاصرين السياب وبلند الحيدري والبياتي وغيرهم، وهذا بالاضافة الى قراءة جميع الدواوين الشعرية لشعراء الكرد اعتباراً من بابا طاهر الهمداني وحتى شعرائنا المعاصرين.

واستفدت من اساطير العهد القديم ومزامير داود كما قرأت قصة الادب في العالم وفجر الاسلام وضحى الاسلام وظهر الاسلام لأحمد امين ونتفا من بعض الكتب الكلاسيكية القديمة والعديد من المؤلفات الادبية لإعلام الادب العالمي وعلى الاخص اعلام الادب الروسي: غوغول، بوشكين، ليرمنتوث، نور جنيف، تولستوي، دستويفسكي، جيخوف، كوكي وشولوخوف.

وكنت مولعاً بالكيت الرومانسية لجبران خليل جبران، ومعروف الرصافي ومصطفى لطفي المنفلوطي ولامارتين والشاعر علي محمود طه.

البدايات وندرة الاصوات الشعرية

* ولحت  عالم الشعر، والشعر الكردي اخذ لتوه يتحرر عن اساور القيود الشعرية التقليدية ويلج عالم التجديد، كيف كان مسارك الشعري في هذا المضمار وما هو اسلوبك ومدرستك الشعرية المفضلة التي تنتمي اليها شعرياً؟

- بدأت نظم الشعر في عام 1940 حيث كنت طالباً في متوسطة كويسنجق، وكانت لي علاقة بطلاب المساجد ولا سيما الشعراء منهم، وكذلك تعلمت الشيء الكثير من مجلة (كلاويثر) الكردية الثقافية الادبية التي صدرت دون انقطاع لمدة عشر سنوات تقريباً من كانون الاول 1939 وحتى آب 1949.

بدأت بنظم الشعر كما ذكرت في ربيع 1940 وكنت يومئذ وقبله بشهورر اشعر احياناً وحتى اثناء الحفلات والافراح بثقل هم غامض يستولي على كياني فكنت انعزل عن الناس وافراحهم، واشعر وكأن قلبي قطعة من الزبدة تذوب وتصعد الى عيني كي تتحول الى عبرات ساخنة لتنهر مدراراً.

في حالات كهذه كنت اتناول القلم واكتب على دفقات، ثلاثة او اربعة ابيات او اكثر دون اية معاناة وكان احداً يملي علي وانا اكتب ثم تتوقف الدفقة حيناً ومن جديد اكتب ابياتاً اخرى وهكذا ، ففي بعض الحالات كنت اكتب خلال ساعة واحدة او اقل او اكثر قطعة او قصيدة سلسة جميلة او اغنيةا واحياناً خلال ساعات عديدة او ايام او احياناً بفعل مشاهدة مشهد مؤلم او مفرح او بمجرد سماع قصيدة جميلة او اغنية واحياناً بفعل مشاهدة مشهد مؤلم او مفرح او بمجرد سماع قصيدة جميلة او اغنية عاطفية كنت انظم قصيدة او مقطوعة او نتفاً شعرية.

كنت في بعض الاماسي اتجول متنزهاً في بعض ضواحي كويسنجق في وادي البساتين امشي وجريان النهر وانا شارد الذهن سارح الفكر، واذا يخيل اليّ فجأة ان احداً يناديني بأعلى صوته، فالتفتُّ صوبه لأجيبه بنفس القوة واتوجه اليه، لكن لا احد كان هناك غير السكون.

كنت وما ازال احب قصائدي وكـأنها فلذات كبدي، غير انني لسوء حظي فجعت بفقدان هذه الفلذات ثلاث مرات متتاليات. فخلال سنوات 1940 - 1944 وفقت  في نظم (70) قصيدة ورباعية ونتفة شعرية وعدد من الاناشيد والاغاني كلها مكتوبة بعناية في دفتر ذي غلاف مقوى وطلب مني رفيقي الاديب محمد توفيق وردي الخالد الذكر ان يحتفظ بالدفتر فترة  كي يستل منه بعض القصائد المناسبة كي يطبعها مع عدد من قصائده وقصائد الشعراء المعاصرين، فبقي الدفتر عنده ورجعت الى الجفرية حيث كنت جنديا  منذ 28 شباط 1943.

في خريف 1945 التحق محمد توفيق وردي بحركة (كومه له) في مهابا دواخذ الدفتر  معه، وفي اعقاب سقوط الجمهورية الديمقراطية الكردستانية في 17 / 12/ 1946 فقد الدفتر منه.

وفي الاعوام (1946 - 1949) اي بعد عودتي من الجندية وحتى قبل سجني في 20 / 1 / 1949 نظمت اكثر  من 120 قصيدة ومقطوعة في دفترين كبيرين، وبعد عودتي من السجن في حزيران 1952 لم أعثر إلا على دفتر واحد أي ضاع هذه المرة نصف ما نضمته خلال أربع، وحتى 1963 تمكنت من اتمام ديوان شعري مكون من 150 قصيدة ونتفة ورباعية مكتوبة بالحبر الاسود وبخط اخي الصحفي كريم شاره زا، الا ان انقلابي شباط الاسود احرقا مكتبتي التي كانت تضم الديوان واكثر من اربعين قصيدة سبق ان ترجمتها من ادب الشرق والغرب ترجمات شعرية ونثرية مع مجموعة نفيسة من الكتب الادبية والنقدية والمقارنة ودفاتر ومخطوطات عديدة مما اصابني بنكسة اليمة وخيبة امل مريرة.

كنت انظم في البداية الاشعار العاطفية وعلى منوال الشعراء الكلاسيكيين الكرد ثم اتجهت نحو المدرسة الرومانسية والواقعية الانتقادية في الشعر دون ان اترك الرومانسية.

وهذه هي نتاجاتي المطبوعة وكلها باللغة الكردية الا الاخيرة منها فهي باللغة العربية:

1- الحان السلم والحرية (مطبعة دار السلام ببغداد - 1958).

2- الكفاح والحياة (مطبعة دار السلام ببغداد - 1960)

3- الكنز، وهي ترجمة لأشعار بابا طاهر الهمداني من اللهجة اللرية الى الكرمانجية الجنوبية (بغداد مطبعة الوفاء 1960) (الطبعة الاولى).

4- فلاد يمير ابليج لينين، شعر ماياكوفسكي، مترجم، (دار الرواد، بغداد 1978).

5- ذكريات ايام حياتي، الجزء الاول ، (ستوكهولم 1991).

6- ديوان دلزار (ستوكهولم 1992).

7- ذكريات ايام حياتي، الجزء الثاني (ستوكهولم 1994).

8- ملحق ذكريات ايام حياتي، الجزآن الاول والثاني (اربيل، 1998).

9- ذكريات ايام حياتي، الجزء الثالث (اربيل 2002).

10- لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي (بالعربية، من منشورات طريق الشعب).

* الساحة الشعرية الراهنة، كما نعلم، يصول فيها ويجول الذين يدعون الانتماء الى مدرسة الشعر الحر او الحديث، ما هو رأيك في الوضع الشعري الكردي الراهن، وكيف تقوم القائمين على امره في كردستان اليوم؟

- في هذه الساحة من كردستاننا الجنوبية عدد من الشعراء البارزين ولكنهم لا يتجاوزون اصابع اليدين. اما العشرات الذين يصولون ويجولون في الساحة الشعرية بوصفهم ابطال الشعر الحديث الحر جداً، فليسوا الا ادعياء لا تربطهم بالشعر الحقيقي رابطة.

ان رسالة المشاعر هي منح الناس الرؤية لا الهذيان وتسفيط الكلمات الغريبة. يقول الاديب حنا مينة: في المطلق الشعر وسيلة تعبيرية ذات وظيفة جماليته ودلالة اجتماعية وصار للشعر طموحه الانساني الى الجمال والكمال في التناسق، ولم يعد الشاعر انساناً يتلقى الوحى من شيطانه، ولا مجرد مجنون يهذي بأبيات هي من احلام اليقظة واستقر الآن في الاذهان ان للشعر قضيته وغاية.

تفاؤل بالمستقبل السياسي

* كيف تنظر الى الوضع السياسي في العراق عامة وفي كردستان بخاصة، وهل انت متفائل من تطور الوضع السياسي في كردستان، وحصولها في المستقبل القريب على فدرالية سياسية قومية جغرافية من خلال آلية تعيد الحق الى نصابه في المناطق الكردستانية غير المضمومة الى المساحة الكردستانية غير المضمونة الى المساحة الكردستانية الحالية؟

- اني متفائل كل التفاؤل من تطور الوضع السياسي في العراق عموماً وفي كردستاننا الجنوبية خصوصاً وبحصولها على فيدرالية سياسية قومية وجغرافية.


الفكر التحرري عبر التأريخ ملف عدد تشرين الثاني من مجلة مغزين ليترير الفرنسية

التحررية الفردية هي رفض لتحمل المسؤولية الأجتماعية والتواصل الأجتماعي وبشكل أكثر تحديدا رفض لسلطة الدولة والمجتمع،  وقد صدر من المجلة عدد سابق يتناول ملفه الكسل بهذا المعنى، وللطرافة نذكر أن كتابا صدر مؤخرا بعنوان (صباح الخير أيها الكسل) من تأليف كورين ماير تدعو فيه المؤلفة وترشد المستخدمين إلى كيفية الإهمال في عملهم ، بيعت من هذا الكتاب 120000 نسخة لحد الآن،

ولكن المؤلفة أستلمت أنذارا بالطرد من مدير المؤسسة التي تعمل فيها وتبليغا بدعوى قضائية ضدها . كسل كورين يبدو خجولا أذا قارناه بكسل الشاعر الصيني القديم هسي كانغ الذي كان يرفض كل عمل وكل سلطة. هذا (الحكيم ) كان يتمرغ في كسل سرمدي ويبقى مع سبق الأصرار قذرا لايغتسل وجامدا لايتحرك وجاهلا بما يدور حوله . مثال نادر على الأنشقاق عن المجتمع يأتينا من الصين القديمة. لكن التحرريون وهم نسخة أكثر تطورا يضمون بين صفوفهم تأمليون من النوع الأبيقوري بقدر مافيهم من القتلة. من جيل اللافعل الى جيل حب التدمير الذي ألهب خيال الفوضويون الروس. كل يرفض السلطة على طريقته. بعضهم يحمل راية سوداء وسلاحا وبعضهم مثل ديوجين يجلس في الشمس حتى يتيبس جلده ويطرد عنه أصحاب السلطان بصلافة هادئة. توجد ألف حيلة وحيلة لمقاومة السلطة كما فعل عامة العراقيين في عهد صدام حسين دون أن يقرأوا كتاب كورين أو يتشرفوا بمعرفة ديوجين ، نوع من ثقافة الرفض الخامل التي أستحكمت وتمثلت اليوم في السلبية أزاء أحداث بمنتهى الخطورة ويبدو أن التخلص منها دونه خرط القتاد.

التحرريون بأرقى طبقاتهم يرفضون كل سلطة لكي بالنتيجة يحكمون أنفسهم ويكونون سادة رغباتهم. الفكر التحرري كما كتب ميشيل أونفري في الأفتتاحية يجعل (بناء الذات المستقلة هو الخصوصية الأسمى)

هذا الملف يبين لنا عبر تحليل نقدي للسلطة سواء كانت سياسية أم دينية أم اقتصادية أن محور هذا الفكر تحرير الفرد من كل قهر ، وهذا في الواقع برنامج أنساني واسع يختزل غالبا بالقضية الفوضوية. تحدي الأسياد الذين يغيرون وجوههم عبر التأريخ. لم يعد التحرريون اليوم يناضلون ضد الدولة الأمبريالية ولكن ضد مجتمع مسيطر عليه، عالمي، وأوان الثورة لايمكن الألتقاء به .

منذ أقدم العصور والفلاسفة سلالتان  متعارضتان، السلالة التي ترفض ممارسة السلطة بكل أشكالها والسلالة التي تحاول التوفيق بين مثلها وبين السلطة ، وهذا الفراق الفلسفي في أقدم نماذجه نجده في شخصيتي أفلاطون وديوجين، ديوجين لايحب أفلاطون، والكره المتبادل بينهما فلسفيا له دلالة أبدية فهما يقفان كل في خندق آيديولوجي وميتافيزيقي غاية في البعد عن خندق الآخر. ديوجين صاحب الكلب يحب الحياة والسعادة والواقعي والضحك والحرية والأستقلال والفردية بينما صاحب الجمهورية ورجل الأفكار فمولع بالتفكير في الموت والزهد والعوالم الخلفية والرق ويفضل الأقلال من النزعة الفردية. مثل أفلاطون وديوجين تأريخيا طريقتين في فهم السلطة وفي تقييمها وفي أستخدامها . ديوجين لايطيق حتى ظل السلطة، ويوجد في المأثور عنه حكاية تلخص موقفه مفادها أن الأسكندر رمز السلطة المطلقة أمره أن يتمنى أمنية ليحققها له فأجابه ديوجين (أتمنى أن تتنحى عني جانبا لأنك تحجب عني دفء الشمس).

الملف يتضمن العديد من المواد: من مكان لآخر خلف المتاريس، شومسكي سوبر ستار، نظام ضد نظام، بنوة برودون، برنامج الفوضوية النقابية الأسبانية، هوى التدمير الروسي، المعجم الفوضوي الصغير، فنانون في المقاومة، مجال الاستقلال مؤقت، ليبرالي أم فوضوي، من هم الفوضويون، تصرف محليا وفكر محليا، غنى الفقر، هجوم على الإمبراطورية.


مهرجان القاهرة الموسيقي والتأثيرات السياسية

أحمد مختار

أنطلق خلال الأيام الماضية مهرجان القاهرة للموسيقى العربية، المهرجان الذي سوف تبقى عيون العرب تنظر اليه بتقدير عالٍ وذلك لمكانة القاهرة.. صر الموسيقية عبر التاريخ وخصوصا في القرن الاخير بعد أن انجبت لنا عمالقة الموسيقى العربية، وتذوق. المتفرد للموسيقى والغناء و الثقافة بشكلا عام.

ولابد للمراقب ان يرى ان في ظل التطور الحضاري للدول المتقدمة ان الشروط والحدود السياسية قد انتفت في تقيم الفنان واصبح الاعتماد على عمق الأنتاج الموسيقي والموهبة والابداع فقط، وهنالك نظام شركات موسيقية تولي اهتماماً لذوق المتلقي والمستمع ولا تفرض عليه عناصرها، صحيح ان الشركات الموسيقية تعتمد الربح والخسارة وتحاول خلق شعبية للفنان، ولكن على ان تتوفر مواصفات فنية ابداعية تساعد على ذلك ومن دون اللجوء الى تغيب الاخر، وعلى ان تتحقق تلك الموصفات بصدق وليس بزيف الادعاءات أو في المتاجرة بقضايا الشعوب.

لكن يترى هل سيتخلص مهرجان القاهرة الذي يُعد أقدم مهرجان للموسيقى العربية في التاريخ الحديث، هل سيتخلص من التأثيرات السياسية؟ وعبر خطوة هذا المهرجان ،هل ستنجح الموسيقى العربية بشكل عام في التخلص من الولاءات السياسية التي تتحكم بعلاقات اغلب مهرجاناتها؟ هل سيعتمد المهرجان في الترشيح ويبادر لدعوة الفنان بناءً على انتاجه الفني الموسيقي الموجود على الواقع اسوتا بالمهرجانات العالمية؟ حيث ضل هذا المهرجان يعتمد ترشيحات حكومية سياسية في الكثير من دعواته ولنا في العراق مثالاً، حيث أعتمد المهرجان ترشيح الفنانين من قبل وزارة الاعلام العراقية في عهد النظام السابق و هذة الوزارة قدمت كل من خدم النظام بغض النظر عن المستوى الفني، لذا غُيبت اسماء وحجبت نتاجات موسيقية في غاية الاهمية بسبب ذلك، ولا غرابة حين نسمع ان أحد الموسيقين العرب يفوز بجائزة من المهرجان لمجرد عزفه مؤلفات موسيقية عراقية، اما مؤلفها العراقي، وهو اسم بارز في عالم الموسيقى عزفا وتاليفاً، لم توجه له الدعوة ولم يغادرة العراق الى اي مهرجان. ولا نجد غرابة ايضاً في ان اسم بارز في الوسط الموسيقي وعميد معهد الدراسات الموسيقية العراقي سابقاً يعاني من الاهمال والتغيب الاعلامي العراقي والعربي، بينما الاقل منه قدرة وموهبة يلقى الدعم المطلق خارج العراق وداخله وتقدمه ادارة المهرجان ودار الاوبرا على أنه ممثلاً للموسيقى العراقية وتتبناه بناء على ترشيح الوزارة المذكورة. اما اهم مطرب مقام عراقي فقد غيبته الصحافة الموالية في الخارج والداخل ولم تعترف به المهرجانات لانه ترك النظام وهرب، أما انصاف المواهب فقد احتلت مكانته. وهنالك شواهد وأمثلة كثير على تغيب موسيقيين ومطربين ومثقفين عراقيين لم يرشحهم النظام ولم تقبلهم المهرجانات ومازالوا يعيشون في داخل العراق ولم يغادروا الوطن.

وبمجرد عودة الى احداث التسعينيات نجد ان مرشحي وزارة الاعلام النظام السابق قد دخلوا عالم الموسيقى المصرية من أوسع ابوابه بعد عام 1996 و هذا العام شهد تطوراً ملحوظاً بالعلاقات السياسية بين مصر و العراق. وشهد حركة تجارية كبيرة.

أما بعد سقوط النظام وفي الاشهر المنصرمة ،لاحظنا تخلي دار الاوبرا المصرية التدريجي عن دعم الاسماء القديمة التي عتدنا على سماعها، ولكن تحت تأثير المتغيرات السياسية الجديدة،التي لعبت دورا جديداً هذه المرة.

فهل يا ترى ستعتمد أدارة المهرجان في المستقبل القريب مرشحي الحكومة العراقية في العراق الجديد او قوى التحالف في العراق؟ ام انها ستبقي على نفس اسماء الحرس القديم تبعا لسياسة المد و الجزر المصرية مع الحكومة العراقية المؤقتة؟

نحن نطمح لرؤية المستوى الحقيقي للموسيقى العربية التي لا تمثل سوى الفن والجمال والابداع، وان نطلق العنان لحرية الفنان في التعبير والانتاج، وهذه أحد ركائز التطور و الابداع التي سترتقي بموسيقانا وتنهض بها من هذا التدهور وخصوصا انها تملك بناء وعناصر موسيقية وتراث عميق أستفاد من مكوناته الاخرون قبلنا، ولا نرغب باي موسيقي يرشحه سياسي ليمثل العراق، هكذا اسوتاً بالدول المتقدمة، في ضل عراق ثقافي موسيقي لا تحكمه سوة شروط الأبداع ويخلو من الادعاء والكذب.


ولادة نص أوجاع المخاض - أفراح البلوغ (صراخ في الصمت الأخرس)... أنموذجاً (2-3)

5 -  اليوم إذ أعود إليها، بعد ما قرات وشاهدت... كل ما تسنى لي من كتابات بيكيت ويونسكو واربال وشحادة و ألبي وجينيه وووو الى اخر من يندرج، او اعتاد النقاد  درجه، تحت اسم اللا معقول او العبث او الطليعية أو... او... أو.. أحس بقرب محاولتي الى نفسي وإنها مظلومة.. فاشعر بحب خاص لها بين جوانحي.. ينمو.. ويكبر و لا أرى اي مبرر لرقادها الطويل، موؤودة.شبه مخنوقة  بين طيات أكداس الاوراق القديمة والجديدة... والاتربة التاريخية والمعاصرة، اعني اليومية المتجددة والمضافة اليها كل يوم. فقد يكون بوسعها الوقوف على قدميها، بلا عكازات ولا مساند... وقد تتمكن، تلقائيا، من تنفس هواء العصر،كأي كائن حي.  ثم لابد لي بعد كل شيء او قبل كل شيء، من ان اقر واعترف بحقها المشروع في الحياة وعرض نفسها امام الاخرين بكل حرية واستقلالية، ومن نافلة القول، القول، ان للآخرين، الحق كل الحق، في تأسيس العلاقة التي يرتأون معها. سلبا او ايجابا. وايضا... بالحرية كلها والاستقلالية الكاملة

6-  قد تكون " صراخ الصمت الأخرس " ابتداء من عنوانها - ذي الكلمات الثلاث، وما  فيها من تناقض واضح...الصراخ / الصمت، او ترادف، اعني توافق الصمت / الأخرس... ثم خلوها التام من عنصرين من عناصر الكلام... الفعل... والحرف، ومن نقص - بالمعنى اللغوي والنحوي -ضمن السياقات المالوفة، حيث لابد للمبتدأ من خبر.  وهنا لا خبر وانما فقط مبتدأ مضاف ثم مضاف إليه.. ونعت يحتمل وجهين ان يكون للمضاف إليه، حيث كلاهما معرف ب( أل).. الصمت / الأخرس.. مثلما يمكن ان يكون للمبتدأ... المعرف هو  الأخر، اذ اكتسب التعريف من اضافته الى معرف.. مما يمكن التصرف به توضيحا على النحو الآتي:  الصراخ الأخرس... وفي كل الأحوال يبقى التناقض قائما... ويبقى المبتدأ بلا خبر ويبقى العنوان مع إغفال ما فيه من غرابة، ناقصا من وجهة نظر النحاة، في الأقل - أقول انها ابتداء من العنوان، حتى آخر سطر فيها.. من أكثر كتاباتي، ان لم تكن اكثرها بالفعل، انفلاتا من الوعي المبرمج الموجه. وتمردا على ضوابطه ومستلزماته وأغلاله.. الظاهرة والخفية  او المخفية. ومن سياقات اللغة المعتادة والمألوفة... لا بمعنى الإخلال بقواعد اللغة الأساسية، وانما بمعنى استولادها، ان صح التعبير، والاجتهاد في اشتقاقات جديدة لبعض المفردات او نحت بعضها من البعض او الوصول الى تركيبات مما قد لا يستسيغ الكثيرون تركيبها.  بيد إنها هنا تحاول ان تكون لغة الشخصيتين الرئيسيتين وليست لغة الكاتب وما تقتضيه هذه اللغة مما يمكن ان تسميها بالغرابة او اللامطروقة على نطاق واسع او ضيق في الاقل.

على الرغم من ذلك، وربما بسبب ذلك، قد جاءت من اشد كتاباتي تعبيراً عن الوعي وقدرة او مكراً في اخفاء هذا الوعي و الاعلان عنه في الوقت نفسه بين سطورها وكلماتها ايضاً.. وكل ذلك تحت ((كم )) هائل من الثرثرة التي تبدو ان لا طائل تحتها ولا قصد ولا هدف ولا مرمى. ففيها وفي كتابات اخرى لا يزال معظمها موؤداً غير معروض ولا منشور.. تركت القلم يجرى فوق الورق.بنقش، يخط، يحفر بمعنى اشمل يتنفس على سجيته وفي عفوية تامة لا مؤطرة ولا محددة.. وتركت نفسي ((روحي وعقلي)) بكل ما تزخر به من عواطف ومشاعر واحاسيس واحلام ومن خزين معرفي وأخلاقي، قل أو كثر، ومن معايشة عملية وفكرية و وجدانية للواقع، ومعاناة يومية وعذابات تلهث خلفه (القلم) يقودها الى حيث يشاء هو لا حيث تشاء هي الى عوالم ودنى وفضاءات وتضاريس وخرائط وقارات لا اعرف عنها شيئاً قبل الاقتراب منها ومن ثم دخولها واكتشافها والتعرف على اجوائها امراً واضحاً او حقيقياً، او يقينياً في رحلة شاقة.. مؤلمة موجعة ولكن في الان نفسه سعيدة ولذيذة.. وذات متعة خاصة - خاصة جداً لم اعش مثلها قط ولم أذق طعماً شهياً لشيء بهذه النكهة التي لا تزال في الحلق، بالرغم من قصر فترتها، قياساً إلى كتابات أخرى ابتلع زمن الاشتغال عليها والفراغ منها، او ما يشبه او يقرب من الفراغ منها ــ  فلم يحدث ان اعتبرت نفسي قد فرغت من عمل، أي عمل،حتى ذلك الذي نشر في كتاب او عرض على مسرح.  اذ تجرفني الرغبة في  ان اكتبه مجدداً، لو أستطيع (ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه) - سنوات و سنوات دون قطرة واحدة من المبالغة بينما لم تستغرق رحلتي في (صراخ) ومجاهله سوى ثلاثة ايام.. اجل ثلاثة ايام فقط، لكن بمعدل ست او سبع ساعات، واحياناً عشر ساعات من الليل والنهار، ومن النهار و الليل - ومن اللهاث و الجري و النشاط  المحموم والعمل المتواصل وغير المقطوع الا لضرورات اقوى من الجسد المنهمك على التحمل و الاستمرار... وكانت الحصيلة عشرات الصفحات من الحجم الكبير.. وعشرات الآلاف من الكلمات... و.. شخصين فقط... كلاهما بلا اسم... ولا تاريخ ولا هوية، لا يعرف لهما ماض، ولا يبدو ان لهما مستقبلاً... وربما لهما كل أولئك واكثر... مما قد يتوصل إليها القارئ أو المشاهد - كما آمل - اذ يشحذان خيالهما ويحلقان به إلى ما وراء الكلمة وما وراء المنظر فيدخلان تخوم الخلق المشترك، ويتحملان السباحة في بحر العذاب الواحد، ولا يكتفيان، بالتلقي حسب، عبر المعاينة فقط او ألمشاهدة دون التأمل.. والنفاذ الى ما بعد الصورة.

لم اطلق عليهما (على الشخصين  الرئيسين في العمل) أي اسم.. خلافاً لكثير من كتاب المسرح او القصة او الرواية.. وخلافاً لكثر من كتاباتي الشخصية على هذه الصعد ايضاً... فقد اكتفيت بان أطلقت عليهما، اسمين  رقميين او بالاحرى صفتين رقميتين - هل انا من فعل ذلك.. ام هما اختارا ذلك.. واطلقا على نفسيهما ذينك الاسمين... ام تينك الصفتين ؟ ( الأول والثاني ) ؟ يتحاوران... يثرثران احياناً بصورة متبادلة وأحيانا - بصورة متقطعة.. من جانب واحد - كل من جانبه حسب... ومع نفسه فقط، حوار البكم و الصم - مع انهما ليسا أبكمين و لا أصمين - يعانيان - يتعذبان، يفرحان.. ييأسان.. يتفاءلان.. يتخاصمان... يتصالحان... يغضبان...  يهدآن. يتباغضان يتحابان.. يتعانقان.. يتفارقان.. يتماسكان، من بعضهما يتنافران، باختصار يمثلان او يتقمصان.  او بالاحرى.. تتقمصهما.. وتتلبسهما مئات الحالات والمواقف المتباينة المختلفة وتنتابهما عشرات المئات من الافكار المتآلفة والمتناقضة، والحالات النفسية والواقعية المتطابقة والمتقاطعة.. دون ان يعرف أي منهما.  لأي من تلك الحالات او الأفكار.. او الأوضاع.. سبباً.. او يفكر بايجاد سبب ما لها... ودون ان يتعمد او يسعى بقصدية, الوصول اليها وتحقيقها مع صاحبه. او صديقه الحميم حيناً.. وعدوه اللدود حيناً اخر... ومن غير ان يعرف ايضاً دافعاً للصداقة المتحققة بينهما الى الحد الذي يحمل كليهما على البكاء اذ يفكر احدهما بفراق الاخر..دون ان يعرف أي منهما موجباً للعداوة التي تجثم بكل ثقلها بينهما.. الى حد.. الضرب بالركلات او او بالصفعات.. والتهديد بالفراق الابدي..

والحالة نفسها تنبطق على القارئ.. و المشاهد.. بل على الكاتب ايضاً دون ان اعدو الحقيقة.. واذا كانوا كلهم، قد  يعرفون سبباً او بضعة اسباب، لبعض تلك ( الحالات ) فانهم بلا استثناء  ولكن بتفاوت ما فيما بينهم.. يجهلون.. او لايعرفون تحديدها.. او التنبؤ بها.. او التكهن  بمسارها.. ويعجزون عن التخمين حتى التخمين.. بما ستؤول إليه الأحداث ( هل ثمة احداث  أسرع فأقول اجل.. ثمة احداث.. مئات الاحداث. والحوادث... و المواقف التي يمكن ان يستثمرها المخرج النابه لصالح الدرامية بصورة جازمة... وذلك ما يجعل القارئ و المشاهد و الكاتب نفسه في شوق لتتبع ما سوف... يحدث. والشوق لاكتشاف كل ما لا يزال مجهولاً.. عنده.. وفتح كل ما لا يزال مغلقاً امامه.. وبذلك يتحقق التلقي الايجابي، الفاعل، المساهم.. بل المشترك في الخلق.. و في حالة خاصة من استيقاظ الوعي واستحضاره بكل تأريخيته.. ومخزوناته المعرفية والجمالية.. وشحذ الخيال.. الى ابعد مدى الى حد التحليق.. فوق المألوف، وعبره، لاكتشاف غير المالوف.. في شوق ملتهب متأجج - ولكن دون ان يحرق العقل او يعطل الوعي.

 

7-  الأول والثاني.. كما ذكرت.. ليسا شخصيتين بالمعنى المألوف لبناء الشخصية الدرامية وقد لا يكونان كذلك  بأي معنى من المعاني لا الارسطوطاليسية ولا البريختية.. لا الكلاسيكية  ولا المعاصرة، لا الطليعية  ولا الحداثوية.. و لا المستقبلية وقد.. يكونان كذلك على وفق معنى من المعاني المذكورة ! او بمعنى.. اخر.. من المعاني التي لم يرد ذكرها فيما سبق، ولكن أي معنى هو ؟ اين هو ؟ ما حدوده ؟ ما منهجه ؟ ما اصوله ؟ ما افاقه ؟ ما.. ؟ ما.. ؟ اعترف باني لا أدرى.. لأني بمنتهى البساطة والبراءة. لا اعرفه..  و لا أستطيع تحديده. او في الأقل.. لا أستطيع ذلك ألان ، وامتلك الجرآة، بان أعلن باني عاجز عجزاً تاماً، عن ذلك واني قد أعرفه و استطيع الحديث عنه، ذات يوم، وقد لا اعرف و لا أستطيع ما حييت، واني لست فخوراً بذلك.. ناهيك عن كوني متاسفاً عليه.

وكذلك لم احفل، أو بالاحرى لم يحفل العمل نفسه، بمقدار الاقتراب أو الابتعاد عن البناء الأصولي.. للأجناس الأدبية. مثلما لم يفكر ولم يخطط للدخول في، او الخروج عن، القانون الأساسي، او القوانين الأساسية، للأعمال الإبداعية، التي تتمثل فيها بهذا القدر او ذاك، المسرحية الرواية. القصة القصيرة، اللوحة. الموسيقى. وحتى المقالة والبحث والدراسة.. و.. و.. سواها.. مثل : العرض.  الصراع . الحبكة. الذروة.. وشروط طاليس، وغيره، في ضرورة توافر الوحدات الثلاث، وحدة الزمان. و المكان. والموضوع.. وحتى مدة العرض.. والى أخر ما يشترطون وجودها مما يرون من الأساسيات  والضرورات" التي تؤدي الى تحقيق الدرامية " الدرامية الشعرية، بوجه خاص. باعتبارها العمود الفقري لكل منجز فني إبداعي.. والتي أسعى إلى الوصول إليها وتحقيقها، في كل من أعمالي، طبعاً، بتلقائية و عفوية.. ومن غير التزامية صارمة  او قدسية. إذ لا قدسية في العمل الإبداعي، لغير.. الإبداع  و "كم "  الإبداع - إن صح التعبير - وتمكين العمل. على خلق وابتكار  قوانينه الخاصة من داخله.. على وفق جدليته الذاتية و الموضوعية.

لا أقول  باني لم احفل، بكل ذلك، او ببعضها، بقدر ما من التفاوت في الاهتمام، لأني ارفضها ولا أؤمن بها فأتعمد إهمالها...

لا..ابدا. إنما لان العمل ( عملي هذا تحديدا ) قد جاء هكذا، خاليا منها كليا او جزئيا. او حاويا عليها كلها، او على بعضها.. وبدرجات متباينة.. واني لم افرض عليها شيئا أي شيء.

إذن ليحسبا علي ما يحسبان، على ما يمكن ان يحسبهما ) ا لقارئ، يدغدغني أمل ضعيف أن أضيف و المشاهد ايضاً، والدغدغة، الحق اقول، قوية على عكس الامل نفسه.. ولا استطيع ان أتكهن إلى أين يمكن أن يؤدى..

لم استرسل في ذكر تفاصيل كثيرة عن الشخصيين ( الاول و الثاني) فيما يتعلق بالطول او،العمر، او الملامح، او الصفات.. او الملابس او.. او.. او.. ما عدا كون احدهما مقطوع الذراعين وكون الاخر سليماً.. من الناحية البدنية.. تركت كل تلك التفاصيل لفعل الخيال و ابداعه وقوته.. وقدرته  على التحليق في فضاءات التصور و الخلق.. خيال القارئ.. وايضاً خيال المخرج.. ان تهيأ لهذا العمل الغريب، من بين اعمالي ان يظهر مخرج.. قد يغامر ويقدم على تجسيده.. فوق خشبة المسرح.. او فوق بقعة من الارض.. وايضاً خيال  الممثل - سيد العمل - امام الجمهور وخيال فنان الديكور ومصمم ألأزياء.. والسينوغرافيا.. والموسيقى و.. و..  و.. ان كان ثمة ضرورة فنية لهولاء الاخرين.

يتوجب علي اقول لهذا السيد، اعني المخرج / المغامر، إن كان موجوداً او يمكن ان يوجد ذات يوم ( وقد وجد فعلاً في شخص المخرج الكبير الفنان عوني كرومي ) اني افضل ان ارى الاول و الثاني فقط فوق الخشبة، اما العامل و السيد و السيدة، وكذلك المخبز و الشجرة والسيارة و العمود.. فاني افضل... تركهم خارج الخشبة، وان يعمل الممثلان على تجسيد كامل أولئك وتحقيق حضورهم فوق المسرح بقوة الاداء، وتكثيف هذا الحضور على نحو حي، متفاعل، معبر، لامعهم حسب،وإنما مع الجمهور ايضاً وبالقوة نفسها، عبر طاقتهما الإبداعية... الا اذا كانت للصديق المخرج المغامر، الذي قد يتصدى للعمل... رؤية اخرى.. تخدم العمل على نحو افضل... واجمل... وابدع... وتمنح عمله الفني.. اذ سيصبح عمله، قيمة جمالية اكبر.. وذائقه اطيب.

 

8- ما الذي اردت ان اقول في هذا العمل ؟ او في هذه الكلمات / الثرثارة.. التي تدفقت من قلمي وسالت على هذه الصفحات. مثل ثرثرة ( الاول والثاني ) التي تبدو غير مطهرة من جراثيم العدوى، تماما ؟.

لا ادري صدقوني لا ادري !! ربما اردت أن أقول اشياء كثيرة ومهمة... ولكني فشلت وربما لم أرد أن أقول شيئاً... ونجحت.. ربما يكون بوسع المخرج / المغامر او المغامر / المخرج ، ان يقول خلال العمل، الذي سيصبح عمله هو، وعلى ضوء هذه الكلمات / الثرثارة، او بدونها... اشياء اهم و اعمق و.. وينجح او لايقول هو الاخر.. شيئاً ذا قيمة.. ويفشل.

    قلت ذات مرة، ان فضليه العمل الفني، أي عمل، تكمن في قدرته الذاتية على التعبير عن نفسه بنفسه، بوسائله الخاصة، النابعة منه، او المستنبطة من موحياته و الهاماته، والكاتب، يقول كل مايريد قوله، او جل ما يريد، زمن كتابة العمل، في العمل نفسه واذا فشل ( العمل ) في التعبير عن نفسه بنفسه.. أعنى بمكنوناته الداخلية، وتوجيه خطابه الفني و الجمالي بلسانه فكل ما سوف يقوله الكاتب عن عمله من خارج العمل، لا يعدو ضرباً من العبث ومجموعة عكازات هشة مرضوضة، عاجزة عن وقف العمل على قدميه ناهيك عن حمله و السير به... الى قلب القارئ و المشاهد... وعقلهما.

  ( ولكن ماهو هذا العمل ؟   )

    اهو مسرحية ؟ رواية ؟ حوارية ؟ قصة ؟ مجموعة قصص متداخلة متشابكة مع بعضها البعض، سيل او سيول من افكار ومشاعر واحاسيس مندلقة بلا ضوابط.. وبلا حتى ضابط او كابح واحد ؟ ام...ام...ام...؟ ؟؟

   لم احفل ومازلت غير حافل كثيراً، بالتسميات... ! لتحسب، على ما  يمكن أن تحسب، حالها حال بطليها ( أهما بطلان حقاً ؟ ) على كل ما ذكرت، او على البعض منها.. او لاتحسب على أي منها، وليحسبها من يريد ان يتعامل معها قراءة، او مشاهدة.. على مايشاء او على لاشيء اطلاقاً، سيان، ولكن في كل الاحوال وبقدر تعلق الامر بي شخصياً لا استطيع ان انكر... بان شعوراً عميقاً عارماً بالفرح اكاد اقول الزهو - قد شملني ممزوجاً بقدر كبير من راحة جسدية ونفسية، حال فراغي من وضع اخر نقطة فيه.. الا اني وبالرغم من كل ذلك الحب والاهتمام به والانشداد الشخصي اليه، قد ركنته جانباً كما ذكرت - لإحساسي باليأس التام من إمكانية إظهاره على الناس، تحت أي شكل من أشكال (الاتصال الجماهيري ) كما يقال.. اعني ككتاب.. او نشره في مجلة.. ناهيك عن تجسيده على المسرح.

 حتى - كان عام ( 1984).


بورخس في بيته

ماريو فارغاس ليوسا

ترجمة/ جودت جالي

مقدمة

ماريو فارغاس ليوسا كما هو معروف كاتب أسباني من بيرو أصلا ولد عام 1936 وهو أحد عظماء الأدب الأمريكي اللاتيني كتب العديد من الروايات مثل (المدينة والكلاب) و(الفردوس أبعد قليلا). وهنا نقدم مقتطفات من كتاب له جمعت فيه ست دراسات كتبت بين عامي 1964 و2003 عنوانه(نصف قرن مع بورخس) صدر في شهر تشرين الثاني هذا العام.

كان يسكن شقة تضم غرفتي نوم في وسط بوينس آيريس مع قطته بيبو ( بأسم قطة لورد بايرون). غرفة والدته التي توفيت منذ سنوات عديدة حافظ عليها كما هي وكان يوجد على الفراش ثوب ليلكي مبسوط كأن والدته ستأتي لتلبسه في أية لحظة. حين يسأل أي شخص كان له أبلغ الأثر في حياته يذكرها أولا. الشقة لا تضم الكثير من الأثاث والجدران قد حال لونها، وغرفته تشبه الزنزانة، صغيرة وضيقة، وفيها سرير أشبه بأسرة الصبيان لصغره، هنالك كتب وتمثال صغير لنمر من السيراميك، حيوان بورخس المفضل في أدبه.لكن الكتب أيضا قليلة. خزانتا رفوف فقط في الزاوية التي تقع بين غرفة الجلوس وغرفة الطعام.. أدب، فلسفة، تأريخ، ديانات، كتب بعشر لغات ولكنك ستبحث عبثا بين هذه المجلدات عن كتاب لبورخس أو عنه، ومع أني أعرف الجواب سلفا سألته ذات مرة لماذا أستثنى كتبه من مكتبته المنزلية فأجاب (ومن أكون أنا لأجاور شكسبير أو شوبنهاور ؟) أما من ناحية الكتب التي تتحدث عنها

فـ(الموضوع لايهمني) !! .     

يشاهده المرء دائما وهو يرتدي ملابسه بمنتهى الكمال والأناقة حتى ليكاد يجزم أنه يرتدي بذلته وربطة عنقه وهو جالس في بيته لاينوي الخروج منه. منذ أن فقد بصره يقرأ له شخص آخر مايريد، شقيقته نورا تقوم بهذا في أكثر الأحيان، أو أصدقاؤه حين يزورونه. كان في غاية الصبر مع زائريه وخصوصا مع العدد الهائل من الصحفيين الآتين من مختلف أنحاء العالم، يستقبلهم ويستعرض أمامهم بعضا من قدرته على التورية وسرعة البديهة الساخرة. مقابل (خدماته) هذه يطلب من أحدهم أن يقرأ له قصيدة من لوغونيس أو حكاية من كبلنغ. كلما ضعف بصره أكثر أزداد ولعا بأقتناء العصي من كل نوع وبلد حتى اجتمع له منها عدد كبير فريد التنوع. تواضعه وطيبته كانتا أسلوبا أدبيا أكثر منهما فضيلة، وكنت أحس به تحت لطف الشيوخ الذي يستقبلني به وهو يتلمس طريقه في شقته سفسطائيا مستقيما لم يصرعه الزمن. كان يدمدم مثلا وهو يسير أمامي (أنا متأكد من أن ترجمات نورمان توماس دي جيوفاني أفضل من الأصل، وهو واثق من ذلك أيضا). 

كان يعتبر عمل بابلو نيرودا قليل القيمة، ولكنه أخذ يمتدحه ممتنا له منذ أن فاز بجائزة نوبل وسأله الصحفيون في ستوكهولم الى من يمنح الجائزة لو كان الأمر بيده فأجاب (الى بورخس)، وبهذا الصدد سألته لماذا يبخل عليه الأكاديميون السويديون بجائزتهم؟ فقال (لأن هؤلاء السادة يشاطرونني رأيي في عملي). كان يدرك تماما أنه عبقري ولذلك كان ينتقي أجوبته بخبث العجائز الساخرات ويعرف أن أجوبته لن يكون لها أثر غير ما تبثه السخرية المرحة.

الحب بينه وبين السياسيين كان مفقودا (كيف يحب المرء أناسا يقضون حياتهم بعقد الاتفاقات و التراجع عنها ؟) وقد أثار زوبعة حين هاجم العسكر في بلاده الأرجنتين وأعطى الحق لشيلي في نزاعها معها على قناة بيغل ورأى أنه من الأفضل للعسكر أن ينسحبوا من الحكومة (فكيف يمكن لأنسان قضى حياته في ثكنة أن يحكم شعبا؟) ولكن الفضيحة الأكبر حين صرح بأنه (لم يسمع صفير رصاصة يطلقها العسكريون الأرجنتينيون!) مما دفع جنرالا الى أن يطلق رصاصة دحضا لهذا التصريح فما كان من بورخس ألا أن يقول

(أشهد أني قد سمعت صفيرها !).

لقد أوتي منزلة مهيبة بحيث يمكنه أن يقول ما يشاء ويسمع كلامه دون أن يقدم أحد على اعتقاله أو الحجر على رأيه أو يضع له قنبلة، وقد كان يحلو لي تعقيبا على آرائه أن أعبر له عن احترامي لنقده اللاذع الذي يصوب سهامه نحو الأفكار الوطنية من كل لون، ولكن هل كان يستمع الي ؟ يتملكني انطباع أنه لم يكن مهتما بما أقول ألا عرضا، وحين كان يتحدث لم يكن يوجه حديثه الى مستمع محدد، إلى أنسان من لحم ودم يجلس أمامه ولا يبدو له ألا كشبح من الأشباح أو ظل من الظلال، بل الى حضور مجرد ومضاعف، الحضور نفسه الذي يكتب له، والذي يبدو الى جانبه مجرد ذريعة بسيطة، مجددة ومغفلة الاسم، لمونولوج لا ينقطع، دائم البحث وجذاب الرنين، هو المحادثة.

هذا الخطاب الذي يصبح أحيانا دراميا فيتذبذب صوته ويعبس وجهه حين يبلغ الحديث الثيمات المشهورة مثل لغة الفايكنغ القديمة التي درسها أيضا، وساغا القرن الثالث عشر الشمالية التي يستطيع الأيسلنديون أن يقرأوها بلغتها الأصلية، وألاحظ نظرته التي يبللها الدمع حين يأتي على ذكر ريكيافيك (عاصمة وميناء آيسلندة الرئيس. مركز صيد السمك ومقر الصناعة. سكن الفايكنغ تلك المنطقة أواخر القرن التاسع وأصبحت عاصمة لآيسلندة عام 1918 - المترجم).

يتذكر بعاطفة جياشة أنه كان فوضويا دائما كما كان والده ولكنه الآن علاوة على هذا سلمي كغاندي وبرتراند رسل، ولطالما كان يشكك في أن تصبح بلاده فوضوية أو ديمقراطية ويتساءل هل نستحقها ؟!.بالنسبة أليه يوجد شيئان في الأرجنتين لصالحها هما اتساع قاعدة طبقتها الوسطى وكثرة المهاجرين إليها، ويوجد بلدان أحب التعرف عليهما هما الهند والصين. لم يكن يخاف الموت بل على العكس يمتثل الى فكرة أنه سيختفي ذات يوم تماما. اللا أدرية تجعل فكرة الموت أسهل قبولا، تجعل منظور العدم مقبولا أكثر خصوصا عند الإحساس بالضيق والإحباط.

هذه المنولوجات الساحرة تروح وتجيء ثم تروح وتجيء ضافرة في جيشان الثيمات موضوعا من مواضيعه، مثل النمر والمرآة، والذي يستخدمه بأصالة منقطعة النظير حتى ليبدو أنه ملكه  ومن مبتكراته ألا وهو.. المتاهة.. متاهة الحياة.

أن ادعاءه بأنه نشأ في حي سيئ في بالريمو مع صبيان أشرار على نواصي الشوارع مجرد اختلاق يحب أن يصدقه لأنه نشأ في مكتبة والده ونهل من الكتب الإنجليزية. قرأ كثيرا ولكنه لم يقرأ ألا القليل من الروايات. صحيح أنه بالغ في توبيخ الجنس الروائي (يبدو فعل وبخ مناسبا لأسلوب بورخس) وصحيح أن مؤلفيه المفضلين هم الشعراء، ولم ينج من مذبحته أحد من كتاب الروايات والمقالات غير قلة قليلة من بينها كونراد.

ماذا يكتب بورخس حقا ؟ قصيدة عن شاعر غامض من (نصف الكرة الجنوبي)، ويريدنا أن نصدق أن هذا الشاعر الغامض هو بورخس نفسه بلا ريب. ولكننا، أنا وهو، كنا نعرف أنه يكذب. 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة