اراء وافكار

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

موعد الانتخابات.. بين المقدس والمؤجل

عواد ناصر

النظر إلى الانتخابات العراقية المزمع إجراؤها في الثلاثين من كانون الثاني المقبل بوصفها منعطفاً حاسماً في حياة البلاد السياسية أمر صائب وحيوي، فهي خطوة كبيرة للدخول في صفحة حربية جديدة ضد شريحة من الإرهابيين وفلول العهد السابق وسائر طفيليات التحالف المقيت بين الفاشية البدوية والطائفية المستفيدة من حكومة العرفاء الكيمياويين.

أقول" (صفحة حربية)، لأن العراقيين لما يزالوا يخوضوا حربهم من أجل الديمقراطية، ولكن سلاحهم ، هذه المرة، هو ورقة الانتخابات في صندوق الاقتراع وليس سيوف المتوحشين في رقاب الأبرياء.

منذ تأسيس الدولة العراقية لم تكن ورقة الانتخابات في صندوق الاقتراع، بطريقة نزيهة ومأمونة ومضمونة، إلا حلما بدا أبديا في مخيلة المواطن العراقي وأشواقه لوطن يتسع للجميع بأخوة وطنية وعاطفة سياسية تتمتعان بقابليتهما على ائتلاف واختلاف الطيف العراقي بألوانه المتعددة ومعماره المتنوع وتجاوره المدهش، بل تقاطعه الفريد.

لقد عبر العراق والعراقيون تلك الممرات المظلمة التي حشرتهم فيها سلطات إكراهية كريهة بهدف الدمج أو الإقصاء أو البتر أو القتل الجماعي، أو جميعها مجتمعة، وعليهم اليوم تأمل الذات بعقلانية من يبني وليس بتوتر من يهدم، برغم أن ثقافة الانتخاب بمحتوييها النظري و الإجرائي في درجة الصفر، تقريبا، في العراق( حوالى ثلاثة أرباع العراقيين يعتقدون أن الانتخابات مكرسة لاختيار رئيس الجمهورية!).

.. وثمة سؤال: هل خرجنا، نحن العراقيين، من تلك الممرات المظلمة بكامل لياقتنا البدنية والنفسية، بما يكفي للشروع بالديمقراطية عن طريق صناديق الاقتراع؟

.. وثمة سؤال: هل يعني اتحاد المعارضين السابقين للدكتاتورية أنهم تناسوا خلافاتهم قبيل تسلم السلطة والشروع بالديمقرااطة أم أنهم سيظلون معارضين لبعضهم بعضاً لأن موعد الانتخابات هو اللحظة الحاسمة لتقرير من يحكم؟

.. وثمة سؤال: هل يعني حكم الأكثرية( عبر صناديق الاقتراع) بديلا موضوعيا لحكم الأقلية (عبر دبابات الانقلاب)، بمعنى هل تكفل الأكثرية، دائما، حقوق الأقلية بدستور يكتبه خبراء الأكثرية؟

أسئلة أخرى كثيرة، لكن المحصلة هي أن صناديق الاقتراع ستقرر شكل النظام السياسي في العراق (ليس الدولة) وعملية الاقتراع هي تمرين أولي، ولكن أساسي، لفتح الصفحة الأولى في كتاب اسمه" العراق" وصولا إلى الدولة من حيث هي تجربة لاحقة تنشأ على ضوء ما يقوم به النظام السياسي الوليد لإعادة الاعتبار للطبقات الاجتماعية( الوسطى مثلا) التي اختطفت أكثر من مرة منذ نشوء الدولة العراقية، خصوصا عند تأميمات عبد السلام عارف/ طاهر يحيى، وإعادة الناس إلى مجتمعهم بعد أن سلبتهم حكومة العرفاء الكيمياويين" مجتمعيتهم" عندما جندتهم بثلاث حروب خارجية، ومئات الحروب الداخلية ضد بعضهم بعضاً.

لكي لا تبدو الانتخابات المقبلة مجرد تحد سياسي/ إعلامي تبديه حكومة أياد علاوي ضد خصومها المسلحين وغير المسلحين، ولكي تكف عن أن تكون استعراضا ديمقراطيا، يمكن أن تجري على وفق مستلزمات محددة أقلها توفير الأمن بين بيت المقترع ومركز الاقتراع، وإتاحة الفرصة لجميع العراقيين( في أي مثلث كانوا) للمشاركة وصولا الى الحد الأدنى من العدالة الانتخابية الكفيلة بالحد الأدنى من النزاهة.

أقول" جميع العراقيين" دون أن أعني العصابة البعثية المسلحة.

لكن ثمة الشق الثاني، غير الإجرائي، لنجاح الانتخابات المأمولة ألا وهو الثقافة السياسية المتعلقة بالانتخابات والتعريف بضرورتها ومدى علاقتها الوثيقة الصلة بمستقبل الوطن والمواطن وترويج مبادئ المواطنة من حيث جوهرها العملي لا الشعاراتي الذي يتركز على دور المواطن في بناء وطنه من خلاله مشاركته، كحق وواجب، في صياغة حياته السياسية بوصفه المفتاح الذهبي لدخول عصر عراقي عقلاني متمدن وحداثوي.

النكتة العراقية ليست بلا مغزى عندما تروي عن امرأة عراقية علقت بسعادة عندما قيل لها إن الحكومة، من الآن وصاعدا، ستتبدل كل أربع سنوات، قائلة: يعني هناك فرهود كل اربع سنوات؟

نعم لتجر الانتخابات في موعدها المحدد، إذا تأمن لها نجاحها إجرائيا وثقافيا، ولكن ما الضير لو تأجلت إذا تعذر ذلك؟

ليس موعد الانتخابات بالمقدس لكي نرمي كل من نادى بتأجيله بحجر، فالعراق مؤجل من أن يكون عراق العراقيين منذ أكثر من ثمانين عاما، والديمقراطية تقاذفتها حكومات الرجعي الداهية والثوري المستبد منذ أن سمع العراقيون الأوائل بكلمة" ديمقراطية" تتردد بأصداء بعيدة.

من الظلم أن نضع الزرقاوي والباجه جي في سلة واحدة ونطلق شتائمنا عليهما، لأن الأول يريد تخريب الانتخابات والثاني اقترح تأجيلها. شتان بين دوافع الطرفين، ومن معهما، فالنية الحسنة ليست جريمة إذا أفضت إلى نتائج سيئة لكن النية السيئة جريمة عندما يتعلق الأمر بتخريب وطن.

 

 


لا تحتموا بالطائفة أو القبيلة

فاطمة المحسن

منذ أن ظهر السيستاني الى العلن وهو يحصد إعجاب الناس وإكبارهم، لا الناس البسطاء الذين تعودوا الامتثال الى المرجعية كسلطة مطلقة لا تقبل الدحض،بل الكثير من المثقفين والمتطلعين الى العقلانية كبديل عن التهور والتعصبات التي سادت العراق وأضرمت فيه اوار الحروب والفتن.

راهن الكثيرون على ان السيد السيستاني سيكون إمثولة لرجال الدين في العالم الاسلامي اليوم أو غدا، بما لعب من دور كان صمام أمان إزاء نزعات الانفلات في التدين الشعبي وأمية التخلف التي يقود زمامها بعض رجال الدين في العالم الاسلامي،اولئك الذين أقاموا محاكم تفتيش وصلت  حد إصدار الفتاوى بقتل الاطفال بحجة انهم كفرة،أوغيرهم الذين استبدلوا الدين بسلطة سياسية وجاه وإمتيازات إقتصادية.  السيستاني داعية جاهد من أجل حقن دماء العراقيين وعدم التفريط بها والنظر ببعد وروية الى مستقبل العملية السياسية في ظل الاحتلال،بعد ان تعب العراقيون من الحروب والمجازر، وما كان أكبره عندما منع ثأر الشيعة من قتلة أبنائهم والالتجاء الى القانون قبل العودة الى البداوة.

ولعل الاختبار الاكبر عند زعيم المرجعية الشيعية في العراق تحدد في مفهومه لسلطة رجل الدين التي رأى، فيما رأى فيه،موجها ومرشدا روحيا لامقررا في السياسة أو زعيم ميليشيات او قائدا  يخلط بين الدين والسلطة الدنيوية.

لسنا بصدد إعادة مابثه السيستاني من فكر تنويري حول مفهومه للسلطة  وضرورة فصلها عن الدين،فتلك أمور تداولها الناس كثيرا، حتى ظن بعض العراقيين ان عهد محمد عبدة وعلي عبد الرازق والاجتهاد التنويري قد حل على أرضهم.

غير ان الذي يبعث على الاستغراب تحرك السيستاني الاخير لتأليف قائمة إنتخابية تنزل بإسمه في أكبر مفترق طرق يمر بها العراق. فها هو هذا الرجل الجليل قد تخلى عن أهم شرط من الشروط التي وضعها للمرجعية الدينية، وهي تعليم الناس الاعتماد على أنفسهم في إختيار من يمثلهم، دون ان يتدخل الدين ليضفي على السياسة قدسية تمنع الناس من تعلم شرط الحرية في الانتخاب. فمن يستطيع من الشيعة المؤمنين اليوم ان يفكر بعقله لتقّصي ومعرفة تفصيلات ما تحويه القائمة التي وضعها السيستاني وختمها بمهره الديني.

العملية الانتخابية المقبلة ستكون التمرين الاول للعراقيين على النطق بعد سنوات طوال من تكميم الافواه، وأول مهماتها ان نجحت ولو على نحو نسبي، تحويل الدولة من سلطة العقيدة المطلقة والحاكم الآمر المطاع الى دولة خدمات يتقاسمها العراقيون بالتساوي، وتحويل الحاكم من ظل الله على أرضه الى موظف يؤدي واجبه ويرحل، ويحاسب على وفق قوانين الارض قبل السماء.  

لقد نقض السيستاني وعده الاول في فصل الدين عن السياسة،كي لايتلوث المقدس بأدران السياسة، وكي لاتتحول السياسية بإسم المقدس الى ديكتاتورية لايأتيها الباطل من خلفها وأمامها كما فهمنا من كلامه.

كيف يحدث هذا؟ وما الذي تضمره قائمة المرجعية الشيعية من خطورة تنذر بتحولها الى قنبلة موقوتة تقسّم العراق الى دويلات  متناحرة وتشعل الفتنة المستعرة بين الطوائف والقوميات؟

لانعرف ماالذي جمع أحمد الجلبي بسلامة الخفاجي بالشهرستاني بحزب الدعوة وحزب الحكيم وغيره من الاحزاب والشخصيات التي تؤلف قائمة السيستاني. العروة التي تشدهم هي شيعيتهم، وذاك حق لايناقش الناس فيه، ولكنه يأتي الان في سياق آخر عندما يتحول الى شيفرة وعنوان تكتلات وإنقسامات طائفية وقومية بالمقابل. هاهم الاكراد يجيبون بقائمتهم الكردية، والسنة ان نزلوا بقائمة سيكون أمامهم الاخوان وهيئة علماء المسلمين الذين سيفكرون في آخر المطاف بتكتل يزيد من لحمة قضيتهم ويحولها الى عصبوية سنية عقائدية.

إحتمى العراقيون من وطنيتهم بالطائفة والقبيلة، وإستجاروا بعد ضياع حقوقهم في العهد السابق بقرابات ملفقة، وهاهو صدام حسين يدفع مستقبلهم نحو ماخطط له وسهر عليه الليالي. فالحفاة الذين علّمهم كيف يرتدون النعال، حسب توصيفه العراقيين، لابد ان يعودوا الى المربع الصفر، الى دويلات وملل ونحل تستطيع بمرور الوقت ان تبرهن على أمر واحد وهو ان زعيما مثل صدام حسين هو الذي يصنع الاوطان الموحدة،حتى وان كانت مزرعة لمافياته، ولن يكون لهذا الوطن من بديل سوى ديكتاتورية قد تسود فيها الاكثرية، ولكنها مثل دكتاتورية البروليتاريا، تستمد قدسيتها من شرعية المبدأ الذي لايقبل الدحض.

 قبلت الجماهير في الدول الاشتراكية زعماء عاطلين عن المواهب، وقتلة ومجرمين، لانهم يمثلون المبدأ  ذاته، حلم الاكثرية المسحوقة بأن تسود وتصل الى جنتها الموعودة، ولكن تلك الجماهير سُحقت تحت أقدام البيروقراطيين الذين صنعوا الأوطان والاحلام على مقاسهم.

   سيتعلم العراقيون مرات ومرات أن يهتفوا الهتاف الاول الذي تعلموا  ترديده على مسامع صدام حسين: بالروح بالدم. مع تغيير بسيط وهو:  نعم.. نعم.. للمرجعية. تلك ال"نعم" المطلقة التي جلبها معهم من عاش في إيران طويلا.

من حق الجلبي أو الخفاجي أو الشهرستاني أو ممثل أي حزب في قائمة السيستاني يعقد تحالفات مهما كانت صيغتها ولكن ليس من حقهم الاستعانة بسلطة المقدس. فهم يعرفون انهم  يحتمون بقانون الامتثال والطاعة الجاهلة لا الديمقراطية الحقة.

فما أسهلها عليهم، وما أصعبها على السيستاني.   

 


مشاركة العراقيين الواسعة مقياس نجاح الجهود الانتخابية

ثائر كريم

أظهرت عينة من شرائح مختلفة أجرت (المدى) تحقيقاً معهم في بغداد (12 تشرين الأول 2004) جهلاً واسعاً بموضوع الانتخابات القادمة. قد أكد الناس أنهم لا يعرفون شيئاً عن موعد الانتخابات، ولا يدركون كيفية إجرائها وآلياتها. واعتقد أغلبهم أن الأمر يتعلق بانتخاب رئيس للبلاد. والمثير أن هذا التحقيق الاستطلاعي جرى في بغداد. أي في عاصمة الدولة التي يقال أن فيها أكثر من 100 صحيفة والعديد من القنوات الإعلامية المسموعة والمرئية. فما بالك بالمدن الأخرى والقصابات والقرى النائية؟

هذا إنذار مبكر ومؤشر غير مريح للغاية. وعلى المفوضية العليا للانتخابات إعادة مراجعة أولويات مهماتها انطلاقاً من ذلك. المعروف أن جهوداً استثنائية تبذل الآن على مستويات متعددة لانجاح الانتخابات. فالحكومة ومؤسساتها السياسية والعسكرية تصارع جاهدة لضمان الحد المطلوب من الأمن، وتدعو جل الفعاليات السياسية تصارع جاهدة لضمان الحد المطلوب من الأمن، وتدعو جل الفعاليات السياسية والحزبية ومنظمات المجتمع المدني يومياً لعقد هذه الانتخابات. ويقوم جنود مجهولون بتقديم تضحيات كثيرة يومياً لتأمين مستلزمات الانتخابات. يدرك أصحاب هذه الجهود المباركة أن مغزى الانتخابات في البلاد عميق الأهمية، يتمثل في المرتبة الأولى بتوفير أسس شرعية الحكم ديمقراطياً، وتعزيز آليات التمثيل السياسي شعبياً. ويحدو الجميع الأمل بأن الانتخابات إذ تحقق الشرعية والتمثيل الديمقراطيين تهيئ الأرضية لتخليص البلاد من الاحتلال سلمياً، وخلق قاعدة الأمن والاستقرار.

لذلك، لو تبين أن مشاركة الناس محدودة فإن هذه الآمال المعقودة على الانتخابات سيصيبها العطب في أكثر من وجه، وستفقد الجهود المبذولة الكثير من قيمتها.

من الممكن تبرير النتائج المخيبة لاستطلاع (المدى) بارجاعها إلى عوامل مختلفة منها الوضع الأمني والجهل العام وتدهور الثقافة السياسية وما إلى ذلك. ولكن هذه الأوضاع معروفة كنقطة انطلاق وليست نتاجاً جديداً. وتدرك المفوضية العليا للانتخابات إنها باشرت عملها انطلاقاً من هذه الظروف تحديداً. من هنا فإن إيصال رسالة الانتخابات إلى أوسع القطاعات الشعبية وتعميق وعي الناس بمعنى المشاركة وتبعاتها واحداً من التحديات الرئيسة أمام المفوضية.

ولكن يبدو أن المفوضية العليا للانتخابات وضعت نفسها في مشكلتين:

المشكلة الأولى تتعلق بتضخيم بعض الأوليات. إذ صبت وتصب المفوضية طاقاتها لخلق نظام ولوائح انتخابية مناسبة لأوضاع العراق الحالية وبما يكسب استحسان الفعاليات السياسية والمدنية والاجتماعية العراقية. كان المطلوب نظاماً انتخابياً ولوائح تضمن الحد الأدنى من مصداقية الناس والتفاف القوى السياسية، وتساعد على الوصول إلى أوسع ما يمكن من التمثيل السياسي، وفي الوقت نفسه تعزز فرص التعاون بين مكونات العراق المختلفة، ويمكن تنفيذها بسهولة نسبياً في ظل الاضطرابات القائمة.

هذه بلا شك مهمة صعبة للغاية. وأن تحقيقها بالمستوى المقبول انجاز هائل. ولكن هذه المهمة لن تتحقق إلا جزئياً. فمن السذاجة الاعتقاد بأن النظام الانتخابي الذي ستنجزه المفوضية هو النسخة الأخيرة، إذ لا تتيح الظروف التأريخية التي يمر بها العراق تصميم نظام انتخابي ثابت تستحسنه القوى الاجتماعية على المدى البعيد. والفترة المتاحة للانجاز قصيرة جداً.

وتفتقد المفوضية معلومات أساسية يتطلبها وضع أي تصميم ناجح. كما أن العاملين بها (وهم عراقيون ذوو سمعة وطنية لا شائبة عليها) تنقص أغلبهم الخبرة المطلوبة والمهارات العملية التي يقتضيها هذا العمل. كما تعمل المفوضية في ظل ضغط العوامل السياسية قصيرة المدى. أي إنها من الصعب أن تدرك عن كثب تبعات ما تنتجه. وبالتالي ستتجلى حتماً مشكلات أي تصميم مقترح ونواقصه في التطبيق. وستبرز قوى عديدة تطالب بتغيير هذه الفقرة أو تلك أو حتى إصلاح النظام بمجمله. لكل ذلك، فمن الضروري الإعلان عن أن النظام الانتخابي المقترح ولوائحه المعمول بها الآن مؤقتة وقابلة للإصلاح في وقت لاحق، وأن المفوضية ستتهمك على تطويرها بعد الانتخابات، أي بعد إدراك كيفيات تحققها ونتائجها وتبعاتها البعيدة. المشكلة الثانية أن المفوضية تعيش حالة عجز إعلامي واضح، فهي تعتمد حتى الآن أسلوباً إعلامياً نخبوياً: من فوق إلى تحت غالباً والاتصال بالنخب حصراً. وتفتقد المفوضية سياسة إعلامية تؤمن التفاعل المباشر مع الرأي العام من تحت إلى فوق، ولم تقم المفوضية بتنضيج آليات واضحة لمعرفة آراء الناس ومواقفهم وتوقعاتهم وأحساسيهم، ولا تزال منشغلة للغاية بتنظيم شؤون اعتماد الأحزاب السياسية وآليات اختيار مرشحيها وتعيين مراقبي الانتخابات. وكل هذا مهم، ولكنه يتم على حساب القيام بحملات توعية انتخابية، وعلى حساب كسب دعم الناس وبناء ثقتهم في العملية الانتخابية، وتنوير العراقيين بحقهم الانتخابي.

فمن المهم تماماً أن يدرك العراقيون أنهم مواطنون. ومثلما لهم حقوق يكفلها القانون فإن عليهم مسؤوليات فادحة، أيضاً ومسؤوليتهم خطيرة في اختيار ممثليهم السياسيين، خصوصاً أن استحقاق الانتخابات ستترتب عليه نتائج بعيدة التأثير في مصائر حياة الجميع.

إن استطلاع (المدى) المذكور إنذار مبكر على المفوضية التنبه له والعمل في ضوء نتائجه.

حان الوقت الآن للانضمام إلى فعاليات إعلامية متنوعة. وعلى أعضاء المفوضية جميعاً يقع الآن عبء خوض نشاطات جماهيرية شعبية، ولا سيما استثمار القنوات الإعلامية الأكثر جماهيرية من فضائيات وراديو وصحافة، وكتابة وتوزيع الكراريس والنشريات المبسطة في المدارس والمعاهد العليا والمصانع، ودفع جميع الفعاليات السياسية والحزبية والمدنية في البلاد للنزول إلى الشارع العراقي، وتحفيزهم على الاهتمام بالانتخابات وتبيان مسؤوليتهم في ما يجري في البلاد وما سينعكس على أوضاعهم ومستقبل عوائلهم وأبنائهم.

إن مشاركة أقل من نصف الناخبين العراقيين في الانتخابات المقبلة هي انتكاسة حقيقية لعمل المفوضية.

إن الآوان للتوجه مباشرة إلى الإنسان العراقي، فهو صاحب الحق الأول والأخير في هذه الانتخابات.


الجهة المخولة بتأجيل الانتخابات من هي؟

هادي عزيز علي

تطلق بعض الأحزاب والتشكيلات السياسية بين فترة وأخرى الدعوة إلى تأجيل موعد الانتخابات المحدد من قبل المفوضية العليا للانتخابات، ولأسباب عديدة تتعلق بهذا الطرف أو غيره، وعلى كثرة تلك الأسباب يمكن حصرها بنوعين، النوع الأول يتذرع بالحالة الأمنية والنوع الثاني فيرد على عدم اكتمال الاستحقاقات المطلوبة لتلك الانتخابات بما في ذلك تبلور الوعي الانتخابي لدى المواطنين، وعلى فرض أن هناك حاجة ملحة وفعلية توجب التأجيل فمن الجهة المخولة من الوجهة القانونية بإصرار أمر التأجيل، هل هي المفوضية العليا للانتخابات أم مجلس الوزراء أم المجلس الوطني المؤقت، أم هناك جهة أخرى تملك تلك الصلاحية، وبغية الإجابة على هذه الأسئلة لابد من استعراض سريع لمهام وصلاحيات كل واحدة من تلك الجهات لغرض تلمس الموقف القانوني للتأجيل، مذكرين بأن النصوص قد حددت موعد انتخابات الجمعية الوطنية قبل 31 / كانون الأول / 2004 أو في موعد أقصاه 31 / كانون الثاني / 2005 وأن هذا الموعد ورد بأحكام الفقرة (د) من المادة الثلاثين من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية والمعزز بقرار مجلس الأمن المرقم 1546 لسنة 2004 "الفقرة (ج) من البند (1) من القرار المذكور"، والموعد المذكور قد تم ربطه بمواعيد لاحقة أخرى ينظر إليها باعتبارها (وحدة مواعيد)، كموعد كتابة مسودة الدستور الدائم الذي يجب أن يكتب في موعد أقصاه 15 / آب / 2005 وعند الموافقة على الدستور الدائم باستفتاء عام تجرى انتخابات أخرى محكومة دائمة في موعد أقصاه 15 / كانون الأول / 2005 وتولي الحكومة الدائمة مهامها في موعد أقصاه أم / كانون الأول / 2005، لذا فإن طلب التأجيل وقبوله سوف يؤدي حتماً إلى زحف المواعيد اللاحقة التي جاء بها قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية:

أولاً: مفوضية الانتخابات العراقية المستقلة

تم تشكيل المفوضية بموجب الأمر المرقم (92) الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة بتاريخ 31 / أيار / 2004 المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 3984 / حزيران / 2004 والذي تم بموجبه تحديد مهمات وصلاحيات المفوضية المذكورة والتي جاءت على سبيل الحصر، وهي سلطة تنظيم ومراقبة وإجراء وتطبيق جميع الانتخابات الواردة في قانون إدارة الدولة خلال الفترة الانتقالية وتقرير وإنشاء وتطوير اللوائح الانتخابية والتصديق عليها وتنظيم وإدارة التسجيل والمصادقة على الأحزاب السياسية وتنظيم وإدارة التسجيل والتصديق على المرشحين للانتخابات وإقرار صلاحية مراقبي الانتخابات وغيرهم من الموظفين العاملين في ضبط ومراقبة الانتخابات وإدارة عمليات جدول الناخبين والاقتراع والحكم في الشكاوى والنزاعات الانتخابية والتصديق على المرشحين للانتخابات وإقرار صلاحية مراقبي الانتخابات وغيرهم من الموظفين العاملين في ضبط ومراقبة الانتخابات وإدارة عمليات جدول الناخبين والاقتراع والحكم في الشكاوى والنزاعات الانتخابية والتصديق على نتائج الانتخابات، هذه هي مجمل المهام والصحلايات الممنوحة للمفوضية، ومن قراءة ذلك يمكن القول:

1- ليس للمفوضية سلطة تشريعية يمكن أن تضيف أو تعدل أو تلغي النصوص الواردة في قانون الانتخابات ولا في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية.

2- إن صلاحية المفوضية هي إصدار اللوائح (الأنظمة) لتسهيل تطبيق قانون الانتخابات.

3- إن المفوضية هي جهة تنفيذية حسب.

4- لم تخول تلك النصوص المفوضية حق إصدار الأمر بتأجيل الانتخابات.

ثانياً: الحكومة العراقية المؤقتة

أقر البند (1) من قرار مجلس الأمن المرقم 1546 لسنة 2004 تشكيل حكومة عراقية ذات سيادة تتولى المسؤولية بحلول 30 / حزيران / 2004 على أن تمتنع عن اتخاذ أية إجراءات تؤثر على مصير العراق في ما يتجاوز الفترة الانتقالية المحددة إلى أن تتولى حكومة انتقالية منتخبة مقاليد الحكم على أن يقوم الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة وبعثة الأمم المتحدة بتقديم المساعدة إلى العراق في سياق تنفيذ ولايتها، وفقاً لما تسمح به الظروف لمساعدة الشعب العراقي والحكومة العراقية وتقديم المشورة والدعم للحكومة والهيئة الانتخابية بشأن إجراء عملية الانتخابات، إضافة لما تقدم فإن مهام وصلاحية الحكومة قد وردت في ملحق قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية المصادرة بتاريخ 1 / حزيران / 2004 المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 3986 / ايلول / 2004، وهي: تعمل بشكل خاص على تحقيق رفاهية الشعب العراقي وأمنه وتشجيع إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية والإعداد لإجراء الانتخابات في موعد لا يتعدى 31 / كانون الثاني / 2005 ومن ذلك يتضح:

1- أن الحكومة العراقية ليس لديها إلا الطاعة لإجراء الانتخابات الوطنية في الموعد المذكور، لأن ذلك الموعد قد ورد ضمن النصوص الدستورية وهو بهذا الوصف يملك علوية على بقية نصوص القانون، وأن الحكومة تقف في موقف أدنى من النصوص تلك، وأن تلك النصوص كانت سبباً في تشكيل الحكومة ذاتها لذا فهي غير قادرة من الوجهة القانونية أن تلغي نصاً دستورياً لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

2- يغلب على عمل الحكومة المؤقتة الجانب التنفيذي دون غيره من الجوانب الأخرى، وهي أقرب إلى حكومة تصريف أعمال منها إلى سلطة تشريعية.

ثالثاً: المجلس الوطني المؤقت

نص ملحق قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية على تشكيل المجلس الوطني المؤقت والذي يتم تشكيله واختيار أعضائه بوساطة مؤتمر وطني يعقد في بغداد خلال شهر تموز / 2004 ويتألف من أعضاء مجلس الحكم السابق ممن لم يتولوا مناصب حكومية وممثلي المحافظات والأقاليم والشخصيات المعروفة ويتكون من مائة عضو، وتنحصر مهامه وصلاحياته بتقديم المشورة لمجلس الرئاسة ولمجلس الوزراء، وله سلطة مراقبة تنفيذ القوانين ومتابعة أعمال الهيئات التنفيذية وتعيين أعضاء المجلس الرئاسي بدلاً من الأعضاء المتوفين أو المستقيلين كما إنه له الحق في استجواب رئيس وأعضاء مجلس الوزراء، إضافة إلى منحه صلاحية نقض الأدوار التنفيذية وبالصيغة المقررة قانوناً وله صلاحية تصديق الميزانية.. من ذلك يتضح:

1- إن المجلس الوطني المؤقت يقوم مقام البرلمان ولكن من دون سلطات تشريعية.

2- تنحصر أعماله وصلاحياته بالمتابعة والمراقبة والتصديق.

3- لم يخول أية صلاحيات تتعلق بالانتخابات.

وحيث إن المجلس الوطني لا صلاحية تشريعية لديه لإصدار القوانين فيكون من باب ولى عديم الصلاحية لتعديل أو إلغاء أو إضافة نص دستوري.

مما تقدم تبين أن المفوضية العليا للانتخابات والحكومة العراقية متمثلة بمجلس الوزراء ومجلس الرئاسة وكذلك المجلس الوطني المؤقت لا يملكون الصلاحية القانونية لتأجيل الانتخابات لكون الموعد المحدد لها قد ورد في نص دستوري، وهنا يثار السؤال التالي: هل يجوز تعديل النص الدستوري الوارد في قانون إدارة الدولة المؤقتة للمرحلة الانتقالية، ومن الجهة المخولة بذلك؟ ولغرض الإجابة على ذلك لابد من قراءة نص المادة الثالثة من قانون إدارة الدولة المؤقتة التي تنص على الآتي:

"لا يجوز تعديل هذا القانون إلا بأكثرية ثلاثة أرباع الجمعية الوطنية وإجماع مجلس الرئاسة، كما لا يجوز إجراء أي تعديل من شأنه أن ينتقص بأي شكل من الأشكال حقوق الشعب العراقي المذكورة في الباب الثاني أو أن يمدد أحد المرحلة الانتقالية إلى ما بعد المدد المذكورة في هذا القانون أو يؤخر إجراء الانتخابات لجمعية جديدة..".

يفهم من هذا النص الآتي:

1- إن التعديل لا يتم إلا من قبل الجمعية الوطنية، وحيث أن هذه الجمعية لم يتم انتخابها بعد، لذا فإن التعديل يكون مستحيلاً لعدم وجود الجهة المخولة.

2- أن المدد المذكورة بقانون إدارة الدولة والخاصة بالمرحلة الانتقالية هي مدد حتمية ومستثناة من التعديل وحسبما يورده النص المتعلق بتلك المدد.

3- إن الجهة التي وقعت على قانون إدارة الدولة وأعلنته للعامة غير موجودة في الوقت الحاضر حتى يمكن الرجوع إليها في أمر كهذا وهي (مجلس الحكم المنحل).

عليه وجدت أن الجهات المار ذكرها لا صلاحية لها بإصدار أمر لتأجيل موعد الانتخابات إذا ما دعت الحاجة والضرورة إلى ذلك. فمن هي الجهة المخولة قانوناً بذلك؟ وللإجابة على هذا السؤال لابد أن نستذكر الوضع القانوني والدستوري للعراق بعد سقوط النظام السابق. حيث كانت المعالجة الأولى هو قرار مجلس الأمن المرقم 1483 لسنة 2003 والذي جاء فيه أن مجلس الأمن يؤكد من جديد سيادة العراق وسلامته الإقليمية وحق الشعب العراق في تحديد مستقبله السياسي بحرية ويرحب بالتزام الأطراف المعنية كافة بدعم تهيئة بيئة تمكنه من القيام بذلك في أقرب وقت ممكن ويشجع الجهود التي يبذلها شعب العراق من أجل تشكيل حكومة تمثيلية.. وقد عقد العزم على أن تقوم الأمم المتحدة بدور حيوي في توفير الإغاثة الإنسانية وإعادة بناء العراق، وكذلك قرار مجلس الأمن المرقم 1511 لسنة 2003 الذي شدد على أن سيادة العراق تكمن في دولة العراق والتأكيد على حق العراقي في أن يقرر مستقبله السياسي، وإدراكاً منه لكون الدعم الدولي لاستعادة أوضاع الاستقرار والأمن أمر أساسي لرفاه الشعب العراقي والترحيب بمساهمات الدول في هذا الإطار بموجب القرار 1483 لسنة 2003. وكذلك أحكام القرار المرقم 1546 لسنة 2004 المشار إلى نصوصه آنفاً التي بينت كيفية انتقال السلطة إلى العراقيين ودفعت المدد المحددة للانتخابات وتاريخ كتابة مسودة الدستور الدائم وتشكيل الجمعية الوطنية وتاريخ انتخابها وتاريخ عمل الحكومة العراقية الدائمة. ومن ذلك كله نجد أن المرجعية القانونية لمعالجة موضوع تأجيل موعد الانتخابات هي الأمم المتحدة وعلى وجه الخصوص مجلس الأمن بموجب الصلاحيات المخولة له بالمادة الرابعة والعشرين من ميثاق الأمم المتحدة، ومما يعزز هذا التوجه ما حدث في تموز / 2004 عندما الجأت الضرورة إلى التدخل لتأجيل المؤتمر الوطني الذي حدد شهر تموز / 2004 لا نعقاده وحسبما نص عليه ملحق قانون إدارة الدولة والذي تم تأجيله إلى آب / 2004 بناء على طلب من السيد كوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة - لذا فإن مجلس الأمن هو الجهة المخولة قانوناً لتأجيل موعد الانتخابات دون غيرها من الجهات الأخرى.

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة