المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

الواقع العربي المرير وأسئلته

 

د. شاكر النابلسي

أدت الاعتداءات الإرهابية للحادي عشر من سبتمبر 2001 إلى ترسيخ الصورة النمطية السلبية التي كونها الغرب عن الإنسان العربي، وهي الصورة التي لا تخرج عن نطاق الإرهابي والمتعصب دينيا والمتخلف، أي صورة الإنسان غير المتحضر.

فما هي الأسباب التي أدت إلي نشوء هذه الصورة النمطية الجامدة لدي الغرب عن الإنسان العربي؟

هناك عدة أسباب لهذا الوجه العربي "القبيح" في المرآة الغربية، منها:

1- أن الانسان العربي منذ أكثر من عشرة قرون، وبالتحديد منذ القرن التاسع الميلادي، وبعد عهد الخليفة المأمون، لم يقدم للإنسانية فكراً، أو علماً، أو ثقافة انسانية ذات قيمة. وظلت الثقافة العربية منذ ذلك التاريخ وحتى الآن ثقافة انغلاقية محكومة حكماً صارماً بتراث الأموات وبالأوهام والخيالات الشعبية.

2- أصبحت الثقافة العربية الآن، هي ثقافة العنف والإرهاب. وهذه الثقافة لم تأتِ من أحد ولم تنزل من السماء، بقدر ما جاءت من داخلنا ومن ماضينا الممتد في حاضرنا، ومن انتصار الاتباع على الابداع، وانتصار الرواية على الدراية في تراثنا الأدبي والفقهي، وانتصار جهاد الآخر علي جهاد النفس العدوانية، وهو أجمل أنواع الجهاد. لقد جاءتنا هذه الثقافة العنيفة التي تقطر دماً من تقاليد الحروب والمشاحنات القبلية والطائفية وبطش السلطات الغاشمة قديماً وحديثاً. جاءتنا من ردود فعلنا الهاذية على احباطاتنا الفردية والجمعية ومن جروحنا النرجسية سواء منها المنحدرة من هزائمنا أمام الغرب واسرائيل، أو الآتية من تربية أسرية قاسية كما سبق وقال العفيف الأخضر. والذي زاد من ضراوة هذه العوامل التراكمية عدم وجود قطيعة ديمقراطية فيها تؤسس لثقافة جديدة قوامها الحوار والسلام مثلما حصل في اليابان.

3- غياب القطيعة الديمقراطية لعوامل العنف الدموي التراكمية جعل صدماتنا تتحالف مع موروثنا الثقافي لصياغة شخصيتنا النفسية صياغة ثأرية حوّلت أخذ الثأر في سلمنا القيمي إلى قيمة اجتماعية والتسامح والغفران والجنوح إلى السلم إلي وصمة عار وجبن وخيانة، والانفتاح على العالم؛ أي على استثماراته وقيمه تفريطاً في الهوية واقترافاً لـ "أم الجرائم" وهي التبعية للغرب.

ما هي أنجع الوسائل التي تمكننا من تغيير الصورة السلبية للإنسان العربي لدى الغرب؟

على الإنسان العربي أن يتغير وتتغير معه الأمة العربية. أن التغيير في الحياة العامة من نظم وقوانين ونواميس لن يتم إلا إذا غيّر الانسان قناعاته وأفكاره ومنهاج حياته. والقرآن قال: "أن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم" (سورة الرعد، آية 11) وكذلك: "ذلك بأن الله لم يكن مغيّراً نعمة أنعمها على قوم حتي يغيروا ما بأنفسهم" (سورة الأنفال، آية 53). وهما الآيتان اللتان لقيتا صداهما في الفكر الغربي، وأيّدهما كثير من فلاسفة الغرب وحكمائه. فقال ألفن توفلر: "مسؤولية التغيير تقع علينا". وقال جيم ولز: "العالم لن يتغيّر ما لم نتغيّر نحن". وقال أوسكار وايلد: " أن الذي يغيّر العصر هو نحن وليست المبادئ". وقال لودفيج وتنجتشاين: "أن أهم ما في التغيير هو تغيير سلوكياتنا". وقال هنري ثورو: "الأشياء حولنا لا تتغير، نحن الذين نتغيّر".

ويجب أن نلاحظ أن هناك تغييرين: التغيير الأصغر والتغيير الأكبر. التغيير الأصغر يبدأ حين تبدأ تزكية النفس البشرية؛ أي تطهيرها بالإيمان، وهذا هو التغيير الأصغر. وعندما تتطهر النفس تصبح قابلة للتغيير الأكبر وهو تغيير المجتمع كله. يقول القرآن: "قد أفلح من زكّاها" (سورة الشمس، آية 9). ويقول: "قد أفلح من تزكّى" (سورة الأعلى، آية 14 ). والفلاح هنا هو نجاح قيام التغيير الأكبر الذي يتبع التغيير الأصغر، وهو التزكية. والقرآن يوجه كلماته إلى فرعون الذي طغى ورفض دعوة التغيير ويخاطبه بقوله: "هل لك إلي أن تزكّى، وأهديك إلى ربك فتخشى" (سورة النازعات، آية 18،19).

وهذا يعني أن لا مجال لأن يُغيّر فرعون واقعه السيئ ويهتدي إلا إذا بدأ بنفسه فزكّاها، وهذا هو التغيير الأصغر لكي ينتقل إلى التغيير الأكبر، وهو تغيير واقع مجتمعه السيئ.

ويجب أن ننتبه إلي أن التغيير على الأرض هو من صنع الانسان بالدرجة الأولى، وأن دور الله في صنع التاريخ يأتي بعد دور الانسان، "ذلك بأن الله لم يكن مغيّراً نعمة أنعمها على قوم حتي يغيروا ما بأنفسهم".

أن التغيير هو طريق الرُّشد الذي نادى به الإسلام. والرُّشد خلاف الغي؛ أي الاستقامة على طريق الحق. وهو هداية تغيير اليقينات السابقة. والإسلام أراد أن يقيم الرشد بالرُّشد؛ أي أن يحدث التغيير السلمي العقلاني بالفكر والخطاب. لذا، فقد ركّز الإسلام علي كلمة الرُّشد وذكرها في القرآن في أربع سور هي : "الأنعام"، و"الشعراء"، و"مريم"، و"فاطر".

لا سبيل إلي التغيير الآن في العالم العربي، إلا بتبني الخطوات التالية:

1- انتاج الفكر النقدي، الذي يساعد على الانتقال من القطعي إلى المبرهن عليه، ومن المسلم به إلى المتناقش فيه، ومن القراءة العابرة للتاريخ إلى القراءة التاريخية للنص، لجعله في متناول العقل، ومتكيفاً مع متطلبات الحياة الاجتماعية.

2- تبني القطيعة الجارحة مع التراث. فالحضارة الحديثة ابنة لثلاث قطائع أورثت الوعي الأوروبي ثلاثة جروح نرجسية: اكتشاف جاليلو لكروية الأرض، وداروين لنظرية التطور وفرويد للاشعور. وهكذا لم تعد الأرض مركز الكون، ولا الانسان مركز الكائنات، ولا العقل سيد بيته، بل اتضح أنه محكوم باللاعقل؛ أي اللاشعور. والتراث الديني يلعب دور الباغي الذي يردع ورثته عن التنصل منه ومن أوامره ونواهيه. كما أن التثبت العصابي في هذا التراث - كما تفعل الأصولية والسلفية - يغذي النرجسية الجمعية والمركزية الاثنية بوتائر عالية مما يجعلها تلعب دور العائق الذهني، كما يقول العفيف الأخضر.

3- كسر المُحرمات التي يحكم بها الأموات الأحياء، لأن المثقف تعريفاً هو مع الحداثة وضد القدامة، ومع العقل ضد النقل، ومع التجديد ضد التقليد، ومع الديمقراطية ضد التوتاليتارية، ومع حرية المرأة ضد استعبادها.

لقد اقترنت صورة الإنسان العربي في أذهان الغرب منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر بالإرهاب، وحصل ذلك على خلفية أعمال العنف التي تلجأ إليها جماعات إرهابية من حين لآخر والتي تستند فيها الى  مرتكز ديني عقائدي، فهل هناك ما يسوغ أعمال العنف في الإسلام؟

ليس هناك ما يُسوّغ أعمال العنف في الإسلام وبعص العرب لم يعودوا مسلمين الآن ولا علاقة لبعض العرب وارهابهم اليوم بالإسلام الصحيح .

أصبح بعض العرب اليوم بلا دين. فلا دين لبعض العرب.

وبعض العرب أصبحوا اليوم غير موحدين، وغير مؤمنين بالله ايماناً صادقاً.

لا يغرنّك هذا العدد الضخم من المساجد، وهذا العدد الضخم من المصلين والحجاج في العالم العربي، وهذه الكميات من أموال الزكاة والصدقات. فهذه طقوس اعتاد عليها العرب في الجاهلية الأولى، وهم الآن يعيشون الجاهلية الثانية. فالعرب لا يشكلون غير 19% من مسلمي العالم، ومع ذلك فهم الذين أقاموا العالم ولم يقعدوه على رأس الإسلام بتصرفاتهم الدموية وبعنفهم الموروث عن عصبيتهم، وليس عن دينهم، هذا العنف الذي لا يمتُّ إلى أي دين من الأديان بصلة.


المعــدان، أول الأبجدية.. وقافية القصيدة العراقية الناقصة

د. بُرهان شاوي

المعــدان، أول حروف الأبجدية العراقية، وقافية القصيدة العراقية الناقصة. إنهم السراة في الليل، وأبناء الحقول في الفجر والضحى. رعاة العزلة عند الظهيرة، وحاملو حليب الليل على رؤوسهم المليئة بالحنين والأحلام عند المغيب.

المعدان، نشيد سومر الحي عبر العصور، وترجيعات فحيح آنانا الشبق، وأصداء حمحمة انكيدو وحش الجبال، إنهم جواميس السماء، وحماة الحزن العراقي الأصيل.

المعدان، اللون العراقي الأزرق، القادمون من متاهة التاريخ، والماضون الى متاهاته الأبعد. لم ينصفهم كتاب، ولا وقفت عند احزانهم قصيدة. سُرقت أساطيرهم ودُمرت ذكرياتهم، ولعُنت جواميسهم، وحطمت قوانينهم التي سرقتها آنانا حينما حضرت عرسا في السماء.

إنهم أبناء سومر الراقدة في الذاكرة والمجهول، العراقيون الأصيلون، ذوو الرؤوس السوداء. الهابطون من السماء، القادمون من الهند، ومن بيشتكو، ومن المجهول، الطالعون من أعماق الأهوار، الهاربون من طغيان الخلافة، الثائرون مع الزنج، أحفاد انكيدو، وعشاق آنانا، وجواميس السماء.

المعدان، لم يرحمهم القانون ، ولم ينصفهم التاريخ.  تعالت الأخلاق عليهم، ولوثت ذكرهم الضمائر المريضة، ورغم كل هذا وذاك، فهم الحاضرون رغم وحشية الغياب والنسيان، فهم البدء رغم زعيق الإدعاءات القومية الفارغة، وهم الماء والهور والخضرة والخضيري والقصب، وهم رواة الحنين العظيم للطيران على ظهور الجواميس الى مراعي السماء.

إنتبه لهم عبقري الفن العراقي جواد سليم فخلدهم في أعماله، وتبعه آخرون، فكان حضورهم واضحا في التشكيل العراقي الذي منحهم اسماء اخرى خجلا من ذكرهم. وكما قلت فان الشعر العراقي تنكر لهم، رغم انهم رفدوا الشعر العراقي والأدب العراقي باعظم ملحمة في تاريخ الأدب العالمي، ورغم    ان بين الشعراء العراقيين من جاء من بين ظهرانيهم وبقاعهم وأهوارهم . ولم يتجرأ على منحهم جواز سفر للدخول الى باحة الأدب العراقي سوى الكاتب العراقي وارد بدر السالم الذي كتب عنهم مجموعة تُعد من النقاط المهمة والمثيرة في الأدب القصصي العراقي في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، بل وإعتزازا بهم منح مجموعته إسم ( المعدان ).

الأعوج بن العوجة، القادم من العوجة، حاول إذلالهم، والقضاء عليهم، وإمحائهم من الوجود، لكنه لم يكن يعرف شيئا عن جغرافية العراق، ولا عن أرضه وخيراتها، فهو لم يعرف شيئا عن القصب الذي مهما قصصته تبقى جذوره حية، ولم يعرف شيئا عن الأهوار وأسرارها.

العراق الجديد إنحنى لهم، فانقذ الأهوار من موتها المرسوم بكل حقد  البعثيين القتلة الفاشيين، لكن خطواته ما زالت قاصرة، فدين العراق للمعدان كبير وكبير، وعلى القانون القضائي العراقي ان يتشرف بمنحهم وضعهم الانساني الحقيقي، وعلى التعليم العراقي ان يتواضع وينسحب قليلا جانبا لكي يفسح الطريق لهم ولكل المستضعفين العراقيين كي ينشدوا معا نشيد العراق الجديد. على التاريخ ان يفتح صفحاته لهم، ويخط تاريخهم بالوان زاهية.

شخصيا، لا أستطيع إستعادة ذاكرتي دون حضور المعدان البهي فيها، لا أستطيع أن  أستعيد ملامح الكوت دون حضور بائعات (الروبة ) الرائعات

لا أستطيع إستعادة خارطة المدينة وشوارعها دون التوقف عند ساحة سيد حسين وحديقة علي حيوان فتحية لوصف المعيدية جارتنا العظيمة وصف التي يعرفها أهالي الكوت القدماء تحية لأبنائها صباح وحميد وزعومي وأبنتها سلامة تحية لأمها هويشه..

تحية لمعدان الكوت.. والعمارة

تحية لأول الأبجدية العراقية

تحية لقافية القصيدة العراقية الناقصة.

تحية للعراق الجديد.     

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة