تحقيقات

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

شبعض طلبتها يتعاطون المخدرات.. وآخرون قد يعودون إلى التسول.. وفرص الجنوح مفتوحة لأقصى الاحتمالات!

مدارس اليافعين.. متى تلتفت إليها وزارت التربية؟

مدير مدرسة بلا راتب والمحاضرة بمائة دينار وطلاب بلا معلم انكليزي منذ سنتين

مدارس أحيتها منظمات إنسانية اضطرت للانسحاب بسبب تهديدات ارهابية!!

باحثة اجتماعية: مشكلاتهم، التفكك الأسري والتشرد  وتعاطي المخدرات

مصدر في وزارة التربية: الوزارة تدرس امكانية فسح مجال الامتحان الخارجي للمرحلة الابتدائية، السنة المنتهية للذين تركوا الدراسة من الكبار

حسام مصطفى

مدير مدرسة يداوم مجاناً مع معاونته الوحيدة، اجور المحاضرة للمعلم متدنية جداً، انعدام تام للمستلزمات الضرورية لدوام الطلبة. فضلاً عن ذلك كله، كانت المدرسة تعاني الصمت المطبق بسبب عدم التحاق أي طالب إليها. هذه هي الصورة السوداء والحقيقية لأحدى مدارس اليافعين في بغداد، لافتتاح الثاني لهذه الحلقة من حلقات تعليم الكبار في العراق الذي تم عام 2003 قبل الحرب الأخيرة بعدة شهور!! بعد ان وئد الافتتاح الأول لها في حلقته الأولى مع بدء حرب الخليج الأولى.

وبعد سقوط النظام، كان للمنظمات الانسانية الدولية دور كبير في منح هذه الرئة قليلاً من الهواء، حتى تجعلها قادرة على الحياة لإداء دورها في اعادة تعليم وتأهيل الطلبة المتسربين من المرحلة الابتدائية وغير الملتحقين بها. لكن هذه المنظمات الإنسانية اضطرت للانسحاب من عملها تدريجياً بعد ان تعرضت مقراتها وكوادرها إلى مجموعة من الاعمال الإرهابية، لتدخل هذه المدارس مرة ثانية دائرة المراوحة في مكانها، بالرغم من ان احصاءات وزارة التربية تشير إلى ان عدد طلاب هذه المدارس في العراق بلغ أكثر من (103) ألف طالب. في حين ان هناك دراسة ستقدم إلى منظمة اليونسيف من احد المختصين في وزارة التربية نفسها. تشير إلى ان العدد الفعلي هو أكثر من ربع مليون طالب.

متى تأسست هذه المدارس وما مهامها وآفاق تطورها، وما الفوائد العلمية والعملية من وجودها؟ في محيط هذه الاسئلة كانت لنا جولة بين الأطراف المعنية بشؤون مدارس اليافعين.

 

فقدان (فلم) المناهج

كان لقاؤنا الأول مع مدير (مدرسة قريش) لليافعين الأستاذ عبد الامير علي الطائي وهو يحمل شهادة ماجستير في القانون الإسلامي وله خدمة (33) عاماً في التربية والتعليم وقد حدثنا عن تاريخ تأسيس هذه المدارس قائلاً. ان هذا النوع من المدارس تم استحداثه عام 1977 تزامناً مع حملة محو الأمية لاستيعاب اعمار (9-14) عاماً من الذين حرموا من الدراسة بسبب التسرب أو عدم الالتحاق في المرحلة الابتدائية. وكان عدد المدارس في بغداد اربع مدارس فقط. اثنتان منها في الكاظمية (قريش للبنين والمواهب للبنات) والدراسة فيها اربع سنوات تقسم إلى اربع مراحل، الأول والثاني مرحلة، والثالث والرابع مرحلة، والخامس مرحلة، والسادس المرحلة الأخيرة، وتكون المرحلة الأخيرة بالنسبة للمناطق الريفية ذات مناهج زراعية، بينما تكون مناهج المناطق الحضرية مناهج مهنية علمية.

وعن المناهج يقول مدير المدرسة ان مناهج هذه المرحلة بالنسبة للقراءة هي تقريباً مناهج المرحلة الابتدائية نفسها مع تغيير أسماء مفردات بعض المواد داخل الكتاب. فيما ينبغي ان يكون للرياضيات منهج آخر.

* هل تتوفر لديكم هذه المناهج الآن؟

ـ في الحقيقة لم تطبع كتب المناهج حتى الآن. وقد قدمت احدى المنظمات الإنسانية طلباً لطبع المناهج على حسابها الخاص، إلا ان وزارة التربية ـ مديرية المناهج ـ اعتذرت عن ذلك بسبب فقدان الفلم الخاص بطبع المناهج!!

* وكيف تعالجون مثل هذه الحالة؟

ـ نعتمد على منهج الابتدائية الاعتيادي، ونقوم بدمج بعض المواد، وفرز الأخرى، بحيث نستطيع ان (نمشّي) حالنا على الرغم من صعوبة الحالة.

وبالنسبة للمنهج العملي، ذكر المدير ان المدرسة ألغت النشاطات اللاصفية كالرياضة والرسم لصالح الورش المهنية، وقد رافقنا لزيارة هذه الورش داخل المدرسة، فوجدنا بأن اماكنها ممتازة المكائن متوفرة فيها (ورشة نجارة، وورشة خياطة)  ولكن تبين لنا أنها لا تستخدم إلا نادراً بسبب عدم وجود الملاك التدريبي!!

 

أين اختصاص النجارة؟

فورشة النجارة مثلاً، يقول المدير، هو الذي طلب تأسيسها من قبل منظمة إنسانية (يرفض ذكر اسمها لأسباب أمنية) باعتباره اختصاص نجارة أيضاً، ولا يوجد في وزارة التربية مثل هذا الملاك حيث يقتصر كادرها على مهنتي الحياكة والسيراميك ولا توجد مثل هذه الورش!!

اما بالنسبة لورشة الخياطة فهي مخصصة لمدرسة المواهب لليافعات الملاصقة لمدرسة قريش نفسها، وان استخدام هذه الورشة من قبل اليافعات يتم بعد ترتيب جدولها، بحيث لا يكون هناك، أي احتكاك بين الإناث والذكور! وواحدة من معاناة مدير المدرسة هي أن تصليح المعدات يتم على حسابه الخاص إذ ان الوزارة ـ حسب قول المدير ـ لا تصرف أي مبلغ للنثرية لصيانة الأجهزة بالرغم من اعادة تأثيثها بالكامل وبشكل جيد جداً ـ وهذا ما رأيناه فعلاً ـ من قبل احدى المنظمات الإنسانية التي غادرت البلاد لاعتبارات أمنية.

 

اجرة المحاضرة (100) دينار!

السيدة اشواق الشمري معاونة المدير، دبلوم معهد اعداد المعلمين قالت من جانبها مضيفة إلى ما قاله المدير: في افتتاح المدرسة بعد سقوط النظام كان لدينا (100) طالب وبعد جلب الورشة ارتفع إلى (152) طالباً. وفي الحقيقة بدأت مشاكلنا مع بدء انسحاب المنظمات الإنسانية.. ولم تبق إلا منظمة عراقية كردية واحدة، وهي ترعى عينة من الطلاب ونحن نعاني عدم وجود دعم من قبل وزارة التربية من الناحية المادية ومن ناحية الكادر حتى ان الكوادر الموجودة لا تستطيع ان تقوم بعمل ناجح في هذه الحلقة التعليمية فينبغي تأهيلهم ويعتقد البعض في المؤسسات التربوية ان المعلم عندنا هو سد شاغر لا غير. وليس اداء مهمة صعبة في التعامل مع هذه الفئة من التلاميذ تربوياً اولاً وتعليمياً ثانياً. وكمثال على ذلك ان المدرسة حتى الآن بدون معلم لغة انكليزية للسنة الثانية على التوالي على الرغم من اننا وفرنا لكل معلم وفي كل صف منضدة وكرسياً ليؤدي دوره مرتاحاً.

واتفق المدير مع معاونته على مجموعة اشكالات تعيق العمل وتطوره، ليس في هذه المدرسة فحسب وإنما في جميع مدارس اليافعين وهي:

اولاً: عدم صرف رواتب لها، فهما يعملان تطوعاً بسبب حبهما لهذا العمل ولا يرغبان في ان تغلق المدرسة، بعد ان تعجز وزارة التربية عن تأمين إدارة وكادر للمدرسة. وقالت المعاونة: تصور اننا حين نتحول إلى معلمين في المدرسة تصرف لنا وزارة التربية (100) مائة دينار للمحاضرة الواحدة!!

ثانياً: فقدان المناهج، حيث تتم معالجة هذا الأمر من خلال مناهج المرحلة الابتدائية العادية ومثل هذا الأمر يسبب ارباكاً في العملية التعليمية بل انه يؤدي إلى نفور من قبل التلاميذ لأنهم لا يتفاعلون مع منهج اقل من قدرتهم على الادراك والتعلم.

ثالثاً: فقدان التواصل بين آباء هؤلاء التلاميذ والمدرسة، فبعضهم فاقدون للآباء، وآخرون فاقدون للأمهات وقسم ثالث فاقد للأبويين معاً، وهذا ما يجعل معالجة مشاكلهم صعبة جداً، وعندما يتعرض التلميذ إلى أي ضغط من قبل الإدارة أو الهيئة التعليمية فأنه يترك المدرسة وتصبح عودته مشكلة حقيقية.

 

منظمة إنسانية واحدة

التقينا الآنسة شيماء عبد الكاظم المندوبة داخل المدرسة عن منظمة حماية اطفال كردستان وهي تحمل شهادة بكالوريوس علم النفس من جامعة بغداد. التي كشفت لنا مشاكل من نوع آخر بالنسبة لهذه الفئة من التلاميذ فقالت بداية: ان الأطفال (التلاميذ) الذين تشرف عليهم المنظمة من المتشردين والذين يتعاطون المخدرات بأنواعها. وقد هيأت لهم المنظمة داراً خاصة يذهبون إليها بعد انتهاء دوام المدرسة وتواجد معهم مجموعة باحثين لمعالجة مشاكلهم، ويقدمون لهم الطعام مع محاضرات تربوية مكثفة، لافهامهم مساوئ الشارع والتشرد. وتقدم لهم المنظمة الطعام والأدوية والرواتب إلى اهاليهم والبطانيات والادوات المنزلية شرط ان يستمروا في الدراسة.

* وهل تشمل هذه الرعاية كل تلاميذ المدرسة؟

ـ طبعاً لا فنحن نقوم بخدمة (23) طالباً داخل المدرسة وحين انتهاء الدوام نأخذهم الى دار مريحة في منطقة الوزيرية وهناك تتوفر لديهم اشياء كثيرة يفتقدونها في الشارع وفي المدرسة.

 

معاناة باحثة

وتعاني الباحثة المقيمة في المدرسة مشاكل أخرى معهم مثل كبر العمر والاستيعاب البطيء والتفكك الاسري والحالة المعاشية، والإدمان على المخدرات والعودة للتسوّل كلما سنحت الفرصة لهم.. وعن نوع تعاطي المخدرات تقول الباحثة: "أنها متوفرة ورخيصة مثل شم السيكوتين والتنر وغيره".

* وماذا تفعلون أمام هذا الواقع؟

ـ تقول شيماء، نعطيهم علاجاً جينياً، ومن مساوئه انه ذو فاعلية بطبيئة ولكن في بعض الأحيان يعطينا نتائج ايجابية، ونعالجهم نفسياً من النزعات العنفية التي ترافق بعض مشاكلهم أو الاحتكاك فيما بينهم، وتصل مشاكلهم في بعض الأحيان إلى مستوى التحرش الجنسي ولكن لم تصل لدينا أي حالة إلى مستوى الاعتداء الجنسي أو الاغتصاب. وهناك مشاكل تحصل بين التلاميذ باستمرار ونحاول ان نعالجها بحكمة. وفعلاً حدثت اثناء وجودي في المدرسة مشكلة بين مجموعة من الطلاب، سارع مدير المدرسة مباشرة إلى موضع الحدث، وبعد كلمات مع تهديد انفض الطلاب كل إلى امكانه. واستدركت: ان حل مشاكلهم بتهور تعيدهم إلى الشارع مرة ثانية.. بينما نحاول نحن ان نؤهلهم لمرحلة دراسية أخرى وتخليصهم نهائياً من الحنين إلى حالة التشرد والادمان وغيرها من المشاكل النفسية. ومن خلال حوارنا مع الباحثة شيماء استنتجنا بأن المنظمة مصممة على مواصلة عملها الإنساني داخل المدرسة وخارجها، بالرغم من توقف عمل منظمات إنسانية أخرى بسبب تهديدات ارهابية تطالبهم بالتوقف عن اداء عملهم الإنساني!!

 

مدارس مسائية لليافعين

يقول الأستاذ عادل القيسي مدير الأمية وتعليم الكبار في وزارة التربية: "ان الوزارة بصدد فتح مدارس مسائية لليافعين العاملين لغرض التحاقهم بالمدرسة بعد انتهاء عملهم، وسنسهل للناجحين منهم مهمة الالتحاق بالمدارس المهنية لتطوير مواهبهم كل في مجاله، ونحاول الآن استحصال موافقة السيد الوزير لفسح مجال الامتحان الخارجي للسادس الابتدائي للذين تركوا الدراسة من الكبار والعاملين ويرغبون باكمال دراستهم.

* ولكن المدارس الموجودة نفسها تعاني نقصاً في الملاك؟

ـ هذا صحيح.. وبلغنا مديري المدارس بضرورة تكليف المعلمين بالقاء المحاضرات وصرف الاجور لهم صحيح ان الاجور متدنية ولكن هذا ما نستطيعه الآن ومن الممكن ان تتحسن اجور المحاضرات مستقبلاً.

وحول اعداد اليافعين، قال القيسي: "انه في بداية كل سنة، وقبل بداية الفصل الدراسي، نشعر مديريات التربية في المحافظات باجراء جرد احصائي لليافعين واليافعات الذين تركوا الدراسة والمتسربين منها في كل منطقة.. وفي ضوء الحصر المرسل إلينا مع المقترحات لمعالجة مشاكلهم. تتم دراسة الحالة واصدار التعليمات المناسبة من اجل المباشرة بالدراسة.

 

* وماذا بشأن بنايات المدارس؟

ـ لقد اوعزت الوزارة إلى المديريات العامة للتربية باتخاذ بنايات المدارس المتوسطة والاعدادية والابتدائية التي دوامها صباحي فقط، كمدارس لليافعين. وقد طبقت هذه التعليمات في بعض المحافظات مثل نينوى، وكربلاء، وديالى. وفي حالة توفر عدد قليل من اليافعين، فقد اوعزنا بضخ صفوف ملحقة بالمدارس الابتدائية لاستيعاب هذه الاعداد القليلة.

 

وبعد

من خلال جولتنا في محطات اليافعين يمكننا ان نؤشر أهم الخطوات الضرورية لتفعيل دور هذه الحلقة التعليمية والتربوية في حياتنا وإعادة هذه الفئة من انصاف المتعلمين وانصاف السائبين إلى جادة العلم والعمل:

اولاً: لاحظنا افتقار الكادر التعليمي إلى الاساليب الخاصة في تعليم هذه الفئة وقصوراً واضحاً في كفاءة الاداء مما يتوجب زجهم في دورات لتأهيلهم تعليمياً وتربوياً.

ثانياً: ضرورة سد النقص في اعداد المعلمين ان لم يكن من خلال ملاك جديد فمن خلال أسلوب المحاضرات على شرط رفع اجور المحاضرات لتكون حافزاً للمعلمين للانخراط في هذا النشاط.

ثالثا: احياء وتشغيل الورش، التي لم نشاهد إلا واحدة منها، وهي شبه معطلة، ذلك أنها تساعد على تأهيل هذه الفئة لحياة عملية تنقذهم من التشرد والانحراف.

رابعاً: تخصيص باحث اجتماعي لكل مدرسة مهمته متابعة مشكلات التلاميذ الاجتماعية والنفسية، داخل المدرسة وخارجها ومساعدتهم على اقامة علاقات سليمة في محيطهم حتى تنضج نتائج العملية التعليمية والتربوية.

خامساً: لا بأس في تخصيص مبلغ شهري لكل طالب، اسوة بما تقوم به بعض المنظمات الإنسانية ومنها (منظمة اطفال كردستان) لتشجيعهم على الاستمرار في الدراسة وليكن توفير هذا الجانب المادي من خلال إنتاجية الورش الفنية بعد تشغيلها واستثمارها.

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة