الاخيرة

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

 

حدود الخمسة آلاف دينار...

أسعد الهلالي

لن أتحدث عن فلم الحدود الذي قام الفنان دريد لحام بأداء دور البطولة فيه برغم ما أحيط به حين عرضه قبل سنوات من ضجة إعلامية اعتبرته تجسيداً لما يعانيه الإنسان العربي من تيه.. سأتحدث عن حدود أخرى أقل ما توصف به أنها صورة مجسدة للتتييه... إنها الحدود العراقية مع دولتين من دول الجوار هما سوريا والأردن.. اعلموا أولاً أنني ما زلت أزدرد غضبي عما شهدته يوم الجمعة الماضي 3/12/2004 أثناء اجتيازي نقطة طريبيل الحدودية برغم أني تجرعت الغصة ذاتها قبل عام حين اجتزت الحدود مع سوريا.. ما زال صوت انفجار طريبيل الذي دوى في مساء الجمعة الماضي يطن في أذني وأشد منه طنيناً فكرة أن هناك تتييهاً متعمداً ومدروساً بعناية فائقة.. فليست مصادفة بالتأكيد أن يتكرر ما حدث لي في زيارتين مختلفتين للعراق اجتزت فيهما الحدود من منفذين مختلفين.. في منتصف تشرين الأول المنصرم اجتزت نقطة الكرامة الحدودية الأردنية ليتلقفني وأربعة ركاب الهدوء الغريب في طريبيل (الثانية بعد منتصف الليل).. كان آخر تقتيش روتيني اجتزناه ذاك الذي كان في نقطة الكرامة.. أما النقطة الحدودية العراقية فقد نسيت أن هناك تقتيشاً يجري في العادة على مجتازي الحدود والمركبات التي أقلتهم.. فلم ينظر إلى وجوهنا احد ولم تحظ مركبتنا ولو بنظرة من موظف أو شرطي.. ما تناهى لأسماعنا فقط ضحكة صادحة من المختص بالتقتيش وقد قبضت كفه على خمسة آلاف دينار عراقي وكلمات الممازحة مع سائقنا تتناثر حوله كرذاذ باذخ.. وحين جمع السائق جوازات السفر الخاصة بنا ليختمها لم يجد موظفاً يقوم بذلك فعاد سريعاً ليعيد إلينا جوازاتنا دونما ختم مردداً: برقبتي ما راح تحتاجون أي ختم؟.. وحين زرنا المركز الصحي لفحص الأيدز وجدنا صبياً لم يجتز الثانية عشرة ممسكاً بالختم وهو يردد ببغائية: ختم الجواز (بخمس تالاف دينار..) أتذكر أني سألته وقتذاك عن الموظف المختص فقال: أبي نائم وأنا أقوم بعمله.. قلت له: عمله ليس ختم الجوازات بل فحص الأيدز فقالك عمي (لتدوخنا).. أدفع (خمس تالاف) وجيب جوازك اختمه، قلت له: أنني مصاب بالايدز ألا تفحصون دمي؟.. قال ببرود: أنا ما إلي علاقة أدفع خمس تالاف دينار اختم لك جوازك... سألت السائق: ما الذي سيحدث إن لم أختم جوازي؟.. قال: لا شيء.. قلت: إذن لن اختمه، وغادرت المركز الصحي كما غادره الركاب الأربعة الآخرون لنتجه إلى الأراضي العراقية التي ما أن اجتزنا ما ينيف على العشرين كيلومتراً منها حتى رجعنا بسرعة بعد أن اعترضتنا سيارة تعرضت لإطلاق الرصاص بسبب التسليب.. حدث هذا وما زلنا ضمن حدود طريبيل.. ألا تتفقون معي ان ما يحدث هو تتييه متعمد خاصة أنه لم يكن محض مصادفة شهدتها أنا ولمرة واحدة.. فلم يتم تفتيشنا أو تفتيش سيارتنا أثناء اجتياز الحدود السورية قبل عام أثناء دخول الأراضي العراقية ومغادرتها وكذا الأمر أثناء اجتياز الحدود الأردنية هذا العام.. ألا يشير هذا إلى نية لتكريس حالة من الفساد الإداري في النقاط الحدودية يصبح معه اجتيازها ممكناً للإرهابي والمهرب والمزور والهارب من حكم قضائي.. وإن قلتم أن تدقيق الجوازات لختم المغادرة قد يكشف المزورين أو المطلوبين مثلاً سأقول بأن ما شهدته أثناء مغادرتي الأراضي العراقية عبر طريبيل يوم الجمعة 3/12/2004 ينفي ظنونكم.. فإذا كان ختم الجواز القديم الذي ختمت العديد من صفحاته الداخلية يتم بسهولة لأنه يدفع عن نفسه تهمة التزوير بكثرة الاختام فإن ختم الجواز الجديد يتم بسهولة أكثر بعد تسديد خمسة آلاف دينار فقط تذهب لجيب المختص بختم الجوازات مقابل أي جواز سفر جديد لم يختم مسبقاً دون الانتباه إلى حقيقة كون الجواز حقيقياً أم متسرباً من (زواغير سوق مريدي).. ترى، أيظل الأمان في الشارع العراقي مجرد حلم بعيد المنال وحدودنا (فالتة) بهذا الشكل.. وهل هناك عجز عن ضبط الحدود.. أم أن ما يحدث متعمداً كما يظن الكثيرون بخاصة سائقي العجلات التي اعتادت اجتياز الحدود بشكل شبه يومي ورأت من هذه المشاهد أكثر بكثير مما يرى أي زائر عابر حتى إن كان (قجقجياً)..

 


الفنان الفوتوغرافي فؤاد شاكر رافقت المتعبين والمنفيين والبساط

غسان كاظم

فؤاد شاكر، فوتوغرافي محترف، ولد في بغداد عام 1949، بدأ رحلته الفنية عام 1962، واهتم بتصوير الطبيعة وحدث الحياة، أقام واحداً وعشرين معرضاً فوتوغرافياً، كتبت عنه عدة دراسات ونشرت بأكثر من صحيفة عراقية وعربية وعالمية، له مشاركات دولية، كما عرضت أعماله في صالات العروض العالمية ونشرت أغلبها في الصحف والمجلات العربية والأجنبية، حصد العديد من الجوائز في مجال التصوير الفوتوغرافي، كما أنه ناقد ذائع الصيت في هذا المجال، وقد نشرت كتاباته في الصحف اللندنية والعراقية، اختيرت أعماله لكتاب (فوتوغرافيون عراقيون) الصادر عن الدار الوطنية للنشر عام 1988.

وإبراز لكل ذلك كان لنا معه هذا الحوار:

*هل لنا أن نتعرف على البدايات؟

- جئت إلى دنيا الفن والإبداع الفوتوغرافي عام 1972، عملت في البداية مرتشاً للسوالب، وتجميل الصور الشخصية، أمضيت فيها حوالي خمسة عشر عاماً، ولما مللت هذه الصنعة حملت الكاميرا وانطلقت إلى ميادين الحياة لأصور مفردات المشهد اليومي. والحقيقة أنني رافقت المتعبين والمنفيين والبسطاء، وكنت كلما سئمت الحياة ازداد تعطشي بالعودة إليهم وهكذا صاروا مادتي وموديلاتي لاجعل من الإنسان العلامة الفارقة في أعمالي. وقبل ذلك جئت من حي فقير، وبيت معتم في إحدى ضواحي بغداد، وقد قادتني أضواء الدنيا البهيجة لأن أرى النور على أنه الثروة العظيمة التي يجب أن يستفيد منها الإنسان. لم التفت في حياتي إلى الواجهات والناس المتخمين بقدر ما ركزت على الأحياء الشعبية التي تحكي تراكمات الأزمان البعيدة، وفي النهاية جعلت منها فراديس معلقة، لقد نظرت إليها تلك النظرة المهيبة والحالمة، وكنت أتطلع إليها بعيني طفل مندهش، وقد صورت عالمي هذا كما يجب أن يصور. وكثيرا ما أسقطت أحاسيسي الفائرة عليه.

*اتنتمي أعمالك الفنية إلى مدرسة فنية أو منهج خاص؟

- أعمالي تنتمي إلى السرد الواقعي، برغم أنني أجيد كل ضروب الإبداع التصويري، لكنني في الوقت ذاته لا أميل إلى التفريق التصويري، إلا من أجل اخراج الصورة من الجمود والرتابة، وهناك واحدة من تلك الأعمال التي انتجتها مؤخراً لسوق الأحمدي في سوق الهرج ببغداد، ويجب التذكير بأن هذا السوق قد تآمر عليه الزمن، وأرى من مسؤوليتي أن أقربه إلى الذاكرة الجمعية لأنه ببساطة من ملامح بغداد القديمة التي شهدت في شهر آذار من عام 1917 دخول الجنود الانكليز والسيخ والهنود والبرتغاليين إلى ميدان الحكومة القديم. وقتما لم يكن في بغداد، شارع رئيس، غير شارع الرشيد.

*أترى أن مهمة الفنان تكمن في نقل الواقع، أم في إعادة تشكيله؟

- الفنان الفوتوغرافي تحديداً، عادة ما يشتغل على صنفين من الصور، ففي الصحفية منها، يراعي فيها مبدأ الأمانة والصدق، كأشتراط ثابت، أما الفنية والتكنيكية فأنه يلحق بها ويصب كل خبراته ليحيلها إلى لوحة فوتوغرافية، وأنا واحد من الذين يتبعون هذا الأسلوب لأوازن ما بين ما مطلوب مني في الجانب المهني، وما بين ما أريد أن أثبت من خلاله مهاراتي في صناعة الصورة، كعمل جدير بالإعجاب والتحليل والتأمل المتأني، وإذا ما عدت إلى أرشيفي ستجد الكثير من الأعمال التي تستحق الوقفة والتعليق مع الجدار الأنيق. وإذا ما قلنا أن هناك أعمالاً تستحق ربما دقيقة أو ثلاث دقائق من الإمعان بها. الكثير من أعمالي من ذلك النمط وأقول دونما غرور تتجاوز هذا الاشتراط إلى الزمن المفتوح والمطلق، ولذلك فأنا أعد كل واحد منها قطعة من قلبي والأكثر من ذلك أنها أرث سوف لا يتكرر ولا يمكن أن يأتي به غيري.

*هل لنا أن نتعرف على مواصفات أعمالك؟

- إن مجمل أعمالي تتركز على الواقع المحلي المعاش، وكما تعرف فإن المحلية منطلق للعالمية لكنني أحقق عليها التكنيك الطباعي المتفرد، وجعل الضوء يكتسح الظلة أو يتسيد عليها مع الحفاظ على صراعها الأزلي.

*في أعمالك ترى امتزاجاً عميقاً ما بين عين الكاميرا وعين الفنان في خلق رؤية مميزة تبرز ما وراء الملامح، وما تحت السطح، حافلة بالثراء والعمق، ما تعليقك في ذلك؟

- من خلال تجربتي عرفت خصائص أدوات الإبصار بكل أجيالها، وبت أفرق ما بين عدسة من زجاج، وأخرى من ياقوت، واستفدت بالتالي من الإمكانات التعبيرية التي تتيحها الآلة في حال استخدامها، استخداماً فعالاً، ولذلك اقتربت من موضوعي اكثر فأكثر.

والخلاصة أنني لا أصور إلا بتهيؤ واستحضار مكثف للذات، وقد شغفت بالمحيط البيئي وقيعان الأحياء الشعبية، تعبيراً عن انتمائي إليها، وتعاطفي مع الطبقات المسحوقة التي اعتادت أن تعبر بالأزمان الصعبة بكل تلك القناعة والصبر الذي لا يوصف.

*آخر نشاطات الفنان فؤاد شاكر؟

- بعد هذه الرحلة الطويلة مع الكاميرا والحدث فأنني قلق جداً بشأن أرشيفي الكبير الذي يحتاج إلى تنظيم وتبويب، والوقت لا يكفي لأنني موزع ما بين الصحافة التي هي محرقة للنتاج الإبداعي، وما بين مزاولة الفن الذي لا سوق له هنا.

قدرنا أننا خلقنا له ومع ذلك في النية تحويل أعمالي إلى لوحات كرافيكية على شكل حقائب تحوي كل حقيبة اثني عشر عملاً مميزاً، وذلك في احدى ورش الطباعة الفنية.

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة