بقلم :
تيم وينر
لا يمكن القول أن
شركة لوكهيد مارتن تدير الولايات المتحدة، إلا إنها بالفعل
تساعد في إدارة جزء كبير باهر منها.
خلال العقد
الأخير، قامت لوكهيد، التي تعد أكبر متعهد عسكري في
الولايات المتحدة، بإنشاء إمبراطورية هائلة لتكنولوجيا
المعلومات و التي يمتد تأثيرها حالياً من البنتاغون و حتى
نظام البريد الوطني الأميركي. فهي تقوم بتصنيف بريدك و
إحتساب ضرائبك، و تقوم بإقتطاع دفعات الضمان الإجتماعي و
إحتساب التعداد السكاني للولايات المتحدة. و تقوم كذلك
بإدارة الرحلات الفضائية و مراقبة حركة النقل الجوي. و لكي
تقوم بعمل ذلك كله، تعمل لوكهيد على إعداد برامج حاسوبية
تفوق ما تقوم به شركة مايكروسوفت الشهيرة للبرمجيات.
إلا إن ما تشتهر
به لوكهيد، التي يقع مركزها في بيثيسدا بولاية ماريلاند
الأميركية، بالطبع هو الإسلحة التي تقوم بإنتاجها و التي
تعد جوهر الترسانة الأميركية. فالشركة تعمل على صناعة معظم
الطائرات الحربية الأميركية. و تقوم بتصنيع الصواريخ
المستخدمة في الإسلحة النووية و المتحسسات التي تدخل في
تركيب أقمار التجسس و أنظمة أخرى تدخل في مجال الإستخدامات
العسكرية و الإستخباراتية. و في هذا الإطار، ربما كان
البنتاغون و وكالة الإستخبارات المركزية سيواجهان صعوبة في
تأدية مهامهما من دون توظيف الخبرة التي تتمتع بها شركة
لوكهيد.
لكن في أعقاب
الظروف التي سادت عالم ما بعد الحادي عشر من أيلول، تنامت
مكانة لوكهيد بحيث تعدت كونها جزءاً مكوناً من المجمع
الصناعي العسكري – كما أطلق الرئيس الأميركي الأسبق دوايت
دي. آيزنهاور على قطاع الصناعات العسكرية. فالشركة أصبحت
تترك طابعاً متزايداً خاصاً بها على السياسات العسكرية
الأميركية كذلك.
و تقف لوكهيد عند
" نقطة التقاطع الواقعة بين حدود السياسة و التكنولوجيا،"
كما يقول كبير المسؤولين التنفيذيين الجديد في الشركة،
روبرت جي. ستيفنز، مضيفاً :" و هو بالفعل مكان ممتع للغاية
بالنسبة إلي". و يقول ستيفنز، الذي كان يوماً ما عسكرياً
منخرطاً بشدة في سلاح مشاة البحرية الأميركية، " يتم توظيف
جهودنا كلياً في تطوير تكنولوجيا متطورة بشكل مخيف،" و ذلك
يتطلب، " أن نضع في إعتبارنا كل الأبعاد السياسية للأمن
القومي اضافة للأبعاد التكنولوجية" على حد قوله.
إلا إن الصلات
العميقة التي تربط لوكهيد بالبنتاغون تثير بعض التساؤلات
بالنسبة للمنتقدين. حيث يقول أحد هؤلاء النقاد: " من الصعب
عليك أن تقول أين تنتهي حدود الحكومة و أين تبدأ حدود
لوكهيد". و يعمل دانييل برايان في مشروع مراقبة الحكومة، و
هي مجموعة لا ربحية مقرها واشنطن، و تعمل على مراقبة عقود
الحكومة الأميركية. و يضيف برايان قائلاً: " لا يقوم
الثعلب بحراسة حظيرة الدجاج. بل إنه يعيش داخلها".
و تجد لوكهيد
نفسها في وضع يحسدها عليه بقية المتعهدين في حين يتعلق
بالأعمال الجارية مع الحكومة الأميركية. حيث تأتي نسبة تصل
الى قرابة
80
% من مداخيلها المالية من الخزانة الحكومية الأميركية.
فيما يعزى معظم ما يبقى من دخلها من بيع منتجاتها العسكرية
لدول أجنبية، و التي يتم تمويل الكثير منها بإستخدام أموال
الضرائب. و تجد مسؤولي لوكهيد السابقين و جماعات الضغط
المؤيدة لها و المحامين المرتبطين بها يحتلون مناصب مهمة
في البيت الأبيض، و يعملون في مجال إختيار المعدات
العسكرية و رسم خطوط السياسات.
و من السهل أن
ندرك أن مصائب الحروب و الأزمات تنقلب فوائد لقطاع الأعمال
المرتبط بالسلاح، على رأي المثل السائد. فقد إرتفعت
ميزانية البنتاغون المخصصة لشراء اسلحة جديدة بنحو الثلث
خلال السنوات الثلاث الماضية، من
60
مليار دولار في عام
2001
الى
81
ملياراً في السنة المالية
2004.
و إرتفعت مبيعات لوكهيد أيضاً بنفس النسبة من
24
مليار دولار عام
2001
الى زهاء
32
ملياراً في سنة
2003.
و قد كانت لوكهيد أكبر متلقٍ لعقود البنتاغون الرئيسة،
محققة
21.9
مليار دولار في سنة
2003
المالية. في حين حصلت شركة بوينغ على
17.3
مليار دولار من العقود، و شركة نورثروب غرومان على
11.1
مليار، و شركة جنرال دايناميكس على
8.2
مليار.
و قد حصلت لوكهيد
كذلك على عشرات المليارات من الدولارات في تعاملاتها
المالية بصورة طلبيات مستقبلية. و قد زادت أسهم الشركة
المالية بثلاثة اضعاف، لتبلغ أقل من
60
دولاراً بقليل، خلال الأربع سنوات الأخيرة.
و في هذا الإطار
قال جون بايك، و الذي عمل محللاً عسكرياً لفترة طويلة و
يدير منظمة غلوبال سيكيوريتي البحثية على الإنترنيت و التي
يقع مركزها في مدينة أليكساندريا في ولاية فيرجينيا
الأميركية، " جرت العادة أن ينظر الى [لوكهيد] بكونها مجرد
شركة [لتصنيع] الطائرات،" و يضيف بايك قائلاً: " إنها الآن
شركة تتعامل مع أسس الحرب. و هي تعمل على توفير الحلول
المتكاملة. إنها مركز واحد تتوقف عنده لشراء أي شيء. فهم
سيبيعونك أي شيء يلزمك لقتل الأعداء".
و بينما يتنامى
نفوذها، لا تسعى لوكهيد وراء مجرد إيجاد حلول لمسائل الأمن
القومي. فهي تعمل على صياغة جوهر تلك المسائل كذلك:
هل هناك القليل
جداً من الجنود لتأمين المساحات الشاسعة للعراق؟ و تعمل
لوكهيد على تطوير جنود آليين و برامج حاسوبية تحاكي الدماغ
البشري في عمله – أو "عملاء ذكاء صناعي" – لأداء العمل
الموكول الى أولئك الجنود ( البشريين). و على حد قول السيد
ستيفنز: " نعمل الآن على تطوير خيارات للسياسة المتبعة حيث
يمكنك أن تختار وضع إنسان أو وضع عميل ذكاء صناعي في
المكان [المطلوب]".
هل يغرق الآلاف
من محللي وكالة الإستخبارات المركزية و البنتاغون في فيضان
من المعلومات، بما يجعلهم عاجزين عن رؤية وجود أنماط و
صلات مميزة فيها؟ سيعمل " مصنع معلومات الإستخبارات" الخاص
بلوكهيد بإجراء عمليات التحليل الفكري اللازمة نيابة عن
أولئك المحللين. حيث سيؤدي التنقيب عن الفئات المختلفة من
الحقائق و غربلتها، اللتين سيقوم بهما ذلك المصنع – على
سبيل المثال، إيجاد صلات بين تحركات خصم ما و مكالماته
الهاتفية – الى " تقليل عبء العمل الفكري عن طريق إيجاد
الصلات،" كما قال ستانتون دي. سلون، نائب الرئيس التنفيذي
المسؤول عن الأنظمة و الحلول المتكاملة في لوكهيد.
هل يجد الجنود
الأميركيون صعوبة كبيرة في التعرف على العدو و الصديق في
الجبال الوعرة الشديدة الإنحدار في أفغانستان؟ تعمل لوكهيد
على نقل التكنولوجيا المستخدمة في أقمار التجسس الصناعية
التي تم تطويرها من أجل عمل خرائط للسلاسل الجبلية، بما
يتيح إستخدامها في بناء مختبر متنقل لقراءة بصمات الأصابع.
و يقول مسؤولو لوكهيد بأن هذا المختبر المتنقل الذي يكافيء
حجمه حاسوباً محمولاً، هو تماما تلك الأداة التي يتطلبها
عمل جنود المهمات الخاصة. حيث من الممكن أن يتم تحميل ذلك
المختبر بنماذج من بصمات الإرهابيين المشتبه بهم، كما يقول
أولئك المسؤولون، كما يمكن أن يتم ربطه أيضاً بملفات
البصمات التابعة لمكتب التحقيقات الفيديرالي التي يصل
حجمها الى
470
مليون ملف. و يقول هؤلاء المسؤولون بأنهم يعتقدون أن أقسام
الشرطة الأميركية ستحتاج الى ذلك المختبر أيضاً.
هل تملك
وزارة الأمن القومي الأميركية أفضل الوسائل لحماية
الولايات المتحدة؟ تقدم لوكهيد عدداً كبيراً من
التكنولوجيات العسكرية و الإستخباراتية. و يقول جونديفيد
بلاك من قسم آفاق التكامل الأفقية في الشركة: " ما يستطيع
[العاملون في الشركة] فعله للجيش وسط الفلوجة، يمكنهم فعله
للشرطة وسط مدينة رينو [في ولاية نيفادا]". و تعمل لوكهيد
كذلك على بناء منطاد ضخم يحلق على إرتفاعات عالية، و هو
أكبر ﺒ
25
مرة من منطاد شركة غوديير الذي يستخدم غاز الهيليوم، و
يؤمل أن يساعد هذا المنطاد البنتاغون في حل المشكلة
العويصة المتعلقة بحماية الولايات المتحدة من هجمات
بصواريخ باليستية. و يمكن لهذا المنطاد، المزود بحمولة
طنين من المتحسسات المستخدمة في المراقبة، أن يستخدم من
قبل وزارة الأمن القومي الأميركية لتضع نصب عينيها على
البلاد، حسبما يقول مسؤولو الشركة.
و في برنامج
ريادي وضع خصيصاً من أجل الوزارة، قامت لوكهيد بنصب
كاميرات و متحسسات المراقبة على متن المنطاد يو. أس. أس.
نيوجيرسي، و الذي تم تثبيت مرساته في نهر ديلاوير، مما
يعمل على تزويد الوزارة بوسيلة لمراقبة موانيء فيلاديلفيا
و كامدين في ولاية نيوجيرسي على طول اليوم. و قد كان
البرنامج ثمرة لأنظمة إيجيس للتسليح و المراقبة المستخدمة
في سفن البحرية الأميركية، و من المحتمل أن ينتشر إستخدامه
قريباً في أرجاء الولايات المتحدة.
و قد بدأت
عملية لحم قطاعات البرامج العسكرية و الإستخباراتية و
تكنولوجيا المعلومات و النفقات الموجهة لدعم الأمن الوطني
الأميركي و بشكل عاقد العزم بعد هجمات
11
أيلول. و كانت لوكهيد موجودة في الموقع الملائم بالضبط
بما يجعلها تستفيد من التغيير الحاصل. و حينما قررت
الحكومة الأميركية قبل عقد من الزمن أن تسمح للولايات
بالتعامل مع نظام تكنولوجيا معلومات ذي أساس فيديرالي،
إنتهزت لوكهيد الفرصة السانحة. و قد تضاعفت مبيعات
تكنولوجيا المعلومات الخاصة بها بواقع أربعة أضعاف منذ عام
1995،
و قد تصدرت لوكهيد قائمة مزودي الحكومة الفيديرالية
الأميركية بهذا النوع من الخدمات طوال تلك السنوات، وهي
تقوم في الوقت الحالي بمنح عقود ثانوية لما يصل الى
83
% من مجمل أعمالها المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات.
و قد
أخذت لوكهيد على عاتقها مهمة جعل المعلومات تنساب بين
أقسام الحكومة الأميركية، بدءاً من شبكة الحواسيب التابعة
لمكتب التحقيقات الفيديرالي التي كانت تعاني إختلالات
وظيفية في السابق، الى شبكة وزارة الصحة و الخدمات البشرية
التي تقوم بمتابعة الدعم المقدم للأطفال. وقد حصلت الشركة
تواً على عقد بقيمة
525
مليون دولار لإصلاح الأنظمة المعلوماتية التابعة لإدارة
الضمان الإجتماعي. كما فازت بعقد قيمته
67
مليون دولار لنصب شبكة حاسوبية تجعل الأسرار تنساب بين
أقسام وزارة الأمن القومي الأميركية. و يأتي في مقدمة ذلك
كله، برنامج بقيمة
17
مليار دولار تساعد الشركة من خلاله في إدخال تغييرات مهمة
في نظام سلاح خفر السواحل التابع للولايات المتحدة، كما
تعمل الشركة على وضع أنظمة تعريفية إحصائية عضوية لستة
ملايين أميركي يعملون في قطاع النقل، طبقاً للقانون الوطني
الأميركي. |