حوار
وكتابة/ عدنان منشد
معرفتي
الشخصية به ترقى الى اربعة عقود خلت، ايام الطفر والتسكع
في شارع الحبوبي ومحلة السيف والمدرسة الشرقية للبنين في
مدينة الناصرية - ايام السنوات الستينية المبكرة من القرن
الماضي، حين كنا طلبة نشارك في الاعمال المسرحية بمعية
فاضل خليل وعزيز عبد الصاحب وبهجت الجبوري وعبد الرزاق سكر
وراجي عبد الله وعبد المطلب السنيد وحكمت داود وكاظم
العبودي والمطرب حسين نعمة، التي افرزت عروضاً مسرحية
تحاكي عروض مسارح العاصمة وقتذاك، ومنها (اوديب ملكاً) و
(باخوس) و (تحت موس الحلاق) و (المسيح يصلب من جديد)
وغيرها الكثير..
كان الفنان
كاظم ابراهيم متعدد المواهب منذ البدء، هوايته الاولى
الرسم، ثم التمثيل وتصميم الديكور والشعر وصناعة النكتة
السريعة لسبب او غير سبب... وعلى الرغم من شهرته الواسعة
بين ابناء مدينته الاولى، الا انه ولظروف موضوعية وذاتية -
فضل لسنوات عديدة العمل بصمت، متفرغاً لهوايته الاولى،
زاهداً عن دوائر الاضواء كافة، ومتخلياً عن اريحيته وظرفه
الدائم، خصوصاً بعد ان سكن في بغداد منذ اوائل العقد
الثمانيني الماضي، فكان لقائي به قبل اسابيع معدودات
مثاراً الشجوني وصبواتي الدفينة..
حدثني في
ضوء اسئلتي العديدة عن اسباب زهده واعتكافه قائلاً:
- لعلك
تريد ان تقول، بأنني في متاهة، او مبتعد عن المشهد
التشكيلي الماضي والراهن.. ابداً! انا في صلب المشهد، وما
زلت ارقب بكثب ما يدور في الوطن، من مشاهد وصور مأساوية،
تجعلك تنسى كل الخطوط والالوان وكل ما له علاقة بعالم الفن
التشكيلي والجمالي على السواء..
ويضيف:
- انا يا
سيدي، اراقب الحدث الاكبر الذي رسم لنا لوحة كبيرة، يعجز
اي فنان ان يصورها، مهما امتلك من القدرة الحرفية والفكرية
والثقافية، فالمشهد التشكيلي، والمشاهد الفنية الاخرى
كالمسرح او الموسيقى او الغناء مشوشة على الرغم من
الامكانات والقدرة العالية عند الكثير من الفنانين في
العراق، وهم اعلام على المستوى العام ولكنهم يجدون الحدث
الدرامي على ارض الواقع اكبر من اي عمل فني..
لست في
دائرة اليأس. الا ان مفردة الحاضر الراهن او (الآن) تجعلني
مع الكثير من امثالي، ضمن تكوينات غريبة عن العالم الجميل
الذي نقف في دائرته.. ولا اغالي اذا ما قلت ان المستقبل
القريب او حالة الامل لهما مشهد آخر يختلف تماماً عما
تواضعنا عليه في السنوات السابقة.. وشخصياً اقف ضمن هذا
المشهد شأني في ذلك، شأن الكثير من الفنانين العراقيين
المبدعين..
المخزون الفني وبارقة الامل والحلم
حين نحلق
نحو الانجم نطبق عيوننا، فما نبصر بعد وهج الشمس. وما اغرب
ان تصعد للسماء ارواحنا. ولهذا قلت لكاظم ابراهيم:
* كيف ترى
المشهد التشكيلي بعد سقوط نظام الطاغوت؟
- لقد ترك
لنا النظام الطاغوتي السابق ارثاً لا نحسد عليه من
المتاهات الفوقية فكرياً وفنياً وثقافياً، وجعل الانسان
العراقي اشبه بحصان (الريسز) يركض... ويدور ثم بعد ذلك،
عندما يضعف ويهزل، يترك في ارض خراب.. تماماً، كما صور هذا
المشهد فناننا الراحل الكبير فائق حسن في لوحة (انتظار)..
ولهذا اقول، اجد تراجعاً فنياً في العطاء، لا يمكن السكوت
عنه كماً وكيفاً، ولم يتضح امامي حتى الآن مشهداً فنياً
حقيقياً يعتد به ... وطموحي، ان هناك بارقة امل او حلماً
كبيراً يحتاج الى كل هذا اليأس الذي يلتف حولي.
* هل
الالتزام ضروري للفنان؟
- الفنان
بطبيعته وتكوينه، انسان ملتزم .. لكن هناك محاور كثيرة في
معنى الالتزام.. فهناك الالتزام الفكري الذي يصب في قيادة
المجتمع من الجانب الجمالي اي انك تحاور الانسان حواراً
جمالياً ، سواء اكان متلقياً محدود الثقافة، او ذا ثقافة
عالية. ولكن بشرط ا ن تكون قائداًَ وليس متلقياً سلبياً
للآخر.. فالمتلقي، عليه ان يسعى لمعرفة حالة الفنان، وما
يريد ان يقوله سواء باللوحة او الكلمة ، وبشتى الاساليب
الاخرى.. وليس وضوح الصورة يعني الالتزام ابداً..
سلم الصعود نحو المعالي
اربعة عقود
من السنين حتى المصادفة العابرة بالفنان كاظم ابراهيم
اربعة عقود من العمر حتى مصادفة اخرى، اعرف هذا .. ولكن
محدثي ينقلني على حين غزة الى ظاهرة انتشار القاعات الفنية
في العاصمة، خلال العقد التسعيني الماضي، قائلاً:
- انها
ظاهرة حضارية، رغم محدودية الجمهور الذي يتردد على هذه
القاعات، لكنها حقاً تعد اسهامة فعالة في تحريك آلية العمل
الفني على المستوى الداخلي، او المستوى الخارجي. . فضيلة
هذه القاعات الفنية، في تقديري انها سعت الى انتشار الفن
العراقي في جميع دول العالم، وهي على العموم تمثل سلماً
للصعود لفناننا التشكيلي العراقي، نحو آفاق سماوية رحبة،
او المعالي.
وماذا بعد؟
- اتمنى ان
تهدأ عاصفة الدمار.. ويرحل كل شكل غريب من هذا الوطن،
لنرسم معاً اجمل لوحة لأجمل وطن واطيب شعب!
بيوغرافيا
وكلمة اخيرة
من لا يعرف
الفنان كاظم ابراهيم، اقول بإختصار انه من مواليد الناصرية
في 1947. دبلوم معهد الفنون الجميلة عام 1967 وبكلوريوس
كلية الفنون الجميلة فيما بعد.. عضو سابق في نقابة
النفانين العراقيين المنحلة فضلاً عن عضويته المستمرة في
جمعية التشكيليين العراقيين الحالية. له مشاركات محلية
وغربية ودولية على فترات متفاوتة حصل على الجائزة الاولى
في (البوستر) السياسي عام 1977، وحاز على جائزة الدولة في
عام 2000.
كان لقاؤنا
بعد هذه السنوات الطوال، يطل على ابي نؤاس، حينما لملم
النهار ذيوله، وقد شاهدنا معاً الشمس وهي تغيب.. اواه
صديقي القديم، اود من القلب لو ارى الشمس تشرق من دون
انقطاع!
|