الاخيرة

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

وقفة: زوجتي إرهابية!

احمد عبد القادر

الإرهابي، اسم مأخوذ من الفعل الرباعي (أرهب) أي أخاف، واخذت كلمة إرهابي معناها السائد في هذا الزمن وهو الشخص الذي يقوم بقتل الناس بطرق متعددة كالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة التي يقودها اناسٌ يطمحون إلى بلوغ الجنة عن طريق قتل اكبر عددٍ من الأطفال والنساء والشرطة فتحتفل الفضائيات بهذا الصيد العراقي الثمين وسط مباركة عرّابي (المقاومة) من كتابٍ وصحفيين يسمون الأشياء بنقائضها، ويحملون على شعب العراق اصراً لأنه خيّب امالهم فلم يحم نظامه الزائل ولم يشدّ أزره وقت المحنة.

هذه الحقائق عن الإرهاب يعرفها الجميع والغرض من ذكرها هو التنبيه فقط، ولكن الذي لا يعرفه الكثيرون هو أن الإرهاب له اشكال سلمية أي لا تسيل الدماء عند ممارسته ويأخذ معناه من اصل الفعل أرهب، أي أخاف، وذلك ما تفعله أكثر النساء بأزواجهن، وهذا ما تمارسه زوجتي معي وقد قيل في المثل السائر، (سَلْ مجرباً، ولا تسأل حكيماً)، وأنا ذلك المجرب الذي ذقت العذاب ألواناً على يديها وما أرويه هو غيضٌ من فيض وقطرة من بحر.

فإذا اقترب الراتب وضعت خطتها للقضاء عليه وتركي مديناً، تبدأ الطلبات تترى، شراء صحون الصيني، ستائر جديدة للشبابيك، مزهريات لغرفة الضيوف، ملابس للاطفال وغيرها الكثير، وحين أرفع يدي احتجاجاً كما يقول الشاعر فوزي كريم، تنخرط بالبكاء وتندب حظها المشؤوم الذي اعطاها هذا الزوج البخيل الذي لا يعرف كيف يصرف نقوده على احتياجات البيت.

اعود من وظيفتي بعد الظهر، متعباً، سئماً من مصائب الحياة والفوضى التي تدمر كل شيء فتبادرني بالقول: هل جلبت لنا غداءً من المطعم فأنا لم المطبخ هذا اليوم، وحين اذكرها بواجباتها المنزلية كونها ربة بيت غير مرتبطة بوظيفة أو عمل، تبدأ بالصراخ والولولة فاستعيذ بالله من الشيطان، واخرج إلى اقرب مطعم جالباً الطعام إلى البيت، وهذا ما يُراكم ديوني ويجعلني أُقتر كثيراً على مصروفي اليومي من سجائر وشايات في الدائرة، أو مشاركة اصدقائي مجالسهم الخاصة.

حتى متعتي البريئة من مشاهدة التلفزيون أو قراءة كتاب تجعلها جحيماً لا يطاق، فما إن اختار قناة تعجبني حتى تصب عليّ جام غضبها آخذة حصة الاسد من المشاهدة، واغلب ما تشاهده بعيد عن اهتمامي، فهي مولعة ببرامج الطبخ برغم أنها لا تطبخ، ومولعة بالازياء برغم أنها تلبس على طراز جدتها، وحين انسل لأنفرد مع كتاب يعجبني تهجم عليّ في خلوتي، وتطبق الكتاب بحدة صارخة في وجهي: لماذا لا تجلس معي؟ أبدأ شكلي لا يعجبك؟ ووسط دمدمتها ونشيجها انهض عائداً إلى مشاهدة التلفاز، متحسراً على الاطباق الشهية التي يعرضها برنامج (المطبخ) الذي صدئت أوانيه لقلة الاستعمال أو عدمه بشكل اصح.

تكره كل شيء أحبه، وتحب كل شيء أكرهه، تحب الصراخ، المناكدة، العناد، النوم مبكراً، الاستيقاظ ظهراً، التبذير، العبوس في وجه اصدقائي الذين اقسموا مع انفسهم كما اظن ألا يدخلوا بيتي خشية سماع كلمة تجرح مشاعرهم.

لقد بذلت جميع الاساليب لتقويمها لكن جهودي ذهبت ادراج الرياح، فشكرت الله تعالى على ما ابتلاني به متذكراً الحديث النبوي الشريف (المؤمن مُبتلى) لقد منحتني هذه المرأة صفة مؤمن وهي صفة تخفف من معاناتي.

لا تأخذكم الظنون أيها السادة، أنني أكره زوجتي أو انني افكر بتركها، أو قتلها لا سمح الله، فلها بعض الصفات الايجابية منها ان ارهابها مسالمٌ فلم تفكر يوماً بذبحي وانا نائم متخيلة اني احد افراد الشرطة، أو الحرس الوطني، وتقوم بتصويري بالفيديو مرسلة الشريط إلى قناة الجزيرة بعد ان تضع لثاماً على وجهها، لم تفكر في تمزيق جسدي برمانة يدوية تستطيع الحصول عليها بثمن بخس من احد تجار السلاح الذين يملأون الأرض خوفاً ورعباً، والذين يسرحون ويمرحون على مرأى من رجال الشرطة غير عابئين بدورياتهم وراجلتهم المشغولين بعد الأيام لتسلم راتب ضخم كان يحلم به موظفو العهد البائد  بعد ان جاعوا، وباعوا.. فضاعوا ألقوا أيها الإرهابيون سكاكينكم وعبواتكم، لا تفخخوا سياراتكم، انقلوا بها اطفالكم أو اخوانكم إلى مدارسهم اجعلوا ارهابكم مسالماً، اصرخوا على الناس في الطرقات سبّوا ، اشتموا، انظروا شزراً في الوجوه، تظاهروا احرقوا العلم الأمريكي، العنوا نغروبونتي على رؤوس الاشهاد، لكن ابتعدوا عن سفك الدم العراقي فقد رفع شكواه إلى الله مستغيثاً، فلقد صار حديث القاصي والداني، بعد كل هذا ستنالون لقباً اقل مقتاً وهو (الإرهابيون المسالمون) وقد يصفح الناس عن مشاكساتكم كما افعل انا مع زوجتي وام أطفالي (الإرهابية المسالمة) التي تعجبني احياناً حربها الباردة وسلامها المشاكس.


مشاتل تحتفي بالزهور

ماجد موجد

الحب لا غيره هو المشروع الأكبر الذي يعمل منذ النشأة الأولى للحياة على صيانة الجمال والاهتمام بعمارته واناقته ومكوناته ومكوثه مكوثاً ابدياً، مثلما الجمال له الأهمية الكبرى في وجود الحياة وديمومتها والجمال من وجهة نظر الحب له عدة مكامن ومعان لعل اهمها (الماء والخضراء والوجه الحسن) كما يقول الشعر الناطق (الرسمي) للحب والجمال.

وفي موضوع تحقيقنا هذا ارتأينا ان نقف عند احدى ثلاثية الجمال وهي الخضراء، ليس بوظائفها الحيوية الكبيرة، وإنما بمعناها ووظيفتها الجمالية المجردة.. فلم يكن امامنا من مقصد لغايتنا هذه سوى المشاتل (حيز) النباتات وزهور الزينة.

محطتنا الأولى كانت مشتل الاميرات وهو واحد من عشرات المشاتل المنتشرة في شارع فلسطين، وكانت في الخاطر أسئلة ملحة حول هذا العالم الرقيق الذي ينبض بالوانه وافراحه وشذاه، طرحناه على صاحب المشتل السيد حيدر عباس الكرخي، فأجابنا قائلاً: يصل عدد الزهور والنباتات المخصصة للزينة إلى الآلاف مختلفة الألوان والاشكال والاحجام والطبائع وطرق الحياة والانبات والتكاثر، ومنها ما هو موسمي وأخرى دائمية، كذلك تختلف طبيعة انباتها وحياتها، فهناك أزهار تنبت وتتكاثر عن طريق البذور واخرى عن طريق الأقلام وغيرها عن طريق تفسيخ وريقاتها وشتلها في سنادين لتبني لها بعد ذلك جذوراً وازهاراً جديدة وهناك من يعيش في الهواء الطلق وتحت أشعة الشمس، وغيرها يموت في هذا المناخ وينتعش ويعيش في الظلال إلا ان جميع النباتات لا تستغني عن التربة المزيجية (من التراب والرمل) وكذلك الماء ولكن حاجة الماء تختلف، فهناك نباتات وازهار يتطلب سقيها باستمرار وكثرة، وبعضها يكتفي بالقليل وربما يقتلها الماء الكثير.

أما عن أهم الأزهار والنباتات وأكثرها ثمناً، فهذا أمر يتعلق بالبذرة والطلب، هناك ازهار ونباتات نادرة جداً، وعليها طلب من الاغنياء واصحاب الفنادق ولا سيما نباتات الظل التي يصل سعر احد انواعها إلى المليون دينار للنبتة الواحدة، وهو نبات (السايكس) ويرتفع سعره لطول عمره الذي يصل إلى الخمسة والعشرين عاماً، ويتكاثر هذا النبات عن طريق البذور التي تحتوي (جوزات) في جذوره داخل التربة، وهناك نباتات ظل مرغوبة ولكن ثمنها معقول مثل (الدلفين) و(المطاط) و(كف الوز) اما أكثر ما هو مرغوب ومشهور فهو نبات (اللبلاب) ومن الزهور المشهورة والتي عليها رغبة كونها دائمية، فهي ورد (الروز) المسمى عندنا (الجوري) وفيه الوان عدة واحجام مختلفة كذلك ورد (حلق السبع) و(الاقحوان) و(الشبوي) و(الكاغد) و(القرنفل) اما اهمها واغلاها ثمناً فهي زهرة (الجربرة) وجميع هذه الزهور والنباتات أو اغلبها فانها تستورد على شكل بذور أو شتلات ثم تتم عملية تكاثرها ومن البلدان التي تستورد منها هي جنوب افريقيا وهولندا وأمريكا المشهورة بنبات الثيل.

أما السيد إبراهيم خليل (أبو عمار) صاحب مشتل الخيرات الذي ورث المهنة عن أبيه وهو الاقدم بهذا العمل.

وكان قد بلغ الشيخوخة لكننا وجدناه منهمكاً في العمل داخل مشتله المتواضع إلا انه يحتوي على نفائس الزهور والنباتات، وبعد ان رحب بنا في روضته أطلق العنان لذاكرته وخبرته قائلاً: العراقيون بطبيعتهم يحبون الجمال والزهور، وبرغم كل الظروف التي مرت بنا إلا ان عمل أصحاب المشاتل لم يتوقف، بل العكس زادت المشاتل في العراق وبغداد خصوصاً بشكل كبير فقد كانت المشاتل في منطقة الجادرية فقط وأول مشتل فيها هو (الشرق الأوسط) ثم سرعان ما انتشرت في جميع نواحي بغداد وبأعداد كبيرة كما ترى الآن في شارع فلسطين هناك أكثر من مئة مشتل، فالزهور هي الهدية الأجمل التي يفضلها الناس لديمومة علاقاتهم فيما بينهم، كما ان شكلها مع النباتات تضفي جمالاً وحيوية في أي مكان، وهناك نباتات تتطلبها المناسبات والاعياد مثل نبات الياس أو شجرة الصنوبر التي تستخدم في عيد المسيحيين (الكرسمس) وهناك ازهار تستخدم في صناعة العطور مثل (الرازقي) و(الجوري) و(الكاردينيا) وغيرها يستخدم في طب الاعشاب مثل (القرنفل) و(حلق السبع) و(عرف الديك) و(عين البزون) وهناك زهرة اسمها (المنوليا) تدخل بذورها في صناعة (النساتل) لما فيها من عطر طيب ومحبب وعلى أية حال فأن الورود والنباتات نعمة من نعم الله ودلالة على محبته للجمال الذي أودع على كوكبنا منها هذه الصور الخلابة.


على الطريق.. عربات النفط، سبورات متنقلة!

كلما أرنو إلى عربةٍ من عربات النفط، اكتشف عبارة جديدة، مكتوبة خلف العربة. عبارة ترغمك على الابتسام تارةً، وعلى التعجب تارة أخرى.

لكنها في الأحوال عبارة عفوية، تنطلق من شعور مباشر بالحياة دون لف أو دوران. مثلاً لنأخذ هذه العبارة (الله وياج يالعفتيني) أنها دعوة بالخير إلى التي تركته، سألت صاحب العربة الذي افرغ لإحتياجات بيتنا صفيحة من النفط، عن مغزى هذه العبارة فأجاب بضحكة: هذه قصة قديمة.

وأين ذهبت بطلتها؟

تزوجت!

ثم تركني وظل يضرب بحديدته على ناقوسه، وهو يصيح: نفط، نفط. عبارة أخرى تتكرر دائماً، نقرؤها حتى في السيارات: لا تعشق الغرباء لأنهم دوماً على رحيل! حتى العشق يريد مَنْ يتمسك به، والغرباء بما هم على رحيل لا يتمسكون بالعشق.

الطريف في الموضوع، ان جميع العبارات يجمعها رابط واحد، هو الفشل العاطفي، لم اقرا حتى الآن عبارة تقول عكس هذا!

لندقق في هذه العبارات المكتوبة باللهجة العامية، (الوكت نساج لو انتي اللي نسيتيني) أو (لو تسمح ظروفك فد ساعة اشوفك) وهي تحوير الإغنية شعبية!

أو (الحياة مع الحبيب مذلة) أو ( ما دام النظر مسموح، كل يوم اشوفك واروح) أو (ابتسم ارجوك لا تغيم يومية) أو (اموت على الطالبة) أو (الهجر موتني) أو عبارات أخرى لها مدلولات غير عاطفية مثل (أسأل الصحراء عني، عربانتي تغني) أو (بعد شوية وتصير كيا) أو (عربانتي أسرع من الريح).

قرب محطة وقود شارع فلسطين سألت احد أصحاب العربات، الذي كانت تفوح منه، رائحة النفط، لماذا هذه الكتابات على العربات؟

اجاب: نحن نكتب مثلما نريد (ديمقراطية لو لا؟).

آخر قال: كل واحد منّا يعبر عن مشاعره تجاه حبيبته!

وهكذا تستمر رحلة العربات مع الكتابة التي تعبر عن صاحبها. كتابة نبضات القلب دون رتوش، ووضعها خلف عربات النفط، دون خوفٍ من احتراقها.

في نهاية مدينة الثورة، ثمة بيوت متراصة، واحد بجنب الآخر، وأمامها مجاميع من العربات، ويطلق عليها من باب المزحة، (منظمة أوبك!) عندما سألنا احد المارة عن سبب هذه التسمية، فأجاب ضاحكاً: هنا يتم الاتفاق على سعر (تنكة) النفط، بدلاً من برميل النفط!

اما العبارات المكتوبة خلف هذه العربات فكانت (الحبابة ريم) و (اتركني مخطوبة) و(لا تقترب مني تره اكهرب) و(الله علينسه حبيبة) و(ياحريمة تعبي وياج) و(كلشي يهون بس فراكج ما يهون) و(صعب فركاج يالحنينة).

كثيرة هي العبارات، وكثيرة هي العربات التي تصول وتجول في شوارع بغداد، وفيها هذه الكتابات التي تدعوك للابتسام مرّة، وللتعجب والدهشة مرّة، كتابات يرتاح لها اصحابها، يدفعون اجوراً لخطاط يتفنن في خطها، لكي تراه الحبيبة، وتعطف على حاله وهو يقود عربة نفط، بإمكانها ان تحرق الأخضر واليابس معاً في وقت الازمات!

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة