كلما أرنو إلى عربةٍ من عربات النفط، اكتشف عبارة جديدة، مكتوبة خلف
العربة. عبارة ترغمك على الابتسام تارةً، وعلى التعجب تارة
أخرى.
لكنها في الأحوال عبارة عفوية، تنطلق من شعور مباشر بالحياة دون لف أو
دوران. مثلاً لنأخذ هذه العبارة (الله وياج يالعفتيني)
أنها دعوة بالخير إلى التي تركته، سألت صاحب العربة الذي
افرغ لإحتياجات بيتنا صفيحة من النفط، عن مغزى هذه العبارة
فأجاب بضحكة: هذه قصة قديمة.
وأين ذهبت بطلتها؟
تزوجت!
ثم تركني وظل يضرب بحديدته على ناقوسه، وهو يصيح: نفط، نفط. عبارة أخرى
تتكرر دائماً، نقرؤها حتى في السيارات: لا تعشق الغرباء
لأنهم دوماً على رحيل! حتى العشق يريد مَنْ يتمسك به،
والغرباء بما هم على رحيل لا يتمسكون بالعشق.
الطريف في الموضوع، ان جميع العبارات يجمعها رابط واحد، هو الفشل العاطفي،
لم اقرا حتى الآن عبارة تقول عكس هذا!
لندقق في هذه العبارات المكتوبة باللهجة العامية، (الوكت نساج لو انتي اللي
نسيتيني) أو (لو تسمح ظروفك فد ساعة اشوفك) وهي تحوير
الإغنية شعبية!
أو (الحياة مع الحبيب مذلة) أو ( ما دام النظر مسموح، كل يوم اشوفك واروح)
أو (ابتسم ارجوك لا تغيم يومية) أو (اموت على الطالبة) أو
(الهجر موتني) أو عبارات أخرى لها مدلولات غير عاطفية مثل
(أسأل الصحراء عني، عربانتي تغني) أو (بعد شوية وتصير كيا)
أو (عربانتي أسرع من الريح).
قرب محطة وقود شارع فلسطين سألت احد أصحاب العربات، الذي كانت تفوح منه،
رائحة النفط، لماذا هذه الكتابات على العربات؟
اجاب: نحن نكتب مثلما نريد (ديمقراطية لو لا؟).
آخر قال: كل واحد منّا يعبر عن مشاعره تجاه حبيبته!
وهكذا تستمر رحلة العربات مع الكتابة التي تعبر عن صاحبها. كتابة نبضات
القلب دون رتوش، ووضعها خلف عربات النفط، دون خوفٍ من
احتراقها.
في نهاية مدينة الثورة، ثمة بيوت متراصة، واحد بجنب الآخر، وأمامها مجاميع
من العربات، ويطلق عليها من باب المزحة، (منظمة أوبك!)
عندما سألنا احد المارة عن سبب هذه التسمية، فأجاب ضاحكاً:
هنا يتم الاتفاق على سعر (تنكة) النفط، بدلاً من برميل
النفط!
اما العبارات المكتوبة خلف هذه العربات فكانت (الحبابة ريم) و (اتركني
مخطوبة) و(لا تقترب مني تره اكهرب) و(الله علينسه حبيبة)
و(ياحريمة تعبي وياج) و(كلشي يهون بس فراكج ما يهون) و(صعب
فركاج يالحنينة).
كثيرة هي العبارات، وكثيرة هي العربات التي تصول وتجول في شوارع بغداد،
وفيها هذه الكتابات التي تدعوك للابتسام مرّة، وللتعجب
والدهشة مرّة، كتابات يرتاح لها اصحابها، يدفعون اجوراً
لخطاط يتفنن في خطها، لكي تراه الحبيبة، وتعطف على حاله
وهو يقود عربة نفط، بإمكانها ان تحرق الأخضر واليابس معاً
في وقت الازمات! |