الانسان والمجتمع

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

البيئة  وعلم النفس: جهلنا بالبيئة أصاب صحتنا النفسية بالتدهور

وزارة البيئة مدعوة الى الإفادة من خبرات علماء نفس البيئة

أ.د. قاسم حسين صالح

رئيس الجمعية النفسية العراقية

 

من بين أهم أنواع الفقر الثقافي المصاب به المجتمع العراقي عموماًَ، هو إننا لا ندرك تأثير البيئة في شخصيتنا وسلوكنا ومزاجنا.فعلى سبيل المثال نظرت محاكم بريطانية في شكاوى أشخاص، تتعلق بالتوتر النفسي الناجم عن الاقامة في مناطق سكنية تتعرض للكثير من الضجيج، كما عُزيت واحدة من حالات الانتحار في الاقل الى أثر الضجيج في الحي الذي يسكن فيه اولئك الأشخاص.

ولهذا اهتم علماء النفس بهذا الموضوع ونشأ فرع جديد هو (علم النفس البيئي)، الذي حددت مهمته بدراسة العلاقات المتبادلة بين البيئة الطبيعية والسلوك الانساني، والتفاعلات بين الافراد وبين الظروف الطبيعية المحيطة بهم.وهذا يعني ان التأثير في هذه العملية لا يقتصر على تأثير البيئة في الانسان، بل يشمل أيضاً تأثير الانسان في البيئة.

فمن حيث المبدأ، تؤثر المظاهر المادية والاجتماعية للبيئة فينا بعدد من الطرائق.وقد يكون هذا التأثير ميّسراً لسلوكنا أو معيقاً له، أو يمدنا بالموارد التي تعمل على تحسين نوعية الحياة، أو يضغط علينا بالمتطلبات التي تتجاوز قدراتنا على التدبر مما يؤدي الى نتائج سلبية في الصحتين، البدنية والنفسية.و بعبارة اخرى، فأن البيئة إما أن تكون مصدراً للثواب أو مصدراً للعقاب.وتزودنا البحوث المتعلقة بالاوضاع السلوكية بقدر كبير من الاستبصار حول تأثير البيئة، وتميل الى اعتماد منظور خارجي في تقويم العلاقة بين الوضع المحيط وبين السلوك.الا ان البيئة تؤثر حتى في الحياة الانفعالية والدافعية للشخص.

 

التهديد والتحدي – التوتر النفسي

 يعنى هذا المنظور بكيفية تأثير البيئة في حياتنا الانفعالية.ففي دراسة دور البيئة المادية والاجتماعية في تطور السلوك المضطرب، يمكننا الافادة من بحوث التوتر النفسي والضغوط التي تعنى بدراسة ما تنطوي عليه البيئة من تهديد أو تحدٍ للفرد.فقد تمخض البحث في الضغوط النفسية عن نتاج علمي ضخم يمكن تصنيفه في ثلاثة محاور رئيسة:

* الضغط بوصفه مثيراً

* الضغط بوصفه استجابة

* الضغط بوصفه عملية.

وتوصل الباحثون الى ان النتائج الصحية التي ترتبت على الضغط تضمنت الآتي:

* الاضطرابات الانفعالية بأنواعها المختلفة.

* المشكلات المختلفة التي تصنف في باب اساءة استخدام العقاقير او اضطرابات الادمان.

* قائمة من الامراض الجسمية لا يزال عددها في تزايد.

و قد توصلت البحوث الحديثة الى نظام لتصنيف المثيرات البيئية حددتها بأربعة :

* الأول: الضغوط المحيطة، مثل الصوت، والحرارة، والمناخ، والتلوث، والاكتظاظ، التي تتباين في شدتها من المستوى الضعيف الى المستوى الحاد، وتأكد انها تؤثر في الصحة النفسية للفرد.

* الثاني: الضغوط الفجائية، مثل الحرب، والكوارث، وهي شديدة التأثير، وتصيب مجتمعات بكاملها.وغالباً ما تكون آثارها مزمنة لدى الكثير من الافراد.

* الثالث: الضغوط الحياتية، وفي مقدمتها البطالة والطلاق وموت الاعزاء التي كثرت الآن في المجتمع العراقي.

* والرابع:الضغوط الجزئية، التي لا تشكل احداثاً رئيسية مسببة للتوتر، الا ان تراكم المنغصات الصغيرة قد تؤدي الى الكثير من التوتر.

 

الضجيج

 تشكل البيئة العراقية أنموذجاً للضجيج بحده الاعلى، فعلى مدى ربع قرن كانت البيئة العراقية تنفرد عن بيئات العالم بكثرة ضجيجها، لا سيما سنوات الحروب، واصوات القنابل، والانفجارات، والطائرات، فضلاً عن ضجيج الشوارع.باختصار، كانت بيئتنا، ولا تزال، ملوثة بالضجيج.ومن المفارقات، أن البحوث تشير الى أن ثلاثة ملايين عامل في امريكا يعانون مشكلات سمعية بسبب ضجيج المعامل التي يعملون فيها، فكيف بالعراقيين الذين صار لهم اليوم الهادئ في حياتهم استثناءاً.والذي لا يخطر على بال، أن تأثيرات الضجيج لا تقتصر على الصحتين الجسمية والنفسية، والقلق، والاجهاض، انما تتعداها الى التأثير في النمو العقلي للأطفال، مثل اكتساب اللغة والانتباه والقدرة على القراءة.

 والظاهرة السلبية التي ينبغي الانتباه لها، ان جيلاً كاملاً من الشباب، ولد في الضجيج، ونشأ في الضجيج،  ولايزال يعيش في الضجيج.وما يخشى عليهم، انهم قد يعتادون الضجيج، دون أن يدركوا انهم قد يصابون بأمراض جسمية، ويفقدون قدراتهم السمعية مبكراً، فضلاً عن  تعرضهم للإصابة باضطرابات نفسية وسلوكية، في مقدمتها:حدة المزاج، والقلق، والميل الى العدوان.

 

وزارة البيئة  و الصحة النفسية

حسناً فعلت الحكومة أن استحدثت وزارة خاصة بالبيئة، غير أن الأهم هو أن تقوم هذه الوزارة بدور فاعل، لاسيما في اشاعة الثقافة النفسية الخاصة بالبيئة بين الناس.ومع ما تبذله هذه الوزارة من جهود مشكورة، فاننا نقترح عليها أمرين :

* الأول:أن تعمل على اصدار تشريعات تضمن حماية الانسان من التأثيرات السلبية للبيئة، وتضمن حماية البيئة من تلويث الانسان لها.

* والثاني:التعاون مع علماء النفس، لاسيما بعلم النفس البيئي، ليس فقط في مجال اجراء البحوث الميدانية، بل في وضع برامج لإشاعة  الثقافة النفسية الخاصة بالبيئة، التي ينبغي ان تعتمدها بوصفها الخطوة الأولى لإنجاح استراتيجيتها. 


في دراسة تناولت آثار الضغوط النفسية :  النسيان والشرود الذهني  صارا ظاهرة ملحوظة في المجتمع العراقي !

         

علي كاظم الشمري /جامعة واســط

* الشرود الذهني آلية دفاعية وقائية يمارسها العـراقيون للهروب من  مآسي واقعهم

* (50)%  يعانون النسيان بسبب (صدمة ما بعد سقوط النظام)

* ( 25)% أرجعوا خبرتهم مع النسيان والشرود إلى حقبة الحصار في التسعينيات

كثيراً ما يستخدم الأفراد عبارات في حياتهم اليومية، قد لا يعون أن بعضها يحمل دلالة علمية نفسية، أو قد تكون متناقلة عن بعض الكتاب والمفكرين، ومن ذلك مقولة ( النسيان نعمة ونقمة).ومع أن هذه العبارة أدبية، لكنها في الميدان النفسي أثبتت بعض الصدق.فالنسيان يكون نعمة اذا ما كانت وظيفته  طرد الصدمات والخبرات المؤلمة عن حيز الوعي، ويكون نقمة عندما يؤدي الى تلاشي المعلومات والمعطيات المهمة التي يحتاجها الأفراد في مزاولة مهنهم واختصاصاتهم وفي تعاملهم مع المحيط الاجتماعي مما يرتب على ذلك خسائر معنوية أو مادية فضلاً عن مشاعر الاحباط والاحراج.

والنسيان والذاكرة والشرود الذهني من الموضوعات التي كانت وما زالت تجتذب الباحثين والمهتمين في كل زمان.ولعلها من أكثر الظاهرات النفسية حضوراً لدى جميع البشر تقريباً، إذ لانجد فرداً لم يخبر نسياناً أو شروداً مرة ما في حياته.ويذهب بعضهم الى القول أن تلك الموضوعات شغلت بال الإنسان منذ بدايات وجوده،  بل أن بعضهم راح أبعد من ذلك وعدّ مسألة الوجود بحد ذاتها نسياناً، بقوله أن قصة آدم (ع) في قطف التفاحة ماهي إلا نسيان، ودليله في ذلك بأن العقل الذي اوجده الله في آدم وميزه به عن باقي المخلوقات، ماكان ليدفعه إلى تحدي خالقه بتلك السهولة وبدافع الفضول، الا لأن النسيان جاء ملازماً للعقل منذ نشأته الأولى، فكان السبب في معاقبته بالنزول إلى الأرض.ولو تتبعنا الأمر في الحضارات اللاحقة، لوجدنا طروحات متنوعة جعلت من النسيان نافذة لتبريرأخطاء أقدم عليها قادة ومفكرون، وهي أخطاء تعد تاريخية برأي الكثيرين.وتكمن فائدة هذه الطروحات ليس في مدى صحتها أو موضوعيتها، وانما في كونها قد وثقت لنا قدم ظاهرة النسيان في الحياة البشرية، ومدى تنبه الانسان لها واهتمامه المتواصل بها عبر العصور؛حتى مجيء علم النفس في العصرالحديث، فأصبحت موضوعات النسيان والذاكرة على رأس قائمة قضاياه المطروحة، بدليل الكم الهائل من الدراسات والبحوث المنفذة بهذا الصدد في حقول متنوعة منه.فمثلاً لتفسير حالة النسيان، يضع علماء النفس المعرفيون أسباباً تعكس منهجهم بشكل واضح، اذ يعدها بعضهم آلية طبيعية تطرحها الذاكرة بعد كل مدة من الخزن والتعامل مع المعلومات؛في حين يعدها آخرون بأنها نتائج لضعف التنظيم في خزن المعلومات أثناء استقبالها، وبالتالي ستكون صعبة الحضور على صعيد الذاكرة عند الاستدعاء.أما علماء نفس الشخصية، وعلماء النفس السريريون فإنهم يعللون النسيان بأنه نتيجة للقلق، ذلك ان ما يصاحب القلق من توترات وانفعالات بدنية عصبية تؤثر بنشاط الفرد الذهني والوظيفي ينعكس بشكل حتمي واضح على  كل الفعاليات العقلية، وفي مقدمتها الذاكرة كونها مركز المعلومات.ويشبـّه بعض العلماء ذلك بتيار عصبي يمر بنظام المعلومات فيؤدي الى تعطيله أو خلخلته أوتشوشه.وتفيد الدراسات أيضاً في هذا الخصوص، أن الخبرات والأحداث التي تكون ذات شحنة انفعالية عالية لحظة حدوثها نميل الى تذكرها أكثر من الأخرى التي تكون عادية او ذات شحنة انفعالية أوطأ.وعموماً فأن الدراسات تجمع على أن الضغوط الصدمية بمختلف أنواعها ذات أثر في إحداث حالات النسيان والشرود الذهني، التي أضحت سبباً مباشراً أو غير مباشر في حدوث مشكلات جمة كحوادث العمل والطرق والقطارات والطائرات.فقد أشارت إحدى الاحصائيات أن نسبة الحرائق الحاصلة في المنازل  بالولايات المتحدة جراء نسيان جهاز الطبخ أو أنبوبة الغاز في حالة اشتغال أو ما شابه،  بلغت (40)% من نسبة الحرائق بالأسباب الأخرى.وقد حدث ذلك حصراً خلال المرحلة التي أعقبت أحداث(11) أيلول  2001 م،  مما يزودنا  بمؤشر واضح على تأثير الصدمات في الاستقرار الذهني والمعرفي للفرد.

وفي أروقة مجتمعنا العراقي اليوم،  نجد أن مفاهيم (النسيان) و(الشرود الذهني) و(عدم التركيز) صار لها – بفعل الضغوط النفسية الهائلة التي تعرض ويتعرض لها هذا المجتمع – حيز ثابت الى حد ما في النشاط اليومي للناس،  حتى في بعض مفرداتهم اللغوية الواسعة التداول،  مثل:(دايخ)/(لا تدوخ)/(مسطور)/(مطفـّي)/(مضيع صول جعابه).وبسبب ما لاحظناه من تصاعد حالات التذمر والشكوى من هذه المظاهر النفسية غير السوية، ولغرض الاحاطة العلمية بمضامينها وتواترها وأنواعها وتأثيراتها الاجتماعية، أجرينا استطلاعاً ميدانياً لعينة عشوائية من الجنسين تضمنت شرائح عمرية واجتماعية وتعليمية مختلفة من العراقيين.ومن بين الأسئلة التي تضمنها الاستطلاع ما يأتي: هل بامكانك تحديد نوع حالة النسيان التي تعانيها بالضبط ؟ هل تستطيع تحديد متى شعرت ببداية الحالة لديك وما هو سبب ظهورها؟ ما معدل حالات النسيان لديك سواء كنت وحدك أو بين الآخرين؟هل يقتصر نسيانك على أشياء محددة بذاتها (أسماء، مواعيد، مفاتيح، أقلام، مسبحة، نظارات) أم انه عام غير محدد؟هل هناك أوقات او أمكنة بذاتها تشعر بأنك تكون فيها اكثر شروداً؟هل تشعر انك مع رؤية أو حضور أشخاص معينين ينتابك نسيان وشرود أشد من الحالات  الأخرى؟هل يشرد ذهنك أثناء الصلاة؟ هل تشعر بأنك بدأت تنسى معلومات أو أجزاء مهمة من اختصاصك أو تفاصيل مهنتك؟وقد خلصنا بعد تحليل الاجابات الى النتائج الآتية:

*  نسبة ( 25)%  من العينة يعانون حالة نسيان وشرود مزمنة منذ أمد طويل نسبياُ يقدر بين (5 – 15)سنة، وتأخذ نوبات النسيان لديهم نمطاً شبه مستمر، وتتراوح من متوسطة إلى عالية الشدة، وهي عامة لا تخص مفردات معينة بحد ذاتها، علماً أن بعضهم صرحوا بأن حدة الحالة  قد تصل لديهم أحياناً إلى درجة الفقدان شبه الوقتي للذاكرة، الأمر الذي أدى إلى حصول حوادث قاسية لهم.أما أسباب ظهور هذه الحالة  فقد توزعت بين وفاة عزيز، وصدمة عاطفية، وإخفاق دراسي، ومواجهة موقف صدمي عنيف.

*  نسبة ( 25)%  من العينة أرجعوا خبرتهم مع النسيان والشرود إلى حقبة الحصار، وما تعرضوا له من ضنك العيش، الذي كان عبارة عن سلسلة صدمات معاشة بشكل يومي.وزاد على ذلك ملاحقة أجهزة النظام لهم ولأبنائهم بهدف تنظيمهم ضمن ميليشيات الفدائيين وجيش القدس.وقد عبر هؤلاء الأفراد في هذا الجزء عن درجة نسيان وشرود من بسيطة إلى متوسطة الشدة، تأخذ نمطاً متقطعاً، ولكنها تتسم بالشدة والاستمرار حين حضورها.ويكاد النسيان يتركز لديهم في أشياء معينة، مثل المفاتيح وأرقام الهواتف.

*  أما نسبة (50)% المتبقية، فقد عبروا عن نوبات نسيان وشرود ذهني باتت تباغتهم مؤخراً، إذ استطاع (35)% منهم تحديد أسباب حالتهم بأن لخصوها بـ(صدمة ما بعد سقوط النظـــــام).فبالرغم من سرورهم بذلك الحدث كونهم من المتضررين بشكل مباشر أو غير مباشر، إلا أن صدمتهم هي ناجمة عن مشاعر الخيبة التي جاءت مرافقة لإحساسهم بالسرور، بسبب خوفهم من المستقبل المجهول الملامح جراء الظروف التي تبعت سقوط النظام ، والعيش في دوامة الحكومات الانتقالية في ظل وضع أمني بائس من دون ضمانات أو مؤشرات لتحسنه. وتجدر الاشارة الى أن مجموعة من أفراد هذه الفئة عبروا عن نوبات شرود ونسيان تراودهم اثناء تأديتهم للصلاة، مما يثير مشاعر الذنب والنفور لديهم.كما عبر أفراد آخرون من ذوي التحصيلات العالية بأنهم بدأوا ينسون أجزاء مهمة من اختصاصاتهم، ويحصل ذلك أحياناً أثناء أدائهم لمحاضرة أو ندوة، مما يولـّد لديهم حرجاً وقلقاً كبيرين.

وفي مقابل ذلك استطلعنا آراء بعض المختصين النفسانيين لتقديم تفسيراتهم وإيضاحاتهم حول ما تقدم من حالات، ومن بين أهم تلك الآراء، ما عرضه الدكتور( جعفر عبد كاظم) رئيس جامعة واسط، وأستاذ علم النفس التربوي فيها، اذ عرض الآتي:((إن ما هو ملاحظ من شيوع حالات الشرود الذهني والنسيان لدى أبناء مجتمعنا مؤخراً، هي محصلة لتراكمات وضغوط نفسية اجتماعية تعرض لها الفرد العراقي لسنين طوال،  ولا يزال يعانيها الى الآن.فالذاكرة العراقية أمام تلك الصدمات، لم يكن بوسعها الصمود، وليس لها إلا أن تمارس النسيان والشرود والتشتت بوصفها نتائج حتمية لذلك.فأحياناً قد يكون هذا النسيان آلية دفاعية ضد مآسي الواقع عندما يكون من العسير على الذات احتماله، فتدافع عند ذاك عن كيانها النفسي بالهروب.فالفرد العراقي لا يحمل في ذاكرته أحداثاً سارة أكثر مما يحمل من صدمات وأحداث كارثية مؤلمة، لذا فالنسيان هنا يأتي كونه رفضاً لتلك الصدمات، قد يجري تعميمه على المعلومات والأشياء الأخرى، فيكون بمثابة رد فعل نفسي منطقي ووقائي)).

وبناءً على هذه النتائج، وما يترتب عليها من آثار نفسية ودلالات اجتماعية، نوصي المختصين بالصحة النفسية و بالمجالات الطبنفسية بتركيز انتباههم لتشخيص حالات النسيان والشرود الذهني لدى الأفراد المراجعين لهم من فئة اضطرابات الأعصاب البسيطة، وكذلك المختصين بالعلوم النفسية والتربوية والاجتماعية بأن يكرسوا جهودهم لتقديم بحوث ودراسات تستهدف التعرف على أسباب وارتباطات هذه الحالات، فضلاً عن مدى انتشارها ديموغرافياً.كما نتوجه بالنداء الى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بضرورة سعيها لتوفير ما أمكن من فرص العمل للشباب ليتمكنوا معها من تدبير أمورهم المعاشية، بما يؤثر ايجاباً في واقعهم النفسي والاجتماعي ويجعلهم أكثر تماسكاً واستقراراً.كذلك نوصي وزارة حقوق الإنسان بضرورة الإسراع في تحصيل حقوق من ظلموا وسلبت أموالهم وقتل أبناؤهم، سواء في الحقبة السابقة أو الحالية، إذ أن الشعور بالعدالة هو واحد من أهم مستلزمات إشاعة الصحة النفسية في أي مجتمع.إن هذه الاصلاحات الجزئية ينبغي أن لا تنسينا الهدف الستراتيجي، وهو إن استعادة الفرد العراقي لتركيزه الذهني وتماسكه النفسي سيظل مرهوناً بإعادة تأهيل كاملة يحتاجها هذا المجتمع، وهي مهمة سياسية – اقتصادية في المقام الأول، وتحقيقها يتطلب عصراً كاملاً ينهض على أكتاف المخلصين والناكرين لذواتهم من المدافعين عن كرامة الشخصية العراقية.


في سيكولوجية المرأة: (فقدان الشهية العصبي) اضطراب نفسي يصيب النساء فقط

يكاد مرض فقدان الشهية العصبي أن يقتصر انتشاره على النساء، لاسيما المراهقات في سن (14–25) سنة.ويسمى أيضاًَ بـمرض(القهم) أو إباء الطعام Anorexia Nervosa.ويعرّف بأنه ((متلازمة أعراض تجويع النفس الطوعي، الناتجة عن الخوف من فقدان السيطرة على الوزن، وما يتبعه من هزال شديد قد يؤدي الى الموت أحياناً)). وكان يعتقد أنه يوجد في المجتمعات الغربية فقط،  ولكن الدراسات الحديثة بينت أن هذا الاضطراب يحدث في جميع أنحاء العالم، إلا انه ربما يكون بنسبة أعلى في الدول الغربية، نتيجة تأثيرالاعلام، والنظرة الجمالية الغربية بأن المرأة الجميلة هي المرأة النحيفة جداً، مما يدفع الكثير من الفتيات في سن المراهقة الى ممارسة حمية غذائية صارمة (الريجيم)التي سرعان ما تتحول إلى مرض فقدان الشهية العصبي، الذي يمكن أن يقود إلى الوفاة، إذ تبلغ نسبة الوفيات لدى من يعانين هذا المرض ما بين (5–10)%. إن من يرى فتاة تعاني مرض  فقدان الشهية العصبي، خاصة إذا كان بصورة شديدة، فإنه لن يستطيع نسيان هذا المنظر، إذ سيرى هيكلاً عظمياً مكسوراً بالجلد.وفي بعض الحالات لا تستطيع الفتاة ان تمشي أو تقوم بأي مجهود بسبب ضعف العضلات، خاصة عضلات الساقين والفخذين.وهناك حالات لفتيات يعانين القهم لا يزيد وزنهن على الثلاثين كيلو غراماً وهن في سن العشرين.

 

الأعراض النفسية المرافقة

العارض الرئيس لمرض فقدان الشهية العصبي هو أن المرأة ترفض أن تحتفظ بالحد الادنى من الوزن الطبيعي المناسب لسنها وطولها.أما أهم أعراضه الأخرى:

1-  شعور المرأة  بأنها بدينة، وأنها تعاني زيادة في الوزن مما يجعلها خائفة جداً من هذه الزيادة،  بالرغم من انها نحيفة ووزنها أقل مما يجب.

2- تشوش المرأة من شكل جسمها، فتندفع لإنقاص وزنها،  ولا تعي خطورة نقص وزنها الشديد، ولا ترى في ذلك تأثيراً في صحتها وربما  على حياتها، وترفض أي نصيحة بخصوص زيادة وزنها أو أخذ أي علاج أو تغذية لتصحيح نقص الوزن الشديد الذي تعانيه.

3- قد تعاني المرأة أعراضا اكتئابية؛مثل الحزن والسوداوية في النظرة للحياة، والانعزال الاجتماعي عن الآخرين، وكذلك سرعة الغضب والعصبية الزائدة وعدم تحمل تصرفات الآخرين، والثوران لأتفه الاسباب،  والارق وعدم القدرة على النوم بسهولة، وفقدان الرغبة في الجنس، وكل ذلك بسبب اختلال المواد العضوية والطبيعية في الجسم.

4- صعوبة تناول الطعام أو الشراب أمام مجموعة من الناس، وشعور المرأة بالقلق الشديد وبعدم قدرتها على فعل شيء نافع، وبأنها ليست ذات فائدة ولا قيمة لها في المجتمع، فتصبح متصلبة في تفكيرها، محدودة في تلقائيتها في التعامل مع الآخرين، وعاجزة عن التعبير عن مشاعرها.

 

التغيرات العضوية المرافقة

إن معظم التغيرات العضوية الطبية التي تحدث هي نتيجة فقدان الاكل والجوع الشديد.وابرزها يكون انقطاع الدورة الشهرية، وعدم تحمل البرودة، وآلام في البطن، والامساك الشديد، والارهاق الشديد، والشعور الدائم بالتعب وعدم القدرة على فعل أي شيء، وهبوط في الضغط، وانخفاض في درجة حرارة الجسم، مع جفاف في الجلد، وضعف النبض وبطء في سرعة دقات القلب.وقد يصاب بعضهن بفقر دم شديد، وضعف وظائف الكلى.

 

الأسباب

تتنوع الأسباب والتفسيرات لهذ الاضطراب.فبعضهم يعزوه الى تأثير التغيرات البايولوجية والعاطفية أثناء مرحلة البلوغ على ادراك الفتاة غير المهيأة نفسياً لقبول الصورة الجديدة لشكل جسمها، واعتقادها خطأ ً بأن جسمها أصبح ممتلئاً أكثر من المعتاد، على الرغم من نحافته الواضحة، فتلجأ الى الامتناع عن تناول الطعام لإضعاف نفسها.ويرى بعضهم أن القهم  ظاهرة نفسية جسمية، ربما ترجع الى اضطرابات هورمونية ناجمة عن اضطرابات وجدانية.كما يعزوه بعضهم الى صدمات عاطفية، كالفشل في الحب أو الخطوبة أو الزواج.وذهب بعض المفسرين الى النظر الى فقدان الشهية العصبي على أنه نوع من أنواع (رهاب الحمل)، وأساس ذلك هو ربط انتفاخ البطن من جراء تناول الطعام بالخوف من انتفاخ البطن الناتج عن الجماع والحمل.وفسره آخرون بأنه نوع من أنواع الاكتئاب النفسي، أو السلوك الانتحاري، أو السلوك الهستيري الباحث عن اثارة اهتمام الآخرين، أو السلوك القهري الناجم عن استحواذ فكرة إضعاف الجسم ورفض الطعام على الذهن.

 

العلاج

علاج فقدان الشهية العصبي أمر صعب، خاصة إذا كان شديداً.ولكن في الحالات البسيطة والمتوسطة فإن العلاج النفسي بشقيه الدوائي والسلوكي المعرفي، يؤدي إلى نتائج مقبولة، وإن كانت ليست بالمستوى المطلوب، ولكن يجب تدارك الأمر من البداية، فكلما بدأ العلاج مبكراً كان أفضل.ويؤدي العلاج الأسري والاجتماعي دوراً مهماً في تحسن نتائج العلاج.ولكن هذه النتائج تتفاوت من مريضة الى أخرى، فبعضهن يتعافين بعد نوبة واحدة فقط، وبعضهن يتعرضن لانتكاسات وتستمر حياتهن بين نوبات من الاضطراب وفترات من الشفاء والتحسن، ولكن بعضهن يستمر الاضطراب معهن ليصبح مزمناً،  وتتدهور حالتهن بشكل مريع.وتحتاج حالة الفئة الاخيرة إلى الدخول إلى المستشفيات لتغذيتهن وعلاجهن بأدوية نفسية وبرنامج علاج نفسي مكثف لفترة زمنية محددة، قد تطول أو تقصر حسب شدة المرض.أما أهم طرائق العلاج النفسي ، فهي:العلاج بالايحاء والعطف والتشجيع والارشاد والحث على تناول الطعام.وكل ذلك ينبغي أن يحدث بالتنسيق بين الطبيب البدني والاختصاصي النفسي وذوي المريضة، وصولاً الى حل الأسباب الرئيسة للمرض، وتلافياً للانتكاسات.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة