المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

الوجدان

فائق بطي

تموز - ايلول 1982

تسارعت الاحداث اكثر من تسارع الأيام، وهي تحمل الألام والحزن للعراقيين.

صيف ساخن سجلت فيه الحرب العراقية - الايرانية اشرس المعارك، واقترفت فيه اسرائيل ابشع الجرائم بحق الفلسطينيين واللبنانيين.

لم يبخل العراقيون بدمائهم في هذه الاحداث. ففي بيروت روت دماء ثائرة فخري بطرس، وغازي فيصل ذرب، شوارع بيروت حينما استشهدا اثر غارة الفاكهاني. واستشهدت في معارك "حي السلم" كوكبة اخرى من المقاتلين في خنادق حركة المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، يتقدمهم الشهداء عبد الكريم جبار كريم (ابو فيروز) وسعيد عبد الكافي حسن (ابو احمد) وكريم محمد لازم (رشاد) وحازم محمد خليل (جمال). لم تقف هذه البطولات عند حدها في لبنان فقط في تلك الايام، بل سبق للعشرات من المثقفين والطلاب ان ساهموا في معارك المقاومة الفلسطينية في احداث الجنوب اللبناني او في الاردن. هذا عدا الشهداء الذين راحوا غدرا برصاص كواتم الصوت البعثية، ومنهم مثلا اسعد لعيبي، الذي كان مرافقا شخصيا لفخري كريم، ويعمل في مكتب الحزب في بيروت.

***

اتصل به ماجد الياسري واخبره بحادث الاعتداء على حياة فخري كريم في بيروت.

اسرع اليه لمعرفة التفاصيل. سلمه بيانا تضمن تصريح الناطق بأسم المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي في 28 \ 8 \ 1982، قرأ فيه :

"بعد ظهر يوم الجمعة الماضي المصادف 27 \ 8 \ 1982 قام مرتزقة من عملاء المخابرات العراقية بجريمة نكراء، حيث حاول عملاء النظام الدموي الحاكم في العراق اغتيال الرفيق فخري كريم عضو اللجنة المركزية لحزبنا الشيوعي العراقي في بيروت اثر عودته من توديع المقاتلين الفلسطينيين البواسل. وقد اصيب الرفيق بأربع طلقات نارية في وجهه ويده واصيب رفيق آخر اصابة في يده ايضا."

اذن ، الجريمة كانت محاولة اغتيال.

لم يمت فخري، او بالاحرى (علي عبد الخالق).

ففخري اسمه الحقيقي، وعلي عبد الخالق هو الأسم الحركي، او أسم من الاسماء الحركية التي استخدمها في نشاطاته خارج العراق، بعيدا عن عيون الرقباء والجواسيس.

عرف ذلك من خلال اطلاعه على الصحف اللبنانية وهي تنشر تصريحات القائد الشيوعي العراقي، علي عبد الخالق. كان يعتقد في بادىء الامر، ان المسؤول الحزبي هو بالفعل علي وليس فخري. فاجأته يوما احدى الصحف بنشر صورة للمتحدث الى مراسلها، داخل الحديث ، مع عناوين بارزة لأهم ما قاله في ذلك اللقاء الصحفي.

كانت الصورة المفاجأة  لفخري كريم  وليس  لعلي عبد الخالق.

عادت به الذكريات الى سنين مضت، عندما كان  يطلع على مقابلات او تصريحات (ابو عمار)، زعيم حركة فتح ، منشورة في الصحف العربية والاجنبية. فاجأته صورته في احدى الصحف اللبنانية، واذا به ، الصديق الذي كان سكرتيرا لرابطة الطلبة الفلسطينيين في القاهرة في نهاية الخمسينيات، ياسر عرفات.

واصل تتبع اخبار فخري بعد حادث بيروت، وقالوا له بأنه يتلقى العلاج في موسكو.

اتصل بجلال الماشطة، وطلب منه ان يوصل تحياته الى فخري وتمنياته بالشفاء العاجل.

***

في مطلع شهر ايلول، ترك لندن في طريقه الى لوس انجلس في ولاية كاليفورنيا الامريكية.

لقد مرت سنتان على وجود لهيب وسعاد في تلك المدينة بعد هجرتهما الاضطرارية.

حطت به الطائرة في مطار المدينة. كانت لهيب بانتظاره.

لم يلقها منذ ان ترك بغداد قبل ثلاث سنوات.

كان رافد قد سبقهما الى سانتياغو في منتصف عام 1980، للدراسة.

استعجل اجراءات المطار للقاء ابنته الوحيدة.

لحظة رائعة بقيت عالقة في ذهنه كل السنوات اللاحقة.

عانقها طويلا، وتأمل وجهها الجميل، فرأى وجه رافد أمامه، يبعث حيا.

كان فرحا باللقاء.. الا ان امريكا لم تعجبه.

حاول ان يتكيف مع الوضع الجديد، لكنه كان يصطدم بعوامل تجعل البقاء والعيش في امريكا مستحيلا. اراد ان يبقى لفترة قصيرة قبل ان يتخذ قراره النهائي. ان رافد معه اينما  يذهب في المدينة. كان ولده هناك لمدة ثلاثة اشهر فقط عندما اختطفته وغيبته شوارعها في حادث مرور عابر، من قبل سائق متهور. الحياة صعبة في بلد يتراكض فيه الناس، وتسرقهم الضرائب، فيتحولون الى مستهلكين يغذون اصحاب الكروش والياقات العالية. لا اثر للعلاقات الاجتماعية، ولا يوجد اصدقاء، حتى الجيران بعيدون عن بعضهم. المدينة شبه مهجورة، ولا ترى اي  فرد  في الشوارع، فالكل يستخدمون السيارات في بلد تستهلك فيه بشكل غير معقول، كل ما تنتجه   مصانع السيارات في العالم.

كان البعد الجغرافي بالنسبة اليه، عاملا آخر من عوامل عدم تقبله فكرة ترك لندن والعيش في المدن الصحراوية الامريكية.

لكنه، قرر ان يحاول التجربة..

فدامت تلك التجربة، ستة اشهر.

التقى بالصدفة بعد ايام من وصوله  لوس انجلوس، صديقاً (صحفيا) كان طالبا معه في الجامعة الامريكية بالقاهرة. ملكون جبران، ابن صاحب جريدة "الاخبار" وشريك والده فيها في الثلاثينيات، ترك العراق منذ سنوات طويلة واستقر تاجرا في كاليفورنيا. لم يفهم من الصحافة التي درسها سوى المحاسبة. وحتى في هذه "المهنة"، فشل في ادارة الجريدة.

اعتقد في بادىء الامر عندما فاتحه بالشراكة، في عمل تجاري، انه تاجر ناجح بحكم قدمه في الاغتراب، ومعرفته بالبلاد، ومستوى المعيشة التي كان يرفل بها.

جال بفكره طويلا، واسترجع تاريخ والده مع والد ملكون حين كانت الشركة التي اصدرت جريدة "الاخبار" عام 1931، فاشلة منذ الايام الاولى لصدور الجريدة. الوالد يحرر ويكتب ويجعل الجريدة في المركز الاول في صحافة البلاد، وشريكه يدير ادارتها ويكتنز المال دون رقيب. فالصحفي منشغل بالكتابة ولا يدري في الحسابات شيئا، ولم يعر يوما اية اهمية للفلوس. انه لا يفهم بهذه الامور، ففشلت الشركة، واوقف الوالد الجريدة وخرج من المشروع بماكنة طباعة واحدة لا تفي بالغرض المطلوب لادامة عملية اصدار الجريدة.

لايزال يفكر، فالخسارة المادية بالنسبة له، كبيرة. اما بالنسبة الى ملكون، فانها لا تشكل نهاية المطاف الى وضعه الاجتماعي والمادي، وكل الذي كان يبتغيه من الشراكة في اي عمل، قضاء الوقت، واسكات صوت الزوجة التي تلح عليه بالعمل.

قرر ان يجرب حظه، ومع التجربة، قد ينمو الأمل في البقاء.

تم الاتفاق على شراء "سوبرت ماركت" صغير اسمياه (مخزن العائلة) في منطقة جميلة وغنية.

اتم ملكون اجراءات الشراء والتسجيل التجاري للمخزن.

تولى هو تدبير امر اللافتة والوان الكتابة لأسم المشروع.

وزع الاعلانات عن قرب موعد الافتتاح الكبير لسوق من اسواق الشرق.

توقع وملكون، ان الافتتاح سيكون مهرجانا وعرسا تجاريا.

وطالت ايام المهرجان الموعود، دون زبائن.

بدأت اللحوم وانواع الاجبان تفسد، وبراميل القمامة تمتلئ بالبضاعة الفاسدة.

جلس كل يوم ينظر الى الرفوف العامرة بالمواد والمعلبات، والى خزانة السجائر المملوءة بافخر انواع التبوغ في العالم تفرغ  ولا تملأ من جديد. الايجار الباهظ بدأ يضغط على الوارد الناضب كل يوم. تراكمت الخسائر، وازدادت الديون بعد ان عجز ملكون عن تسديدها، او التقليل من فوائدها العالية في بلد الرأسمال العالمي.

ندب حظه الف مرة.

هل كتب عليه ان يخسر كل شيء؟

خسر الوطن اضطرارا.

وخسر ابنه البكر والوحيد، مبكرا.

وخسر ما تبقى له من النقود، حصيلة ايجار داره في الجادرية ببغداد لخمس سنوات قادمة.

لم يبق اذن، شيء ليخسره.

صحا على صوت يناديه.. التفت الى مصدره، فوجد صديقا قريبا جدا منه منذ ايام الدراسة في كلية بغداد، وفي ساحات الرياضة المحلية ومنها ساحة الكشافة في الوزيرية.

فؤاد كلو، ابن صاحب فندق بغداد، مهاجر مغترب قديم، جرب حظه في امريكا عاملا في مطعم، ثم مديرا لفندق، واخيرا، صاحب مخزن (ستور) في ديترويت بولاية مشيغان. عاد بعد هذه الانتكاسات، الى لوس انجلوس ليجرب حظه هو الآخر من جديد.

بعد العناق الطويل، عرف فؤاد، انه شريك مع ملكون في "السوبر ماركت". ضحك وقال:

- من ورطك بهذا العمل. انت غشيم ولا علاقة لك بمثل هذه الاعمال.

 

أجابه:

- الحظ يا فؤاد.

 

استدرك لكلامه، قائلا:

-  ملكون هو الخبير.

 

ضحك فؤاد وهو يصفق مازحا، وقال:

- ملكون صحفي فاشل، واراد ان يصبح تاجرا، ففشل، فكيف يورطك هذه الورطة؟

- ما العمل؟

- تخلص منه اليوم قبل الغد.

- لماذا؟

صارحه فؤاد بأن المنطقة لا تتحمل مخزنا عربيا، وتعتبر مقفلة بوجه أي عربي يسكن فيها. انها منطقة يسكنها اليهود، وشراء اللحم محرم عليهم الا اذا كان بالحلال حسب الطقوس اليهودية.

ايقن ان ما يقوله فؤاد هو صحيح.  فطيلة المدة التي يقضيها في المخزن، لا يرى الا القليل من الاجانب يشترون المواد المعلبة او المثلجة فقط.

فاليهود لا يشترون اللحوم.

المكسيكيون لا يشترون سوى البيرة.

الامريكيون لا يقبلون على شراء المواد الشرقية.

ادرك كل ذلك بعد فوات الاوان.

قال لفؤاد:

- طيب يا اخي، انا غشيم، فما بال ملكون؟

رد عليه قائلا:

- هذا هو بالضبط السبب وراء الفشل.

كانت تجربة فاشلة وخسارة مادية كبيرة.

فشل في مشروع المطبعة بلندن، وفشل مرة اخرى في مشروع المخزن في مدينة هوليوود.


الابتكار المبدع صراع بين الوعي واللاوعي

عبد الله الخطيب

اللاوعي قوة لا محدودة قادرة على التغييرات اللانهائية، تتحدى مرور الزمن، وهي محصنة ضد ابعاد المكان الذي يعرفه الانسان وهو في وعيه، انه اللاشعور، العالم الغريب الذي تسقط فيه قوانين المادة والواقع المرتبط بالزمن والمكان البعدان المتلازمان يحتمية احكام قوانين الدماغ الانساني. اللاوعي الذي يشتمل على كل ما هو كامن من التجارب التي كونتها المسرات والآلام، انه المخزن الذي لا يحده مكان ولا زمان، المخزن لآلاف الآثار التي واكبت تطور الانسان الارتقائي من اللاانسانية الى الانسان الواعي، انه قوة خلاقة، وجوده متلازم مع وجود الانسان على الرغم من وجوده الواعي، انه كالطبيعة يخضع للقوانين المفروضة عليه، الكامنة فيه بما فيه من قوى دينامية متفجرة، متصادمة اولية مستمرة مع بقاء الانسان، اللاشعور عالم لا يعترف بقوانين عالم (الزمكان) غير مقيّد ولا مروض بكليته ابداً، انه يمثل الطبيعة بكل ماضيها واستمراريتها، بشكل انفرادي  وتصاحب حركة اللاوعي، حالة محايثة للفكر الواقعي تحدث في ما (تحت الشعور) وهي صفة مميزة للعمليات العقلية الايجابية التي تؤثر حين لا تكون في  وقت قيامها من مركز النشاط الشعوري (انظر الموسوعة الفلسفية ص/ 427).

وهناك (المذهب المادي الآلي) ينكر فعالية اللاوعي في الابتكار المبدع، ويرجعها الى عمل (سيكوفيزيائي) في عملية (التداعي) التي تؤول الى تصورات (ترابطيَّة) اي (سببية)تتحرك في نطاق مادي آلي يردها الى ما يحدث في الجهاز العصبي من متغيرات.

يمثل هذا الاتجاه (ديفيد هيوم) وذلك انه لم يكتف بإعتبار الصور المبتكرة مجرد نسخ للانطباعات الاصلية على اعضاء الحس، وانما عدها نسخاً تبدو في وضع انفصال كما اعتبر (الخيال) قاصراً اذا ما قورن (بالحس الخالص) وهو قصور جعله يتجه اتجاهاً (توكيدياً) ينفي قدرة الانسان على ابتكار محسوسات جديدة، اما (هوبز) فقد افضت نزعته التجريبية الى ان يوحد بين (الخيال المبدع) والذاكرة وان يفسّر الخيال المبدع بأنه احساس متحلل ما يعني، ان الادراك يقوّم لنا المحسوسات واضحة وثابتة بينما يركب الخيال صوراً يسمها الغموض.

يعتقد اصحاب (الابتكار المبدع) ان الانسان الذي يقتصر في حياته على العقل ومنطقه الشكلي و المعرفة التي تعتمد الروتين  لا يعدو كونه شخصاً يعتمد النظرة (الواحدية) اي ذات البعد الواحد للحياة والوجود.

اما الانسان الذي يقتصر في حياته على الطقوس اللاواعية المفروضة عليه والايمان المتعصب دونما معرفة و ادراك، فهو شخص غير مدرك لوجوده المنظور، اما الشخص (الفنان او الشاعر) فهو الذي يعتمد الترابط الديناميكي وبذلك الخضوع السلبي للاوعي يكون الخلق الفني والابتكار المبدع، الانسان الخلاّق الحقيقي حسب رأي (فرويد) في حوزته مواهب خاصة تعينه على المغامرة وراء نطاق رواق التحويل الى اسرار وتقنية العملية التي ترتطم به، من داخل عالم (الزمكان) الباطن المنبثق من لا وعيه ومن عالم (الوجود) الخارجي الذي يمثل الواقع. انه يعيش قريباً  من احلامه وفي الوقت نفسه يحتضن (الروتين) قصد اختراقه للوصول الى (السحر) العملي الذي يغير الواقع على الدوام (انظر/ شنايدر/ التحليل النفسي والفن ص/111).

ان الموهبة الخاصة وتطور عملية (الابتكار) تنفردان بخاصية جوهرية تتمحور في القدرة المهيمنة على حركة (الادراك) النفسي واقتناص (منطقة) التحويل العظمى المنعكسة من الذهن الخلاّق بما فيها من (عمق) و (اتساع) وبما فيها من تكامل لا يتحلل يأتلف مع الاستعداد التعبيري. ان تلك (القدرة) تعرف في مجال التحليل النفسي للابتكار بإسم (رابطة) تجمع بين الاندفاع الابداعي و الهيمنة الخلاقة، وان هذا الادراك النفسي يصاحب الحرية الفردية التي يتمتع بها الانسان وبدونها لا يمكن ان ينمو او يتطور اي نوع من الادراك النفسي، وان تكون فيكون اقرب الى الادراك الهلوسي المريض لأن عزل الانسان عن المجتمع، تحطيم للقدرة الخلاقة عنده، ومن هذا التحطيم يكون موت الانسان (اجتماعياً) بدلاً من الموت البايولوجي المريح، وبالموت الاجتماعي يتحول ادراكه الواعي الى ادراك (اللاوعي) وثم الجنون الذي يفقد الانسان فيه حدود وجوده المكانية والزمانية و الاجتماعية (انظر جارلس ماج/ المجتمع فن العقل ص/118) وبعده يفقد وضوح الادراك العقلي ثم يفقد هويته وبعدها يقع من اعلى درجات (الاغتراب).

ان فعل (الابتكار) يكمن بين (الوعي واللاوعي)، اي يتكون ويتخلص من ضبابيته اثناء التفاعل غير المقيد بزمان او بمكان اي يتخلص من طبيعة الاحلام التي تضطرب فيها (الرؤية البصرية ورؤيا الذات) واثناء ذلك التفاعل تتحطم القوى المقيدة و (الساكنة) المكبوتة من (اللاوعي) تنطلق الطاقة الحرة، لتخلق الصور والقصائد المبتكرة والاعمال الفنية الاخرى الخالدة.

العمل المبتكر قبل كل شيء عمل صعب مرهق، وفي الوقت نفسه، انه عمل يوسع ويعمق الادراك عند الانسان، ويمتع الفنان والمتلقى عندما تصير الحقيقة جمالاً للاندفاع المبدع، والميزات المهمة في المبدع المبتكر هي الحدس الملهم والمعرفة والاندفاع والهيمنة الخلاقة، وعلى قدر امتلاك هذه المميزات تتوقف درجة الابداع والخلق، علماً ان الحدس ينضح باللاوعي، اذا كان الفنان ممتلكاً رؤيا الحدس فيكون مجبراً على تنفيذ (رؤياه) اي  (الاستبصار) تلك الرؤية الضاغطة التي تدفع الشاعر والفنان ليصوغ ابداعاته ومآثره. ان الفن المبتكر تقف وراءه رؤيا الاحتمالات الجديدة، التي يفرزها التفسير الشكلي من اجل تعزيز سعادة الانسان عقلياً وجسدياً (انظر شنايدر (م. ص/120).

ان من يذهبون هذه الرؤيا يساقون الى تطويرها، كما انهم يمتلكون تقنية التحويل على نحو رفيع. القدرة على الابتكار موهبة باطنية تختص بها الحساسية الرؤيوية الضاغطة تسمح بتحويل (اللاوعي) و (الوعي) الى امكانات جديدة عظيمة يمتاز بها التفسير الشكلي بصورة جلية علمياً وفنياً.

ان حلقة الاتصال بين الاندفاع الابداعي (الابتكاري)، الذي يتمثل في (اللاوعي) والهيمنة الخلاقة التي تتمثل في (الوعي) تعبّر عن الالهام الحدسي والادراك المعرفي بالمشاركة.

ان الموهبة ليست مترادفة مع المعرفة التقنية التي تختص بفعاليات (العقل)، وهي لا يمكن ان تبتكر ابتكاراً حيث لا وجود لها، وعليه يجب ان نضعها موضعاً مغايراً تماماً لرد الفعل العصابي بتكوينه، كما ينبغي (للناقد) ان يفرق بين (خلق) المقصد الفني وبين الخلق الذي ينتهي الى نتيجة فنية حقيقية (شنايدر (م.ص/121).

اما اذا اضطرب التفاعل بين (اللاوعي والوعي) وفقد (الوعي) الهيمنة على صور (اللاوعي) فإن التقنية التحويلية التي تعود الى (المثل الاعلى الخلاّق) الذي يفسر الذات ويرقبها (تحترق) على نحو وهّاج، وتحمل ثقلاً باهظاً بحيث تفقد مرونتها، فلا يعود من بوسعها.

ان تشتمل على الاندفاع الابداعي اللا واعي وحدة الصراع في نطاق هيمنة (الانا) الخلاقة من حيث قدرتها على التحكم. قد يتغلب (اللاوعي) وتكون النتيجة غزواً لا مساومة فيه تقوم به الاحلام بشكلها التشكيلي ينال من الوعي حتى في حالة اليقظة والصحو وبالتالي تحدث الهلوسات والاوهام.

ولما يتصدر الاندماج الابداعي على الصراعات (الاندماجية) الاخرى ويعمل ضمن التنظيم العقلي و العاطفي الامثل فإن مرونة (الكبت) ستعقب ذلك الامر، وسيبزل (اللاوعي) اكثر فأكثر.

ان الموهبة الفنية هي القدرة على (الاندماج) بما يعنيه ذلك من تضمينات متعددة، (فعلاً وكماً) اي انها تملك باطني، اما الشخص العصابي الذي يحاول ان يفرض نفسه لإمتلاكها فلا يسعه الا ان يسلب الاستقرار الضروري من تنظيمه العقلي والعاطفي، وتبعاً لذلك ان هذا الفنان او الشاعر يقع اسيراً لحالة مستمرة من الازمات الداخلية. ذلك ان الفن الحقيقي والاندماج الخلاق الذي يضمنه الاستعداد التنظيمي المسبق والمتأصل، والذي يتصدر كل الامور الاخرى يجعل من امكان الفنان الحقيقي، ان يقوم بدوره بسهولة نسبية بوعي وبلا وعي.

الفنان (يحلل ويركب) بطريقة الاندماج، او ما كان  يسمى (بالانضواء) وبهذه الطريقة يستطيع ان يقتنص عدداً كبيراً من عوامل التكامل لعملية التحويل و (صياغة مخلوقات تشبهه) ومن هنا تبدو لنا عين الفنان على حقيقتها الثاقبة، ولذا فهو بحاجة لإقتناص الواقع بدقائع علاقاته المتبادلة، لئلا تصبح شخوصه نسخاً من ذاته، او نسخاً مقولبة وتظهر هذه الحالة بصورة واضحة في الفنون التشكيلية.

(التحويل) من وجهة النظر الاجتماعية والجمالية بالقياس الى الانسان هو التطور في كل عمل ابداعي انساني سواء أكان فنياً ام لم يكن لا يسع مؤرخ الفنون الهروب من مواجهة ذلك (التحويل). ان انتصار حياة الانسان بأسرها، يمكن ان يقاس بتحويل الناس من (الكم الى الكيف) من حيث الاستمرار والتفسير، طالما كان حقيقياً وسليماً- ذلك التحويل الذي يعبّر عن نفسه، من مختلف الطرائق المتسامية، لا في اعمال الفن والعلم والشعر حسب بل في كل فعاليات كوننا الاجتماعي الصغير، ان اي شكل من اشكال المجتمع الذي يناهض مثل هذه القدرة لدى الانسان على (التحول) التقدمي الخلاّق محكوم عليه بالدمار وبخلاف ذلك ليس بوسع الانسان التثبت بأسباب البقاء.


صدر عن المدى: صفحات مخفية من تاريخ العراق في رواية خولة الرومي

موسى الخميسي

تنسج الكاتبة العراقية الدكتورة خولة الرومي في روايتها الجديدة "الصمت حين يلهو" الصادرة عند دار المدى، عوالم قصتها من فترة تاريخية حرجة في تاريخ العراق المعاصر، وبالذات منذ السنوات التي سبقت  ثورة 14 تموز 1958 وحتى الاشهر الاخيرة التي تداعى فيها النظام الشمولي الديكتاتوري في العراق، من خلال رصدها تفاصيل الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي في مناطق الجنوب العراقي، حيث عمقت الاحداث اليومية البسيطة في حياة ابناء الجنوب، في توغل عميق بجسد واقع المجتمع وثقافته، والاهتمام بتلابيب ومحتويات ذلك الواقع الذي استدرجته في مجريات الحدث وفعاليات البناء الذي تنوع وفق الاسلوب السردي الحكائي المطعم باللهجة العراقية الجنوبية، والذي ابتعد عن البعد التزييني.

ومع ان الرواية ظلت حبيسة الفضاء الريفي الذي قدم مستويات متعددة من الوقائع التاريخية لواحدة من الفترات التاريخية الصعبة التي مرت في حياة العراقيين ، الا ان الروائية قدمت فلسفة الحياة الجنوبية في ظل ظهور مظاهر التمدن من ناحية وصعوبات الحياة التي تعقدت بمجيء حزب البعث ليستولي على السلطة من خلال انقلابين عسكريين ، الاول مثله الانقلاب الدموي الذي راح ضحيته اكثر من 80 الف ضحية في 8 شباط 1963 والانقلاب الثاني في 17 تموز 1968 الذي جاء باحدى العشائر العراقية التي تلبست صورة الحزب القائد، لتحكم اربعة عقود من الزمن بالحديد والنار، وحتى الايام الاخيرة قبل سقوط نظام حزب البعث، حيث ربيع الحرية العراقي في التاسع من ابريل 2003 لتصل بالرواية الى عدة فضاءات  تشكل عدة مراحل تتقسم الرواية حولها بتسعة فصول اساسية، تبدأ  بـ( الذئاب، ابناء تيارات الآبار،الظلام ورحلة الموت، الدروب الحلزونية للذات، الاقنعة، حين يورق الصمت، الدروب والضفاف، قرابين لشروق الشمس، والصمت حين يلهو) يفضي كل عنوان فصل الى مرحلة تاريخية معينة ، سادت فيها الفضاءات الشعبية الريفية لعائلة عاش افرادها  تحت خيمة الفكر اليساري العراقي وبالذات فكر الحزب الشيوعي ، لتتحدث عن جموع غفيرة من العراقيين في داخل العراق وخارجه، وعن ظواهر سياسية واجتماعية ونفسية ، اصابت المجتمع العراقي طيلة خمسة عقود من الزمن. عن خروج الجماهير العراقية الى الشوارع في محاولة تصديها للانقلابيين عشية الانقلاب العسكري في 8 شباط ، وعن حرب المقاومة العراقية في الاهوار، وضرب اهالي مدينة حلبجة الكردية بالغازات السامة،وظاهرة تهجير العوائل الكردية الى المناطق الجنوبية، وظاهرة تهريب الاموال والاثار العراقية التي كان يقوم بها اقطاب النظام البائد، وهروب الناس الى الخارج، والخراب البيئي نتيجة الحروب، مرورا بالانتفاضات بوجه النظام.. الخ.

لقد مثلت رحلة البحث في مصير شخوص الرواية، كشفا لسيادة الفضاءات الشعبية الجنوبية، مما جعل الروائية تقترب من خلال شخوصها الريفية الجنوبية( الاخوين ابا رند وابا ساهر ) والدكتور عادل والدكتورة ثروة، ورمز النظام القمعي العدواني صارم ،على اداء الفعل السردي بسمات الشخصيات التي عانت الانهزامات والانكسارات الداخلية في مسيرة بحثها عن حريتها التي سلبتها قوى الظلام التي حكمت العراق طيلة عقود مريرة من الزمن انكسر الطريق. كنت تسير معي، لم تتركني كالحارس الامين واكبتني.. مشينا شارع الرشيد.. ثم دفعنتنا الجموع نحو الكريمات، قرب محطة الاذاعة والتلفزيون بعد ان عبرنا جسر الاحرار الى الصالحية.. الجنود والدبابات خذلونا.. الرشاشات انطلقت.. اتذكر كيف هاج الناس.. ازقة الكريمات كانت ضيقة حمتنا.. خلف منعطفاتها وتحت شناشيل بيوتها القديمة.. كان قلبي يخفق من شدة الانفعال.. ذات العيون السود جاءت لنا تحت عباءتها السلاح.. وحثتنا الاخرى على الصمود.. قالت الحياة الحرة هي ما نريد.. الديمقراطية هي هدفنا.. اصوات المدافع ظلت تدق ابواب الليل كله.. كان قلبي يهوم.. ثقيلا هو كان..).

سلطت الروائية خولة الرومي الضوء على معاناة الاسرة العراقية في ظل نظام اجتماعي وسياسي رجعي وضع المرأة في مرتبة دونية بعد الرجل، وعاملها على انها مجرد اداة لمتعته وتلبية رغباته واحتياجاته، بعيدا عن احترام انسانيتها وكرامتها، وهي النظرة التي استغلها الرجل المنتمي الى حزب السلطة لممارسة سلطته القمعية المطلقة على المرأة اولا، وعلى كل اشكال المعارضة التي يشعر انها تحمل بداخلها اصابع الاتهام لما يقوم به من اعمال لا اخلاقية تتنافى واعراف المجتمع. (ستستبيح كل ما يسمونه بالعفة. لاقيمة لهذه الكلمة الان في هذه الظروف الصعبة. انها تطمع فقط ان تأكل وتلبس كما يلبس الناس.. اهذا طمع؟ ان تقدم الدواء لاختها.. اهذا كثير؟ ان تجعل امها تكف عن النحيب.. اهذا خطأ؟ لاتجد من تحدثه عن مشاكلها.. فلا اصدقاء لها. كل شيء اصبح يقاس بالمصالح وتجارة السوق السوداء.. وهذا الطريق ،طريق الساقطات هو مجرد عمل ويأتي بالكثير من النقود لم لا اذا؟ اجل.. انها ستكون اداة جنس وتأخذ نقودا.. اليس النساء ادوات جنس؟ حتى المتزوجات احيانا ادوات جنس واشباع رغبات.. ).

بنت الكاتبة روايتها بلغة مبسطة جميلة غير مثقلة لتدمج مجموعة من قصص العوائل التي عاشت مرارة التسلط الاقطاعي اولا والرجعي الذي مثله نظام الحزب الواحد، حيث تتناوب في السرد المرأة التي تمثلها ( رند)حفيدة الرجل الذي ثار بوجه الاقطاع في زمن الحكم الملكي، والاب الذي واجه مظالم وتجاوزات حروب النظام البائد، وابن العم( ساهر) العشيق الثائر الصامت، والشقي( صارم) من ابناء النظام، والفتاة البريئة( ملاذ) التي تمثل نساء الاقليات العراقية ، وهي تعيش معاناتها في ظل المواضعات الاجتماعية التي ترى في الحب معصية، وفي ظل تابوهات المحرمات، وثقافة العيب، ليروي كل منهم بضمير المتكلم، ومن زاويته الخاصة التي فرضتها طبيعة العلاقة التي تجمعهم في تلك القرية الجنوبية، وليروي كل منهم هواجسه وما في دواخله من مشاعر واحاسيس تجاه النفس والمجتمع والمتغيرات ، وتجاه الطرف الاخر،حيث تلم الكاتبة كل هذه الخيوط لتضعها في يد القاريء ليقرأ صفحات مخفية ما دار في عراق تلك الفترة على السنة رواة مختلفين، وهو الامر الذي خلق سردية ممتعة متداخلة تكسب وبسرعة مذهلة محبة القارىء في التواصل لمعرفة النهايات الفاجعة في حياة شعب دفع الكثير من اجل كرامته( انها سموم الحرب تلم حصادها.. شعب مفزوع بالشظايا والانفجارات. وكينونة لاناس اسودت احجار بيوتهم من الكيماويات التي ضربوا بها.. وسياسة لا تعرف الرحمة، تجبرهم على شد الاحزمة على البطون الخاوية، وليقدموا قرابين لضحايا تموت في تصحر الرمال..).

الرواية عبر احداثها تمثل رحلة بحث في تاريخ العراق المعاصر الذي لم يفصح للان عن الكثير من تفاصيله، حتى هذا اليوم، كما انها تجسد فعلا ثقافيا شعبيا ينتقل من ممارسة الى اخرى، من داخل الشخصيات الى داخل الامكنة، وهو ما يميزها في هذه السردية الشعبية العالية في ادائها بخلاف العديد من الاعمال الروائية العراقية التي ظلت تراوح في مكان واحد، ما عدا رواية " الرجع البعيد" التي كتبها فؤاد التكرلي وكشف من خلالها بعض من الاحداث التي تناولتها خولة الرومي ، وكذلك رواية " اذا الايام اغسقت" للراحلة حياة شرارة، ورواية" وليمة لاعشاب البحر" لحيدر حيدر.

انها وثيقة، لانها تتناسب وحجم الاحداث الجسيمة التي مرت على العراق، وهي ايضا اعلان عن موقف واضح وصريح لكل ما حدث ، حاكته خولة الرومي ببراعة ابداعية عكست صورة الانسان العراقي في ظل نظام القهر والتسلط وحرمان الانسان من حرية العيش والتعبير عن ابسط المواقف الانسانية.


وهو يلتقي بعدد من الأدباء ..رئيس مجلس محافظة كربلاء..على الأدباء مواصلة الإبداع تحت كل الظروف

كربلاء / المدى

التقى الدكتور عقيل الخزعلي رئيس مجلس محافظة كربلاء بعدد من الأدباء وتباحث معهم ما يخص شؤون الأدب والأدباء في المحافظة..وقال الخزعلي في اللقاء إن الأديب العراقي كان مهمشا ولم يوضع في المكانة اللائقة به لان الأدب هو القدوة التي تحرك التاريخ وتستلهم منه الشعوب أدوات التحضر والخيال..وأضاف الخزعلي إن الأدباء في المرحلة الجديدة لم يأخذوا دورهم أيضا وهذا ما يجعل الأديب العراقي يشعر بالغبن وعلى السلطات المسؤولة أن ترتقي بالأدباء ليرتقي الأدب العراقي إلى مكانته الحقيقية مشددا على انه لا يوجد أدب في الداخل وأدب في الخارج وقال إن الأدب العراقي واحد وليست هناك مفاضلة بين الادبين بل إن الأديب العراقي الذي بقي في الداخل قد كافح وصبر وكتب تحت كل الظروف المعروفة التي لم تمر على أي شعب من الشعوب..ووعد رئيس مجلس المحافظة بتذليل الصعاب التي تواجه الحركة الثقافية والأدبية في المحافظة من خلال إيجاد مقر للاتحاد في كربلاء الذي يعتبر الاتحاد الوحيد الذي ليس له مقر حتى الآن مشيدا بدور الأدباء الكربلائيين الذي يواصلون إبداعهم ليكونوا في طليعة الأدباء العرب 


مؤتمر الاسلام عصر العولمة

دعت خليدة تومي وزيرة الثقافة الجزائرية الدول الاسلامية للاهتمام بترقية الثقافة والتراث الاسلامي وعرضهما على العالم لتمكين المجتمعات الاخرى من الاطلاع عليهما وعلى ما يتضمناه من قيم انسانية كونية رصفت طريق التطور العلمي واسست لعصر التنوير في حقبات طويلة من تاريخ البشرية.

واكدت الوزيرة في كلمة لها في مؤتمر وزراء الثقافة في منظمة المؤتمر الاسلامي المنعقد في الجزائر، ان الدول الاسلامية والمؤسسات الثقافية والجامعات والمثقفين عموماً مطالبون بتنفيذ الدور المنوط بكل واحد منهم للنهوض بواقع الثقافة في عالم متغير يتجه نحو العولمة الشاملة التي تطغى على كل شيء وتهدد بإلغاء كل المعالم الثقافية والتقاليد ومعالم الشخصية للشعوب والامم التي لا تعمل على ابراز وجودها وحماية الثقافة من الاندثار.

واشارت الى ان الشعوب الاسلامية الممتدة جغرافياً من اقصى الارض الى اقصاها في كل القارات وبشرياً في كل الاعراق مدعوة لأن تصنع لنفسها مكانة متميزة في عصر العولمة، معتمدة على رصيد ثري من المعرفة والتجارب الممزوجة عبر عصور طويلة من الزمن بمختلف الثقافات والحضارات الانسانية الرائدة في التأريخ وما قبله.

من جهته دعا المدير العام للمنظمة الاسلامية للثقافة والتربية والعلوم عبد العزيز التويجري الى خلق قنوات حوار وتغذية الحركة الثقافية بتنوعها في الدول الاسلامية لمنح الشعوب الاسلامية الثقة في المعالم الحضارية التي ينتمون اليها امام تحديات تفرضها العولمة اليوم على كل الاصعدة.

وبحث وزراء الثقافة في مؤتمرهم مسألة الهوية الثقافية الاسلامية في عصر العولمة واثرها على الخصوصية الثقافية وعلى التقاليد والتراث امام زحف المفاهيم والقيم الجديدة المبنية على المصلحة المادية والتقنية البحتة.

وقدم المشاركون في تداخلاتهم مختلف التصورات التي يحملونها للتعامل مع العولمة واثرها على المجتمع وعلى سلوك الفرد الثقافي والحضاري. كما يناقشون مظاهر العولمة في المجتمعات الاسلامية، وتأثيرها على النسيج الاجتماعي، وعلى استمرار الحياة الثقافية في صورتها التقليدية.

وتناولت المداخلات من جهة اخرى نظرة المسلمين لمسألة العولمة التي اصبحت واقعاً محتوماً تفرضه التطورات في عالم الاعلام والاتصال وفي التكنولوجيات الدقيقة وحتى في الاقتصاد والتجارة التي تفرض انماطاً معينة من الاستهلاك ونظرة معينة للحياة الاجتماعية لا تتناسب في كل الحالات مع مقتضيات حياة المسلمين في مجتمعاتهم.

كما ناقش المؤتمرون حرية التنقل وسهولة العبور بين الدول والقارات لكسر كل الحواجز بين الشعوب.


رامبو وبونفوا في محاضرة

ضمن حلقة دراسية خاصة حول الشاعر الفرنسي الكبير ارثر رامبو، نظمها الباحث والكاتب بيار برونيل في جامعة السوربون (باريس)، سجّلت الشاعرة والباحثة الفرنسية ماري كلير بانكار مداخلة مهمّة حول تجربتي ايف بونفوا ورامبو الشعريتين، واشارت (بانكار) في بداية مداخلتها الى المعالجات السابقة العديدة لموضوعها والى جودتها وتنوعها، مستشهدة بتلك التي قام بها ميشال فينك، باتريك ني او جيرار غزاريان. وتقرّ الشاعرة بأن وفرة هذا الارث النقدي بالتحديد هي التي اتاحت لها امكانية اعطاء بعض التوضيحات الخاصة حول طبيعة العلاقات بين الشاعرين الكبيرين ابف بونفوا ورامبو. واول ما تذكره بإنكار في هذا السياق هو ما كتبه بونفوا في بحثه (الغيمة الحمراء) (1977) كجواب على الاسئلة التي طرحها روجيه مونيي عام 1973، بأنه لا يشعر  مع رامبو بنفس التجانس كما مع شكسبير او بودلير، نظراً الى فظاظة رامبو وعنفه الذي يتحول احياناً الى سلبية. وذلك للاشارة بأن هذا الاختلاف بحد ذاته هو الذي جعل من رامبو خلال سنوات موضوع مراجع بونفوا وهاجسه الاول بشكل ما. اذ تبين بإنكار ان لرامبو علاقة بمسألة الاصل بالنسبة الى بونفوا، ان على مستوى الولادة او على مستوى الكتابة.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة