مواقف

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

سيضربون مرة اخرى ..اوروبا تصبح نقطة الانطلاق الملائمة للهجمات الارهابية على الولايات المتحدة

بقلم - بيتر بيركن

ترجمة: إحسان عبد الهادي

عن: لوس انجلوس تايمز

 

هل للقاعدة القدرة على تنفيذ هجمات اخر مماثلة لهجمات 11 ايلول على الولايات المتحدة؟ يبدو ان المنظمة الارهابية ليست لديها خلايا نائمة في البلاد قادرة على انجاز مثل هذه المهمة، او حتى لشن عمليات ذات نطاق ضد اهداف (سهلة) مثل المراكز التجارية، اذا كان للقاعدة مثل هذه القابلية لكانت خلاياهم قد شنت هجماتها اما في بداية حرب العراق في ربيع عام 2003 وأما خلال فترة الانتخابات الرئاسية الاخيرة، كانت قضايا (الارهاب) في هذه البلاد منذ 11/9، تقريباً ومن دون اية استثناءات، عبارة عن اشخاص لديهم نيات مريبة او مجموعة من الساخطين المتهمين (بالمساندة المالية) للارهاب، ولكن ليس مخططين للاعمال الارهابية، يضاف الى ذلك ولعلها من مفاخر الجماعات الامريكية المسلمة انها قد رفضت افكار اسامة بن لادن منذ 11/9.

التهديد الملح الاعظم من منظمة القاعدة إلى امريكا هو ليس من مجموعات من داخلها انما من خارجها، من خلايا القاعدة والمجموعات معها في اوروبا، برهنت الهجمات على القطارات الثلاثة في مدريد في 11 آذار والتي قتلت 191 راكباً، على ان المجموعات الجهادية التي تستلهم فكر القاعدة في القارة الاوروبية هي تهديد حقيقي، وان الهجمات الارهابية في المستقبل والضارة بالامن القومي الامريكي من المحتمل ان يكون لها ارتباطات اوروبية قوية وتؤدي دوراً مماثلاً لما قامت به (خلية هامبورغ) في هجمات 11/9، يمكن لاعضاء القاعدة في اوروبا التسلل الى الولايات المتحدة لشن هجوم على نطاق هجوم مدريد على سبيل المثال، او يمكنهم تفجير قنبلة اشعاعية (قذرة) في الحي المالي لمدينة لندن، حدث سوف تكون له تأثيرات مدمرة في الاقتصاد العالمي وبالتالي في الاقتصاد الامريكي.

الى اي مدى تنجح او تفشل القاعدة في اوروبا هو ماسيقرر مستقبلها في الغرب فبالرغم من ان القليل من المسلمين الامريكيين قد اعتنق ايديولوجية القاعدة فان هذه هي ليست الحالة بالنسبة للملايين العشرة من المسلمين الذين يقطنون القارة الاوروبية، يكمن جزء من السبب في التغريب.

يواجه المسلمون في اوروبا بصورة عامة نظراؤهم اكثر مما يواجهه نظراءهم في الولايات المتحدة، كثيراً مايعامل الجزائريون في فرنسا والباكستانيون في بريطانيا واطنين من الدرجة الثانية وهم اقل اندماجاً في البلاد المضيفة من المسلمين في الولايات المتحدة، لكن مواطنين في الاتحاد الاوروبي فان لانصار ايديولوجية القاعدة حرية اكبر للتنقل والتحرك داخل اوروبا وزيارة الاقطار الاخرى في الغرب.

توضح الهجمة الانتحارية في 30 نيسان 2003 في اسرائيل مقالاً لهذه التهديدات. قام بريطانيان من الطبقة المتوسطة ومن اصول باكستانية بمهاجمة مقهى شعبي في تل ابيب قرب السفارة الامريكية، كان احد المهاجمين يحضر بانتظام اجتماعات (المهاجرين) ، مجموعة اسلامية بريطانية متعاطفة بصورة عامة مع غايات واهداف القاعدة، ما ان وصل الشخصان الى داخل المقهى، قام الرجل الاصغر سناً بتفجير قنبلة ادت الى قتله وثلاثة من الاشخاص القريبين كما تم جرح اخرين، بينما فر الرجل الاخر، لقد كانت المرة الاولى التي يرتكب فيها مواطن بريطاني عملاً انتحارياً في اسرائيل اذا كان لمثل هذا الهجوم ان يحدث في اسرائيل وهي البلد الاكثر صرامة في استعداداته الدفاعية ضد الارهاب في العالم كله، فانه يمكن ان يحدث في الولايات المتحدة، مثال اخر هو ريتشارد سي. ريد بطل ماسمي بقنبلة الحذاء، الذي فشل في نسف رحلة طائرة تابعة للخطوط الجوية الامريكية بين باريس وميامي في كانون الاول 2001، وهو مواطن بريطاني تم رفع درجة التحذير من الارهاب في تموز2004 في الولايات المتحدة بعد انتشار انباء عن قيام العميل السري للقاعدة المعروف بالاسم المستعار عيسى البريطاني باستكشاف مواقع المؤسسات المالية الامريكية في نيويورك ونيوجرسي قبل ذكرى 11 أيلول.

اذا كان الضوء يمكن ان يعرف موجة ومادة على حد سواء، فان القاعدة هي الان منظمة وحركة سياسية في آن واحد، فقدت المنظمة قواعدها ومعسكرات تدريبها في الحرب الافغانية التي اضرت بتنظيماتها الشكلية، ولكن الحرب في العراق ساعدت على تعزيز الحركة ايديوجيا. تعطي تفجيرات مدريد اضافة الى اغتيال صانع الافلام ثيو فان كوخ في امستردام في الشهر الماضي من قبل مغربي ادعى بان فان كوخ قد جدف على الاسلام ولم يحترم مقدساته والقبض في العام الماضي على مجموعة من الرجال في لندن يجرون تجارباً على مادة الريسين (وهو بروتين سام يستعمل في الاغتيالات) وكشفت الشرطة البريطانية عن مخطط اعدته القاعدة لمهاجمة مطار هيثرو كلها تعطي دلائل على قوة جاذبية افكار ومعتقدات المنظمة في اوروبا.

وصف ستيف سايمون، المدير السابق للمخاطر الدولية التابع لمجلس الامن القومي في مؤتمر عقد في واشنطن بشأن القاعدة في 2 كانون الاول الجاري، وصف اوروبا بانها (الميدان الجديد للجهاد) بالنسبة للقاعدة والتهديد (الناضج) في آن واحد، بينما وصف روهان كوناراتنا مؤلف كتاب (من داخل القاعدة) اوروبا بأنها (نقطة الانطلاق) للهجمات المستقبلية ضد الولايات المتحدة واضاف ان الحكومات الاوروبية كانت متسامحة اكثر مما ينبغي مع الشبكات المساندة للمنظمات الارهابية في بلادهم/ اما الدبلوماسية الالمانية اورسلا موللر فقد قالت ان المجموعة تشكل (خطرا اعظم) على اوروبا مما هي الحالة في الولايات المتحدة.

سيتم تسريع هذه النزاعات على الارجح، فعدد سكان المسلمين في اوروبا يتزايد بصورة مثيرة في العقود القادمة، لان التكاثر بين السكان المحليين في معظم الاقطار الاوروبية يأخذ منحى نحو الانخفاض الحاد، ستحتاج هذه الاقطار إلى استيراد العمال من شمالي افريقيا والشرق الاوسط لتحمل كلف رعاية السكان المسنين. ان كيفية مواجهة الحكومات الاوروبية مشكلة اندماج السكان المسلمين المتزايدين باعداد كبيرة ستقرر الى اي مدى ستكون امريكا امنة من هجمات مستقبلية من قبل القاعدة والجماعات المنضمة اليها.

(بيتر بيركن: الاستاذ المساعد في جامعة جون هوبكنز وزيل في مؤسسة امريكا الجديدة)


ولكن مَنْ هم؟ نظريات الفوضى

بقلم - ايمي بيد هازور

ترجمة: احسان عبد الهادي

عن: لوس انجلوس تايمز

 

كان الارهاب ميداناً للبحث الاكاديمي يمثل اهتماماً هامشياً لعلماء الاجتماع، واستمر ذلك حتى هجمات الحادي عشر من ايلول 2001، ونتيجة لذلك فان هنالك القليل من النظريات التي حاولت شرح نشوء واسباب الارهاب، ولكن القاعدة والهجمات الانتحارية في الشرق الاوسط انتجت نظريات جديدة وتنقيحات للنظريات القديمة، وفي هذا العرض نقدم الافكار الاكثر بروزاً واسماء اصحابها.

الحرمان النسبي: نظرية تيد روبرت كور

الخلاصة: تعود هذه النظرية الى عام 1970 وتهدف الى تفسير الدعم الشخصي والجماهيري للعنف السياسي.

يعتقد كور بان احساس المرء بالحرمان ينجم عن التناقض المدرك بين مايعتقد المرء بانه يستحق شرعياً (التقييم المتوقع) وماهو قادر على انجازه والحفاظ عليه (التقييم المبني على القدرة والكفاءة) يدعم هذا التنافر الشعور بالاحباط ويقود الى العنف السياسي الموجه نحو الشخص او المجموعة التي يتصور انها مسؤولة عن هذا التعارض، (احتمالية العنف الجماعي تتفاوت بقوة مع حدة ومدى الحرمان النسبي التي يعاني منها اعضاء الجماعة).

المثال: العرب المهمشتين في اسرائيل.

الدين والارهاب: نظرية دافيد رابوبورت، بروس هوفمان، صاموئيل هتنجتون، مارك جيركنسماير وجيكاسترن

الخلاصة: اكتسبت النظريات التي تربط بين الدين والارهاب الشهرة اول مرة بعد الثورة الاسلامية في ايران عام 1979، ومع ذلك فان النظرية الاكثر شهرة هي نظرية هتنجتون المعروفة بصراع الحضارات والتي تدين بسمعتها السيئة الى هجمات 11 سبتمر، يعزو هتنجتون الى الثقافة والدين الدور الرئيسي في التحريض في ميدان السياسية العالمية، يقول ان كل حضارة تملك ثقافة فريدة وميزة دينية معنية وهذه الصفات قد تكون متضاربة مع الحضارات الاخرى، يمكن لهذا التعارض ان ينتج استياءً بسبب الارهاب، بينما يجادل جيركنسماير بان الارهاب ينجم عن استغلال النخب السياسية للمؤسسات الدينية، تعطي نظرية اخرى الدين كمادة محفزة للارهاب وذلك باللجوء الى مرجعية اعلى من الدولة وبالتبشير بالثواب في الحياة بعد الموت، بتمييز المؤمنين عن غير المؤمنين بطريقة تجعل منهم وكأنهم اتباع للشيطان وبالتالي رفع الكوابح التي تمنع الشخص من استعمال العنف وتقلل المخاوف من العقاب.

الامثلة: القاعدة، الهجمات من قبل جماعات مسيحية على عيادات الاجهاض الامريكية، الهجمات الانتحارية الاسلامية، اغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحاق رابين من قبل متطرف يهودي.

الانتحار الارهابي: نظرية روبرت بيب، بروس هوفمان، ميابلوم، سكوت اتران واريال ويراري.

الخلاصة: الهجمات الانتحارية هي التطور الاكثر حداثة في تاريخ الارهاب، برزت الظاهرة في لبنان في الثمانينيات من القرن العشرين وانتشرت حول العالم والى درجة فذة في الشرق الاوسط وجنوب اسيا، نشأت مدرستان رئيسيتان لمحاولة تفسير الظاهرة، تؤكد الاولى على المهارات التنظيمية والقدر على عرض المبادئ من قبل القادة الارهابيين الذين يجندون ويستخدمون المهاجمين الانتحاريين من اجل اجبار عدو اقوى لكي يقدم التنازلات وبصورة خاصة في الاقاليم المتنازع عليها، او لتمزيق انسجة الثقة التي تربط المجتمع المضطهد معاً، هنالك ايضاً ابعاد اجتماعية لهذا الارهاب، تتمتع المنظمات الفلسطينية التي تستخدم الهجمات الانتحارية بشعبية اكثر من تلك التي لاتمارس مثل هذه العمليات، اجبرت هذه الحقيقة منظمة فتح على بتبني هذه الوسائل، تركز المدرسة الثانية على نفسية المهاجمين الانتحاريين والسمات الاجتماعية لتوضيح ازدياد هذا الشكل من الارهاب

الامثلة: حزب الله في حملته الناجحة لاخراج القوات الامريكية والفرنسية من لبنان والجيش الاسرائيلي من المنطقة الامنة في الجزء الجنوبي من البلاد، حماس والجهاد الاسلامي.

الارهاب المسرحي: نظرية براين جنكنز، اليس شميد دغابي فايمان

الخلاصة: نشأت هذه النظرية في السبيعينيات عقب انتشار موجة خطف طائرات الركاب النفاثة، تجادل هذه النظرية بان الاعمال الارهابية تمارس لجذب انتباه وسائل الاعلام وبصورة خاصة التلفزيون.

ينتزع الارهابيون الانتباه الى انفسهم وقضيتهم وينالون العطف والمساندة من اولئك الذين يدعون تمثيلهم (وفي بعض الاحيان من المجتمع الدولي) بتنفيذهم احداثاً ذات ابعاد مدوية ويزرعون في الوقت نفسه الرعب في نفوس اعدائهم لاجبارهم على تقديم التنازلات.

الامثلة: استعمال المتمردين العراقيين للتلفزيون وشبكة الاتصالات للاعلان عن مطالبهم واظهار عواقب رفضها- قطع الرؤوس.

الشبكة الاجتماعية: نظرية مارك سيغمان

الخلاصة: اثار المهاجمون الانتحاريون مع بروز ظاهرة الجهاد العالمي الاهتمام بالدوافع الفردية للارهاب، يؤكد سيغمان في محاولة لتحليل الاسباب التي تدفع الشباب المسلم الى التحول الى الجهاد، على الروابط الاجتماعية لهؤلاء الشباب في حياتهم السابقة قبل ان يتورطوا في المنظمات الجهادية، فمعظم المرشحين للقيام بالعمليات الارهابية هم من الشباب الذين يحنون للعودة الى اوطانهم ، شباب لايمتلكون الثقة بانفسم ويستدرجون الى محيط حميمي مألوف- وبصورة خاصة الجوامع ليجدوا هنالك اصدقاء يشاركونهم قيمهم واهتماماتهم تلك المجاميع من الاصدقاء كثيراً مايعيشون سوية في شقق لوحدهم ويخضعون لفترات طويلة من تنشئة اجتماعية متناظرة، وهكذا كلما يصبحون اكثر دنوا من بعضهم يتحول الاعضاء الاكثر اعتدالاً الى تبني معتقدات المتطرفين بينهم بدرجة اعظم، منفصلين عن روابطهم القديمة معمقين الروابط الجديدة بينهم وهكذا يتم اعدادهم للانضمام الى الجهاد.

الامثلة: تجنيد الغربيين في القاعدة والشبان الفلسطينيين لكي يكونوا مهاجمين انتحاريين.


الرئيس الروسي بوتن، متحدي العالم الغربي

ترجمة فاروق السعد عن الايكونومست

ان الدراما التي جرت احداثها الاسابيع الماضية في شوارع اوكرانيا تمتلك مصطلحات خاصة بها. ولكن معناها الاهم بالنسبة الى الغرب يقع في الشمال الشرقي،من كييف، في روسيا. عندما اتجه التيار صوب فوز قائد المعارضة في الانتخابات الرئاسية، فكتور يوشجنكو ، في 26 ديسمبر، برزت الى العيان محاولات الرئيس الروسي، فلادمير بوتن اكثر وضوحا لافشاله. و لكن هذه المحاولات قد خيبت آمال اولئك الذين كانوا ياملون في ان يتحرك السيد بوتن ببطء و بشكل متعرج، على الطريق المؤدي الى الليبرالية السياسية- و بأنه سيثبت كونه حليفا و ليس عدوا للغرب.

تصاعدت لغة خطاب الكرملين المعادية للغرب، و كأن تدخل روسيا في اوكرانيا لم يكن كافيا. وبفيض من النفاق حتى في المقاييس السوفيتية، اتهم السيد بوتن ووزير خارجيته، سيرجي لافروف، الغرب بالتدخل في شؤون اوكرانيا لزعزعة الامن في المنطقة. و هاجم هذا الاسبوع السيد لافروف منظمة الامن و التعاون في اوربا ، التي اعلن مندوبها اللذان اشرفا على الانتخابات قبل ثلاثة اسابيع بأنها مزيفة. بعدها وسع السيد بوتن من ميدان الهجوم عن طريق توجيه النقد الى الحكومة الانتقالية في العراق و خططها لاجراء الانتخابات الشهر القادم. وحتى مع تصاعد المواجهة السياسية مع السيد بوتن، فان الامور كانت تسير باتجاه حل قضية يوكوس، التي كانت مشتعلة منذ اعتقال مديرها التنفيذي، ميخائيل كودوركوفسكي، العام الماضي. فتحت مطالبات ضريبية هائلة، كانت يوكوس متجهة صوب الافلاس. و كانت ارصدتها النفطية الرئيسية آيلة الى السقوط في ايدي شركة الغاز الحكومية، كازبروم. و هذا يؤكد بان روسيا تحت ادارة بوتن لم تعد- ان كانت في يوم ما كذلك- سائرة على طريق واضح باتجاه الاصلاحات الاقتصادية الليبرالية. وباختصار، فان كلا من اوكرانيا و الاصوات العدائية من الكرملين و قضية يوكوس جميعها قد جعلت الوقت مناسبا للغرب لاعادة تقييم الاتجاه الذي يقود فيه السيد بوتن روسيا و لاعادة رسم سياسته تجاهه.

الرئيس

ان حقيقة كون السيد بوتن اوتوقراطيا اكثر من كونه ديمقراطيا هي امر جلي منذ ان اصبح رئيسا لروسيا عام 2000. و مع ذلك فبعد فوضى عهد يلتسن، كان الكثير ياملون في انه سيحقق النظام، واحترام حقوق الملكية الخاصة و حكم القانون- و هذا ما قد يسمح بتجذر المؤسسات الديمقراطية الليبرالية. ساقت هذه الآمال العديد من القادة الاوربيين الى التقرب من السيد بوتن، و الامتناع عن توجيه النقد اليه حول مواضيع كالحرب في الشيشان، وحقوق الانسان و حرية الصحافة. و في 2001 اشتهر عن الرئيس الامريكي، جورج بوش، تحديقه في عيني بوتن و تكوين انطباع عنه- و وجده بأنه مستقيم و موضع ثقة. و في العام الماضي صرح السيد بوش بان الحرية و حكم القانون سائدان في روسيا. في الحقيقة، احبطت الآمال التي كانت قائمة على بناء تعددية سياسية في روسيا و حتى قبل ان يكسب حزب السيد يوتن ثلثي المقاعد في البرلمان الروسي، الدوما، في ديسمبر الماضي، و قبل اعادة انتخاب السيد بوتن نفسه في آذار الماضي. ان حجبه لجميع محطات التلفاز المستقلة و معظم الصحف المستقلة، مطاردته رجال الاعمال الاثرياء (الاوليغاركية) المعارضين له، و تزويره للانتخابات كلها شاهد على غرائز السيطرة التي يمكن للمرء ان يتوقعها من ضابط سابق في KGB. ان تستره على محاولات سرقة انتخابات الرئاسية الاوكرانية، و مساندته الدكتاتورية في بيلوروسيا تبين بأنه يطبق تلك الغرائز ليس على روسيا فحسب ولكن عبر جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، حيث ندم على ذلك الانهيار علنا. و الاسوأ، هو ان رده الغريزي على النقد الموجه ضد السياسة الروسية في دول الجوار قد تحول الى عداء شامل الى للغرب. اما الغرب، في المقابل، فقد اصبح اكثر برودة.

التشدد الاقتصادي ايضا

وهذا ترك الاقتصاد باعتباره المجال الوحيد للتغيير. فقد نما بشدة تحت حكم السيد بوتن، حيث بعود الفضل الاكبر الى استمرار ارتفاع اسعار النفط، و لكن ايضا بمساعدة السياسات الاقتصادية الشمولية السليمة. فقد عاد المستثمرون الاجانب، بعد ان نسوا انهم قد تضرروا من جراء القوانين الروسية عام 1998. و لكن الانهيار المرتقب ليوكوس و وجود الدليل على ان السيد بوتن مهتم باعادة سيطرة الدولة على الاقتصاد اكثر من اهتمامه بمتابعة ليبرالية الاقتصاد قد دفعت بالكثير الى التريث مرة اخرى. ان هذا لا يعني ان السيد خودوركوفسكي او الاوليغاركية الآخرين هم قديسون. كان هنالك منطق في اصلاح خطا ارتكب في عملية الخصخصة في التسعينيات التي خلقت الاوليغارش، على سبيل المثال عن طريق فرض ضرائب عليهم و على شركاتهم. و لكن الهجوم على يوكوس، و هي الافضل ادارة و الاقرب الى النمط الغربي من بين الشركات الروسية، كان العلاج الاسوأ من بينها جميعا: تقلب الاطوار، الانتقائية و اتخاذ القرارات استنادا الى اغراض سياسية و ليس طبقا الى حكم القانون.

ان المخاوف من انها قد تكون نذير لهجمات على شركات اخرى قد توطدت بعد سماع اخبار هذا الاسبوع حول مزاعم ضرائب فجائية على VimpelCom ، وهي شركة اتصالات. و الاكثر سوءاً ، من الواضح ان الهجوم على يوكوس قد تم تحريكه من قبل الحزب نتيجة رغبة جماعة بوتن في الكرملن باثراء انفسهم. ان احدى سمات حكم بوتن في روسيا هي تصاعد موجة الفساد. يقول رجال الاعمال في موسكو، بأنه على الرغم من امر السيد بوتن الجديد لمحاولة التخلص من الفساد، فانه اصبح شائعا و اكثر مما كان في اسوأ سنوات يلتسن. يكمن الفساد وراء اغلب المشاكل التي تعصف بروسيا من الحالة المزرية للجيش، الى الحرب في الشيشان، و الى ضعف الشرطة في مكافحة الارهاب. اقر السيد بوتن بان العديد من الروس يخشون الشرطة اكثر مما يخشون المجرمين.و لكن جهود مكافحة الفساد كانت فاترة في احسن احوالها- و لانه يولي اهتماما كبيرا بالسيطرة السياسية من قبل الدولة في حين يولي القليل من الاهتمام بسيادة القانون، فقد خلق الشروط التي يزدهر فيها الفساد و على افضل ما يكون. و في نفس الوقت، فان اصلاحات قطاع الاعمال التي وعد بها في المرحلة الثانية لرئاسته قد وقعت في طي النسيان.

لا مفر من الاستنتاج. ان السيد بوتن ابعد ما يكون قادرا على لعب دور المصلح السياسي او الاقتصادي، بل انه اصبح يشكل عقبة امام التغيير. و السؤال المطروح هو ، ما الذي يستطيع ان يفعله الغرب بهذا الصدد؟ الجواب باختصار، لا يستطيع ان يفعل الكثير. و مهما كانت سياسته الخارجية تجاه اوكرانيا غير فعالة، الا ان سلطته في الداخل لا تبارى. في الحقيقة، يدور الحديث الان عن ايجاده طرقا ما لبقائه فترة رئاسية ثالثة. و علاوة على ذلك، فبالمقارنة مع فترة يلتسن، عندما اعتمدت روسيا على صندوق النقد الدولي، فان الغرب لا يمتلك الا القليل من العتلات التي يمكنه رفعها. و بدلا من هذا، ان اعتماده المتنامي على الطاقة الروسية قد يضع في الحقيقة بعض العتلات في ايدي الكرملين.

و حتى في هذه الحالة، فان التشخيص الثابت من ان السيد بوتن ذاهب في الاتجاه الخاطئ هو افضل كثيرا من الاذعان الوديع. كان قادة الغرب نشطين بشكل مشجع حول اوكرانيا، مفندين صراخ السيد بوتن حول التدخل. باستطاعتهم عمل المزيد لمساعدة القوى الديمقراطية في روسيا، خصوصا المنظمات غير الحكومية التي تتعرض بشكل متزايد الى المضايقات. لا ينبغي تقديم أي تفضيل لروسيا في مباحثاتها للانضمام الى منظمة التجارة العالمية؛ و لا يبيحوا للسيد بوتن ان يتمتع بتهيئة مسالة رئاسته لقمة G8 في موسكو عام 2006. قد لا يكون الوقت مناسبا للتحدث عن حرب باردة جديدة- حيث لا تشكل روسيا تهديدا كالذي كان يشكله الاتحاد السوفيتي. و لكن الوقت قد حان للنظر الى السيد بوتن كمتحد، و ليس كصديق.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة