في ذكرى رحيل السياب .. النجاح
والاخفاق
هل يمكن القول ان
السياب من اولئك البؤساء، عاش منذ طفولته سلسلة من
الخيبات والمآسي، بدأت بموت أمه وتلته جدته، ثم زواج ابيه،
وعلى المستوى العاطفي عانى كثيرا من شكله غير الوسيم، الذي
نفرت منه العديدات وهو في قمة احتياجه الى المرأة حبيبة
وصديقة وهو الذي قال: (كان عمري كله انتظارا للمرأة
المنشودة، كان حلمي أن يكون لي بيت أجد فيه الراحة
والطمأنينة). انضم الى العمل السياسي وأخفق، ثم استسلم
لوضع مادي قاهر أوصله سريعا الى مستوى مؤلم من الفقر
والحاجة، كل ذلك وتفاصيل أخرى أشد قتامة جعلت من شعره
ملحمة عذاب ووجع وشكوى، فجاءت قصائده إيقاعات صوتية حزينة
تنزف بالألم والحرمان.
عجز عن السيطرة
على مصيره القاتم، قارع الظلم، وتحمل إذلال السجن ومرارة
النفي، واليتم، والفشل والنبذ، والغربة، ثم المرض، الذي
قاد سفينته في بحور عنيدة عتية ألقت به وبها أخيرا على
الصخور الحادة فسقط (جلجامش) عند أسوار مدينة أور.
فمنذ موت أمه
برحيلها المبكر تمزقت طفولة وولدت غربة رافقته العمر كله:
أماه.. ليتك لم
تغيبي خلف سور من حجار
لا باب فيه لكي
أدق ولا نوافذ في الجدار
كيف انطلقت بلا
وداع فالصغار يولولون
يتراكضون على
الطريق ويفزعون فيرجعون
ويسائلون الليل
عنك وهم لعودك في انتظار
الباب تقرعه
الرياح لعل روحا منك زار
هذا الغريب!! هو
ابنك السهران يحرقه الحنين
أماه ليتك ترجعين
وبعدها ظلت المرأة
هاجسا يلاحقه في اليقظة والمنام، تتنقل من زهرة الى اخرى،
من قصة الى ثانية، ومن فشل إلى آخر، فتصدع حلمه ولم ينل
الاستقرار الذي ينشده، وظل يبحث عن المرأة ويدعي امتلاكها
في قصائده، ثم يجهش مرارة على واقع بارد يحاصر أيامه
ولياليه.
انهيار المثالية
أمام الواقع، النقمة والثورة، الفصل من الوظيفة، الجوع
والقهر، السجن والإذلال، ، الثورة على النظام»، ، وجع
الطفولة المعذبة، وجع الفقر وفقدان العدالة الاجتماعية،
وجع الأحوال السياسية والظلم، وجع الفشل في الحب والزواج،
وجع المرض والغربة، وجع رهاب الموت.
(المدى
الثقافي)
|