صلاح سرميني / دبي - الإمارات العربية المتحدة
لا أنكر أبداً أهمية إنعقاد مهرجان سينمائي جديد في
المنطقة العربية، ومساهمته بنشر الثقافة السينمائية،
والمعرفية، وتحقيق التواصل بين السينمائيين أنفسهم من طرف،
والجمهور من طرف آخر، وإيجاد جسور إضافية بين السينما
العربية والعالمية، وصناعها من الطرفين.
ومع الابتهاج المسبق بكل التظاهرات السينمائية العربية
الموجودة على الساحة اليوم - وهي قليلة بالمقارنة مع
مثيلاتها في فرنسا، والعالم - فإننا نفرح حقاً بولادة
مهرجان سينمائي جديد تحتضنه مدينة دبي التي تضاهي عمرانياً
أهم مدن العالم: باريس، نيويورك، جنيف، لندن،...
وحرصاً مني على أن يكون الإحتفاء صادقاً، ينصب في مصلحة
المهرجان نفسه، والرغبة الحقيقية في استمراريته، وتعزيز
مكانته في المشهد السينمائي العربي، والعالمي - وأنا الذي
قضيت حياتي متنقلاً من مهرجان إلى آخر - فإنني لن أجامل
الهيئة الإدارية التنفيذية عند الحديث عن بعض النقاط
الهيكلية، والتنظيمية والأخلاقية.
تثير الدورة الأولى لمهرجان دبي السينمائي تساؤلات عديدة،
صغيرة وكبيرة، بدءاً من فكرة التأسيس نفسها، حتى البرمجة،
مروراً بالعقلية الغربية التي تديره.
هل تحتاج دبي - إلى مهرجان سينمائي محلي، أو دولي، وهي
تفتقد الصناعة السينمائية تماماً، ويقتصر المشهد السمعي /
البصري فيها على أفلام تسجيلية، وروائية، قصيرة، وطويلة،
تُصور بالفيديو.
نعم، من المفيد، والمنطقيّ أن يُقام مهرجان سينمائيّ في
أيّة مدينة، وأيّ بلد، سواء أكان الإنتاج السينمائيّ فيه
حاضراً، أم غائباً، ولن ننتظر معجزةً ما، وسنوات كثيرة حتى
تصبح الفكرة مشروعة، وإذا كانت الصناعة السينمائية مفتقدة
في بلد ما، فإنه من الأفضل أنّ تكون السينما متواجدة في
صالاتها من خلال العروض التجارية، والثقافية، وأسابيع
الأفلام، ومن ثمّ المهرجانات المحلية، والدولية.
نشر الثقافة السينمائية في أيّ بلد لا يرتبط بالواقع
المحليّ للصناعة السينمائية فيه، والإنفتاح على العالم
سينمائياً يشجع بدوره على التفكير بإنتاج أفلام سينمائية .
ومنذ دورتها الأولى في عام2002، ساهمت بتسليط الأضواء
عليها، والتعريف بها محلياً، وعربياً، وعالمياً .
قبل ذلك، كانت الأفلام حبيسة في أماكن إنتاجها في كليات
التقنية العُليا، والإعلام، بعدها أصبحت (المُسابقة)
بمثابة المُتنفس الوحيد للنشاط الفيديويّ، ومن ثمّ، إجتاز
بعض الأفلام حدوده المحلية، ووجد له مكاناً في المهرجانات
العربية: (مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية
(دوكيودايز)، أيام بيروت السينمائية، المهرجان الدوليّ
للأفلام التسجيلية والقصيرة في الإسماعيلية، بينالي
السينما العربية في باريس، ملتقى أصيلة لسينمات جنوب ـ
جنوب، مهرجان الفيلم العربي في (روتردام،..)، ثمّ تخطتها
نحو المهرجانات الدولية: ( مهرجان باريس للسينمات
المُختلفة، مهرجان طهران الدوليّ للأفلام القصيرة،..)،
وقريباً سوف يُخصّص (سوق الفيلم) للمهرجان الدوليّ للأفلام
القصيرة في (كليرمون فيرون)/فرنسا برنامجاً خاصّاً
بالأفلام الإماراتية، وهو واحدٌ من أهمّ مهرجانات الأفلام
القصيرة في العالم، ويُعد بمثابة (مهرجان كان للفيلم
القصير).
من جهة أخرى، يمكن أن يُحفز مهرجان دبيّ السينمائيّ
الدوليّ على نهوض صناعة سينمائية، وفيديويّة فعالة، ونشيطة
في المنطقة العربية، وكما ساهم رأس المال الخليجيّ في
إزدهار الإنتاج التلفزيونيّ العربيّ، نتوقع له دوراً في
الإنتاج السينمائيّ .
وبما أنّ الإمارات العربية المتحدة قادرة على إقامة مهرجان
دوليّ، فإنها بالمقابل تمتلك إمكانية إنتاج أفلام روائية
طويلة، وقصيرة، كي تصبح واجهةً سينمائيةً، وثقافيةً لها في
مهرجانها، والمهرجانات العربية، والعالمية، وربما يكون
إنشاء مدينة سينمائية مشروعاً يدور في أذهان المسؤولين في
الإمارات بهدف استقطاب الإنتاجات السينمائية العالمية
للتصوير على أراضيها، والإفادة من خدماتها على غرار ما
يحدث في تونس، والمغرب .
وأُذكّر المسؤولين عن الثقافة، والإعلام بإهتمام
المهرجانات العالمية كثيراً بالأفلام المُنتجة في بلدان
تفتقد الصناعة السينمائية، أو لا توجد فيها صناعة سينمائية
متطورة، وهي تحتفي كثيراً بهذه الإنتاجات، وتعدّها
إكتشافات سينمائية نادرة، حتى لو كانت متواضعة القيمة،
فكيف الحال لو كانت متفوقة .
والوسط السينمائيّ العربيّ يفهم الإهتمام الزائد بالمخرجة
السعودية (هيفاء المنصور)، ويعرف أسباب تسليط الأضواء
عليها بكثافة في المهرجانات السينمائية العربية، والدولية،
تعيها المخرجة الشابة جيداً، وتفيد منها بذكاء، وفطنة .
ومن الطبيعيّ أن نقف إلى جانبها، ليس فقط لأنها المخرجة
السعودية الوحيدة، الأكثر نشاطاً، وحضوراً، ولكن أيضاً،
لأنها تمتلك جرأةً، وشجاعةً، وأفكاراً ـ قابلة للنقاش ـ
تريد أن توصلها للعالم، وهذا مايجعلنا نتغاضى عن تبسيط
معالجاتها السينمائية، ونفرح بمحاولاتها الدؤوبة لصقل
أدواتها، وبحثها عن الثقافة السينمائية في كلّ تظاهرة
تشارك فيها.
إذاً، تمتلك الأفلام الإماراتية الحالية ـ والمُرتقبة ـ
حظوظاً كبيرة للمُشاركة في المهرجانات السينمائية القادمة،
ومع التجربة، والخبرة، والمران، سوف تفرض النوعية نفسها،
وربما يفيد السينمائيون في الخليج بما يمكن أن نسميه
فضولاً، أو حماسة، أو إكتشافاً لسينما مجهولة تُنتج في
بلدان مازال الكثير من سكانها يتوجس الخفية من السينما،
والصورة بشكلّ عام .
ونحن نعرف بأنّ أيّ مهرجان سينمائيّ في العالم يحرص على
تحقيق الجانبين، السينمائي، والسياحيّ، ومن خلال تجربتي
الخاصّة على مدى عشرين عاماً، منذ أن وطأت قدمايّ أرض
فرنسا، لم أستطع التوفيق بين السينما، والسياحة، الرغبة في
مشاهدة الأفلام، واللقاءات تطغى دائماً على الجانب
السياحيّ، وفي مرات كثيرة تلغيه تماماً، بالنسبة لي،
السياحة هي المهرجان نفسه، ولكنني في الوقت نفسه أعيش
المدينة من خلال المهرجان بكلّ نشاطاته، وفعالياته .
والمهرجانات الأوروبية، وعلى الرغم من حرصها على تسويق
المدينة التي تُقام فيها، لا تقمع رغبة من يريد أن يعيش
المهرجان كما يحلو له، فتقدم له كلّ المعلومات الضرورية،
ولكنها تترك كلّ واحد يكتشف المدينة على طريقته، وعلى
نفقته الخاصّة .
بينما تقدم بعض المهرجانات العربية للضيوف برنامجاً
سياحياً، وترفيهياً حافلاً يشغله عن متابعة الفعاليات
السينمائية، وتصبح تلك الزيارات، والحفلات ـ بكلّ
مُشهياتهاـ واجباً لا يستطيع أكثر الضيوف جديةً التخلص من
جاذبيتها، وسحرها، فيتغاضى ـ راضياً، أو مُرغماًـ عن
فعاليات المهرجان السينمائية التي جاء من أجلها.
المهرجانات الأوروبية تمنح الضيف الرغبة زيارة المدينة
مرةً أخرى، بينما بعض المهرجانات العربية تقدم للضيف
المدينة، ومعالمها السياحية على طبق من ذهب، وتُفقده
بالمقابل الرغبة في اكتشافها بمفرده، أو بصحبة عائلته، مثل
أيّ سائح عاديّ يُنفق من أمواله الخاصّة، كي يساهم في
تنشيط الحركة السياحية، والإقتصادية للمدينة، والبلد بشكلّ
عام .
تتلخص حجة المسؤولين عن المهرجانات العربية، بأنّ الجانب
السياحيّ يشجع الضيف على العودة إلى المدينة في مرات
قادمة، ويتجاهلون أنّ هذا الضيف، أو غيره، قد استمتع بكلّ
ما قدمه له المهرجان مجاناً، فلماذا يعود إليها في السنة
القادمة، أو التي بعدها، أو حتى بعد سنوات، وعندما يحنّ
مرةً أخرى إلى هذه المدينة، أو تلك، ماعليه إلاّ أن يزورها
بمناسبة مهرجانها.
وعلى الرغم من العقلية الغربية التي تدير مهرجان دبيّ
السينمائيّ الدوليّ(وأتمنى بأن لاتطول هذه الوصاية)، فإنّ
الخطر الحاليّ، والمُستقبليّ، هو الوقوع بدوره في هذه
الإشكالية، وتحوله إلى تظاهرة إحتفالية، تقدم للضيوف
(دبيّ)في أجمل صورها: بهرجةُ إعلامية، إقامةٌ مجانية في
منتجع خرافيّ، حفلاتٌ يومية، والأكثر خطورةً التقليد،
والنسخ عن مهرجانات كُبرى، مثل: كان، فينيسيا، برلين،
تورنتو،.. بحيث ينسى الضيف تماماً أنه يتابع مهرجاناً
دولياًً في مدينة عربية، يزيد على ذلك اللغة الإنكليزية
المُسيطرة على كلّ تفاصيل المهرجان، حيث يشعر الضيف
العربيّ بالغربة، ويفتقد حميميّة التواصل مع الآخرين .
إذا كان الهدف الضمنيّ للمهرجان إحتفاليا، فليكن مُعلناً
منذ البداية، ومدينة دبيّ لا تنقصها المهرجانات السياحية .
ولكن، لو كان سينمائياً، لماذا ردّد الضيوف العرب(على
الأقلّ) في مجالسهم الخاصّة أسئلةً، وتساؤلات عن واقعية
هذا الهدف .
وحتى العدد القليل من الضيوف الأجانب الذين تيّسر لي
اللقاء معهم، عبروا عن شعورهم بالهوّة العميقة بين الهدف
السينمائيّ، والإحتفاليّ للمهرجان، أما الآخرون، وعددهم
ضعف الحاضرين من العرب، فقد كنت أتساءل : أين كانوا فترة
المهرجان، علماً بأنّ الجميع ـ عرباً، وأجانب ـ كانوا
يقطنون في فندق واحد، وعادةً، في مهرجانات العالم، يتعرّف
الواحد على الآخر من خلال البطاقات المُتدلية من الأعناق،
والمُسترخية على صدور المدعوين كافة.
ولكنني عرفتُ من أحد المصادر، أنّ الأجانب(تخيلوا) كانوا
يقطنون في فندق مجاور، ماهي الحكمة إذاً من فصل الضيوف عن
بعضهم بعضاً؟ وكيف يمكن أن تتحقق الثيمة الأساسية للمهرجان
في (بناء جسور التواصل الثقافي، والإنسانيّ، ونشر قيّم
التسامح، والمحبة في العالم)
|