في ذكرى رجل المسرح والأدب والفكر..الحكيم عصفور يغرد بالشرق والغرب

في ذكرى رجل المسرح والأدب والفكر..الحكيم عصفور يغرد بالشرق والغرب

حياته حافلة ثرية، كيف لا وهو فيلسوف الكلمة الذي نقل مصر من مرحلة التقليد والنسخ لكل ما هو أوروبي إلى مرحلة الإبداع، حتى أن مؤلفاته كانت تبهر الغرب، أديب عاش ليرى ويكتب ويحلم ويتنبأ، انه توفيق الحكيم أهم وابرز العلامات الفكرية والأدبية والثقافية في العالم العربي.

 شهدت ضاحية الرمل بمدينة الإسكندرية عام 1898م مولد الأديب توفيق إسماعيل الحكيم لأب من أصل ريفي وأم من أصل تركي كانت ابنة لأحد الضباط الأتراك المتقاعدين، يذكر الحكيم أنها كانت عنيفة الطباع، ذات كبرياء واعتداد بأصلها. ومما قاله عنها في \"سجن العمر\" أن علاقته بها لم تكن سوية مشبعة, فقد تميزت بشخصية أشبه بالبركان الثائر, وبقدر غير قليل من الأثرة والعناد, والاهتمام بالمظاهر, مع حب التفاخر والتعالي, كلها صفات لا تتيح لابنها الصغير أن يتقرب منها، بل تركت في نفسه صفات الخجل والانطواء، والميل إلى العزلة، وترجع جذور أسرته إلى قرية \"الدلنجات\" بالقرب من \"إيتاي البارود\" بمحافظة البحيرة. وفي هذا الجو المترف عاش توفيق الحكيم، حيث حرصت أمه على أن يأخذ الطابع الأرستقراطي، وقد سعت منذ اللحظة الأولى إلى أن تكون حياة بيتها مصطبغة باللون التركي، وساعدها على ذلك زوجها، وتعلقت نفسه بالفنون الجميلة وخاصة الموسيقى، وكان قريبا إلى العزلة، فأحب القراءة وبخاصة الأدب والشعر والتاريخ. وكثيرا ما تحدث الحكيم عن حرمان والدته إياه ممارسة أشياء حبيبة إلى نفسه، كالعزف على العود والتردد الى دور السينما، وأشار إلى أن لها النفوذ نفسه والسلطان الصارم على من في البيت، بمن فيهم والده، هذه الجوانب تؤكد إلى أي مدى اتسعت الهوة بين الابن وأمه من الناحية العاطفية، وقد زادت هذه الهوة اتساعا بمولد أخيه الصغير زهير, ومع ذلك فقد ارتبطت في ذهنه ذكريات طيبة عن والدته, تتمثل في تلك القصص التي كانت تقصها عليه مما كان له أثره في تكوين خياله في سن مبكرة. قضى مرحلته الابتدائية بمحافظة البحيرة وفي محيط المدرسة وجد الحكيم منفذا لرغباته وميوله فاندمج في جوها واتصل بالطلبة، وكان شعوره بعد هذا الاتصال نحو جو العائلة مفعما بالنفور الشديد لهذا أخفى حقيقة أسرته ومقام والديه عن أقرانه من الطلبة حفاظا لامتداد شخصيته. ثم انتقل إلى القاهرة ليواصل دراسته الثانوية، وكان لتوفيق عَمّان في القاهرة، يعمل أكبرهما معلما بإحدى المدارس الابتدائية، بينما الأصغر طالبا بكلية الهندسة، وتقيم معهما أخت لهما، ورأى الوالد حفاظا على ابنه أن يقيم مع عمّيه وعمته، لعل الأقارب يهيئون له المناخ المناسب للدراسة والتفرغ للدروس وتحصيل العلم والتفرغ له. وانتقل الحكيم ليعيش مع أعمامه في القاهرة والتحق بمدرسة محمد علي الثانوية، وفي تلك الفترة اشتعلت شرارة الثورة الشعبية المصرية عام 1919م؛ فشارك الحكيم وأعمامه مع جموع المصريين في تلك الثورة، فقبض عليهم واعتقلوا بالقلعة بتهمة التآمر على الحكم، وعندما علم أبوه بالخبر أسرع إلى القاهرة وسعى بأمواله وعلاقاته أن يفرج عن ابنه وإخوته، ولكن السلطات العسكرية لم تتساهل ومانعت بشدة الإفراج عن أي من المعتقلين، إلا أنه استطاع بعد جهد كبير أن ينقلهم من معسكر الاعتقال بالقلعة إلى المستشفى العسكري. وبعد أن هدأت الأحداث بدأت السلطات العسكرية تفرج عن المعتقلين، وكان الحكيم وأعمامه من أول من أُفرج عنهم، فخرج من المعتقل، وقد تركت الحادثة أثرا قويا في نفسه بالنقمة على المستعمرين وشعورا دافقا بالوطنية والوعي التحرري. وعاد الحكيم في سنة 1920م إلى دراسته، حيث نال إجازة الكفاءة، ثم نال إجازة البكالوريا عام 1921م. وبرغم ميل توفيق الحكيم إلى دراسة الفنون والآداب فإنه التحق بمدرسة الحقوق نزولا على رغبة أبيه، وتخرج فيها 1925م. وفي هذه الفترة اهتم بالتأليف المسرحي فكتب محاولاته الأولى من المسرح مثل مسرحية \"الضيف الثقيل\" و\"المرأة الجديدة\" وغيرهما إلا أن أبويه كانا له بالمرصاد فلما رأياه يخالط الطبقة الفنية قررا إرساله إلى باريس لنيل شهادة الدكتوراه. من القانون الى لأدب في فرنسا \"لماذا أدوّن حياتي في يوميات، لأنها حياة هنيئة ؟ كلاّ . إنّ صاحب الحياة الهنيئة لا يدوّنها، إنما يحياها، إنّي أعيش مع الجريمة، في أصفاد واحدة، إنّها رفيقي وزوجي أطالع وجهها في كلّ يوم، ولا أستطيع أن أحادثها على انفراد. هنا في هذه اليوميات أملك الكلام عنها، وعن نفسي وعن الكائنات جميعا. أيّتها الصفحات التي لن تنشر.. ما أنت إلاّ نافذة مفتوحة أطلق منها حريتي في ساعات الضيق \". عندما أنهى توفيق الحكيم دراسته في كليه الحقوق سافر إلى فرنسا لاستكمال دراساته العليا في القانون، ولكنه هناك انصرف عن دراسة القانون، واتجه إلى الأدب المسرحي والقصص، وتردد على المسارح الفرنسية ودار الأوبرا، فقد وجد في باريس ما يشبعه من الناحية الفنية والجمالية. وخلال إقامة الحكيم في فرنسا لمدة ثلاث سنوات استطاع أن يطلع على فنون الأدب هناك، وخاصة المسرح الذي كان شغله الشاغل، فكان نهار أيامه يقضيه في الإطلاع والقراءة والدراسة، وفي الليالي كان يتردد على المسارح والمحافل الموسيقية قاضياً فيها

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top