اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > نحو رؤية واقعية لمنهج اقتصادي وطني

نحو رؤية واقعية لمنهج اقتصادي وطني

نشر في: 21 يوليو, 2014: 09:01 م

 مع بدء دورة الحياة البرلمانية الثالثة في العراق، دشنت البلاد عقدها السياسي الثاني وهي تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية جمة، سيواجهها التشكيل القادم للحكومة، والتي في مقدمتها يأتي السعي لرفع كفاية الاقتصاد الوطني وتوطين أسس قوية من التماسك والتنظ

 مع بدء دورة الحياة البرلمانية الثالثة في العراق، دشنت البلاد عقدها السياسي الثاني وهي تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية جمة، سيواجهها التشكيل القادم للحكومة، والتي في مقدمتها يأتي السعي لرفع كفاية الاقتصاد الوطني وتوطين أسس قوية من التماسك والتنظيم  الإداري لاقتصاديات البلاد والانفتاح المنتج على الاقتصاد العالمي، إضافة الى ضرورات التصدي لحالات التسرب والضياع في الموارد الوطنية جراء سوء التنظيم الإداري و التراخي في تنفيذ القرارات الاستثمارية الحاكمة. فالإصلاحات الاقتصادية الجذرية في مفاصل الاقتصاد الوطني كافة، (الدولة والسوق)، أصبحت حاجة ماسة تقتضي العمل فيما بين أجهزة الدولة والمؤسسات الناظمة للسوق بروح الفريق الواحد والمنسجم، وليس بخطط وبرامج وزارية ومؤسساتية منفصلة لا تمتلك القدرة على الارتباط بخطط وبرامج القطاعات الاخرى.

فوحدة وسلامة منهج التفكير وبروح الفريق، ستقود العراق لا محالة الى حافات التقدم والتنمية وبوتائر اسرع نحو الأهداف المنشودة. لذا فالحقيبة الوزارية القادمة قد تحتاج الى أفكار ناضجة ورؤى واقعية تمثل شرارة العمل الاقتصادي وبمنهجية براغماتية اوعملية يمكن تناول بعضها وعلى النحو الاتي:

ا- على الرغم من ان تداول فكرة تأسيس مجلس للإعمار ستكون وظيفة إقرار ومتابعة تنفيذ المشاريع الستراتيجية الوطنية العابرة للمحافظات او الأقاليم، ذلك لأن الكيان التنظيمي والإداري للمجلس يتطلب ان لا يتخلى عن مهمته الأساسية، بكونه هيئة عليا لإرساء العقود الكبيرة للحكومة المركزية، شريطة أن تتوفر جهة مستقلة استشارية عالية الاختصاص تتولى تقويم كفاءة العقود ونزاهتها واعتدال أسعارها، وتعمل جنبا الى جنب مع الهيئة العليا لإرساء العقود الكبيرة للحكومة المركزية. وهذا لا يمنع أن تمارس المحافظات المنهج نفسه في مشاريع المحافظة الواحدة وعلى غرار ما قامت به محافظة البصرة، على سبيل المثال. ويأتي المقترح من زاوية التصدي لمظاهر الفساد او الهدر في التعاقدات الحكومية. 
2- ترويج او إشاعة فكرة الأقاليم التنموية، كبديل غير معلن عن الاستعمال المناطقي او الطائفي لتأسيس فكرة الأقاليم، (و التي عادة ما تستغل المواد116- 121من دستور جمهورية العراق للعام2005)، لغايات سياسية هدفها تفكيك وحدة البلاد الوطنية الدستورية. واستناداً الى احكام المادة 119من الدستورنفسه، فإنه بالامكان تغليب فكرة الإقليم التنموي، كبديل لفكرة الإقليم المناطقي، كأن يشكل إقليم، (على سبيل المثال)، يجمع محافظات كربلاء والأنبار وبابل تحت مسمى الإقليم التنموي لوسط وغرب العراق. ولتشجيع هذه النمط من الأقاليم الجديدة، يجري تخصيص نسبة لا تقل عن 10% او اكثر من الموازنة الاستثمارية للوزارت الاتحادية تُخصص بأولوية لتشجيع المشاريع التنموية المشتركة في ذلك الإقليم التنموي عن طريق تعظيم المستخدم- المنتُج داخل الإقليم المذكوراو تعظيم القيمة المضافة، من خلال مبدأ التداؤب، synergism، للمشاريع والنشاطات المشتركة .لذا، فأن من الأهمية بمكان أن يصدر قانون ينظم آليات عمل الأقاليم التنموية الخالية من الصبغة المناطقية او الطائفية والمقتصرة في عملها على إدارة نشاطات التنمية والإعمار المشترك، بما في ذلك الاستثمار الأجنبي والتي تصّب في نهاية المطاف في خدمة نشاط السوق الوطني للعراق. كما لا يمنع من إقامة غرف تجارية وصناعية وأتحاد لرجال الأعمال ومختلف التنظيمات المهنية ذات العلاقة بالشأن الاقتصادي بصورة مشتركة لتعمل في مصلحة الإقليم التنموي.
3- طالما صار العراق معتمدا، بصورة أساسية على بعض العلامات التجارية سواء للسلع الرأسمالية او الوسيطة او الاستهلاكية والتي جرى استيرادها و لسنوات طوال من مناشئ معتمدة، نوصي بأهمية حث تلك الشركات، بما فيها الشركات متعددة الجنسية، على استخدام العراق كبؤرة إنتاجية شرق متوسطية للتصنيع والاستفادة من المدخلات المحلية المتوافرة، وشمولها بقانون الاستثمار ضمن مذهب سائد في العلاقات الاقتصادية الدولية ونطاقات الاستثمار فيها، يسمى (بالتقابل offset). وننوه في الوقت نفسه أن فكرة المياه الافتراضية، (التي أثارها الأستاذ الدكتور حسن الجنابي في محاضرته العلمية القيمة الاخيرة)، والتي تعني استيراد العراق لسلع زراعية، (بالكثافة التي نشهدها حاليا)، والتي مصدرها بلدان المنبع او المتشاطئة الاخرى مع العراق من دول الجوار، والتي تزرع منتجاتها المصدرة الى العراق على حساب جزء من حصة البلاد المائية. ولخطورة مثل هذا النهج الذي تمارسه دول الجوارعلى الأمد البعيد، نرى أهمية ان يدرج موضوع إقامة شركات زراعية مشتركة كبيرة في العراق وبأسلوب الشراكة مع تركيا وسوريا وايران، حيث سيكون دور تلك الشركات دورا مستقبليا ضاغطا ضمن اعتماد دبلوماسية مياه بديلة، وعدها، كورقة ضغط إضافية لتعظيم حصة العراق من المياه المتدفقة اليه من دولتي المنبع، (تركيا وايران)، و دولة المرور(سوريا).
4- توسيع نطاق الاستفادة من برنامج الولايات المتحدة في مايسمى، (بالتبادل النقديcurrency swaps )، المقام حاليا، على سبيل المثال، بين اميركا والعديد من دول العالم، وعلى نحو يشجع استخدام تلك الأموال التي ستودع في العراق بالعملة الأجنبية لقاء مبادلتها بالعملة المحلية وبمدد طويلة في مشاريع استثمارية منتجة بالاشتراك او الشراكة مع الدولة المودعة، و بما يعظم التنمية في بلادنا. وبالإمكان تكرير التجربة مع الاتحاد الأوروبي او اليابان او الصين، وبما ينسجم وقانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 المعدل.
5- تطوير ستراتيجية إنتاج النفط الخام بعد تحديد نقطة أمثلية في إنتاج النفط الخام المصدر، وليكن 6ملايين برميل يوميا، بعدها يوجّه الإنتاج المستخرج من النفط الخام ليكون كمدخل لمشاريع التكرير او البترو كيمياويات المحلية، ( سواء أكانت وطنية أم دولية مشتركة )، وبما يعظّم القيمة المضافة للثروة الناضبة. 
6- تشجيع الاستثمار العراقي المشترك، (حكومة وقطاع خاص)، على الاستثمار في مشاريع خارج العراق، كشراء مزارع في دول ذات أراضي خصبة، وعدّ ذلك من مستلزمات أمن الغذاء الوطني الإضافي، خصوصا في بلدان مثل: فيتنام وأثيوبيا ودول الجنوب الأفريقي اوغيرها من دول صاحبة تجربة في هذا المجال من التعاون الاستثماري الزراعي الدولي الذي يغطيه الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم حاليا، شريطة أن تُعتمد دراسة دقيقة ومقنعة للجدوى الاقتصادية لمثل هذه الاستثمارات الخارجية. 
7- إنشاء أسطول بحري عراقي، بشراكة عراقية- دولية، يُسهم في نقل النفط الخام والغاز والمنتجات النفطية العراقية، في جانب التصدير، بغية تعظيم القيمة المضافة للنفط المصدر ومشتقاته، ومن جانب آخر، يتولى أسطول نقل وطني آخر التجارة الاستيرادية الى العراق، لتعظيم تنويع النشاطات المغّلة للدخل في العراق. على أن تُسهم الدولة والقطاع الخاص العراقي والشركات الأجنبية بحصص متناسبة في الأسطول. 
ونود التنويه ان تعظيم الشراكة الاقتصادية بين الدولة والقطاع الخاص، ينبغي اعتمادها، كمنهاج عمل في بناء الاقتصاد الوطني للمرحلة المقبلة؛ (دولة الشراكة الاقتصادية).
8- تعديل المادة 28من قانون المصارف رقم 94لسنة2004، (النشاطات المحظورة)، بالسماح للمصارف بالاستثمار في النشاطات المشتركة المذكورة أنفا وتكون الدولة عندها، (المالية العامة والبنك المركزي)، مشجعا و ضامنا لسيولة المصارف المشاركة في الاستثمار، ولاسيما عند تعرّض المصرف لأزمة سيولة يصعب فيها تصفية مصالحه الاستثمارية الحقيقية موضوع البحث، وتنظم بقانون او لائحة تنظيمية.
9- إنشاء مصرف للمغتربين العراقيين، او نافذة مصرفية داخل وخارج البلاد لمن يرغب من العراقيين المغتربين في استثمار ودائعه المصرفية في العراق، على ان تكون عوائدها معفاة من الضرائب، وتتمتع بحرية التحويل الخارجي دون قيود. ومنح المغتربين حق الاستثمار المباشر لتلك الودائع او عوائدها بموجب قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 المعدل. 
10- طالما سيكون العراق معتمداً على الغاز المورد من الجمهورية الإسلامية في ايران لمدة ليست بالقليلة، لتسيير محطات الكهرباء، وكذلك لتوفير الإمدادات المباشرة للطاقة الكهربائية، اقترح أن تُسدد أثمان الغاز المستورد والتوريد المباشرللطاقة الكهربائية عبر مقايضته بالنفط الخام العراقي المعادل .وأرى استخدام المبدأ نفسه مع شركات النفط الأجنبية العاملة في حقول جنوب ووسط العراق، والدفع لها عيناً والتوسع بهذا المبدأ. وبهذا سيخفف هذا المقترح من كلف عقود الخدمة او غيرها من التعاقدات مع الشركات الأجنبية التي تتقاضي أتعابها نقداً عن الطاقات النظرية للحقول النفطية المطورة، وتوافر كميات نفط إضافية متاحة جراء التطوير والتي يصعب تصديرها احياناً بسبب تقلبات السوق الدولية. 
علماً ان هذا المقترح يحقق شيئا من التحوّط حيال انخفاض الطلب العالمي على النفط في بعض المواسم، ويوفر في الوقت نفسه استقراراً مالياً إضافياً للعراق عن طريق تعظيم تدفق صادرات البلاد النفطية. 
11- إعادة تقييم الستراتيجيات الوطنية الست عشرة المعتمدة حاليا والتي أقرها مجلس الوزراء في ضوء المقترحات انفاً او أية مقترحات أخرى تقدم وعلى نحو يحقق الانسجام في الرؤية الاقتصادية والاجتماعية المستقبلية للعراق، على ان يتولى مجلس النواب تشريع تلك الستراتيجيات اولاً، لكي تكون ملزمة على الأمد البعيد ومن ثم منح السلطة التنفيذية صلاحية التعديل عليها كلما اقتضت الضرورة ذلك ،وهو أمر يحقق التوافق والملاءمة بين أهداف الموازنة الاتحادية السنوية، و تخصيصاتها قصيرة الأجل ، والأهداف الستراتيجية بعيدة الأجل عند التنفيذ وعبر الخطط الخمسية .

* باحث اقتصادي ونائب محافظ البنك المركزي العراقي السابق

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملاحق المدى

مقالات ذات صلة

كيف يتصوَّر العقل الشيعي (الشعبي) الوجود؟

غالب حسن الشابندر الكون كما نفهمه ظاهراً هو هذا العالَم الذي يحيط بنا، شمس وأرض وبحر وجبال وصحراء وحيوانات ونباتات… كائنات ومخلوقات وظواهر شتى، هذا هو البادي للعيان، وفيما رجعنا إلى القرآن الكريم نجد أكثر من مستوى نظري للكون، فهو قد يكون هذه الاشياء الظاهرة والخفية، أو هو العلاقات التي تربط بين هذه الاشياء، أو […]
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram