لماذا نحيي ذكرى استشهاد الحسين (ع) كل عام؟

آراء وأفكار 2014/11/01 09:01:00 م

لماذا نحيي ذكرى استشهاد الحسين (ع) كل عام؟

حملت الكلمة التي ألقاها عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي (لماذا نحتفل بذكرى الحسين) في العاشر من محرم في الصحن الكاظمي في خمسينات القرن الماضي، ونقلتها الإذاعة العراقية آنذاك،الكثير من الحقائق الاجتماعية والسياسية التي يمر بها بنو البشر في كل زمان ومكان،وقد ترجم في تلك الكلمة أصل الصراع البشري الذي يدافع فيه الإنسان عن الحق لتكون تلك الدعوة عامل توحيد لنصرة المظلوم،والدفاع عن قيم الإنسان الحر مهما كان لونه او دينه او عرقه، فالصراع بين الحق والباطل مستمر على هذه الأرض حتى يرث الله الأرض وما عليها.وفي تلك الكلمة للوردي يضع حقيقة يستشعرها كل إنسان، وهي ضرورة تهذيب الضمير البشري، كوسيلة لإصلاح المجتمع، ولعل في هذه الإشارة، دلالة اجتماعية ذهب إليها معظم الفلاسفة في دعوتهم الى الخير، فعالم الإنسان يختلف عن عالم الحيوان حينما يجبل الأخير ،وفق غريزته، على الخضوع لقانون الغاب إي (القوى يأكل الضعيف) او على أساس ما يصطلح عليه (البقاء للأقوى)، إلا ان الإنسان بما يتملكه من عقل قادر على الإبداع وصنع عناصر القوة ووسائلها المعنوية والمادية تمكنه من الدفاع عن الحقوق،ولعل ما ذهب إليه بعض الفلاسفة وعلماء الاجتماع في وضع قواعد عملية الصراع الاجتماعي من اجل تحقيق العدالة على الصعيد الدنيوي،شاهد على ان الصراع عملية أصيلة في التفاعل الاجتماعي الى جوانب عوامل أخرى، أبرزها التعاون والتنافس والتكيف وغيرها، فهي أزلية في تصوير عملية الصراع بين الشر والخير، قد تكون المنطلقات التي نحن بصددها مختلفة في إبعادها الروحية ،وعندئذ يكون الأمر أكثر إثارة وبطولة عندما يقارع الثائر الذي لا يمتلك من الوسائل المادية ما يمتلكه الظالم الغاشم من تلك الوسائل ما هو أقوى ، فضلا عن ما يحيط به من المنافقين الكثير ،ولعل في ذلك الإصرار على التضحية من اجل إحقاق الحق ، تكمن خاصية الإنسان الثائر ، ويكون الأصل في كل ذلك الإيمان ورفعة الضمير والتضحية في سبيل المصلحة العامة العابرة للأنانية، لذا فان الشجعان الذين يمتلكون الاستعداد للتضحية، قلائل في التاريخ البشري، لذا استحقوا الخلود بامتياز. وعليه فان ابرز الدروس المستخلصة من إحياء ذكرى سيد الشهداء الحسين(ع) كل عام ، تتمثل في ترسيخ تلك القيم ورفض الظلم والقهر الذي يستهدف الإنسان في كل زمان ومكان،فهي قيم عالمية لا تقف عند حدود وطن أو لون أو جنس ،فكلما خرج نصير للشر يقابله بالضرورة داعية للخير والإصلاح،يقدم الغالي والنفيس للخلاص من الظلم والتعسف الذي يقع على الإنسان حيثما تطغى عوامل الإقصاء والظلم والقهر، ولعل ما قدمه سيد الشهداء من تضحية منقطعة النظير من اجل ترسيخ قيم الخير والعدالة ورد الظلم عن العباد،يقع في هذا الباب، ويلتقي بالضرورة مع مفاهيم الحرية عند كل الأحرار في التاريخ البشري، فكيف إذا كان حامل راية الأحرار في لحظة تاريخية فاصلة من بيت النبوة، بمفاهيمه وقيمه الإنسانية والروحية التي ساهمت في كتابة تاريخ أمة في ظرف تاريخي مهم مرسخا قيم السماء في التوحيد، وإعلاء كلمة الحق، وداعياً إلى نشر قيم العدالة، والتي أعطت سيد الشهداء وسام شرعية الدفاع عن حرية الإنسان وكرامته عالميا، وجعلته رمزا إنسانيا يعتز به في كل ثقافات البشر خلال التاريخ،فلم يثنه حشد الظالم وإصراره على ضرب هذه الروح الوثابة الثائرة، فكانت البطولة عنوانا لم يتنازل عنه ، على الرغم من غشامة القوة ودسائس المغرضين ورجيف المرجفين، فكان استشهاده ومن معه من آله بيت النبوة وأصحابه المخلصين، علامة خالدة في تاريخ البشرية ليس دفاعا عن الوجود في تلك اللحظة التاريخية إنما درس بليغ يضاف الى سفر دروس الأحرار في كل مكان ، وأعطت تضحيته في سبيل الحرية، رمزية لها دلالاتها الثقافية العميقة، تبقى معبرة في ثقافة الإنسان بمشارق الأرض ومغاربها . نحيي هذه الذكرى ليس لأنه عبر فيها عن روح الرسالة المحمدية المتسامحة فحسب، إنما لأنه ضرب مثلا بطوليا معبرا عن جوهر قيم الحرية والعدالة التي ينشدها كل إنسان،نحيي هذه الذكرى لأننا نشعر في كل حين بان هناك ظالما يتربص بنا ، فنحيي في أنفسنا، عوامل الرفض، مستمدين منها عوامل القوة والثبات ومعاني ودلالات التضحية والإباء. ولكي نعطي المناسبة حقها الطبيعي والخلاق، لابد أن ننظر إلى واقعنا العراقي ،ونستلهم منه الدروس التي تنقلنا إلى الإمام وتكون معياراً على نصرة المظلومين وتحقيق الحق والعدالة ، ولكي نجعل من تلك القيم منهاجا انسانيا حرا، ينبغي ان ندعمها بروح متجددة تتوق الى الحرية مجالا رحبا للإبداع والتطور، وتنبذ كل عناصر الفرقة والإكراه،ونجعل ضمائرنا مليئة بقيم الخير والعدالة والتسامح.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top