ميدالية الحرية  لمغني السلام والحب والأشجار ستيفي وندر

ميدالية الحرية لمغني السلام والحب والأشجار ستيفي وندر

بدا وصف الرئيس الأميريكي باراك أوباما، الإثنين الماضي، ثمانية عشر من الفنانين والسياسيين والكتاب والعلماء والنشطاء، استحقوا منه "الميدالية الرئاسية للحرية": "إنهم لم يجعلوا فقط العالم أفضل، بل انهم ايضا بالاقتداء بهم يجعلوننا أفضل بعض الشيء كل يوم. نحن ممتنون لهم حقا"، دقيقا لاسيما ان من بين مستحقي أعلى وسام مدني اميركي، الممثلة الشهيرة ميريل ستريب، الروائية الشيلية الأصل ايزابيل أليندي، والمغني والملحن ستيفي وندر، الذي كان اوباما قد قلّده قلادة مكتبة الكونغرس للإبداع الموسيقي "جائزة غيرشوين" 2009.


ووصف اوباما حينها، المغني وندر، بأنه صاحب "نمط فريد في النغم الأميركي وإن صوته وأغنياته هما صورتي شابا".
من جهتها قالت السيدة الأميركية الاولى، ميشيل أوباما، أن أول أسطوانة اقتنتها كانت لستيفي وندر، لافتة الى أنها وأوباما اختارا أغنية "أنت وأنا" للمغني والملحن الشهير كي تكون موسيقى رقصتهما في حفل زفافهما العام 1992.
وعاد الرئيس أوباما للثناء على الموسيقي البالغ من العمر 64 عاما، وأشار إلى أغنيات وندر وألحانه وفرت له "السلام والإلهام، لا سيما في الأوقات الصعبة" لافتا الى ان موسيقى وندر كانت جزءا أساسيا من حياته المشتركة مع ميشيل قبل الخطوبة".
وفيما اعرب وندر عن سعادته الغامرة لكونه كان جزءا من الحياة الخاصة للرئيس وزوجته، قال ان اللحظة التي يعيشها اليوم (في إشارة الى انتخاب أول رئيس أميركي من أصول أفريقية) هي "اسعد لحظات حياتي، حيث أميركا تبرهن على انها تستحق كل الأشياء العظيمة التي أنجزتها وتستحقها".
الضرير الذي يغني الحب والأمل
وستيفي وندر مغنِّي البوب الضرير، كان أضفى حيوية على الحفل الغنائي الخاص الذي شهدته واشنطن وحضره أوباما قبيل تسلمه منصبة رسميا، في حدث تلتقي فيه الموسيقى مع السياسة ضمن منطقة مشتركة عمادها فكرة التضامن الإنساني، وهو المعنى الذي كانت تميزت به مشاركة ستيفي وندر في مناسبات سياسية عدة، منها مشاركته في المجلس العام للأمم المتحدة أيار 1985 لإسهامه الموسيقي المتميز في استنكار سياسة النظام العنصري في جنوب إفريقيا، وتكريمه من قبل اللجنة الخاصة ضد السياسة العنصرية لمناسبة ذكرى ميلاده الـثلاثين، وحيث احتفى الدبلوماسيون بالمغني وامتدحه السكرتير العام للأمم المتحدة (دي كويار حينها) في رسالة تحية خاصة بوصفه: "فناناً بضمير اجتماعي وبدعوة انسانية عميقة".
بدأ وندر مشواره عبر الحرمان، وكبرت موهبته في بحثه عبر سجل من سبقوه من مغني ذلك التراث الضخم لموسيقى الزنوج الأميركيين، واجتاز "ظلمته" القوية عبر ما خلقه من تأملات موسيقية، "أبصر" عبرها العديد من الحالات الإنسانية، وجسّدها في نمط موسيقي متميز، واستطاع ان يكتسب ملامح التطور في غاية التأني، فهو لا يتأثر بالصرعات الحديثة، فهو الشاعر الرقيق في كتابة الأغنية، الملحن العميق الذي يؤلف في ألوان: البلوز، السول، البوب وأسلوب الأغنية في البحر الكاريبي "الريغي". كما انه العازف البارع على البيانو، وعيون أصابعه تستدل الأماكن المؤثرة في المفاتيح. هو باختصار عالم الأغنية المتكامل، صوته فيه صدى لحزن عميق وعبر لحنه يحاول ان ينسجم مع مفرداته التي تشكل صورة يتأملها، فيختار عناوين مدهشة لمجموعاته الغنائية فمن "الرؤى الداخلية" الى عنوان جميل آخر "رحلة خلال الحياة السرية للنباتات"، "أشد قيظاً من تموز"، "حوض الماء الموسيقي" وانتهاءً بمجموعة الحانه في فيلم "امرأة الرداء الأحمر" للمخرج جين وايلدر في العام 1984 والتي فاز عنها بجائزة اوسكار لأفضل "أغنية في فيلم سينمائي".

الرؤى العميقة في الغناء
في مجموعته الغنائية "الرؤى الداخلية" ، ترجم المغني كل "الرؤى" التي تستوطن رأسه، فهو غالباً ما كان يسترسل في خلفية بسيطة من ضربات على الغيتار لكي يرسم خطوط حياة، ومن ثم يضخ السمع باستمتاع بالغ لإيقاعها الحي. انه يمزج الأصوات الحقيقية والمؤثرات بالألحان كي يظهر صورة حية لمدينة صاخبة كنيويورك، انه يعترض على نمط حياة تسلب كل أثر انساني، فهناك ضجيج سيارات منطلقة وأصوات مارة عند ناحية الشارع وسيارة شرطة يصدر عنها صوت قوي ينادي على شخص ضمن المارة يتهمه بحادث لا يعرف عنه شيئاً، ووسط كل هذا الاضطراب يظهر صوت المغني ثانية ويصرخ ضد "حياة تستهلكها المدينة".
وفي مجموعته "رحلة خلال الحياة السرية للنباتات" أقام ستيفي وندر مهرجاناً للأغصان والورد وقدمها بكل القوة التي تجيء بها: قوة الحياة. انه يقيم معها علاقة حب تنمو مع كل صباح عبر نافذته، حيث "يرى" زهرة تطلع اليه جميلة توعده بالمحبة الدائمة، فيض حياة كانت أنغام هذه المجموعة الغنائية، تسمو بمشاعر الإنسان على إيقاعات "خضراء".

ينابيع الموسيقي مصادر للحلم والتأمل
وعبر جولة واسعة شملت مسارح أغلب المدن الأوروبية في صيف عام 1982، قدّم المغني إصداره التالي في مجموعة غنائية هي عبارة عن اسطوانة مزدوجة أطلق عليها عنوان "حوض الماء الموسيقي"، حيث كان كمن يغمر يديه بماء سري، ويمسك بأحياء موسيقية يطلقها بين ثنايا متذوقي فنه الرفيع، لتربك كل ذلك التراكم للتعب البشري وتُعيد رجفة المشاعر الأولى. إنها تخدش الجلد وتمضي الى ينابيع الحلم ومكامن التأمل الروحي العميق، انه يكشف عبر أغنية "أرض أعلى" كل السكون الذي يغلف حياة تتكرر ذاتها: "الناس ما زالوا يتعلمون/ العالم ما زال يدور/ الأقوياء ما زالوا يكذبون/ الناس ما زالوا يموتون/ العشّاق ما زالوا يعشقون/ المؤمنون ما زالوا يؤمنون"، انه يدعو للانتهاء الى بُعد انساني آخر، انه يدعو الى "أرض أعلى".
ولأنه مبدع من طراز أصيل، ولأنه يعرف نفسه جيداً يشبهها بخشب "الأبنوس"
في أغنية مشتركة مع فنان آخر لا يقل عنه جودة، الإنكليزي بول مكارتني الذي يدعوه بعظم "العاج". انهما رمزان للأصالة والندرة اجتمعا معاً وقدما لحناً مشتركا كتب وندر كلماته ولحّنه وادّاه المغنيان سوية على بيانو واحدة إشارة لمعنى انساني في الوجود الطبيعي: "الأسود" جنب "الأبيض".

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top