هل تمتلك الجرأة لتكون مخرجاً مسرحيا ً..!!

هل تمتلك الجرأة لتكون مخرجاً مسرحيا ً..!!

ليس شرطاً لكي تصبح مخرجاً مسرحياً أن تكون قد درست الإخراج المسرحي في أكاديمية أو معهد للفنون المسرحية، فكم من أصحاب الشهادات المتخصصة تفوّق عليهم تلاميذهم ممن لا يحملون سوى الهمّ والتجربة. كذلك ليس شرطاً أن تكون ممثلاً جيداً أو مؤلفاً جيداً لتكون مخرجاً مسرحياً جيداً، والأمثلة في ذلك كثيرة على نماذج لممثلين ومؤلفين سيئين تحولوا إلى مخرجين متميزين يشار إليهم بالبنان، وربما كان ذلك السوء هو ما دفعهم للدخول إلى عوالم أخرى وجدوا أنفسهم فيها.. ومع ذلك، فإن المخرج المسرحي إذا كان أكاديمياً أو ممثلا أو مؤلفا ثم مارس الإخراج بعد ذلك فهو خير على خير، كون تلك ستقف إلى جانبه وتسنده وتختصر عليه أزمانا من المعرفة الواجب توفرها في اشتغالاته المسرحية، إلا أنها وكما ذكرنا ليست شرطاً بالمرّة!
إنّ تعلم الإخراج المسرحي ممكن بحضور الموهبة، أما أولئك الذين يقتحمون الإخراج دون علم أو دراية ولرغبات ليست بريئة، من أجل الشهرة أو المال أو المكانة الاجتماعية أو لسدّ فراغ الوقت أو العاطفة، هؤلاء لن يصبحوا يوماً مخرجين حتى لو أخرجوا عشرات المسرحيات وعرضت للجمهور.. كذلك، فإن الاختصاص أساس الإبداع، فأن تكون ممثلاً ومؤلفاً ومصمم ملابس أو ديكور أو إضاءة أو مؤثرات صوتية أو موسيقى ثم تريد أن تكون مخرجاً أيضاً، فلن تحقق شيئا من كل هذا إلا الحضور الباهت المملّ.. حضورً لا يترك لصاحبه إرثاً مسرحياً خالداً..
فالإخراج المسرحي لا يمكن تعلمه في 7 أيام.. كالذي تروج له دور النشر لزيادة مبيعات الكتب الخاصة في تعلم اللغة الإنجليزية أو الألمانية أو الفرنسية أو باقي اللغات الحية، وبعد أن يبتلع ذلك الموهوم الطّعم الذي نُصب له بإتقان، يكتشف بعد ضياع الجهد والوقت أنه كان ضحية تقاعسه وتكاسله وسذاجته..
أما من يظهر علينا مبهراً في أول مسرحية يخرجها على الخشبة، فهو ببساطة كان قد استعدّ لذلك مسبقاً بامتلاكه لأدوات المخرج المسرحي.. إلا أن ذلك الإبهار سيتلاشى، في اللحظة التي يتوقف مخرجنا فيها عن تطوير أدواته عمليا ونظرياً، في اللحظة التي يمارس الإخراج كروتين يجب عليه فعله، في اللحظة التي ينكمش فيها الهمّ المسرحي في داخله حيث سيكتشف الجمهور والمسرحيون والنقاد ذلك ببساطة، وسيلاحظون الهزال الذي أصابه وقبل نهاية العرض..
إنّ لكلٍّ الحق في أن يصبح مخرجاً مسرحياً، غير أنه يتوجب عليه وقبل أن يدخل إلى هذه المنطقة، أن يجيب على ما يلي:
هل لديّ استعداد داخلي وجرأة إبداعية لأصبح مخرجاً مسرحياً؟ هل أنا متذوق للفن؟ هل أنا شخصية موسوعية؟ تلمّ بالموسيقى وبالفنون التشكيلية والهندسية؟ هل أنا على علم عميق بتقنيات الخشبة وتكنيكها؟ هل أعرف تماماً عن التفاصيل الهندسية للخشبة ومساحتها وتقسيماتها؟ هل أنا ملمّ بعلم النفس والسلوكيات والقدرات الروحية للإنسان؟ هل أنا قارئ جيد للنصوص المسرحية القديمة والمعاصرة؟ هل أنا ملمّ بتاريخ المسرح وقضاياه ومدارسه وأشكاله؟ هل أمتلك القدرة على اختيار النص المسرحي الذي أنوي اشتغاله؟ ومن ثمّ قراءته قراءة تفسيرية وتحليلية؟ وتحويل كلمات المؤلف إلى شخصيات حية؟ هل لدي قضية إنسانية أو وجهة نظر نحو العالم أريد أن أطرحها على الخشبة أو أدافع عنها؟ هل بإمكاني الالتزام بالقضايا الجماهيرية.. وهي ما نقصد به "هنا والآن"؟ هل لديّ القدرة على اختيار الممثل المناسب للدور المناسب؟ هل أمتلك الحس الكافي لضبط إيقاع الجملة ومن ثمّ ضبط إيقاع العرض؟ هل أمتلك حسّ الفرجة؟ هل أنا شخصية قيادية تتمتع بالضبط وبالحكمة وبإمكانها أن تحمل على عاتقها مسؤولية فريق وعرض مسرحي؟ هل أمتلك قدرة استكشاف وتقييم سلبيات العرض المسرحي الذي شاهدته؟ هل لديّ حس التقدير؟ هل أمتلك القدرة على نقل الحلول النظرية الدقيقة والممتعة والنموذجية عمليا على خشبة المسرح؟ هل أمتلك تجربة حياتية غنية أعتمد عليها في المحاكاة وبناء الشخصيات وتوصيل أبعادها للممثلين؟ هل لديّ القدرة على اكتشاف أخطائي وتجنبها في تجاربي المقبلة؟ هل أنا مهموم بالمسرح؟ هل أمتلك الجرأة لأن أمارس المسرح مخرجاً؟؟ وعليه أن يعيد طرح هذا السؤال مراراً وتكراراً على نفسه كل يوم: هل أمتلك الجرأة لأن أحمل مسؤولية العرض.. ؟؟

تعليقات الزوار

  • Ali Ahmed abitalib

    رجاء يمكنكم مراسلتي على الخاص kalamdonia@yahoo.com... المقال ممتاز وفيه دفعه معنويه... على لقد اتيحت الفرصه في اقتحم مجال المسرح في أوروبا وخاصة في ألمانيا وقمت بعمل مسرحيتين ولاقت بعض النجاح فوق70% وكل ما اطلبه منكم تزويدي، بمعلومات وشكرا

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top