TOP

جريدة المدى > مسرح > توظيف التراث العربي فـي مسرح الطيب الصديقي

توظيف التراث العربي فـي مسرح الطيب الصديقي

نشر في: 9 مارس, 2015: 06:42 ص

يعتبر الطيب الصديقي من اشهر المسرحيين في المغرب والعالم العربي . بدأ حياته المسرحية ممثلا ، ثم بعد ذلك قام باقتباس بعض 
المسرحيات العالمية التي كانت من اهمها مسرحية "برلمان النساء" لأريستوفان ومسرحية "المفتش" وهي مقتبسة عن غوغول وايضا 
مس

يعتبر الطيب الصديقي من اشهر المسرحيين في المغرب والعالم العربي . بدأ حياته المسرحية ممثلا ، ثم بعد ذلك قام باقتباس بعض 
المسرحيات العالمية التي كانت من اهمها مسرحية "برلمان النساء" لأريستوفان ومسرحية "المفتش" وهي مقتبسة عن غوغول وايضا 
مسرحية "في انتظار غودو" لبيكيت ، وقام بإخراجها قبل أن يبدا بتاليف مسرحيات تستمد مواضيعها من التراث أو من التاريخ ، سواء بالاشتراك مع مؤلفين آخرين ، أو بمفرده .

 

 

وفي سنة 1967 بدأ الصديقي بتوظيف التراث العربي في المسرح ، واول شيء قدمه هو "سيدي عبد الرحمان المجذوب " ، وهي مسرحية تتعرض لحياة وأزجال شاعر شعبي هو الشيخ عبد الرحمان المجذوب ، وهو شاعر وصوفي مغربي، الكثير من قصائده وأمثاله الشعبية متداولة في جميع أنحاء بلاد المغرب العربي. ترك من الأزجال ذخيرة (خصوصا مايعرف بالرباعيات) لا زالت تحتفظ بها الذاكرة الشعبية في المغرب وتتغنى ببعضها الطوائف من المتصوفة ،كما اشتهر عبر رباعياته التي ينتقد فيها عصره ،وفي هذه المسرحية نجد ان الصديقي قد وظف التراث من الناحيتين الفنية و التاريخية من خلال تقديم الاغاني ونقل الوقائع التاريخية.
وبعد ذلك وفي تشرين الاول 1971 قدم لنا الصديقي بقالب مسرحي متكامل " مقامات بديع الزمان الهمداني ". ويعتبر كتاب المقامات أشهر مؤلفات بديع الزمان الهمداني الذي له الفضل في وضع أسس فن المقامة. والمقامات مجموعة حكايات قصيرة جمعت بين النثر والشعر بطلها رجل وهمي يدعى أبو الفتح الإسكندري وعرف بخداعه ومغامراته وفصاحته ويروي مغامرات هذه الشخصية التي تثير العجب وتبعث الإعجاب وهو رجل وهمي يدعى عيسى بن هشام .و في إطار هذا التصور قام الطيب الصديقي بإعداد مقامات الهمداني للمسرح كمحاولة لاستلهام التراث العربي عن طريق تبني هيكل المقامات و اعطائها شكلا مسرحيا معاصرا.
بعدها قدم لنا "سيدي ياسين في الطريق"، التي صورت للتلفزيون المغربي سنة 1967 وحوّلها الطيب الصديقي إلى فيلم سينمائي من إخراجه سنة 1984.الطيب الصديقي تعامل مع الأسطورة فيها فجاءت وفق منظور خاص حيث جسد إلى جانب الأسطورة مجموعة كبرى من التقاليد المتصلة بالحياة العامة في المغرب. فكانت هذه المسرحية وثيقة اجتماعية هامة اعتمدت في الاساس على الاسطورة اضافة الى فنون الشعروالغناء ، والرقص .
اما "معركة وادي المخازن" ، فهي مسرحية سجلت البطولة المغربية في معركة الملوك الثلاثة، و التي خرج فيها جيش المغرب منتصرا على جيوش إسبانيا و البرتغال. وقد سجل الطيب الصديقي في هذا العمل المسرحي شريط الأحداث التي شهدتها المنطقة في زمن هذه الواقعة تسجيلا تاريخيا حرفيا رغم ما بذله من جهد من أجل إخراج هذا العمل في شكله المسرحي. ولعل الهدف الاساس من التأكيد على الشخصيات البطولية و غيرها على المسرح المغربي لعب دوره كاملا في إذكاء الوعي و إيقاظ الشعور القومي وان استخدام الصديقي للتراث العربي لم يكن عفويا في تلك الفترة الهامة من تاريخ النضال السياسي في المغرب، إذا كان هذا الاستخدام يدخل في إطار التأثير على عروبة المغرب و استنهاض مواقف البطولة العربية كأحد أساليب إيقاظ الوعي القومي و بعث الشعور الوطني.
ثم واصل اعتماده على التراث من خلال مسرحية " كان يا ما كان " التي نلحظ من خلال عنوانها انها اعتمدت على الرمز الحكائي الذي قدم في قصص وحكايا الف ليلة وليلة .
وفي عام 1976 قدم مسرحية اخرى معتمدة على التراث العربي الإسلامي وهي "الغـفـران" عن " رسالة الغفران" للمعري ، وتعتبر من أجمل ما كتب المعري في النثر، وهي رسالة تعد من أعظم كتب التراث العربي النقدي وهي من أهم وأجمل مؤلفات المعري وقد كتبها رداً على رسالة ابن القارح.
وبعدها قدم لنا الصديقي "الإمتاع والمؤانسة " عن حياة أبى حيان التوحيدي ، هذا الكتاب هو ثمرة لمسامرات سبع وثلاثين ليلة نادم فيها الوزير أبا عبد الله العارض. كتبها لصديقه أبي الوفاء المهندس ، تقلب فيها الكلام وتنوع من أدب إلى فلسفة إلى شعر إلى مجون إلى فلك إلى حيوان. حيث قام الصديقي بعملية (التوليف والمزج ) بين مجموعة من النصوص لبناء النص فلقد اعتمد على بعض الأخبار المتصلة بحياة أبي حيان التوحيدي ، وما كتبه هذا الفيلسوف نفسه وخاصة الليلة الرابعة والثلاثون من " كتاب الإمتاع والمؤانسة ." 
وايضا في المسرحيات الاخرى التي استلهم بها التراث كان القصد من ورائها هو التاكيد على اهمية التراث العربي واهمية اللغة العربية بشعرها ونثرها والتاكيد على ان الادب قد كان له منبع اساس وهم العرب اذ كان لابد ان نوظف التراث العربي في المسرح حتى يتاصل التاريخ العربي والشخصيات العربية بصورة راسخة في تاريخ الشعوب على مر الازمان وهذا ماوجدناه واضحا في مسرح الطيب الصديقي .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram