أفاعي البحر الناشفة في الماء!

أفاعي البحر الناشفة في الماء!

من المعيب ألاّ تستطيع أفاعي البحر في استراليا تقدير التهكّم. فإذا ما استطاعت ذلك، أمكنها عندئذٍ أن تجد شيئاً من الفكاهة في وضعها التي هي فيه. إذ أنها تبدو، بالرغم من عيشها في الماء، و كأنها تقضي الكثير من وقتها ناشفةً إلى حد كبير. 

و أفاعي البحر الحقيقية تشتمل على أكثر من 60 نوعاً من الزواحف المتكيَّفة جيداً على نحوٍ مخيف تقريباً. وهي تسبح بحركة شريطية لطيفة عبرالمياه الساحلية هنا وهناك في المحيطين الهندي والهادئ. و لها عضّة سامة. و تلد صغاراً حية، مثل الأفاعي الأخرى.
و كان أسلاف هذه الأفاعي يعيشون، مع هذا، على البر. و لا يعرف العلماء بشكل مؤكد كيف تطورت هذه الحيوانات البرية سابقاً لتعيش طوال الوقت في ماء على درجة من الملوحة تجعله غير صالح للشرب. و كان هناك رأي بأن غدد الملح تحت ألسن الأفاعي تساعدها على معالجة ماء البحر. لكن بحثاً حديثاً بيَّن أن أفاعي البحر يمكنها أن تنشف أو تجفّ في البرية ــ وهي لا تحصل على ما يكفي لتشرب، على أية حال.
ولاكتشاف المزيد عن ذلك، قام البايولوجي هارفي ليليهوايت و آخرون من جامعة فلوريدا برحلة في زورق آلي نحو المياه المالحة في نهاية نهرين على الساحل الغربي من استراليا. و هناك استخدموا شبكات محمولة باليد لغرف نحو 70 أفعى تعود لخمسة أجناس مختلفة.
و عندما عادوا، قاموا في المختبر بجعل الأفاعي جافة من الماء ووزنوها. ثم وضعوها في أحواض ماء عذب و راحوا يراقبونها ليروا ماذا تفعل. و من بين كل الأفاعي تلك، أخذت أربع فقط تشرب فوراً. ( و يمكن للباحثين قول إن الأفاعي تشرب لأنها عادةً تأتي إلى سطح الماء و تأخذ جرعات، رامية ألسنتها إلى الخارج قبل كل بلعة. كما أنهم كانو يزِنون الأفاعي فيما بعد للتحقق من أنها قد شربت ). أما بقية الأفاعي فكانت تمر ولا تشرب أبداً.
و بعد ذلك، كان الباحثون يتركون الأفاعي تصبح بحال جيدة و تنشف في المختبر. و يبقونها في الهواء، حيث تفقد الزواحف الماء من خلال جلدها و تنفسها. ثم يقومون بوزِنها. و يضعونها دورياً إما في ماء عذب أو ماء مالح ليروا ما إذا كانت ستشرب.
وعلى مسار الأسابيع القليلة التالية، انكمشت الأفاعي بشكل ملحوظ من الجفاف. و بصورة أساسية، راحت تذوي. ومع هذا لم تتناول رشفة واحدة من الماء المالح.
و حين فقدت الأفاعي من 25 أو 30 بالمئة من كتلة جسمها الأولية، بدأ بعضها أخيراً بالشرب من حوض الماء العذب. و بقي نوعان من الأفاعي، مع هذا، مضربَين عن الماء. وفقد أفراد منها 40 بالمئة تقريباً من كتلتها عند إنهاء الباحثين التجربة.
وفي غضون ذلك، أُبقيت أفاعٍ أخرى في حوض الماء العذب أو المالح. فظلت، في الماء العذب، إما ثابتة أو فقدت نسبة ضئيلة من كتلة جسمها. أما وهي تسبح في الماء المالح، فإنها، مع هذا، فقدت 1 إلى 3 بالمئة من كتلة جسمها كلَّ يوم. ومن الواضح أن أسلوب حياتها المعتاد هو التجفف تماماً.
مع هذا فحتى حين بدأت الأفاعي المجففة هوائياً في المختبر بشرب الماء فعلاً، لم تسترد كتلة جسمها المفقودة. كانت تستوعب في العادة من الماء ما يكفي فقط لتعويض جزء صغير مما كانت قد فقدته. و يرى ليليهوايت أن هذا يعني أن الأفاعي معتادة على أن تكون ناشفة. فهي بعيشها في استراليا الغربية ، تمر بفترات طويلة من الجفاف. وقد شهدت المواقع التي جمع منها الباحث هذه الأفاعي خمسة أشهر متّصلة من دون مطر.
وفي البرية، يرى ليليهوايت أن الأفاعي البحرية يمكن أن تنتظر عواصف مطرية، ثم تكرع من " عدسات lenses " ماء الأمطار التي تتشكل على سطح الماء المالح في النهر أو المحيط. و من الممكن أنها نشأت على ألا تتوق للماء حقاً خلال الأشهر التي تمر بها من دون شراب. وهذه اللامبالاة من الأفاعي تجاه الماء الصالح للشرب في المختبر تشير إلى أنها لا تشعر بالعطش، حتى و أجسامها تتعرض للهلاك.
و نظراً لكون الأفاعي لم تشرب ما يكفي لاسترداد المفقود من كتلتها البدنية، فإن الباحثين حتى الآن لا يعرفون كيف تعيش في البرية، و كيف تتصرف في موسم الجفاف، وهل هي تجرع ما يكفي من الماء لإرواء نفسها ثانيةً، وهل يمكن أنها تحس بالمطر القادم لتسبح قُدماً لملاقاته؟ يقول ليليهوايت إنه لا يريد حتى التفكير بالإجابات على ذلك إلى أن يتوفر لديه المزيد من المعلومات. و هكذا تظل أفاعي البحر لغزاً محيّراً، سواء أكانت في الأمر فكاهة أم لا.

عن / Discover

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top