TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > المنظمات المدنية والتهميش السلطوي

المنظمات المدنية والتهميش السلطوي

نشر في: 24 أكتوبر, 2012: 04:52 م

من أساسيات الدولة المدنية، قبول الدور المعارض للسلطة، والسماح لجماعات الضغط القيام بدورها بحرية تامة، ومن بينها المنظمات المدنية التي تشكل قوة رقابية ضاغطة على السلطة، وعندما يغيب أو يضعف أو يُزيَّف دور هذه المنظمات، فهذا مؤشر على ضعف مرتكزات الدولة القانونية والدستورية، بالتالي نكون أمام سلطة تزيِّف كل شيء وتجيّرهُ لصالحها، من أجل الانفراد بإدارة شؤون الدولة بما يتفق ومنافع القادة وعوائلهم ومعاونيهم أو بطانتهم.
في العراق توجد لدينا منظمات مجتمع مدني، دورها لا يختلف عن منظمات المجتمعات الأخرى، ولكنه يغيب أو يضعف أو يُزيَّف في الواقع العملي، وهناك أسباب معروفة، لا أحد يتحرك من أجل معالجتها، تقف وراء التردّي الواضح لدور المنظمات المدنية في العراق، وأولهم السلطة، أي أن السلطة هي المعوّق الرئيس لتطور ونجاح منظمات المجتمع المدني، فضلا عن الأسباب الأخرى، ومن بينها مرجعيات هذه المنظمات الاجتماعية والثقافية والسياسية وسواها.
فهي منظمات - كما نتفق- منبثقة من مجتمع لم يصل بعد إلى درجة الوعي التي تؤهله لحماية حرياته وحقوقه، وهو مجتمع يحابي القوة في الغالب، أعني بها قوة السلطة التي تدير شؤون البلد، ومع أن معظم الناس يقبلون بأقلّ الحقوق في هذا المجتمع، بل هناك أناس يختصرون حقوقهم بالحصول على ما يسد الرمق فقط، ولا يطالبون بحقوق مدنية أو سياسية، إلا أننا نلاحظ مدى الغبن الذي يتعرض له هؤلاء من لدن السلطة.
بطبيعة الحال لا غرابة في ضعف المنظمات المدنية في العراق، لأنها خارجة من حاضنة تحمل مواصفات الضعف نفسها، لكن الغرابة تكمن في محاولات جهات سياسية حزبية كثيرة - منها من يشترك في إدارة شؤون الدولة ضمن الكادر الحكومي القيادي- بتزييف وتعويق عمل منظمات المجتمع المدني، عندما تفرض عليها مهام المساندة المسبقة مقابل التمويل وما شابه.فضلا عن الفساد الذي يشوب أنشطة ووجود هذه المنظمات، الأمر الذي أضعف دورها الرقابي التصحيحي لمسارات الانحراف في العمل الحكومي، أما في الدول الراكزة، فغالبا ما يكون هناك صراع بين المنظمات المدنية من جهة وبين الحكومة من جهة ثانية، وهو صراع الند للند، إذ تغيب سيطرة الحكومة كليا على المنظمات المدنية في الدول المتطورة، بل من أساسيات نجاح الحكومات، أنها تُسهم بقوة في تطوير عمل المنظمات المدنية، من خلال عدم التدخل في أنشطتها بصورة تامة، مع أنها ملزمة بدعم هذه المنظمات ماديا، ومع طابع الصراع الذي يقوم بين الطرفين، إلا أن الحكومة والسلطة في الدول المتطورة، لا تستطيع التدخل إطلاقا في عمل المنظمات المدنية.
قد يتساءل البعض، لماذا لا ترتقي المنظمات العراقية إلى هذا المستوى من الرقابة والدور التصحيحي الذي يحد من انحراف السلطة والجهاز الحكومي ككل؟، ولماذا لا تعي الحكومة نفسها، أن حماية وتطوير الدور الرقابي لمنظمات المجتمع المدني، يساعدان  في بناء الدولة الدستورية، ويمنحان الحكومة نفسها فرصا أكثر للنجاح في إدارة شؤون المجتمع؟
من الواضح أننا في العراق نفتقد ميزة التضاد الحاسم بين المنظمات المدنية وبين الجهاز الحكومي، لذا نلاحظ في الغالب ضعفا كبيرا في دور هذه المنظمات، تساعد عليه الحكومة بدلا من أن تحد منه، ظنا من أعضاء الحكومة والموظفين الكبار العاملين في الأجهزة الحساسة وغيرهم، بأن امتيازاتهم ومنافعهم يمكن أن تتعرض للخطر والتقويض في حالة وجود قوة رقابية حقيقية لمنظمات المجتمع المدني.
ولكن منطق العقل السياسي - استنادا للتجارب السابقة والراهنة- يقول إن دعم المنظمات المدنية وحماية استقلالها في العمل والتنظيم والرقابة، تُسهم في بلورة وتأسيس مسارات تصب في بناء الدولة المدنية التي تنفع وتحمي وتطور المجتمع بكامل طبقاته، بما فيها الطبقة السياسية الحاكمة، فضلا عن ميزة النجاح الكبيرة التي تفوز بها الحكومة في حالة دعمها للمنظمات المدنية من دون أن تطالبها بالمقابل، أو تجيّرها لصالحها، لذا مطلوب دعم منظمات المجتمع المدني، وتنشيط دورها الرقابي على الحكومة والسلطة، والمساهمة الجادة، في تحويل دورها من الحياد، أو الاصطفاف الحكومي، إلى دور الرقيب المصحح والكاشف لموطئ الانحراف والزلل الحكومي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

نتائج اجتماعية سلبية محتملة لمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959

العمودالثامن: لماذا تصمت نقابة المحامين؟

العمودالثامن: المندلاوي وشعار "مشيلي وامشيلك"

العمودالثامن: حين تغضب النقيبة !!

تشريع زواج القاصرات في العراق خيانة لهنَّ

العمودالثامن: عصر المرتشــين

 علي حسين كانت كلمة (مرتشي) حين تقترن بشخص ما فهي كافية لتضعه أسفل سلم التوصيف الأخلاقي في المجتمع، ويذكر البعض منا أن الاختلاس أو سرقة المال العام كان يلقى ردعاً يصل لحد الفصل...
علي حسين

كلاكيت: الكوميديا التي لا تنشغل فقط بالضحك..

 علاء المفرجي على الرغم من أن الفنان الكبير قاسم الملاك، لم يبدأ مسيرته الفنية أواخر الستينيات ممثلاً كوميدياً، بل تنوعت أدواره منذ ذلك الحين بين الكوميديا والأدوار التراجيدية، وغيرها من الأدوار. فكان أن...
علاء المفرجي

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوبفي مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 6)التجربة اليابانيةاليابان، المعروفة بتنظيمها الاجتماعي وثقافتها الغنية، تعد واحدة من اكبر الاقتصادات في العالم. بعد الحرب العالمية الثانية، شهدت اليابان نهضة اقتصادية هائلة، حيث تحولت من بلد مدمر الى قوة اقتصادية...
د. محمد الربيعي

مقالة إخوان الصَّفا: القائل والعاقل

رشيد الخيون تضاعفت الأقوال المسموعة على مدار الساعة، والقلة ممَن يخضعها لعقله، كي يميز الغث مِن السَّمين، وبقدر ما نفعت التكنولوجيا، الفكر النير، خدمت الجهل، لأنها تُدار بيد الإنسان، إذا كانت يد عاقل أو...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram