ثمة خط مباشر يربط بين الحملة التي قادتها الولايات المتحدة ضد المتمردين العراقيين في (2004-2007) وبين الحرب الدائرة اليوم.أثار اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة لعام 2016 هذا الأسبوع نقاشاً رفيع المستوى بين المتنافسين الرئيسيين من الحزب الجمهوري، استضافته محطة تلفزيون "فوكس".
كانت معظم التغطية تدور بشأن حب الظهور لدى دونالد ترامب، ولكن الموضوع المهم والأقل وضوحًاً كان المعارضة القوية من جانب القادة الطامحين إلى الاتفاق النووي مع إيران.
وهذا الشعور سيستمر بلا شك لشهور عـدة مع اقتراب الانتخابات، مدعوماً بالضغط المستمر من الأصوات المؤيدة لإسرائيل التي لا تتوقف من الانتقادات النادرة للرئيس أوباما.
بالإضافة إلى هذا الموقف الجمهوري تجاه إيران، ثمة مطلب لإجراء أقوى بكثير في العراق. المتشددون الجمهوريون قلقون بشأن النفوذ الكبير الذي تتمتع به إيران الآن في العراق، وهي نتيجة لتناقض ملحوظ في طموحاتهم عندما شنـُّوا الحرب في عام 2003.
وفي منتصف عام 2003، وبعد بضعة أشهر من غزو العراق من قِبل إدارة جورج دبليو بوش وحلفائها، كان هذا الأخير كله ثقة بأن إنهاء نظام صدام حسين سوف يبدأ في فترة تكون فيها إيران مقيدة بشدة من جميع النواحي.
بدا هذا الرأي منطقياً: طهران ستواجه القواعد العسكرية الأميركية في أفغانستان إلى الشرق، وستكون هناك سلسلة من الدول العربية المؤيدة للولايات المتحدة على طول الساحل الغربي للخليج، إلى جانب هيمنة الأسطول الأميركي الخامس في بحر العرب والخليج العربي نفسه، وقبل كل شيء، سيكون العراق تحت سيطرة صارمة من الولايات المتحدة.
حدث كل شيء بصورة خاطئة تماماً. انتهت الحرب المريرة والمكلفة في العراق مع زيادة كبيرة في النفوذ الإيراني في بغداد. وما جعل الأمور أسوأ للجمهوريين هو أنّ باراك أوباما تحدى جون ماكين في عام 2008 بشأن الانسحاب من العراق، وفاز في هذا التحدي. في كل من السياسة الداخلية والخارجية، كان على أنصار بوش والحرب على العراق قبول الهزيمة.
ومع ذلك، وفي هذا الحدث، أخذت القصة منحى آخر، وهو أنّ: الولايات المتحدة كانت على وشك الفوز حتى ترك أوباما الأمور تفلت من قبضته. ثمة تشابه هنا مع حرب فيتنام، وفكرة أنّ الولايات المتحدة كسبت الحرب هناك عندما أجبرتها المعارضة الداخلية على انسحاب سابق لأوانه.
في حالة العراق، كان التركيز على النجاح المتصور من قوات جورج بوش في العراق في نهاية فترة ولايته الثانية. وكانت هذه الستراتيجية هي العامل الوحيد الذي جعل من الممكن لأوباما التفكير في الانسحاب، في حين أنّ السياسة الصحيحة حينها كانت مواصلة الحرب وضمان احتلال العراق على المدى الطويل، وبالتالي استبعاد النفوذ الإيراني.
كل هذه الآراء السابقة نابعة مما يسميه بيتر بينارت "أسطورة التدفق". وتقول الأسطورة إنّه: من خلال إرسال المزيد من القوات إلى العراق في عام 2007، فإنّ جورج دبليو بوش قد فاز أخيرًا بحرب العراق، ثم خسرها باراك أوباما من خلال سحب القوات الأميركية.
وإنّه بسبب سحب أوباما لتلك القوات، ورفضه العام لممارسة القوة الأميركية؛ انهار العراق، وصعد تنظيم داعش، وسقط الشرق الأوسط ، كما صرّح السيناتور جون ماكين "لقد فزنا بالحرب بفضل زيادة عدد القوات".
هناك مشكلة أكبر في توقعات المحافظين الجدد في العراق، تكمن في حرب الظل المكثّفة التي خاضتها قيادة العمليات الخاصة المشتركة وقوة المهام 145 في 2004-2007 والتي كانت تهدف إلى العمل في معقل المسلحين السُنة الأكثر تطرفًاً.
في البداية، بدا هذا وكأنه مؤثر بصورة سلبية على التمرد كله، لكن بعد ذلك أدى إلى فعّالية هذا التمرد. ومع ذلك، كانت له عواقب وخيمة؛ لأنه أدى إلى حبس الآلاف من المعتقلين في معسكر بوكا حيث تحول العديد منهم للتطرف، وكثيرًا ما تبنوا الآراء المتشددة لما أصبح الآن يُعرف باسم تنظيم داعش.
تلخص هذا العامل في مؤتمر "مجموعة أبحاث أكسفورد" في تشرين الثاني لعام 2014. ويعزز هذا التحليل الآن التقرير المتبصر بشكل استثنائي من وكالة أسوشيتد برس الذي كتبه حمزة هنداوي وقاسم عبدالزهرة، اذ تعقب الكاتبان مسارات الحياة المهنية للعديد من كبار قادة القوات شبه العسكرية العراقية التي هي الآن في صميم القدرة القتالية لتنظيم داعش، وأظهرا كيف ربطا بين معسكر بوكا وعمليات قيادة العمليات الخاصة المشتركة.
وكتبا "كان السجن حاضنة كبيرة لتنظيم داعش، وجعل المتشددين من أمثال البغدادي على اتصال دائم مع ضباط صدام السابقين، بمن فيهم أفراد القوات الخاصة والحرس الجمهوري والقوات شبه العسكرية التي تُعرف باسم الفدائيين".
عندما غادرت القوات الأميركية العراق في عام 2011، أُطلق سراح أكثر من 200 ألف من المعتقلين في معسكر بوكا وغيره. وقد تم تسليم السجناء الأكثر تشددًا إلى نظام نوري المالكي في بغداد لاعتقال طويل الأجل، ولكن سلسلة عمليات الهروب الجريئة من السجون التي تزامنت مع صعود داعش في 2012-2013 أعلنت عن ظهور هذا التنظيم، وأصبح الكثير من هؤلاء المعتقلين الهاربين هم العنصر الحاسم في البراعة شبه العسكرية لتنظيم داعش.
في الواقع، أشار هنداوي وعبدالزهرة إلى أنّ هناك مجموعة رئيسة مكّونة من 100-160 من القادة متوسطي ورفيعي المستوى مع هذه الأصول، وكثير منهم من ضباط الجيش أو الاستخبارات من ذوي الخبرة الكبيرة من عهد صدام حسين وربما تبنى بعضهم المعتقدات الإسلامية المتطرفة، لكنهم رجال لديهم خبرة كبيرة وتعلموا كيفية التعامل مع قوات النخبة الغربية.
هذه العملية تُعــدّ واحدة من الأمثلة الجديرة بالملاحظة عن نكسة الانسحاب من حرب العراق، والتي تفسّر قسوة وفعّالية التنظيم. إنّها حقيقة غير مستساغة لأي سياسي غربي، أو مسؤول عسكري، أو مرشح جمهوري، للاعتراف بها. ولكن حتى يفعلوا ذلك؛ فإنّ الديناميكيات التي تقود هذه الحرب لا تزال تسير من دون رادع وبلا أية ضوابط.
عن: أوبن ديموكراسي
اترك تعليقك