لا لتضييع الرجال

آراء وأفكار 2016/05/18 06:01:00 م

لا لتضييع الرجال

-1-
قبل ايام فقد العراق واحداً من أبرز أطبائه الكبار، من ذوي المهارة العلمية المتميزة والمسارات الوطنية المجيدة ، والسيرة الأخلاقية الحميدة .
انه المرحوم الاستاذ الدكتور احسان رؤوف البحراني، الذي وافاه الأجل وهو يعيش الغربة، بعيداً عن الاهل والوطن، وقد نقل جثمانه من عمان الى بغداد ووُريَ الثرى في النجف الاشرف بعد عقود عديدة من العمل الدؤوب في مهنة انسانية شريفة، تستهدف انقاذ الناس من براثن المرض، ونقلهم من خندق الآلام والمعاناة الى رحاب الحياة الرافلة بالصحة والسلامة .
-2-
والسؤال الآن :
لماذا مات د. احسان البحراني غريباً ؟
والجواب :
انه اختطف في بغداد ولم يُطلقْ المختطفون سراحه الاّ بعد ان حصلوا على الفدية التي فرضوها على أهله، فاضطر للحفاظ على حياته ان يغادر الوطن...
فلم تكن مغادرته العراق طوعية اختيارية، وانما فُرضت عليه بعد أنْ وصل الى قناعة مفادُها انّ حياته معرضة للاخطار في ظلّ انعدام الوسائل
الكفيلة بحمايتها من تلك الأخطار ...
-3-
كيف يصح أنْ تؤمّن الحماية الكاملة لحيتان الفساد الكبرى، التي نهبت البلاد والعباد، واختارت لنفسها المنطقة الخضراء، بما فيهم أهل التزوير واخوانهم من الرضاعة من الأميين وتنفق المبالغ الفلكية على ذلك، في حين يترك رجال العراق الكبار مكشوفي الصدور والظهور لا أحد يُعنى بحمايتهم من الاخطار..!!
-4-
الجواهري يقول في رثاء أحد رجال العراق الكبار :
أَهزُّ بك الجيلَ الذي لا تهزه
                       نوابغهُ حتى تزور المقابرا
يُعني اننا شعب يُعنى بالاموات ولا يعنى بالاحياء حتى اذا كانوا من عليّة القوم!!
-5-
لم يكن د. احسان البحراني الوحيد الذي غادر الوطن حتى وافته المنية، وانما هناك عدد ضخم من أهل البراعات والمهارات في مختلف حقول العلم والمعرفة ... من العراقيين حرم شعبهم منهم واستفادت من خبراتهم الفائقة شعوب وحكومات أخرى ...
انها حقا احدى المفارقات المحزنة .
وكم في العراق من مفارقات مرّة تنبو عن العدّ والإحصاء ؟!
-6-
قد يصدر بيان لتأبين هذا الراحل الكبير أو ذاك من مصدر رسميّ ، ولكنه لا يُغيّرُ من طريق التعامل السلبي مع أصحاب العقول والمهارات .
لماذا لا يتم التحرك لإرجاعهم والإفادة من علومهم وخبراتهم ؟
لماذا ننتظر (عزرائيل) لاصدار البيان الباهت الذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع؟!
-7-
اننا نعتقد ان العراق غني لا بثرواته المعدنية فحسب ، وانما هو غني بالمبدعين الموهوبين من رجاله ونسائه .
لقد توفيت " زها حديد " قبل الدكتور البحراني بأسابيع ، وفي الغربة أيضا.
وكانت قد أجابت عن سؤال قدّم لها يقول :
لماذا لا يستفيد العراق من ابداعاتك ؟
فقالت :
انهم لم يطلبوا مني ..
وهكذا تتجمع الأرقام السلبية الدالة على التقصير المتعمد بحق العديد من رموز الابتكار والتجديد والعطاء من العراقيين، الذين لم يوفهم حقهم أحد، لا على المستوى الرسمي ولا على المستوى الشعبي، في مؤشر واضح الدلالة على غياب الخطة المدروسة للافادة من الطاقات العراقية
وتوظيفها لصالح الوطن والمواطنين .
وتلك ايضا مسألة مثيرة تضاف الى السجل المثخن بالارقام المحزنة في شتى الحقول والمجالات .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top