في تقديمه لفعالية بيت المدى المخصصة للباحث والاديب الراحل عبد الرزاق الهلالي ، قال رفعت عبد الرزاق الذي قدم جلسة استذكار الراحل عبد الرزاق الهلالي في بيت المدى في شارع المتنبي صباح أمس الجمعة " إن هذا الشعب من أكثر شعوب العالم نسياناً لأعلام هذا البل
في تقديمه لفعالية بيت المدى المخصصة للباحث والاديب الراحل عبد الرزاق الهلالي ، قال رفعت عبد الرزاق الذي قدم جلسة استذكار الراحل عبد الرزاق الهلالي في بيت المدى في شارع المتنبي صباح أمس الجمعة " إن هذا الشعب من أكثر شعوب العالم نسياناً لأعلام هذا البلد الذين قدموا الكثير، أؤلئك الشخصيات العراقية التي نمر عليها مرور الكرام رغم عمق ما تركوه."
بالفعل أتفق مع الباحث رفعت عبد الرزاق، فلا أعمق من جهل، وظلم، وخطيئة، حين نُهمل عالماً، فناناً، أديباً، مثقفاً وموسوعيا في حياته، ولا أفظع، من أن نتناسى تركته وإرثه الفكري بعد رحيله، ولا أبشع من أن نهمل إيصال هذا العلم والإرث للأجيال التالية، وما يؤسف أننا في هذا البلد ارتكزنا على كل ما هو أبشع فنسينا وتناسينا، ومضينا على جهل.
الهلالي المنسي
مقدّم الجلسة الباحث عبد الرزاق يشير قائلاً " رغم أن الكثير من هؤلاء العقول المفكرة قدموا خدمات كبيرة للحركة الفكرية العراقية ، ومن هؤلاء الذين نتذكرهم في هذه الجلسة الموسوعي والمحقق الكبير الاستاذ عبد الرزاق الهلالي، الذي قدم لنا من المؤلفات التي اصبحت الآن مصادر ومراجع لا يستغنى عنها، فلا يمكن الحديث عن الأعلام والشعر والاجتماع دون العودة إلى كتب الهلالي، وكل كتبه عن أعلام العراق واحداثه وثقها بوثائق مختلفة وعديدة."
ويؤكد عبد الرزاق أثناء حديثه عن شخصية الهلالي قائلا " كل ما كان عليه الراحل من علم إلا أنه متواضع جدا، وكان أنيقا في كتابته كما هو انيق في مظهره، فكتاباته وثائقية تعتمد بالدرجة الاولى على معطيات لا يعرفها إلا القليل، وذكر لي احد الاصدقاء أنه كان من الاوائل الذين يدخلون إلى المكتبة العراقية آنذاك." مُبيناً " أنه قدم لهذه المكتبة الكثير ولكن لم يتذكره إلا القليلون، وقد أظهرت لنا إحدى الجامعات رسالة ماجستر تتحدث عنه."
وعن كتب الهلالي ومؤلفاته يشير عبد الرزاق " للهلالي الكثير من المؤلفات المخطوطة الجديرة بالذكر والإحياء، منها كتابه عن شعراء من العراق، وقد اختار الكثير من الشعراء الذين لم يكتب عنهم الكثير، ونشرها في بعض المجلات، وله مذكرات جديرة بالنشر والإحياء وبعد وفاته نُشر بعض منها."
مطوّر التعليم العراقي
يبدو أن مدونات الهلالي ونتاجاته الفكرية المتنوعة، كان لها فضل كبير في تطوير التعليم في العراق حيث يشير د.نجاح هادي كبة قائلاً إن " للهلالي فضل كبير على مجال التعليم في العراق، وتطويره، وهو ممن يمتلكون ابحاثا كثيرة عن موضوع التعليم في فترة الانتداب، ونقصد بفترة الانتداب وهي فترة التي تلي فترة تسلم الملك فيصل الحكم في العراق، بعد عام 1921، وذلك لأن الفترة التي تسبق فترة 1920 كانت تسمى بفترة الاحتلال ."
ويضيف كبة قائلا "في فترة الانتداب تطور العراق تعليمياً حيث شُيّدت الكثير من المدارس والدور العلمية، مثل الطبية ومدرسة الصيدلة ومدرسة الآثار ودار المعلمين العالية، وهذا كله دونه الهلالي في كتبه لأنه كان رجلاً موسوعياً."
أما عن مؤلفات الهلالي يذكر كبة قائلاً " إنه طرح في كتبه التدريب العسكري الذي توسع في مدارس العراق بعد تشريع قانون نظام الفتوة ،وبعدها ظهرت الحركة الكشفية في العراق، وبعدها ظهرت الجمعية الكشفية التي مثلها جميل الراوي، كما انه نادى بالتعليم العملي وليس النظري فقط" لافتاً" يقول الهلالي إن الطالب العراقي يدرس أربعة اضعاف ما يدرسه الطالب البريطاني."
وقال مُختصراً " هذا الرجل رحمه الله ، قام بتدوين الحقائق التي ساعدتنا اليوم للوصول الى هذه المرحلة بعد أن فهمنا تلك المرحلة، وبعد أن قارنا بين مرحلتنا الآن ومرحلتنا السابقة."
عقول نادرة
البعض يفخر لأنه عاصر كبار المفكرين والموسوعيين العراقيين ومن بينهم الراحل عبد الرزاق الهلالي، هذا ما أكده الباحث معن حمدان قائلاً " أن يكون الهلالي عروبي الاتجاه وهو من أوائل اصحاب هذا التوجه أمر يدعو للمفخرة، فأنا فخور لانتمائي لهذا الجيل الذي عشنا فيه حيث عهدنا جواد سليم وعلي الوردي وسوسة والهلالي وغيرهم، لأن هؤلاء الشخصيات من النخب المهمة في الادب والفكر الثقافي العراقي والموسوعي الحر، فنحن كنا ولا نزال نفخر لأن، احتكاكنا بهم." مؤكدأ أنه " أمر مهم يضيف لنا الكثير لأنهم يمتلكون صفة الموسوعية، وهذا نادر في ايامنا هذه."
ويشير حمدان "أن هذه النخب اسست ارضية ثقافية قوية جدا، ولا بد من الإلفات إلى أن مؤلفات الهلالي مهمة جدا، ومن هنا أُناشد عائلته بإعادة مؤلفاته المطبوعة والمخطوطة لما فيها من غِنى وفائدة ثقافية في التعليم العراقي."
ذو فكر متنوّع
عُرف الهلالي بتنوعه الأدبي والثقافي والعلمي، حيث يشير د. عماد الجواهري قائلاً " إن أهم ما يميز الهلالي هو التنوع حيث بدأ حياته الدراسية بالتنوع من عالم اجتماع ثم إلى دراسة التربية البدنية، فكانت له اطلاعات اجتماعية اثرت كثيراً على نتاجاته الفكرية والعلمية."
تحولات علمية كثيرة شهدها الهلالي من علم الاجتماع الى التربية البدنية ومن الحياة المدنية التي واكبها في فترة مبكرة الى نظام الفتوة العسكري، هذا ما ذكره الجواهري، مُضيفاً " هنالك تجربتان رائدتان حيال التوجه المدني والعسكري كما انه شغل الكثير من المناصب والوظائف المدنية ثم تحول الى التشريفات في البلاط وبعدها الى الخدمة في دار الاذاعة ثم المصرف الزراعي فكان جامعا بين هذه الوظائف المختلفة الاتجاه التي تعكس القدرة على ادارة هذه الوظائف."
أما في مجال الكتابة يذكر الجواهري أن الهلالي كان ظاهرة في الجانب الموسوعي من خلال اطلاعاته الشاملة والواسعة، فتحول من مجال الادب إلى الشعر ، فهو ركب ضمن مركب الكتابة ولم يكن فقط من الرواد بل كان من ذوي الجرأة والشجاعة، وكان ينتقل مابين المكتبة الادبية وميدان الشعر ثم تحول إلى ميدان الصحافة وعندها بدأت ميوله السياسية بالظهور لان ميدان الصحافة يجر المنجرف فيه سياسياً .
مناصب مهمة
لم يكتب الهلالي في القضايا المحلية العراقية فقط، بل أرشف ووثق القضايا العربية والعالمية احياناً، فيذكر الدكتور بكر عبد الحق " أن الهلالي كتب عن الثعالبي الذي كان رائداً من رواد الفكر ومناهضة الاحتلال الفرنسي في تونس." مُشيراً " أن نشاط الهلالي لم يكن محصوراً بالكتب المذكورة بل هنالك رسائل وبحوث اخرى منها مذكرة الى الملك فيصل الاول والمرحوم ناجي السويدي."
ويُلفت عبد الحق أن الهلالي مُهمَل اليوم في الدراسات الحديثة والكتب الحديثة، رغم أن كُتبه ومؤلفاته لم تترك مفكراً او اديباً او حدثا ما إلا واشارت اليه، وأضاف عبد الحق " هنالك رسالة ماجستير أُلفت عن الهلالي وتمنيت لو أنها تطبع ككتاب عنه." مؤكداً " أننا يجب علينا أن نسلط الضوء على نشأته وحياته الاسرية التي كان لها اثر في نتاجه الفكري ."
وأشار عبد الحق " حين عيّن الهلالي في التشريفات كان عمره 31 عاما، وعين في هذا المنصب قبل مجيء الملك فيصل الثاني إلى الحكم وهذا ضد نظرية أنّ الملك الجديد بحاجة لكل شيء جديد، ولم يكن الهلالي بعيدا عن السياسة ،فهو كان من أصغر مَن يعمل في التشريفات الملكية وتم إقصاؤه حين اشار الى ان بعض العاملين بالتشريفات لديهم اخطاء كثيرة وقد تمت إعادته بعد ثورة تموز ،لانه من الرجال الاكفاء الذين كانوا من القلّة الذين لا يملكون منصبا عسكريا وتسلموا دوائر مهمة."
عائلة الفقيد
لحضور عائلة الراحل وقع وأثر في الجلسة، فقد شكلوا الصفوف الامامية الثلاث من الجلسة، وتحدث نجل الراحل باسمهم ، فقال علي الهلالي " لا أتكلم بلسان حالي بل أتكلم باسم مَن انتسب للهلالي، واحد وثلاثون عاما مرت على رحيله لم نشعر اننا فقدناه، فالذكر الطيب للانسان يُعدّ بمثابة عمر ثانٍ له وهذا ما لمسناه من خلال جلسات استذكار ورسائل الماجستير والمقالات الصحفية التي قيلت بحق جهوده ،وكل هذا أدخل في أنفسنا الفرحة والحبور ولم يشعرنا يوما بفقدنا لهذا الشخص ،ولكن من الإنصاف وما دمنا نتحدث عن سيرته يجب أن نذكر دور السيدة التي شاركته الحياة وشاركته ظروف الحياة بالسرّاء والضرّاء، وهي زوجته رحمها الله."