تنشغل هذه الأيام بعض اللجان المكلفة بإدارة ملف البصرة عاصمة للثقافة العربية ، ولا غرابة ان يتم اختيار هذه المدينة كعاصمة للثقافة وهي على مرِّ عصورها اهتمت بالثقافة اهتماما كبيرا وبرزت اسماء مهمة لم تغن الشأن الانساني فحسب ، بل أغنت العالم الاسلامي آنذاك بأسره، من الجاحظ وواصل بن عطاء وبشار بن برد والعطوي وعمرو بن عبيد وثمامة بن اشرس النميري وابراهيم النظام وليس انتهاءً بالمعيبد ومحمد خضير ومحمود عبدالوهاب والسياب والبريكان ونوري جعفر والقائمة تطول ... ولكن السؤال :هل بالامكان ان تستضيف البصرة اليوم الضيوف والشخصيات والندوات والاحتفالات وهي من دون بُنى تحتية ثقافية ؟ فالبصرة تخلو من المسارح والسينمات والقاعات التي بالامكان ان تستخدم لاستضافة هكذا فعاليات مهمة كذلك فان اماكنها التراثية مهشمة ومهدمة وليس فيها اية اهتمامات تذكر لا من قبل الحكومات المحلية ولا من قبل حكومات المركز .. فكيف تكون عاصمة للثقافة العربية وانهارها التي بسببها سميت البصرة "فينيسيا الشرق" تملؤها القاذورات والاوساخ وتجري محل مياهها مياه المجاري ؟! كيف تكون عاصمة للثقافة العربية وآثارها محطمة ولا يوجد اهتمام بها ؟ وكيف تكون عاصمة للثقافة وهي تخلو من الصروح والتماثيل التي تجسِّد شخصياتها التاريخية والحاضرة سوى تماثيل بناها النظام السابق كتمثال عتبة بن غزوان وتمثال الخليل بن احمد الفراهيدي الذي سكنها قبل 1400 سنة ؟ كيف تكون عاصمة للثقافة العربية وهي تخلو من مسارح او سينما وهي التي كانت في يوم ما موطنا لهذه البنى؟ كيف تكون عاصمة للثقافة وهي تخلو من متاحف ؟ كيف تكون عاصمة للثقافة وقصر الثقافة ومقر الاتحاد العام للادباء والكتّاب وجمعية التشكيليين تقع امام نهر البصرة القديمة الذي هو أقذر نهر في العالم حيث حُوّل الى مكب للنفايات؟!  كيف تكون عاصمة للثقافة ومسرحها الوحيد "بهو الادارة المحلية " قد تحوّل الى واحد من اكبر المولات في العراق؟ كيف تكون عاصمة للثقافة العربية وجسورها وشخوصها تسمى بأسماء وشخصيات دينية واخرى عشائرية؟ كيف تكون عاصمة للثقافة العربية وشوارعها تخلو من لافتات تشير الى علمائها ؟ كيف تكون عاصمة للثقافة العربية وهي تخلو من مراكز للدراسات والبحوث التي تشتغل على الثقافة التي انتجتها هذه المدينة؟ كيف تكون عاصمة للثقافة العربية والنزاعات العشائرية تملؤها؟ كيف تكون عاصمة للثقافة العربية وهي تخلو من نوادٍ وحدائق ومتنفسات ؟ كيف تكون عاصمة للثقافة العربية واسواقها القديمة مكب للنفايات  كسوق الهنود وسوق البصرة القديمة التي تعد من اهم مقاصد السياح لو قدر للبصرة ان تحتضن الفعالية هذه؟ كيف تكون عاصمة للثقافة العربية وشناشيلها مدمرة ومحطمة وتغفو على نهر سيء جدا؟ كيف تكون عاصمة للثقافة العربية والمدينة قد مسخت هويتها بفعل الظلاميين؟ كيف تكون عاصمة للثقافة العربية وبعض من مسؤوليها يعتبرون نوري جعفر فقيها دينيا ؟ كيف تكون عاصمة للثقافة العربية والتجاوزات تملأ ساحاتها وشوارعها ؟ كيف تكون عاصمة للثقافة العربية وجامعتها لم تتخذ دورها الريادي في رعاية الثقافة وتخلت عنه تخليا كبيرا؟ كيف تكون عاصمة للثقافة العربية ومسؤولوها ليس لهم اية علاقة بالثقافة؟ كل هذه التساؤلات وغيرها تجعل من هذه المدينة غير مستعدة لهذا المشروع وتجعل منه مشروعا فاشلا في مهده. وقد يتساءل سائل ويقول ما علاقة كل ما طرحت بالفعاليات الثقافية ؟ فاقول : ان الثقافة ليست مجرد خطابات وشعارات رنانة ، الثقافة سلوك مدني يعمل على كل شيء على الشارع والنهر والرصيف والمسرح والسينما والانسان والسياسة والاقتصاد والبنى التحتية كي تكتمل صور الثقافة وتخرج لنا بأبهى معانيها فهي سلوك انساني يشمل كل مباني الحياة .وبالتالي نقول ان البصرة كانت وما زالت وستبقى عاصمة للثقافة العربية وهي بمصاف القاهرة وبغداد وصفاقس وفاس وقسنطينة وبيروت ودمشق مدنا منتجة للثقافة والفكر والادب واللغة وهي ما لا وجهة للثقافة ومفاهيمها ؟ كيف لا وعلى ارض البصرة قامت مدارس فكرية كالمعتزلة واخوان الصفاء ومدرسة النحو البصرية؟  كيف لا وعلى ارضها تغيرت حركة الشعر وكسرت قيوده فأضحى حراً بعد ان كان مقيداً بقافية . فالبصرة انتفضت على قيد القافية فكيف لا تنتفض على قيد الظلاميين فهي لا ترضى بالقيود وعلى الرغم من محاولات الظلاميين طمس هويتها المدنية الا انها باقية بمدنيتها التي صنعتها حرة ولكنها غير مستعدة تماما لاستقبال هذه الفعالية لخلوها من بنى تحتية تخص الثقافة ... فمتى يعي مَن يتحمّل مسؤولية حكمها اليوم هذه المشاكل ويعمل على حلها ... أشك في ذلك تماما وادعو المسؤولين والمكلفين بهذا الملف ان ينظروا الى تجارب مدن عربية كُلفت بهذه المهمة وليروا بأم اعينهم ما فيها من انجازات كبرى على مستوى البنى التحتية كي تكون قادرة على استضافة هكذا فعاليات ومن هذه المدن صفاقس والكويت ودمشق وقسنطينة وغيرها من مدن استضافت هذه الفعالية وكانت شعلة انسانية قيمية كبيرة .. متى نعي هذه المشاريع ونعمل على انجاحها بدلا من خطب وشعارات جوفاء ولجان فاقدة لقدرتها على التغيير ... فلذلك ادعو المثقفين في العراق كله ألا يكونوا شهداء زور على هكذا فعاليات وان يقفوا بالضد منها كي يصحح المسار وكي تبنى البصرة بناء وعمرانا حقيقيا قبل ان تستتضيف اي فعاليات وان يتذكروا ان احد مسؤوليها عندما ارادت البصرة ان تستضيف بطولة كأس الخليج عندما سُئِل ، اين ستسكن الوفود المشاركة والبصرة فنادقها لا تتحمّل كل هذه الأعداد؟ فأجاب سنفتح لهم الحسينيات والجوامع.