TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الجيم العراقية: حقائق وأوهام

الجيم العراقية: حقائق وأوهام

نشر في: 17 فبراير, 2017: 09:01 م

في ريف العراق، خاصة في مدينة العمارة، تُلفظ الجيم العراقية مثلثة، تماماً على الطريقة الشامية. طالما سمعتُ جدتي العمارية ثم البصرية أم أبي، تقول (جيت وجينا) و(الأجاويد) وكل كلمة جيمية تقريباً بتصويت شاميّ. لا أعرف إذا كان الأمر واقعاً اليوم. أضِفْ لذلك أن سكان المدن الكبرى كبغداد، والبدو، كانوا يتعرّفون على الجنوبيّ العراقيّ عبر تصويته لهذه الجيم.
كيف إذنْ اشترك الشوام مع الريف العراقي، سكانه منذ الأزل، بهذا التصويت؟ لأن الشوام وريف العراق هم من الأنباط أي العرب (والآرميين بالطبع) المزارعين، الفلاحين، وليس البداءة، بكل بساطة. وبهذا المعنى اقترحتُ مراراً فهم معني النبط الذين لم يكن يُعْترف بفصاحتهم، ووقع تقريع (عُجْمَتهم) تكراراً في المرويات التاريخية. هنا مثال صريح: في دُعاءِ ابنِ هُبَيْرَة: "أَعُوذُ بك من كل شيطانٍ مُسْتَغْرِبٍ، وكُلِّ نَبَطِـيٍّ مُسْتَعْرِبٍ". المقصود بالمُسْتعْرِب من يزعم أنه يتكلم بفصاحة العرب الأقحاح المنسوبة إلى قبائل البدو والصحراء وقلب الجزيرة وحدها، وليس أطرافها.
الغريب أن اللغويين العرب يعتبرون الجيم المثلثة أو الثلاثية أحد الحروف المضافة للأبجدية العربية، ولا يوجد الحرف في اللغة العربية الفصحى، أي أنهم يعتبرونه حرفاً مستقلاً.
وهذا مدعاة للتساؤل، مثل أشياء كثيرة، عن تقعيد (الأصوات) نفسها في لغة العرب. تقعيد افتراضيّ مُتوهَّم لا يقوم عليه الدليل، فمن أين جاء الناطقون بهذه الجيم المثلّثة في بلاد الشام، وفي ريف العراق؟ كانوا يتلفظونها دائماً بهذا النطق.
أظنّ كذلك أن حرف الباء المثلثة (پ P)، موجود أيضاً في النطق العربيّ بشكل ما، ومنذ البدء، مثل الجيم المثلثة. فلماذا يلفظ العراقيون كلمة مثل (بريمز Primus) وهو وابور غاز الطبخ، بهذه الباء. صحيح أن الكلمة أجنبية (مثلها مثل مفردات عامية عراقية مثل (باجة، بلتقية، جربابة، بلكت، بنكه…الخ)، لكن الصحيح أن تلقائية لفظها في العراق كله، دليل على اندغامها في التصويت المألوف لأصوات مثيلة ممكنة، سامية كالأكدية. وكما لا يعترف اللسانيون العرب بحرف الجيم المثلثة حرفاً عربياً، لا يعترفون بالباء المثلثة (پ P)، ويتهمونها بالعُجْمَة ذاتها. وهذا الاتهام غير ممكن مع استخدامها واسع النطاق في العاميات العربية ووجودها في السومرية التي كانت سائدة في بلاد الرافدين، ومع المُجاوَرَة الحميمة الأزلية بين الساميين والشعوب الفارسية والكردية والتركية التي تنطق الباء المثلثة (P). يذكر الباحثون العراقيون أن "بستوكة" من الأصل سومري (بسان دكا) الباء مثلثة والكاف ثقيلة، ومنها الكلمة الاكدية (بسان تكو) ومنها جاءت الكلمة الفارسية (بستك) بكاف ثقيلة، وقد جاءت منها الكلمة العامية العراقية التي تشير إلى الجرّة المستخدمة لحفظ الطعام. لذا ظلت الباء المثلثة (P) موجودة في العبرية التي تردُ فيها مفردة (رب) بباء مثلثة (P) لتطلق على العظيم والسامي. وأيضا مفردة (زبنا) السريانية، بباء مثلثة P وتعني الزمن والوقت والحين، أي زمن العربية.
ولا أعرف إذا كانت قواميس اللغة العربية نفسها تشير إلى وجودها، وأرى أنها تعنيها هي عينها، كما في (وَبَطَ)، مُثَلَّثَةَ الباء، يَبِطُ، ويَوْبَطُ، …الخ. جاء في تاج العروس: "وَبطَ رَأْيُ فُلانٍ فِي هذَا الأَمْرِ مُثَلَّثَةَ الباءِ الفَتْحُ والكَسْرُ نَقَلَهُمَا الجَوْهَرِيُّ، والضَّمُّ نَقَلَهُ الصّاغَانِيّ عن الفَرّاءِ. وفي تاج العروس أيضاً: وحكى اللّحيانيُّ قولَهم في الحكايةِ : كان ذَلِكَ الأَمْرُ في بدْأَتِنَا، مُثلَّثَةُ الباءِ فَتْحاً وضَمًّا وكَسْراً. وتاج العروس متأخّر على لسان العرب الذي لا يذكر ذلك. وذكر الدّميري في (حياة الحيوان الكبرى) أن (البرغوث) بالباء المثلّثة، وقال السُّيوطي إن (البرغوث) مُثَلَّثُ الباء. وأعتقد أن انهم: تلفظوا البِرْكار (أي الفِرْجار أو البِيكار) بالباء المثلثة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. اختبار

    منذ 2 شهور

    هذا تعليق تجريبي للتحقق من نموذج التعليقات.

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

 علي حسين عاش العلامة المرحوم محسن مهدي ينقب ويبحث في كتب التراث ويراجع النسخ المحفوظة في مكتبات العالم من حكايات ألف ليلة وليلة، ليقدم لنا نسخته المحققة من الليالي، يقول لنا فيها إنّ...
علي حسين

باليت المدى: شحذ المنجل

 ستار كاووش مازال الوقت مبكراً للخروج من متحف الفنانة كاتي كولفيتز، التي جعلتني كمن يتنفس ذات الهواء الذي يحيط بشخوص لوحاتها، وكأني أعيش بينهم وأتتبع خطواتهم التي تأخذني من الظلمة إلى النور، ثم...
ستار كاووش

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

محمد الربيعي يضع العراقيون امالا كبيرة على التشكيلة الوزارية الجديدة، المرتقب اعلانها قريبا، لتبني اصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وعلى راسها التعليم العالي. فهذا القطاع الذي كان يوما ما منارة للعلم والمعرفة في المنطقة،...
د. محمد الربيعي

التكامل الاقتصادي الإقليمي كبنية مستدامة للواردات غير النفطية

ثامر الهيمص المرض الهولندي تزامنت شدته علينا بالإضافة لاحادية اقتصاديا كدولة ريعية من خلال تصدير النفط الخام مع ملف المياه وعدم الاستقرار الإقليمي. حيث الاخير عامل حاسم في شل عملية الاستثمار إجمالا حتى الاستثمار...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram