اللاجئ العراقي عبد الله صخي يحتفي بثلاثيته في بيت المدى

اللاجئ العراقي عبد الله صخي يحتفي بثلاثيته في بيت المدى

مدينته بذاكرتها، وما حملته بين طيات النسيان من وجع، حيث سلام الطفولة، وتهور الصبا وتمرده، تلك المدينة التي لم تسكنها حكمته الناضجة، فبعد شباب قصير عاشه فيها، بدأ يطوي دروبه طياً، حيث المطبات والألم، لينتقل إلى منفاه كلاجئ يستكمل شبابه الذي غطاه الشيب، ويمتزج مع المهجر حكمة، وسكينة... وها هو يعود اليوم حاملاً الكثير من الذاكرة، المزيد من اللهفة والشوق لمدينته، اضافة إلى ألمه الذي ما عاد يفارقه فهما ممتزجان ، حتى أن اقلامه تجف صمتاً، فبعض الوجع يمكنه ان ينطق حروفنا ابداعاً.

الروائي الذي جعل من حياته، ثلاثية يقرؤها الجميع، بل انه حاول أن يعض البعض من خلال حكايته تلك فكما ذكر عن لسانه "لا أريد لأحد أن يتعذب لهذا كتبت سيرة الجحيم العراقي بين سيرة حياة، وكفاح يومي، ولجوء خارج أرض الوطن..."
الروائي العراقي  المغترب عبد الله صخي في ضيافة بيت المدى في شارع المتنبي صباح يوم الجمعة، حيث أقيمت جلسة خاصة لتوقيع روايته الجديدة (اللاجئ العراقي) والتي جاءت مكملّة لروايتي ( خلف السدة، و دروب الفقدان ) لتكون له بذلك ثلاثية صادرة عن مؤسسة المدى للاعلام والثقافة والفنون .

ثلاثية عبد الله صخي
يذكرنا مدير الجلسة الكاتب والقاص حسين رشيد أن " الروائي وقع كتابه الأول (خلف السدة ) خلال حفل افتتاح بيت المدى في شارع المتنبي." مُضيفاً " اليوم ايضاً نقيم حفل آخر للروائي، وهو لتوقيع رواية ( اللاجئ العراقي) التي جاءت لتشكل ثلاثية مع روايتيه السابقتين."
يجد رشيد أن هنالك تناغماً بين الروائي وابطال روايته، وقد تكون هذه الثلاثية ما هي إلا انعكاس لما عاناه وعاصره الروائي فيقول حسين رشيد " اللاجئ العراقي مرّ بدروب الفقدان، بعد خروجه من خلف السدة، لاجئٌ مُحمل بأثقال السنين، والغربة والعمل في المجال الصحفي والسياسي، هذه الاثقال التي لا يمكن لأي شخص بروحية عبد الله صخي تحملها، ولكنه استطاع حملها بمودة وسلام."
ضيف الحفل كان مبهوراً مأخوذاً بمحبة الحاضرين واهتمامهم، حتى أربكه الحديث، قائلاً " لم اكن متخيلاً اني سألقى كل هذا الاحتفاء وبهذا الشكل المميز."

 تبنيت عراقاً مصغراً
لم يشر الكاتب الى روايته الجديدة (اللاجئ العراقي) بشكل مباشر، فحاول الاسترسال والحديث عن مغامرته مع ثلاثيته تلك، وعن ابطالها الذين تسلسلوا ايضا من خلال الاحداث واللهاث خلف صفحات كل رواية على حدة، فيقول صخي " سأتحدث عن ظروف الكتابة وهي ليست سهلة ذلك اني ومنذ كتابة (خلف السدة) قررت في أحد ايامي في لندن أن استذكر تلك الرقعة التي غامر بها بعض المكتشفين والهاربين من عوالم الخسائر المتراكمة."
يستذكر صخي ذلك المجتمع السكاني المندثر، محاولاً الاقتراب من المكان والمدينة، وبحسب توصيفه قائلا" حاولت تبني عراقا مصغرا انا وابطالي وشخوص رواياتي، ومنهم العنصر الاهم وهي المرأة التي كانت بطلة روايتي دائماً ذلك لأن المرأة العراقية كائن نادر بعطائه بهمومه وتضحياته."
أن روايات صخي لم تكن حكايا فحسب، بل كانت توثيقاً للحدث والتاريخ والدلائل ايضا، فبعد 40 عاماً على اندثار تلك المنطقة أعاد صخي احياءها من خلال عراق بحجم الكف.
يشير صخي إلى واقع المجتمع العراقي الذي تحدث عنه من خلال ثلاثيته قائلا " أشرت الى روحية الفرد العراقي القلقة  الخائفة حتى من الفرح، فهذا الفرد شبع عذابات، لسنوات سابقة وأصبحت روحه رقيقة جداً حتى انها  تقلق من اي خبر قد يؤذيها."
التجربة الشخصية واضحة الانعكاس في ثلاثية صخي، من خلال مرحلة طفولته وصباه في(خلف السدة) ومراحل هروبه السياسي وقلقه بين العمل والسياسة والتمسك بالمبادئ والقيم وهذا نجده متجسداً في شخصية بطل رواية (دروب الفقدان) إضافة الى حياته كلاجئ في منفاه في رواية (اللاجئ العراقي)   تلك الرواية التي تنتهي بمصير سوداوي محزن، وهو عادة ما يكون مصير اغلب اللاجئين .

البرجوازي الصغير
كما تعودنا في أغلب جلسات بيت المدى فهي استذكار الغائبين، ولكن المحتفى به اليوم حاضر يتوسط محبيه وجمهوره، لهذا لحظنا أن أغلب الحاضرين هم من اصدقاءه ومحبيه أؤلئك الذين شاطرهم ذكرياته، الشاعر والمسرحي رحيم العراقي، جاء حاملا في جعبته الكثير من الذكريات، بين المؤلم والمفرح، فيقول العراقي " مجرد أن قرأت في الصحيفة حضور عبد الله صخي قررت المجيء لأحيي صديق الشباب." مشيراً " أن عبد الله صخي ينتمي لأؤلئك النخبة الطيبة من الاصدقاء الذين يجتمعون خلف السدة الترابية في مدينة الثورة، حيت تجمعهم الدراسة والهوايات والافكار اليسارية وكانت لدي الكثير من الذكريات معهم."
رحيم العراقي كان طالباً في المرحلة الابتدائية حين إلتقى بصخي، الذي رافقه الى مجلة (مجلتي ) ومنحه فرصة تقديم عمله المسرحي كطفل موهوب لهيئة تلك المجلة والتي كانت تحمل عنوان " مسرحية جمهورية العصافير" وماتزال هذه الذاكرة عالقة في روح العراقي الذي قال " هذه المبادرة من عبد الله صخي كانت عظيمة وليس من السهل نسيانها ابداً، فمنذ الشباب كان صخي مختلفاً عن الجميع، وكان انيقاً، لا يضحي بالمتع الصغيرة، والبريئة حتى انني اذكر أنهم كانو يلقبوه بـ (البرجوازي الصغير)."

جيل السبعينيات
الكاتب والناقد كمال لطيف سالم، يشير خلال مداخلته أنه كان يسمع كثيراً باسم عبد الله صخي، ولكنه لم يلتقيه حتى فترة السبعينيات، عرفه بعد ذلك وكانت تلك الفترة تشهد ألقاً ثقافياً فيذكر سالم " أن فترة السبعينيات شهدت نضجاً ثقافيا واضحا وكبيراً، وهذا ما نشهده من خلال الاسماء الكبيرة التي كانت تتصدر المشهد الثقافي، ومن بينهم الكاتب والروائي عبد الله صخي، اضافة إلى الكثير من الكتاب والمبدعين الذين جاءوا من جنوبي البلاد."

والدته
مقولة (وراء كل رجل عظيم امرأة ) باتت تثبت صحتها وبشكل دائم، فيبدو ان وراء عبد الله صخي امرأة تُعنى بالفن والادب والثقافة والجمال، تلك السيدة التي فوجئنا بسماع منجزها من خلال مداخلة لعبد الرزاق الملا أحد اصدقاء عبد الله صخي، ذاكراً " كان هنالك بيت وهو عبارة عن منتدى ثقافي كبير لا يخلو من جلسات الأدب والموسيقى والفن والجمال، والمناقشات الثقافية والسياسية، وهذا البيت كانت تديره امرأة عظيمة وهي والدة عبد الله صخي وهذا البيت بيتها، لهذا انحدر صخي من بيئة ثقافية اصيلة."

مزهرية ذات 31 زهرة
هذا عنوان لمقالة عبد الله صخي التي نشرت في جريدة طريق الشعب، والتي استذكرها  صديقه جعفر منشد، الذي حاول من خلالها الاشارة إلى بديهية صخي قائلاً " كان صخي ومجموعة من المثقفين يلتقون في مقهى ثقافي في مدينة الثورة، وحدثّتهم عن أحد طلابي الذي فاجئني انه يعرف بأن (31 اذار ) هو عيد للحزب الشيوعي العراقي رغم انه طالب صغير وفي ذلك الوقت  الذي من الصعب الحديث فيه عن الحزب الشيوعي، فوجئت في اليوم التالي أن عبد الله صخي أنزل مقالاً في اليوم التالي في جريدة طريق الشعب بعنوان مزهرية ذات 31 زهرة."

خلف السدة
البعض وقد يكون لميلهم وحبهم لهذا الروائي كانوا يتمنون أن يكتب المزيد عن مدينتهم، فلم يكتفِ الضيف جاسم يونس برواية (خلف السدة) وأشار من خلال مداخلته انه يتمنى لو أن صخي أشار في روايته إلى منطقة الشاكرية وهي الجزء الاهم من منطقة خلف السدة، إلا ان صخي اجاب على تلك المداخلة قائلا ان "الكاتب كريم العراقي كتب رواية بعنوان "الشاكرية" اما أنا فقد أشرت في رواية خلف السدة الى المدينة تلك."

في المدرسة الثانوية
حتى رفاق المدرسة الثانوية كانوا حاضرين في تلك الجلسة، والذين عاصروا عبد الله صخي في ثانوية قتيبة، من بينهم مجيد الجوراني الذي ذكر أن " عبد الله صخي كان يتداخل خلال درس اللغة العربية مع المدرس عبد الكريم بيان في وقتها، وكان يقرأ الكثير من الاشعار، وكانت ملابسه رغم بساطتها الا انها غاية في الاناقة، كما انه كان انطوائياً وذا شخصية مميزة."

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top