قضية للمناقشة:التفكير من خارج الدين

آراء وأفكار 2017/05/17 12:01:00 ص

قضية للمناقشة:التفكير من خارج الدين

كان لقاء مفرحا مع طالبات وطلبة كلية الآداب جامعة القاهرة حين امتلأ مدرج 78 التاريخي بهم ليستمعوا إلى شهادات كل من الدكتورة هند حنفي رئيس جامعة الاسكندرية سابقا والدكتور " أحمد زايد " أستاذ علم الاجتماع السياسي والدكتورة " لطيفة سالم " الأكاديمية والمؤرخة و" فريدة النقاش " الصحفية احتفالا بأعياد المرأة  حدث ذلك في نهاية شهر مارس .
حرصت بعد انتهاء المداخلات على الانصات جيدا لأسئلة الطالبات والطلبة ، وإن لم يفاجئني كثيرا أن الغالبية العظمى من الفتيات كن محجبات ، وهو ما ذكرني بقول  "الهضيبي " المرشد العام الأسبق لجماعة الإخوان أنه عندما تضع كل النساء المسلمات في مصر الحجاب سأكون على يقين أن الجماعة انتصرت . جاءت الأسئلة والمداخلات الطلابية كلها منطلقة من المرجعية الدينية والتاريخ الإسلامي ، وانتظرت وأنا في الجامعة ـ أن أسمع اسم " طه حسين " أو " توفيق الحكيم " أو" نجيب محفوظ" أو" بنت الشاطئ " فلم يحدث ، وهو ما يعني هامشية الثقافة الحديثة في تكوين هذه الأجيال الجديدة ، ولو حضر أحد مرشدي الإخوان هذا اللقاء لازداد يقين انتصار الجماعة ، لأنها سيطرت على هذه العقول الشابة التي تمترست في المرجعية الدينية وحدها بكل ما فيها ، ولم تشأ أن تتحاور مع الأفكار والرؤى التي طرحها المحاضرون والمحاضرات .
وتبين لنا الدراسة المتأنية لهذه الظاهرة أن تهميش الثقافة الحديثة التي أزاحها الفكر الديني جانبا ، أن عملية الافقار الثقافي التي واكبت ما سمى بسياسة الانفتاح الاقتصادي قد أتت أكلها عبر المنظومة المتكاملة للإعلام والتعليم والمؤسسة الدينية التي غزتها الوهابية عبر أموال النفط إذ يتصدر مشهد الفكر المحافظ والتكفيري .  وأخذ المثقفون التنويريون النقديون يبذلون جهوداً جبارة لمواجهة هذه الدعاوى والتوجهات التي أسفرت عن التعتيم على الصراع الاجتماعي المحتدم ، ودفعت بكل أشكال الحوار المجتمعي إلى الاستناد للمرجعية الدينية وحدها ، واستسلم التنويريون والنقديون لهذا الواقع ، وأخذوا يفتشون في التراث العربي الإسلامي عن وجوهه المضيئة ، وفي خضم هذا التفتيش نسي هؤلاء المثقفون أن مهمتهم النبيلة والطليعية تقتضي أن يتقدموا الجماهير ولو بخطوة واحدة لا أن ينساقوا وراءها ، وهذا ما فعلوه ، أي أنهم انساقوا .
وهكذا ابتدع التنويريون مصطلحا مراوغاً هو " صحيح الدين " وأخذوا يدافعون عن العقلانية والحرية والعدل والنقد انطلاقا من النصوص الدينية ، وغاب عنهم أو بالأحرى تجاهلوا أن التكفيريين وأصحاب الدعوات " الجهادية " يعتمدون بدورهم على نصوص دينية ، وأن التحول العميق مثلا في فكر " سيد قطب " والمدرسة الجهادية التكفيرية التي أسسها قد استند بدوره وبصورة عميقة جدا على نصوص دينية ، ووقائع وممارسات حدثت في التاريخ الإسلامي ، وهو ما يعتبره " قطب " وتلاميذه صحيح الدين .  ونعرف جميعا ان هناك عشرات الكتب وضعها المؤرخون الإسلاميون حول أسباب النزول ، وبينوا فيها لماذا نزل القرآن منجماً أي متفرقا ، وكيف أنه كانت هناك دائماً أسباب اقتصادية اجتماعية سياسية تضمنتها وعبرت عنها الظاهرة الدينية بكل وجوهها المعتم منها والمضئ ويحدد الصراع السياسي الاجتماعي الاقتصادي مدى قوة او ضعف هذا الجانب أو ذاك .  ولن يكون بوسعنا أن نكسب مشروعية ـ ناهيك عن جماهيرية ـ للتفكير النقدي الذي تتسع آفاقه باستمرار إذا ما بقينا محشورين في هذه المقولة الهشة أي " صحيح الدين " رغم النوايا الحسنة التي تغذيها ، ودون أن يعني ذلك أن نتنازل عن الدفاع عن التراث العقلاني المشرف في الثقافة العربية الإسلامية أو عن التأويل النقدي للنصوص بحثاً عن المغزى لا مجرد المعنى كما سبق أن طالب " نصر حامد أبو زيد " . علينا إذن أن نفتح أبواباً ونلج منها إلى التفكير من خارج الدين ، وتوسيع هذه القاعدة لتكتسب مشروعية من الجماهيرية المرتقبة لها ، ولا تبقى محشورة في إطار طليعة معزولة .
ويظل السؤال هو هل بوسعنا نحن المثقفين التنويريين والنقديين أن نتجاوز اللجوء الدائم إلى علمائنا المسلمين القدامى الأجلاء وحدهم ، ونفتح الباب للاعتراف بقدرات العلماء والفلاسفة والمفكرين المعاصرين ، ونكسر قاعدة الاعتماد على المرجعية الدينية وحدها .
فرغم التأثير العميق والانجاز الفريد لكل من الكندي والفارابي والرازي والمعري ، وابن رشد ، وعشرات غيرهم فإن اقتصارنا في ميدان التدليل على التوجهات العقلانية في الفلسفة العربية الإسلامية وثراء تراثنا يترك انطباعا لدى الجمهور العادي يقول إن تاريخ التجديد والاجتهاد  أو ما رأه أصحاب فكرة صحيح الدين في تراثنا ، إن هذا التاريخ قد توقف عند الإمام محمد عبدة على الأكثر ، وإن كان قد توقف لدى الدكتور " مراد وهبة " عند ابن رشد .  ما أحوجنا الآن ونحن في خضم الصراع الدامي ضد داعش ، والإخوان ونسلهما المتسارع والمدعوم من الرأسمالية العالمية في أزمتها إلى شجاعة فكرية وخيال طليق يخرج بنا من الإطار العام الذي وضعه لنا الآخرون ، واضعين في الاعتبار أن كل الدين صحيح من وجهة نظر المؤمنين به .
وأن التفكير من خارجه مشروع وضروري .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top