في تسعينات القرن الماضي ومع قسوة الحصار الذي أوجد فوارق طبقية كبيرة بين شرائح المجتمع العراقي، انتهج النظام المباد سياسة المشاركة بقطاعات عديدة، منها قطاع النفط، وبشكل خاص التوزيع عبر السماح بإنشاء محطات وقود اهلية وجد اصحابها الفرصة الكبيرة متاحة أمامهم لأجل الإثراء، خاصة مع افتعال النظام بعض الأزمات، فتارة شحّة بالبنزين وأخرى بالكاز وفي الشتاء محنة النفط الأبيض، والعوائل التي تشتريه (بقنينة دم) كما كانت تشتري (ربع قالب) الثلج بذات الثمن. وقتذاك كانت الأموال عند المقربين من السلطة إن كانوا الأثرياء أو أزلام النظام وأبناء عشيرته والمقربين منهم الذين دخل الكثير منهم مشاركة مع الأثرياء والمقصود بهم هنا ليست العوائل المعروفة بالثراء، بل الاثرياء الطفيليون الذين اثروا بعد استيلاء نظام صدام على السلطة ليكون هؤلاء ومن معهم شركاء الدولة في قطاعات انتاجية عدّة وبوجه الخصوص توزيع المنتجات النفطية والمتمثلة بإنشاء محطات وقود ومعامل غاز سائل.
وزارة النفط وحسبما بيّنت انها بهدف الارتقاء بالخدمات المقدمة للمواطنين من خلال تطوير وتحديث منظومات وآليات توزيع المشتقات النفطية على أسس حضارية، إذ تم الايعاز الى الجهات القانونية والإدارية والفنية لتشكيل فريق عمل يضم عدداً من المختصين، لوضع خارطة طريق لخصخصة قطاع التوزيع على مراحل وفق القوانين والتعليمات النافذة. وإنه قد تم تحديد فترة (شهر) لإنجاز واكمال اللجنة توصياتها الأولية الخاصة بالخطة التي أوعز بها. قطاع التوزيع الذي يريد الوزير خصخصته يضم ثلاث شركات (شركة تعبئة الغاز/ شركة خطوط الأنابيب/ شركة توزيع المنتجات النفطية) وهي شركات عريقة ورصينة تضم بين كوادرها ملاكات هندسية وفنية وإدارية كفوءة تمتلك خبرة حققت بموجبها مردودات مالية كبيرة لصالح الموازنة العامة، خصوصاً شركة توزيع المنتجات النفطية، وبدلاً من أن تتجه الوزارة الى خصخصة وتفكيك هذا القطاع الحيوي المهم، يفترض دعمه وتقويته وإن كان ولابد من القطاع الخاص فهناك دور له بهذا الجانب رغم أن الجميع يشكو من تلاعبهم بالأسعار ونوعية المنتج إن كان وقوداً أو غازا سائلاً فضلاً عن التهريب الذي يتهم به هذا القطاع ودعمه الإرهاب.
غريب جداً أمر هذا الوزير الذي ما أن تحدّث عن قطاع في وزارته إلا وعرضه للاستثمار والخصخصة، وآخر هذه القطاعات قطاع التوزيع الذي يريده متطوّراً وبأفضل الخدمات دون أن يحدّد شكل ونوع تلك الخدمات، بالمقابل لا يهمه نوعية الوقود الذي يباع الآن في محطات الوقود أو الغاز السائل في المعامل، كما لا يهمه إن كان مستورداً أو مصنّعاً محلياً، ولا يهمه مكافحة التلاعب بالأسعار، كما لا يهم الوزير كيفية الاستفادة من الغاز المحروق ومحاولة تخفيض اسعار الوقود خصوصاً في بلد نفطي، كما لا يهمه اعادة العمل بالمصافي المخربّة وتأهيلها من جديد بقدر اهتمامه ومن جاء به الى الوزارة والحكومة أجمع بتحقيق الهدف الذي جيء بهم من أجله والمتمثل بإيجاد فرصة لتناهب شركات وقطاعات وزارة النفط، عبر المرض الحكومي المزمن الخصخصة. البيان الوزاري لم يعطِ تطمينات بشأن الأسعار وتحديدها وكيفية الحد من التلاعب وافتعال الازمات، خصوصاً أن هناك استقراراً وانسيابية في قطاع توزيع المنتجات النفطية. تبرر الحكومة خصخصة جباية وتوزيع الكهرباء بالخسارة وعدم القدرة على استحصال اموال الجباية، لكن قطاع التوزيع في وزارة النفط يعد من القطاعات الرابحة، فضلاً عن نسبة كبيرة من عملية توزيع المنتجات النفطية تتم عن طريق القطاع الخاص.
ترى من سيستثمر محطات الوقود ومعامل الغاز الحكومية المنتجة والمربحة؟
اترك تعليقك