في أوّل أيام سقوط النظام السابق، عشنا أيام الأحلام الوردية، فهذا يقول سيكون العراق قبلة الشركات والبناء، وذاك يقول ستتحول الحصة التموينية الى 60 مادة غذائية بضمنها (الويسكي) والكرزات، وقيل سوف يتم توزيع حصة من واردات النفط، وهكذا كانت الأحلام تتوارد. لكنها سرعان ما تبخرت حين وزّع الضابط الامريكي (كارنر) 20 دولاراً كمرتبات لموظفي الدولة وعناصر الأمن. يومها كان مرتب الموظف غير البعثي (2000) دينار ما يعادل الدولار الواحد، وكانت الأسواق المركزية تبيع للموظفين حصة تموينية مكوّنة من (5) كيلوات طحين صفر، كيلو دهن، ربع كيلو شاي، وكيلوين سكر، بسعر (5) آلاف دينار. فيما كانت مرتبات الموظفين الذين بدرجة عضو فرقة تصل الى 40 الف دينار، إذ تصرف لهم مكافأة شهرية تسمّى (مناسبات) تتضاعف أيام 7 نيسان و28 نيسان و8 شباط و17 تموز. بالطبع المكافآت ترتفع مع الدرجة الحزبية. وهناك فئة أخرى تسمّى (أصدقاء الرئيس) ممن حصلت على ثلاثة أنواط شجاعة.
بمرور الأيام أخذت الأحلام تتبخر ولم تدخل شركة إعمار، الدبابات والعجلات العسكرية والعبوات الناسفة أتت على ماتبقى من أرصفة وشوارع، الحصة التموينية تبخرت، وقناني الويسكي تكسرت وحرّمت، واردات النفط ذهبت لاستيراد البنزين وكاز المولدات التي تزايدت بشكل مخيف، مخلفةً شبكة من (الوايرات)، الحكومة الثانية استحدثت مؤسسة السجناء السياسيين ومؤسسة الشهداء، وفتحت باب الترويج للمعاملات، التي وضعت أمام أعينها تعويض من تضرر من النظام السابق حزبياً فقط مع تقديم جملة مستمسكات يتم التشديد على جهة معينة، في حين بقية الجهات لاتحتاج إلا لـ(قسم) لتفتح أمامها بوابة الامتيازات والأرباح السياسية، التي رفضتها نسبة قليلة من السجناء محتفظةً بتاريخها السياسي.
منذ أيام والكل مشغول بقانون رفحاء، هذا يهاجم وذاك يدافع وثالث يبرر، من دون الوصول الى الحقيقة أو وضع معالجة للأمر، لو لم يهرب (الرفحائيون) نحو الصحراء، اين كان مصيرهم، المقابر الجماعية دون شك. البعض منهم عاش حياته الجديدة في الدول والبلدان التي استقبلتهم، لكن بعد الإذلال والمرارة، بنوا حياتهم الجديدة ببعض الامتيازات التي منحت لهم كلاجئين، لكن هذا لايمنع من أن يحصلوا على جزء من خيرات بلدهم الأم، كما لايمنع من تعويضهم أيام الحرمان والعيش وسط الصحراء. والذي يجب أن يكون منطقياً وعقلانياً ووفق سياق مناسب، الأمر الآخر من سيعوض منهم، فهناك من لم يغادروا المخيم حتى سقوط النظام، في حين أن ممثلي الأحزاب الاسلامية الذين تصدروا قائمة التعويضات، تم سحبهم الى إيران وسوريا، ومنهم من عاد وتسلم منصباً في الدولة بعد 2003 فهل يستحق هؤلاء التعويضات، التي يفترض أن تكون مستندة لمعايير عادلة وليس بشكل مفرط ومغالٍ به، مع الأخذ بالحسبان اللوائح الدولية التي تنصّ على ذلك، وضرورة تعويض من تضرر بعد 2003 إن كان بفعل الإرهاب أو التهجير والنزوح خاصة الذين يسكنون المخيمات الآن. كان بالإمكان تعويض كل الشعب العراقي، من دون أي تشريعات وقوانين خاصة ومؤسسات للسجناء السياسيين والشهداء وغيرها، فتوفير الخدمات الرئيسة (الماء، الكهرباء، التعليم، الصحة) وبناء دولة المؤسسات وتطبيق القانون، وتوزيع واردات النفط على جميع أفراد الشعب، واقرار قانون الرعاية الاجتماعية والصحية وإعادة تشغيل المصانع والمعامل بكوادر وطنية شابة قادرة على خلق عراق واحد، يحترم به الإنسان أيّاً كان معتقده وانتماءه.
فرق سعر يوم واحد من مزاد العملة يعادل تعويضات كل معسكر رفحاء
الرفحائيون
نشر في: 23 يوليو, 2017: 09:01 م