في رد الكاتب علي طاهر على احد البوستات يرى ان (مبعث سروري نحتي لمفهوم الانتليجنسيا الشيعية يثير هذا الجدل) على الرغم من أن هذا المفهوم غير مبتكر من قبل الكاتب ( إذن لماذا مبعث السرور!! ) لكون استخدم من قبل الباحث عقيل عباس استاذ الجامعة الاميركية في جريدة الحياة اللندنية وفي عدة مقالات رد على كتاب فتنة كنعان مكية، فضلا عن تأصيل هذا المصطلح في كتابات وجية كوثراني وهذا يناقض ادعاء الكاتب انه من (نحت هذا المصطلح) و يدل أن الكاتب لم يطلع على حقل الثقافة اللبنانية التي ظهر فيها هذا المصطلح وخاصة بعد الحرب الاهلية اللبنانية في حقبة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. أو اطلع بحدود تناص المصطلح فضلا عن ذلك أن الكاتب لم يؤطر هذا المصطلح في الحقل الثقافي المجتمعي العراقي وانما كان سائباً. اذن هذا الادعاء فارغ ، وسوف نناقش فرضياته
الجماعة الشيعية
يرى الكاتب (إن هناك جدلاً في اوساط المهتمين بالجماعة الشيعية في حقل السوسيولوجيا السياسية في تحديد حدود الجماعة الشيعية في العراق تحديداً.. فهل هي (طائفة) ام (اثنية) ام (أمة)؟! ) في حالة كونها طائفة، فإن مرجعياتها دينية بحتة. وفي حالة كونها اثنية فإن مرجعيتها اجتماعية. أما في حالة كونها أمة فإن مرجعيتها الاساس ستكون سياسية.ولا ينبغي اغفال ان المرجعيات الدينية والثقافية والسياسية هي في النهاية تنبع من مرجعية ثقافية واحدة تفرضها البيئة الجغرافية والتاريخ المشترك. في الحالة الطائفية فإن الجماعة لاتبحث سوى عن بقاء ديني ولايربط الجماعة إلا ما يتعلق بوجودها بهذا الصدد.وفي الحالة الاثنية يكون الجماعة ذات مطالب سياسية عامة تفرضها ضرورات البقاء ضمن دولة واحدة وبالاشتراك مع الآخرين من الاثنيات.وفي حالة الأمة فإن الجماعة تبحث عن الاستقلال والانفصال وتأسيس دولتها الخاصة.من خلال الحوارات المعمقة في الاوساط الاكاديمية بهذا الصدد يبدو إن شيعة العراق بعد 2003 تغيروا من حالة الجماعة/الطائفة الى الجماعة/الاثنية، دون أن يتقدموا اكثر باتجاه تخيل امة)
أنقل النص كاملا مع علامات التعجب ، ويعد هذا النص النواة المركزية التي يبني عليها الكاتب فرضية الانتليجنسيا الشيعية . السؤال كيف جرى تحوّل الهوية الجزئية ( الجماعة / الطائفة ) الى الجماعة/الاثنية، دون ان يتقدموا اكثر باتجاه تخيل امة ؟
الجماعة/الطائفة الى الجماعة/الاثنية
مفهوم الإثنية يشير إلى جماعة بشرية يشترك أفرادها في العادات، التقاليد، اللغة، الدين والعرق وأي سمات أخرى بما فيها الملامح الفيزيقية للمجتمع والدولة مع جماعات أخرى فهي مزيج من هذه العناصر، فالإثنية إذن هي مجموعة بشرية لها خاصيات مميزة تحددها الثقافة المشتركة والهوية، وهي تربط أعضائها مع بعضهم بعضا، عادة على أسس مشتركة ولها اعتراف الآخرين كمجموعة متميزة لها أسس مشتركة ثقافية ولغوية ودينية، أو سمات سلوكية أو بيولوجية ويعد الاساس في الاثنية (العرق ) إذن مكوّنا الإثنية الرئيسيين هما ، اللسان و الثقافة، اللسان والدالة اللسانية أوسع من مجرد اللغة، فهي تشمل تاريخ اللغة وتفرعاتها وتطوراتها (المجموعات اللغوية)، كما تشمل تنزلات اللغة على الثقافات والبيئات المختلفة (اللهجات وحالات وجود أكثر من لغة عند مجموعات متقاربة ومتزاوجة ومتفاهمة) والثقافة نفسها أضع تحتها ثلاثة عناصر:
العنصر الأول: التاريخ، ذلك ان الذاكرة المشتركة بين المجموعات تؤثر تأثيرا قويا في نظرتها لواقعها وواقع علائقها بالآخرين، كما لها نصيب في تكوين شعور الانتماء.
العنصر الثاني: القِيم، وهي باختصار أولويات المجموعة، أي الاخلاق والمفاهيم التي تحظى عندهم بالاهتمام أكثر من غيرها.
العنصر الثالث: المؤسسات، وهي باختصار أيضا التقاليد السلوكية وأنظمة العلائق الضاربة الجذور في حياة المجموعة، مثل طقوس الزواج وعلائق السلطة وأنماط النشاط الاقتصادي واِشكال الفنون.
في حين نجد أن الطائفة في العراق هي فضاء ثقافي- تنظيمي وليست تنظيما اجتماعيا، فالتنظيم الاجتماعي يقوم على القبائل والأسر الممتدة في الأرياف ووسط المهاجرين القرويين، أو على الطبقات الحديثة في المدن القائمة على مشترك المصالح والقيم وطراز العيش. في حين إن الطائفة الشيعية ولدت من داخل أطر ثقافية، لا نقول موحدة، بل متقاربة في المقولات الثيولوجية، بل حتى الطقوسية والتشريعية، و إنه من الصعب وضع حدود فاصلة بينها مع المجموعات الدينية الاسلامية الاخرى بالتالي شرط الاختلاف بين الطوائف هو البيئة الثقافية اذن كيف تحولت الطائفة الشيعية بعد العام 2003 من جماعة / طائفة الى جماعة/اثنية؟ هل القفز بالزانة ام حرق المراحل التاريخية ؟ حيث أن الكاتب لا يوضح لنا كيف تتحول طائفة دينية في التاريخ الى جماعة اثنية وبالذات الطائفة الشيعية في عراق مابعد العام 2003 ؟ ثم هل جرى شحن الطائفة الشيعية بمحتوى نظري وإطارات اجتماعية تؤكد الحدود التي تفصلها عن الجماعات الاثنية على وفق تصورات الكاتب؟
الطوائف وعلاقات القوة
في دراسة لفؤاد اسحاق الخوري (التنظيم الديني لدى الطوائف والاقليات في العالم العربي) يقسم الجماعات الدينية في العالم العربي طبقا لمعايير اجتماعية مع وضع الهوية الخاصة بكل جماعة في الحسبان ويفرق خوري بين الدين والطائفة. فالدين في العالم العربي والاسلامي هو دين السنَّة أما الطائفة فهي أية جماعة (غير سنيَّة) وهذا التعريف يحدد علاقات القوة والتوازن السياسي وآليات التهميش والاقصاء داخل الجماعات البشرية فالقوة بالنسبة لخوري هي المقياس الأساسي الذي نقيس به التطور التاريخي والاقتصادي للجماعات بعضها عن بعض، حيث يرى تاريخ نشأة جماعة وبلوغ أهدافها في نشر تعاليمها لا يعود أكثر من كونه قضية سياسية ويذكر ان هناك اكثر من عنصر يوضح التفرقة بين الدين والطائفة مثل (درجة تغلغل التراث الديني والثقافي، الوضع المركزي للدين والوضع الهامشي للطائفة، ثنائية المنظمات الطائفية، تبني العقائد الراديكالية التي ترفض الدولة كما ترفض أيضا أي سلطة مركزية للدولة).
الكاتب علي طاهر ينطلق من مشروع مضاد لفرضية فؤاد اسحاق الخوري عن أنّ الشيعة ليسوا طائفة وانما تحوّلت الى اثنية . هذه الفرضية تنطلق من تأزمات الهوية فضلا عن ذلك تساوي بين الأمة والشيعة فحسب، بل حتى بين الدولة والشيعة، وتقوم تلك الفرضية على الاكثرية والاقلية التي تحكم لعبة السياسة العراقية ، على الرغم ان الطائفة الشيعية لم تخرج حتى الآن من مجالها المخيالي الطائفي .
اولاً: وجود مخزون تاريخي ضخم قائم على تمثلات تاريخية ودينية أو يتم اختراعها في حالة عدم وجودها وانغلاق هذه الجماعة على بنى معرفية دوغمائية اضافة الى وجود ايديولوجيات خلافية.
ثانياً: ازمة الهوية التي تعصف بالمجتمعات المتحولة تاريخياً ووقوع المجتمع بين هويتين التباسيتين هوية سياسية لم تتبلور وهوية دينية متكونة ومتبلورة قادرة على اعادة انتاج نظام الفروقات.
حيث اننا نرى انه بعد العام 2003 جرى تسييس الطائفة الشيعية كجماعة مذهبية وتحولها الى جماعات هوية. واقصد هنا الهوية العضوية الما قبل التاريخية، اعتمد هذا التسييس، على الخزين التاريخي للتمثلات الدينية- المذهبية.
اترك تعليقك