مزايا الدولة المدنية

آراء وأفكار 2017/09/11 12:01:00 ص

مزايا الدولة المدنية

تتفق الدراسات المبنية على أسس علمية رصينة في مجال العلوم السياسية، على أن أفضل الدول على صعيد التنمية السياسية والاقتصادية، هي التي تنتهج طريق الديمقراطية والمدنية.
إنسان المستقبل بحاجة إلى مهارات مختلفة عن التي كان يحتاجها آباؤه وأجداده للحياة، فمع التطوّر التقنيّ وأساليب الاتصال والإنترنت، باتت هناك مهارات يجب على الإنسان تعلُّمها من أجل أن يكون ضمن سباق التحضُّر والتقدم والتنافس ومنها استقلال الفكر، المبادأة، التخيُّل والتصوُّر، التحليل المنطقيّ والاستنباط، التفكير الناقد وصولاً إلى التطوير، التفكير الابتكاريّ، المساهمة في إحداث التغيير، صنع القرار وحساب المخاطر، التعليم المستمر، الاتصال والعمل ضمن فريق، وإدارة المعلومات بشكل جيد....إلخ.. كل هذه المهارات لا يمكن أن تبرز وتتم الاستفادة منها إلا في ظل أجواء من الحرية والديمقراطية واحترام الإنسان، حيث تنعكس الممارسة الديمقراطية المدنية على الكثير من المؤسسات والممارسات المجتمعية ومنها على سبيل المثال، الأداء التعليميّ ضمن المؤسسات التربوية والتعليمية، فما هي الدولة المدنية وما مزاياها؟
• الدولة المدنية تتأسس على نظام مدني من العلاقات التي تقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، لذلك فإنها لا تتأسس بخلط الدين بالسياسة، فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذي تقوم عليه، فالدولة المدنية هي دولة مواطنة قائمة على المساواة التامة بين المواطنين في الحقوق والواجبات كافة، فلا دولة مدنية بدون مواطنة، ولا مواطنة بدون دولة مدنية.
• الدولة المدنية تقوم على الديمقراطية ومبادئ المواطنة ومفهوم السيادة الشعبية، أي لا سلطة أعلى من سلطة الشعب، وهي دولة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وليست فقط دولة الحقوق السياسية.
• إن مفهوم المواطنة في الدولة المدنية يقوم على الانتماء الوطني الموحد، وليس على أي انتماء مفرّق كالانتماء الديني أو المذهبي أو العرقي، فالهوية وكل الحقوق والواجبات ذات صبغة وطنية بحتة، أي لا دخل للدين فيها، وهو ما يؤكد أن صيغة المواطنة المنشودة في الدولة المدنية تهدف الى بناء دولة لا دينية تقوم على فصل الدين عن الحياة السياسية أو بتعبير آخر، التمايز الوظيفي مابين الدين والدولة، حيث لا تتدخل التشريعات الدينية في التمييز بين المواطنين، لأنه دين في السياسة ولا سياسة في الدين.
• المواطنة لا تتحقق إلا في نظام سياسي ديمقراطي مدني تعددي يقر حرية العقيدة في اطار دستور مدني مصدره الشعب.
• يكون الشعب المرجعية العليا في الدولة المدنية، أي أن يكون هو مصدر السلطات كافة، التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويعني ذلك تحديداً أن يكون مرجع سلطة انشاء القوانين وتشريعها واقرارها هو الشعب وحده، وأن يكون مرجع سلطة مراقبة منفذي القوانين هو الشعب وحده أيضاً.
• الدولة المدنية تكون السلطة العليا فيها للشعب، والحاكم أجير لدى الشعب، لأنه يُعيّن من اجل تحقيق مصلحة الشعب ورغباته، فالهدف الأساس هو تحقيق رضا الشعب، كما أن الدولة المدنية تقوم على ضمان حرية الاعتقاد والتفكير والتعبير وحق الوصول الى المعلومة وامتلاكها، وهي كذلك دولة قائمة على تحكيم العقل، حيث يمثل الشعب فيها كياناً راشداً لا يحتاج الى وصاية ولا هيمنة من أحد مهما بلغ شأنه.
• إذن في الدولة المدنية الإرادة للشعب، والسبب في هذا أن إرادة الناس هي مصدر كل السلطات ومرجعيتها النهائية، أي أن المرجعية في الدولة المدنية تقوم على ارادة الأفراد، فالفرد هو قاعدة البناء المجتمعي، وهو الأصل في الحياة ومصلحته ومنفعته هي أساس وجود الدولة، ولذلك فالدولة خاضعة لإرادة الشعب.
• إن الدولة المدنية دولة ديمقراطية لا دينية، لأن الديمقراطية قائمة على حق الشعب في تبني نظام الحياة، أي حقه المطلق في تشريع الانظمة التي تحقق له ما يراه من مصالح مادية في الدنيا، ولذلك فلا يمكن أن تقوم الدولة المدنية في ظل دولة عقيدية لا تسمح باللا دينية ولا تقرّ المساواة التامة بين المواطنين، وذلك لأن العقيدة اية عقيدة كانت، لا تؤمن بحق جميع المواطنين على قدم المساواة طالما أن القانون الديني يميّز بين العقائد.
• في ظل الدولة الديمقراطية المدنية تـُحترَم الكفاءة، وتكون للعلماء والكفاءات والمختصين مكانة بارزة، فهم عامل أساس من عوامل نهضة أيّ دولة، لكن في ظل الحكم الدكتاتوريّ يكون الولاء للسلطة هو معيار الكفاءة؛ ويُبعَد العلماء والكفاءات، وفي الدولة المدنية الديمقراطية العلم مُحترَم.
• في الدولة الديمقراطية المدنية لا شرعية سوى الشرعية الدستورية، ولن يكون هناك استيلاء على السلطة، بل تداول سلميّ ديمقراطيّ، وهذا ما يؤدّي إلى تقليل العنف السياسيّ إن لم نقل إلغاءه؛ وسبب هذا يعود الى أن الجميع سيكون لهم حق المساهمة والمشاركة في العمل السياسيّ، مع احترام السقوف القانونية والدستورية، والعنف السياسيّ واحد من أكثر أشكال العمل السياسيّ سوءاً، وهو ما عانى منه العراق لنحو خمسة عقود منذ عام 1958 وحتى عام 2003.
• المبادرة الفردية والعمل التطوعي في الدولة المدنية يقعان على عاتق مؤسسات المجتمع المدني، فالدولة الديمقراطية المدنية يكون فيها المجتمع المدنيّ فاعلاً وحاضراً؛ مما يجعله رقيباً على أداء السلطة ومدى التزامها بالقانون؛ كون مؤسسات المجتمع المدنيّ غير خاضعة للسلطة؛ ومن ثم هي رقيب عليها وليست تابعةً لها، مؤسسات المجتمع المدني هذه تنمّي المبادرة الفردية والعمل التطوّعيّ؛ مما يجعل المجتمع والدولة أكثر تماسكاً.
• القاعدة الشعبية للدولة المدنية تكون واسعة وكبيرة ومتنوعة، ولن يكون الولاء إلا للدولة، حيث تتوارى الازمات المجتمعية، ولن يصبح هناك مجال للولاءات الفرعية، ولن يكون هناك صراع مجتمعي؛ ومن ثم لن يكون المجتمع متهالكاً على السلطة، ومتصدّعاً يشوبه الضعف والانقسام، حيث قوة الدولة ستجعل مفهوم المواطنة أكثر بروزاً ووضوحاً.
من المبادئ التي ترعاها الدولة المدنية مبدأ الحرية الدينية الذي يعني حق المواطن المنضوي تحت لواء الدولة المدنية في اختيار ما شاء من العقائد، والمساواة التامة بين المواطنين في كل جوانب الحياة السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية دون النظر الى الانتماء الديني وما يمكن أن يخلفه من اثر في التمييز بين المواطنين، وربط مرجعية الدولة بإرادة الأفراد ورفض أي مرجعية أخرى وأهمها المرجعية الدينية لتعارض الوصاية الدينية مع حيادية الدولة تجاه العقائد والمذاهب والأفكار والأديان، وتأكيد مبدأ الفصل بين معتقدات الانسان الدينية وعلاقته بالسلطة السياسية، وتنظيم علاقة السلطة المدنية بالسلطة الدينية على اساس التمايز التام بينهما، ويترتب على ذلك استقلال السلطة المدنية عن الكنيسة أو المسجد، واستقلال الكنيسة أو المسجد عن الدولة، وعدم السماح باختلاط السلطتين أو تدخلهما في شؤون بعضهما البعض.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top