TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > إصلاح الدولة العراقية..تسجيل الشركات في العراق.. التحديات والحلول| (8) |

إصلاح الدولة العراقية..تسجيل الشركات في العراق.. التحديات والحلول| (8) |

نشر في: 3 أكتوبر, 2017: 12:01 ص

يُعد موضوع تسجيل الشركات وغلقها أهمّ حلقة في عالم السوق الحرة والتنافس، فلو تخيلنا بأن اقتصاد السوق عبارة عن سيارة فاخرة ومجهّزة بأحدث التقنيات، ستكون مفردة "الجوزة ومفتاحها" هو مثال تسجيل وغلق الشركات، فبدون هذه المفردة البسيطة، لا قيمة لهذه العربة

يُعد موضوع تسجيل الشركات وغلقها أهمّ حلقة في عالم السوق الحرة والتنافس، فلو تخيلنا بأن اقتصاد السوق عبارة عن سيارة فاخرة ومجهّزة بأحدث التقنيات، ستكون مفردة "الجوزة ومفتاحها" هو مثال تسجيل وغلق الشركات، فبدون هذه المفردة البسيطة، لا قيمة لهذه العربة الفاخرة المتطورة. هذا هو حال اقتصاد السوق في العراق، لأن معاملة تسجيل الشركات واغلاقها تعتمد آليات عقيمة لا محل لها من الإعراب في البلدان المتقدمة، وتحتاج الى تغيير جذري و فوري اذا ما أردنا المضي قدماً نحو اقتصاد حر وواعد ومتعدد الواردات.
تواجه آلية تسجيل الشركات الخاصة في العراق سياقات مكلفة مادياً وزمنياً، حيث أن أبسط معاملة تسجيل شركة أو فرع تمثيلي يكلف آلاف الدولارات، وقد يستغرق انجاز المعاملة فترة السنة، تبدأ بسلسلة معاملات ماراثونية مُجهدة تقوم على الفساد وسوء الإدارة و إحالات قطاعية لا معنى لها وتحتاج الى أوراق ثبوتية مكررة والتجوال بين الوزارات والدوائر الحكومية المتعددة. أما إغلاق الشركة، فسياقاتها شبه مستحيلة، وقد تستغرق سنيناً وتكاليف مالية باهظة قد تتجاوز عمر المواطن الافتراضي، لأن ما يسمّى ببدعة براءة الذمة مرتبط بعشرات الدوائر الفاسدة والفاشلة. لعلَّ أكثر ما يُعقد الأمور بخصوص أي حلقة من حلقات الروتين هو آلية استحصال التعهدات ومخاطبات الدوائر المانحة للأوراق الثبوتية لكل مستند مقدم من قبل الشركات بقصد استحصال صحة صدور لهذه الأوراق. الأمر الأهم من ذلك هو أن إجراءات استحصال صحة الصدور من مختلف الدوائر تحتاج الى سبعة أشهر كحد أدنى، فإذا تداخلت مدة السبعة أشهر مع السنة المالية التالية، سيتطلب تقديم مستندات حديثة، لذلك تبقى الشركات تدور بنفس الدولاب دون انجاز أيّ معاملة لا ترضخ الى الرشى بنيّة تسهيل السياقات وتجاوز البيروقراطية.
المتعارف عليه عالمياً في الانظمة الغربية المتقدمة، هو أن تكلفة تسجيل الشركة لا تتجاوز ١٠٠ دولار في مدة تستغرق أقل من ساعة واحدة، تكون عبر الهاتف مع المحاسب المُرّخص أو مباشرة عبر موقع الحكومة الالكترونية لتسجيل الشركات وهذه المعاملة تصل كلفة إنجازها أقل من ٥٠ دولاراً وتحدث آنياً بعد تسجيل الاسم الخاص. أما كلفة ومدة إغلاق الشركة فهي الاخرى بذات الآلية والسياق السلس المعتمد في تسجيلها.
على سبيل المثال لا الحصر، فإن آلية تسجيل الشركات بحسب النظام البريطاني تتم من خلال تأسيس وافتتاح الشركة عبر موقع الدائرة المعنية كنافذة واحدة، وهي دائرة تسجيل الشركات (Companies House) وهو أحد مواقع الحكومة الالكترونية على شبكة الانترنت، أو من خلال محاسب مرخّص يسلم ملف التسجيل من خلاله عبر البريد الالكتروني. أما آلية غلق الشركة، فتتم بتسليم الحسابات الختامية مصدّقة من قبل مكتب محاسبة مرخّص عبر موقع الانترنت الى دائرة الضريبة ودائرة الشركات، في حين أن المعلومات الرئيسة والأوراق الثبوتية تقتصر على الحد الأدنى وهي: عنوان للشركة مدعوماً بفاتورة خدمات عامة كالكهرباء أو الماء أو الغاز أو الهاتف، ونسخة من جواز سفر صاحب الشركة، وعنوان مالك الشركة، واسم أو اسماء أعضاء مجلس الادارة (إن كان للشركة مساهمين) مع نسخة من هوية وعنوان كل فرد مُساهم، والرقم الشخصي لدائرة الضمان (National Insurance Number) لأصحاب الأسهم، علماً أن قيمة اسهم الشركة تبدأ بجنيه استرليني واحد فقط، بالإضافة الى ميثاق تسجيل الشركة والذي يصف مساحة أعمالها بحسب ما يُقره مجلس الادارة.
في ما يلي بعض الحلول المقترحة للحكومة الاتحادية في العراق:
أولاً: تكليف رئاسة مجلس الوزراء لجنة مختصة تتمتع بصلاحيات تنفيذية لمراجعة الآليات المعتمدة ووضع حل للسياقات بسقف زمني لا يتجاوز الثلاثة أشهر. تتكون هذه اللجنة من خبراء في القطاع الخاص من ذوي الخبرة والمعرفة بسياقات ونماذج القطاع الخاص في الدول العالمية المتقدمة.
ثانياً: اعتماد نظام ناجح من انظمة الدول المتقدمة آخذين بعين الاعتبار سرعة التنفيذ في استحداث آلية لفتح واغلاق الشركات المحلية للعراقي الجنسية شريطة أن يضمن صاحب الشركة تسلم نسخة من شهادة تسجيل الشركة خلال مدة لا تتجاوز اليومين، عبر الانترنت وبأقل التكاليف، ليتمكن من فتح حساب مصرفي للشركة والمباشرة في العمل وتفعيل شركته الخاصة.
ثالثاً: اعتماد نظام المناطق الحرة في تسجيل الشركات الاجنبية المشابه للأنظمة الخليجية شرط أن لا تستهلك آلية التسجيل أكثر من اسبوع للعراقي الجنسية أو شهر للوافد لأن هذه العملية تحتاج استحصال موافقات سمة الدخول للأجنبي. تبدأ كلفة تسجيل هذه الشركات من سلم العشرة آلاف دولار صعوداً بحسب مستوى الخدمات التي توفرها المنطقة الحرة ككلفة استخراج وتجديد الفيزة ومساحة المكتب المخصص للشركة واستكمال الأوراق الرسمية وفتح حساب مصرفي. ويمكن الاطلاع على الأمثلة العالمية الكثيرة بخصوص هذا الباب والتسهيلات الضريبية المتوفرة لهذا النمط من الشركات. علماً أن تسهيل تسجيل الشركات في المناطق الحرة سيوفر مورداً مادياً للحكومة من خلال رسوم خدمات التسجيل، بالإضافة الى ما تستثمره هذه الشركات من أموال وتقدمه من خدمات تجارية وصناعية.
رابعاً: يمكن لغير العراقي الجنسية أن يكون شريكاً في شركة عراقية (خارج المنطقة الحرة) شرط أن لا تقل اسهم الشريك العراقي عن ٥١٪ وهذا معمول به في دولة الامارات العربية المتحدة لتشجيع نمو القطاع الخاص المحلي وجذب رؤوس الأموال لتنمية القطاع الوطني الخاص.
خامساً: يقوم مجلس الوزراء بإعداد مشروع قانون ينظم آلية التسجيل بصورة سلسة ودون اسهاب، تاركاً التفاصيل التنفيذية للوائح التنظيمية لتُعِدَها دائرة تسجيل الشركات بعد تشريع القانون وإصداره، شرط أن لا تضاف أيّ سياقات بيروقراطية تعيق عملية التسجيل أو تسهم في تأخيرها. فحوى هذا القانون الجديد قائم على إلغاء جميع القوانين القديمة ذات العلاقة واعتماد النظام الجديد، حيث لا جدوى من إصلاح قوانين عقيمة لا محل لها في الألفية الثالثة.
لقد تأخرت الحكومات السابقة كثيراً في إصلاح هذا الملف المهم، فأسهم هذا التعثر في وأد القطاع الخاص واعتماد الدولة على فاعلية القطاع الحكومي المحدود في تنفيذ المشاريع وتوفير فرص العمل، مما أدى الى استنزاف الموازنات العامة وتفشي الفساد بسبب سوء الإدارة وانعدام الكفاءة. لكنّ الفرصة ما زالت متاحةً أمام حكومة رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي لتفعيل إصلاح اقتصادي ملموس قبل نهاية ولايته والتمهيد لمرحلة جديدة وواعدة.
* أكاديمي وزميل في جامعة كولومبيا، نيويورك

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Ausama Sadik

    الاخ د.لؤي الخطيب.. تحية طيبة اشكر لك ايضاحاتك الجمة في هذا المقال المهني وانا متابع لتغريداتك عبر التويتر وادعوك للمزيد من الافكار الايجابية التخصصية لان العراق بحاجة الى كفاءات حقيقية . شكرا لك ... من زغرب / كرواتيا

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

نتائج اجتماعية سلبية محتملة لمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959

العمودالثامن: لماذا تصمت نقابة المحامين؟

العمودالثامن: المندلاوي وشعار "مشيلي وامشيلك"

العمودالثامن: حين تغضب النقيبة !!

تشريع زواج القاصرات في العراق خيانة لهنَّ

العمودالثامن: عصر المرتشــين

 علي حسين كانت كلمة (مرتشي) حين تقترن بشخص ما فهي كافية لتضعه أسفل سلم التوصيف الأخلاقي في المجتمع، ويذكر البعض منا أن الاختلاس أو سرقة المال العام كان يلقى ردعاً يصل لحد الفصل...
علي حسين

كلاكيت: الكوميديا التي لا تنشغل فقط بالضحك..

 علاء المفرجي على الرغم من أن الفنان الكبير قاسم الملاك، لم يبدأ مسيرته الفنية أواخر الستينيات ممثلاً كوميدياً، بل تنوعت أدواره منذ ذلك الحين بين الكوميديا والأدوار التراجيدية، وغيرها من الأدوار. فكان أن...
علاء المفرجي

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوبفي مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 6)التجربة اليابانيةاليابان، المعروفة بتنظيمها الاجتماعي وثقافتها الغنية، تعد واحدة من اكبر الاقتصادات في العالم. بعد الحرب العالمية الثانية، شهدت اليابان نهضة اقتصادية هائلة، حيث تحولت من بلد مدمر الى قوة اقتصادية...
د. محمد الربيعي

مقالة إخوان الصَّفا: القائل والعاقل

رشيد الخيون تضاعفت الأقوال المسموعة على مدار الساعة، والقلة ممَن يخضعها لعقله، كي يميز الغث مِن السَّمين، وبقدر ما نفعت التكنولوجيا، الفكر النير، خدمت الجهل، لأنها تُدار بيد الإنسان، إذا كانت يد عاقل أو...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram