لا أفرق بين الحُلم والهدف، ليكن معلوماً لبعض النقّاد، خاصة الحُلم الذي له منشأهُ الواقعية، وعلى كل حال، الدولة الكردستانية حُلم الكرد بلا استثناء، وبصرف النظر عن اي اعتبار آخر، ولكن هل الطريق مفروش بالورد؟ لا بطبيعة الحال، أنْ تكون هناك دولة كردستانية، يعني أن تتغير كثير من المعادلات الدولية، وأنْ تتعرض المنطقة الى الكثير من التداعيات والمشاكل، دولة جديدة في المنطقة ماذا يعني، ودولة متجانسة قومياً، ودولة شعبها تاريخٌ عريق وجغرافية متواصلة؟
في تصوري أنّ المطلوب الأول هنا ليس الحُلم بحد ذاته، لأن الحُلم قائم وانتهى الأمر، بل المطلوب رسم خارطة طريق لتحقيق الحُلم أو الهدف، وفي عقيدتي أنّ خارطة الطريق ينبغي أن تقدم السياسي على العسكري، والدبلوماسي على البندقية، لا أقول بانتفاء العسكري هنا ولا بانتفاء البندقية، ولكن هناك أولوية، وهذا منطق عقلاني لا غبار عليه، وتتأكد هذه الأولوية فيما عرفنا بأن تقرير المصير صار مبدأ عالمياً، وهناك غير الكرد أيضاً ينشدون دولة لهم، وربما لغة الحرب والكفاح المسلح يضر أحياناً أكثر مما ينفع، ولا يأخذ طريقه كآلية باتجاه الحُلم / الهدف المذكور إلاّ في نهاية المطاف، وإذا كان كرد هذه الدولة أو تلك آمنوا بالطريق المذكور، فليس من المنطق السياسي تعميمه، ليس خارج (دولتهم المؤقتة) وحسب، بل داخل الدولة فيما لو وجدت اجتهادات أخرى، كأن يكون العمل السياسي، والمشاركة في الحكم، والتعريف العالمي بالقضية، ومن الخطأ الفادح أن يختط فريق أو حزب أو منظمة كردستانية منطق الكفاح المسلح لتحقيق الهدف التأريخي، ثم يعمل على فرضه على الافرقاء الآخرين من الكرد، أن أقل ما يمكن أن يلاحظ على هذا التوجه، إنه يشغل الكرد ببعضهم...هذه نقطة، والثانية، إنّ مما يُخشى هنا أن يتغلب الاديولوجي على الدولة كهدف بحد ذاته، والأنكى من ذلك، أن يشغل هذا التغليب الكرد بعضهم ببعض، ولعل تجربة القوى الفلسطينية ليست بعيدة عن ذاكرتنا، ولحدّ هذه اللحظة، فقد دخل عنصر الايديولوجية في صميم الهدف الجوهري (الدولة)، فتحول إلى آلية صراع مدمر، ذهب ضحيته الكثير من الكرد، وفقدوا الكثير من الطاقات التي كانت بالإمكان أنْ تسهم في تحقيق الحُلم/ الهدف التاريخي، لا معنى أن يدخل فريق كردي بصراع ايديولوجي وسياسي وعسكري مع فريق آخر حول هوية الدولة المأمولة، وفلسفتها السياسية، إن هوية الدولة الكردستانية متأخرة عن تأسيس ذات الدولة، هوية الدولة الكردستانية يحددها ويقررها الشعب، الأمة، الناس، الامر هذا متروك تماما لمقتضيات الهدف المركزي، ولأنه اساسا باطل فيما لو أراد أصحابه فرضه من الآن وإنْ نظرياً، أكثر من هذا، لا ينبغي أن تختط القوى والأحزاب الكردية طريق العمل باتجاه انجاز الهدف الكبير بالاعتماد على مدرسة ايديولوجية تؤمن بها مبدئياً، فإن الفريق الكردي الماركسي فيما لو قرر انتهاج الماركسية اللينينية على طريق تحقيق الهدف الكبير، سوف يرى نفسه مضطراً للدخول في معركة طبقية داخل المجتمع الكردي، وربما يجترح شعار الدولة الكردستانية عبر تحطيم اعداء الطبقة العاملة، وفيما كان فريق كردي متسلح بالايديولوجية الإسلامية ربما يجد في تعاونه مع الآخرين من ماركسيين أو قوميين خطأ ايديولوجياً لا يغتفر، وهكذا فإن أي تحديد مسبق لهوية الدولة المأمولة، واي اجتراح ايديولوجي لطريق الكفاح من أجل هذا الهدف يؤول إلى نتائج مخيفة، تنعكس على وحدة النضال من اجل الهدف الكبير... نقطة أخرى تتواصل مع ما سبق، ألا وهي التحذير من الحرب بالوكالة، فإن توزع الكرد على أكثر بلدان متجاورة (العراق، سوريا، إيران، تركيا) يسهل الطريق إلى مثل هذا المحذور، نتيجة الصراعات شبه المزمنة بين هذه الدول، وبالتالي، استغلال الكرد بشكل وآخر ليكونوا (ماشة نار) عملية ممكنة بل وحصلت للأسف الشديد، إن استغلال النظام السوري ـ على سبيل المثال ـ لكرد سوريا في حربه مع تركيا، والعكس بالعكس، وما شابه هذا النظير هو الحرب بالوكالة، وهي مسمار في نعش القضية الكبرى، أي الدولة الكردستانية، فهي أولاً تصدع وحدة الكرد العالمية، وثانياً تهدر طاقاتهم وإمكاناتهم باتجاه الهدف الكبير، وتجعلهم عرضة للمساومة بين عشية وضحاها، وعليه، لابد من الحذر من هذا المطبّ مهما وعد هذا النظام أو ذاك (كرده) بمنجزات ومكاسب، حتى لو كانت على مستوى الحكم الذاتي.
الحديث في نظائر هذه الملاحظات طويل، ولا يكفيه مقالة أو مقالتان، ولكن واستطراداً أسأل، أين موضع الثقافة في كل هذا المطروح؟
اعتقد من الضروري تثقيف الشعب الكردي قبل قيام دولة كردستان على جملة أمور مهمة، في مقدمتها مبادئ القومية الكردية في نطاق المفهوم الانساني للقومية، وليس من شك إن التربية القومية ذات النكهة الشوفينية مضرة بالقضية الكردية ككل، والنقطة الثانية هنا، هي التربية على مبدا تقرير المصير، إن التثقيف على التراث الكردستاني، وعلى تاريخ كردستان، وما شابه من ضرورات الإعداد للدولة المرتقبة، ولكن في الحال يحتاج الشعب الكردي نظرية قومية معتدلة، متسامحة، متعاونة، فهي الجامع المشترك للكرد دون غيره.
اترك تعليقك