اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > أسعار الأدوية "هّوة" كبيرة تلتهم الفقراء

أسعار الأدوية "هّوة" كبيرة تلتهم الفقراء

نشر في: 3 يناير, 2018: 12:01 ص

بعد أن أتمَّ الطبيب الفحص والمعاينة، توجّه المريض عدي محسن ومرافقه، صوب الصيدلية لشراء الدواء المكتوب في الوصفة الطبية، لكنهما استغربا ارتفاع السعر الذي وصل إلى قرابة 80 ألف دينار بداعي أنه (أصلي) ومستورد، وبما أن الطبيب قد كتب على الوصفة "تُصرف مرة ثانية" حاول أن يبدل ماركة الدواء، لكن الصيدلي أخبره بأن البديل غير متوفر والصيدلية لاتتعامل به. اقتنع المريض واشترى الدواء، وبعد أسبوع، عليه تكرار الوصفة، ففكّر أن يسأل إحدى الصيدليات القريبة من مسكنه، بعد دقائق جاءه الصيدلي بالدواء ذاته، حسبما طلب، وحين استفسر عن السعر وهو يروم تسليم الصيدلي الـ(80) ألفاً التي دفعها في المرة الأولى، أخبره أن سعره 45 ألف دينار وهناك البديل بسعر أقل.. علماً أن المسافة بين شارع سلمان فائق الذي تقع فيه عيادة الطبيب والصيدلية الأولى وسكن المريض في بغداد الجديدة، ليست بهذا البعد بين السعرين.

 

قرار التثبيت وآليات تنفيذه
بعد طول انتظار وترقّب لكثرة المناشدات، أعلنت وزيرة الصحة، عن إطلاق تسعيرة الأدوية في القطاع الخاص داخل عموم البلاد، لأول مرة منذ 14 عاماً، بما يضمن حصول المواطن على أدوية من مناشئ عالمية، وخاضعة للفحوصات الطبية، وبأسعار مناسبة. مبينة في بيان صحفي، أن البرنامج الجديد الذي أطلق اليوم، سينهي ظاهرة التلاعب بالأدوية، إذ سيتم التحقق من مصادر الأدوية، وتثبيت الأسعار على جميع الأصناف وسيتم القضاء على ظاهرة ابتزاز المواطنين. موضحة أن دائرة التفتيش المختصة في بغداد والمحافظات، تراقب آليات التطبيق، وستتخذ جميع الإجراءات القانونية بحق المخالفين.
الى ذلك كشف مصدر صحي، عن اكتمال مشروع التسعيرة الموحّدة للأدوية، ودخوله حيز التنفيذ بعد استكمال الإجراءات الفنية والإدارية. وإن النقابة ووزارة الصحة استكملتا المراحل النهائية الخاصة بمشروع التسعيرة الرسمية الموحّدة للأدوية والعلاجات في القطاع الخاص، وتسعير ما يقارب الـ ٢٠٪ من الأدوية. مبيناً: أن النقابة أبرمت عقداً مع إحدى الشركات التركية لتصنيع اللواصق الخاصة بالتسعيرة، والتي تحتوي على عدّة مراحل لحمايتها من التزوير.
الصيدلي إيهاب قاسم بيّن لـ(المدى) أن أسعار الأدوية ستكون مناسبة للمواطن مقارنة بالأسعار الحالية حسبما أعلن من قبل اللجنة المشتركة بين وزارة الصحة ونقابة الصيادلة، التي بيّنت أن سعر الدواء سيكون بالدينار العراقي كي لايتأثر بتذبذب أسعار صرف السوق بالدولار. موضحاً: أن نسبة الأرباح في التسعيرة الجديدة مرضية بالنسبة لنا. مستدركاً: لكن من يلزم أصحاب المكاتب العلمية والمذاخر، الالتزام بالتسعيرة ومن يمكنه أن يلزمهم بهامش ربح لايضر بالمواطن الذي يكون الصيدلي وسيلتها بالحصول على الدواء.

خطوة مباركة تحتاج لعناصر نزيهة
تفاوت أسعار الأدوية في الصيدليات، يعود إلى المكاتب العلمية المرخّصة لتوريد الأدوية من الشركات العالمية حسبما بيّن مصدر طبي، وأن تلك المكاتب تحمل نسبة ما يقارب الـ ٦٠٪ على السعر الحقيقي، فضلاً عن قيام المذاخر بوضع نسبة أخرى، وهكذا في الصيدليات، إلى أن تصل إلى المواطن.
الصيدلاني مرتضى حسين ذكر لـ(المدى): إنّ السبب الرئيس لارتفاع وتباين أسعار الأدوية غياب التسعيرة الرسمية ومتابعة الجهات المعنية. مردفاً: كما أن الصيدلاني لا يشتري من المذاخر بسعر موحّد، فلكل مذخر سياسة تحديد الأسعار تتبع نوع الدواء المستورد وجهة صناعته. عازياً ذلك الى تعدد مناشئ الاستيراد من قبل أصحاب المكاتب العلمية.
ويشدّد حسين، على ضرورة حصر استيراد الأدوية بإشراف الجهات الحكومية المختصة ومن مناشئ عالمية معروفة ورصينة، وأن تاخذ بالحسبان الإنتاج الوطني والصناعة الدوائية، لافتاً الى أن دخول التجار والطارئين مهنة الصيدلة واستيراد الأدوية، أضرّ بهما كثيراً واعطى تصوراً سيئاً عن الصيادلة. مشيراً الى إدارة بعض الصيدليات من اشخاص لاعلاقة لهم بالمهنة، الأمر الذي تسبّب بوجود فوضى في بيع الأدوية وتضارب أسعارها بين صيدلية وأخرى.
وعن مدى إمكانية وزارة الصحة بتحقيق خطتها في تثبيت أسعار الأدوية، أوضح الحقوقي جواد الكريم، ليس من الصعب تطبيقها لو أصرت الجهات المعنية على ذلك والمتمثلة بنقابة الصيادلة، مؤكداً على ضرورة وجود فرق جوّالة لمتابعة ومراقبة عمل الصيدليات والمذاخر ومدى التزامها بالتسعيرة الجديدة مع منحها صلاحيات فرض الغرامات والغلق وفق قانون نقابة الصيادلة.
وذكر الكريم أيضا،ً أن التسعيرة ستقلّل من سعر العلاج، لأن المكاتب المستوردة هي من تضع الأسعار حالياً بعد استيرادها من المنشأ الذي ترغب به. متابعاً: كما أنّها ستمنع دخول المغشوش من الأدوية لأنّ تثبيتها سيتم، خاصة إذا تمّ عبر مراكز التفتيش وتحت سيطرة جهاز التقييس والسيطرة النوعية.
المراقب القانوني فاهم التميمي بيّن لـ(المدى) أن مثل هكذا خطوة، تحتاج الى جهود كبيرة ومتابعة وفرض عقوبات رادعة، وأن لاتقتصر على قانون نقابة الصيادلة فحسب. عازياً ذلك الى الوضع المعيشي الذي تمر بها شرائح عديدة من المجتمع العراقي وارتفاع نسبة الفقر في البلاد. موضحاً: أن الجهات المسؤولة عن قطاع الأدوية إن كانت المستوردة أو الناقلة أو البائعة قد حققت في السنوات السابقة أرباحاً كبيرة نتيجة انعدام الرقابة وعدم تطبيق القانون.

ستيكر خاص يصعب تزويره
سبق وأن كشفت نقابة الصيادلة، عن أن نحو 60% من الأدوية الموجودة، غير مجازة من قبل النقابة، فيما أكدت عملها على مشروع لتثبيت أسعار الأدوية بالتعاون مع وزارة الصحة. وقال نقيب الصيادلة مرتضى الشريفي، في تصريح صحفي، إن ما موجود من أدوية في الصيدليات والمذاخر وبكميات كبيرة، هو حملٌ ومسؤولية كبيرة على نقابة الصيادلة، مستدركاً أن "نحو ٦٠٪‏ من الأدوية الموجودة هي غير مجازة من قبل النقابة وهذه أيضاً مشكلة".
ولفت الشريفي الى أن النقابة وبالتعاون مع وزارة الصحة تعمل على مشروع لتثبيت أسعار الأدوية، مبيناً أن، أليات تسعيرة الأدوية أقرّت من قبل وزارة الصحة، وقد أكملت النقابة تجهيز الملصق الخاص بالتسعيرة. مشيراً إلى أن بعض شركات استيراد الأدوية اعترضت على تسعيرة الأدوية، خاصة وأن التسعيرة الجديدة ستكون خاضعة لرقابة النقابة والوزارة وبشكل دقيق ويومي.
في بداية العام الماضي توقع الشريفي، أن تكون كل الأدوية تحمل ختم نقابة الصيادلة الذي يحمل صفة أمنية عالية منعاً للغش الدوائي حسب قوله٬ وسيحتوي الستيكر 125 حرفاً انكليزياً ولا يمكن تزويره. مبيناً: أن المشروع سيكون على مراحل تبدأ بالأدوية الحديثة٬ وخلال 6 أشهر الى سنة ستصفّى الأدوية في المذاخر والصيدليات.
وبشأن ضمانات تطبيق التسعيرة٬ قال الشريفي، إن المكتب العلمي يقدم طلباً حسب إجازة الاستيراد من وزارة التجارة وبموافقة وزارة الصحة٬ ويتم خزن الأدوية بمخزن قانوني وبعد فحص الأدوية يتم الكشف عليها وتعطى ستيكرات على عدد الأدوية ونوعيتها. لافتاً: إلى أن نسبة الأرباح في التسعيرة الجديدة هي حسب سعر الدواء (من 1 - 5 دولارات) أي بنسبة 36 % من الأسعار٬ بمعنى ألف من الأدوية المُباعة يربح الصيدلي الثلث.
وينوّه الشريفي، الى أن الصيدلي ليس تاجراً٬ وفي كثير من الأحيان يعطي استشارات مجانية للمواطنين٬ ولكن المواطن يستكثر علية نسبه الربح٬ مضيفاً: حالياً الصيدلي لا يربح أكثر من 20 % بينما الشركات الدوائية هي من تجني الأرباح الكبيرة. وأكد نقيب الصيادلة بالقول، سيكون هناك برنامج مبيعات موحّد لكل الصيدليات٬ وسيُحال الصيدلي الذي لا يطبّق هذا القانون على لجنة انضباط.

الحدّ من دخول الأدوية المقلّدة
من جهته دعا النائب رعد الماس، وزارة الصحة إلى الإسراع بتحديد أسعار الكشف الطبي في العيادات الخارجية للأطباء، مبيناً أن هناك شرائح واسعة تعاني من ارتفاع الأسعار "بشكل لا يُطاق. مبيناً: أن لجنة الصحة النيابيّة اتفقت خلال استضافة وزيرة الصحة قبل أشهر، على برنامج عمل شامل في البلاد يتألف من جزئين، الأول تحديد أسعار الأدوية في الصيدليات والمذاخر، والثاني تحديد أسعار الكشف الطبي في العيادات الخارجية للأطباء.
وأضاف الماس، أن الجزء الأول ولد أخيراً وأصبح حقيقة على الأرض، وتم إعلان تطبيقه من قبل وزارة الصحة، وهو خطوة مهمة بالاتجاه الصحيح، داعياً وزارة الصحة إلى الإسراع بتطبيق الجزء الثاني من الاتفاق الصحي الشامل والمتمثل بتحديد أسعار الكشف الطبي في العيادات الخارجية للأطباء، لأن هناك شرائح واسعة تعاني من ارتفاع الأسعار بشكل لا يطاق خاصة الفقراء والبسطاء.
وكانت وزيرة الصحة عديلة حمود أعلنت، (22 تشرين الثاني 2017)، إطلاق التسعيرة الجديدة للأدوية، مبينة أن الأسعار ستثبّت على جميع الأدوية. وبيّنت الحمود في تصريح صحفي، نواصل هذا المشروع رغم التحديات، فتهريب الأدوية ليس بالأمر السهل، وهذه الخطوة التي اتخذناها في الوزارة، نأمل أن نعمل جاهدين من أجل إنجاح هذا المشروع، بالشكل الذي يرضي المواطن العراقي، ونعمل على الوقوف بوجه كل من يريد تعطيل هذه العملية. وبشأن المحاولات من هذا القبيل لتعطيل المشروع، أوضحت حمود: حتى هذه اللحظة المشروع ماضٍ والعمل جارٍ لتلافي بعض الإشكالات التي تحصل، كون هناك غرفة عمليات مشكّلة برئاسة الوكيل الفني ونقابة الصيادلة، بهذا الصدد، فلقد حددنا وقتاً مدته ستة أشهر للتطبيق، ونعمل على مواجهة أي تحديات وإيجاد الحلول السريعة لأيّ محاولات عرقلة. وذكرت أن مشروع تسعيرة الأدوية هو للحد من دخول أي أدوية مقّلدة أو غير مفحوصة أو مهربة والسيطرة على هذا الموضوع، لأن العملية تشتمل على سلسلة إجراءات، ليجد المواطن في الصيدلية ملصقاً على الدواء يوضّح الجهة المستوردة وتاريخ الفحص والنفاذ والصلاحية.

كبح جماح الاستيراد التجاري
وبشأن أهم الإجراءات الكفيلة بإخضاع سوق الأدوية العراقي للرقابة الحكومية ذكر المختص بالشأن الدوائي فريد موسى لـ(المدى) ثمّة اكثر من مشكلة بهذا الشأن، لكنها حتماً ليست مستعصية على الحكومة لو أرادت تنفيذها. مؤكداً على أهمية الاستيراد من جهات معروفة ومعتمدة عالمياً، وفرض رقابة مشدّدة على هذا المجال وحصره بيد ذوي الاختصاص بمنح إجازات الترخيص أو التوكيل.
وشدّد موسى، على ضرورة الإسراع بتفعيل حملة وزارة الصحة وبالتعاون مع نقابة الصيادلة لتثبيت أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية في العراق التي تعيش في فوضى كبيرة نتيجة فتح الاستيراد (التجاري). موضحاً: أن بقاء سوق الأدوية بهذه الفوضى دون أي رقابة حكومية سيزيد من مآسي الفقراء الذين سقطوا في هواة ارتفاع الأسعار وجشع عدد كبير من المستوردين الطارئين على الشأن الصحي. مسترسلاً: كما لابد من وضع آليات اخرى كفيلة باستمرار التسعيرة ودعم قطاع الدواء من خلال دعم الانتاج الدوائي في البلاد، وتشجيع المعامل إن كانت الحكومية أو معامل القطاع الخاص التي تحتاج هي الأخرى إلى فرض رقابة مشددة.
بقيت أماني المواطنين تتسابق في تحديد وتثبيت أسعار الأدوية الموظف الحكومي. عدنان مظهر، بيّن لـ(المدى) أن أهم مشكلة تواجه المواطن بعد فقدان خدمات المستشفيات الحكومية هي مشكلة ارتفاع اسعار الادوية وتضاربها من صيدلية الى أخرى. داعياً وزارة الصحة ونقابة الصيادلة الى ايجاد الحلول لتخليص المواطن من جشع البعض ممن يتاجرون بصحة الناس حسب وصفه.
فيما دعا المواطن بيرق يوسف، الى اهمية وجود فرق متابعة خاصة في المراكز التجارية (الدوائية) خاصة الصيدليات الكبيرة في تلك المراكز. مشيراً الى وجود اعداد كبيرة من الصيدليات الوهمية في المناطق السكنية الشعبية التي يبدو أنها غير خاضعة لجولات فرق تفتيش وزارة الصحة ونقابة الصيادلة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملاحق المدى

مقالات ذات صلة

12-09-2023

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي

تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي.

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram