يرفض كرم، وهو اسم مستعار لطفل إيزيدي كان ضمن "أشبال الخلافة" في الموصل، الالتحاق بمدرسة أو اللعب مع أقرانه، ويفضّل عوضاً عن ذلك، حمل السلاح وحزّ رقاب القوات الأمنية، وهو أمر تدرب عليه في معسكرات التنظيم.
ومنذ بروز داعش في العراق في حزيران 2014، اظهر التنظيم وبشكل بارز الأطفال في دعاياته. ففي الفترة ما بين 2015- 2016 وهي ذورة تجنيد الأطفال- ظهروا في 254 مناسبة ودعاية للتنظيم.
ولا يمثل الأطفال قيمة دعائية لداعش فقط، بل إنهم أشخاص متشدّدون أيضاً، يمتلكون القدرة على القتل والتحول الى انتحاريين. وكانت المعسكرات في مدن العراق المحتلة من التنظيم، تعلّم الأطفال ما بين سن 6- 16 عاماً حمل السلاح وتنفيذ الإعدامات.
معظم الأطفال في تلك المعسكرات ــ التي تقدّر أعدادهم بالآلاف ــ من الأيتام أو المخطوفين أو من قيادات الصفين الأول والثاني في تنظيم داعش، وكان الى جانب تعليمهم القتال، يتعلمون كيف يطيعون الأوامر.
وكحال أغلب المسلحين في العراق، فقد ذاب الأطفال بعد عمليات التحرير بين النازحين وداخل بعض المدن، فيما قتل وهرب آخرون الى سوريا أو دول أخرى.
ويحذّر مسؤولون من خطورة اهمال تلك الشريحة، بخاصة الأطفال الذين فقدوا ذويهم في المعارك وعزلوا في مخيمات خاصة، من التحول الى أعداء للدولة والقوات الأمنية.
وتنشغل الحكومة في قضايا كثيرة أبرزها بسط الأمن في المدن المحررة، وقد يكون دمج هؤلاء الأطفال في حملات تثقيفية لإزالة الأفكار المتطرفة في أسفل قائمة الانشغالات، وهو أمر تقوم به الأمم المتحدة بدلاً من الحكومة، لكن على نطاق ضيّق.
كيف جنّد التنظيم الأطفال؟
بعد أشهر من احتلال داعش الموصل، كانت سيارة باص نوع (كوستر) تأتي يومياً لنقل الأطفال من القيارة الى الشورة، جنوبي المدينة، حيث يقع هناك أحد مراكز التدريب المخصّصة للصغار.
ويقول مسؤول في الموصل طلب عدم نشر اسمه في تصريح لـ(المدى): إنه "في اغلب مدن نينوى، كانت هناك معسكرات شبيهة بالشورة، حيث يتلقى الأطفال تدريبات على القتال ودروس دينية".
وتبدأ عمليات تجنيد الأطفال من عمر 6 سنوات أو أحياناً اقل من ذلك، حيث ينخرط الصغار في دورات لمدة 4 أشهر، يتعلمون فيها كيف يصلّون ويدافعون عن أنفسهم ويتلقون دروساً في الطاعة. كذلك الفتيات الصغيرات يتعلمن شيئاً عن حمل السلاح ودروس الدين.
وبحسب المسؤول، فإن التنظيم كان يجبر الفتيان الأكبر الذين تتراوح أعمارهم بين 9 - 12 عاماً، على مشاهدة عمليات التدريب على القتل والذبح في دورات تأخذ أوقاتاً أطول داخل المعسكرات، فيما الأطفال من 12 - 16 عاماً، يتلقون تدريبات في خوض المعارك وتنفيذ الاعدامات وارتداء الأحزمة الناسفة.
وأصدر التنظيم في عام 2015، ثلاثة أفلام قصيرة لأطفال تتراوح اعمارهم بين 10 سنوات و15 سنة وهم يتدربون، ويظهر أحد الأفلام الأطفال وهم يقومون بأعمال اجرامية فظيعة تحت إشراف اعضاء من التنظيم.
ويصوّر أحد المقاطع الفتيان في تمرين بالذخيرة الحيّة داخل أحد البيوت، وهو تمرين حول كيفية التسلل الى مبنى سكني والسيطرة عليه. كما يتعلم الأطفال كيفية الدخول الى العقار قبل الانتقال من غرفة الى غرفة، ويتعلمون أيضاً كيفية إخضاع الساكنين لاستخدامهم كرهائن محتملين، كذلك يتم تدريب الأطفال على القنص، ويدرسون كيفية نصب الكمائن لسيارات متحركة.
وكان التنظيم قد نشر أيضاً في ذلك العام شريطاً مدّته 22 دقيقة عن مذبحة سبايكر في تكريت، كان فيه اطفال قد شاركوا أيضاً في تنفيذ الاعدامات.
فئات المتدربين
ينقسم الفتيان في داخل تلك المعسكرات الى عدّة فئات، فبعضهم ولدوا لمقاتلين أجانب أو عرب (غالبيتهم من التونسيين أو اليمنيين)، أو أولئك الذين ولدوا لمقاتلين محليين – وهم يمثلون العدد الأكبر من الأطفال.
بالاضافة الى ذلك هناك، اطفال يتامي أخذوا من دور الأيتام التي يسيطر عليها التنظيم. ويضمّ المعسكر بعض أطفال الايزيديين، وآخرون أخذوا قسراً من آبائهم، فيما انضم بعضهم بشكل طوعي وهم فئة قليلة.
وكان التنظيم حين فرض سيطرته على سنجار شمال الموصل في آب 2014، التي يسكنها غالبية من الايزيديين، أخذ كل الأطفال الذين تزيد اعمارهم على الـ6 سنوات الى معسكرات "الأشبال".
ويقول صائب خدرـ وهو سياسي وناشط أيزيدي لـ(المدى) إن "داعش قتل الرجال الايزيديين وأخذ النساء سبايا، فيما سمح للأطفال دون الـ6 أعوام بالبقاء مع امهاتهم".
وأجبر الأطفال الايزيديون على ترك معتقداتهم والدخول في الدين الإسلامي. ويوضح خدر، أنه "بعد عمليات التحرير وجدنا بعض الأطفال الأسرى لدى التنظيم وقد نسوا لغتهم الأصلية وبدأوا يتحدثون العربية".
وعثر اثناء وبعد عمليات التحرير في نينوى على 2000 طفل ايزيدي يتيم، ويُعتقد أن اغلبهم كانوا ضمن معسكرات التنظيم، فيما يُعتقد أن هناك معسكراً في سوريا ما زال فيه أطفال أيزيديون.
وروى مراهق أيزيدي في 2015 كان قد ظهر قسراً في فيديو دعائي لـ "داعش"، كيف أجبره عناصر داعش على الصلاة تحت تهديد "الكلاشنكوف". وكشف المراهق الذي نقل من سنجار الى أحد معسكرات التنظيم بالرقة السورية، لصحيفة بريطانية، بعدما استطاع الهرب من المعسكر، بأنه تلقّى تدريبات على كيفية قطع رؤوس "الكفار".
الى ذلك يقول المسؤول في الموصل، إن عمليات انضمام الأطفال الى تلك المعسكرات، خاصة للذين آبائهم من العراقيين، واجهت معارضة من بعض الأمهات أسفرت عن طلاق عدد من النساء. ويضيف قائلاً: "الكثير من نساء المقاتلين المحليين من داعش يتقبلن فكرة مبايعة التنظيم أو اعتناق زوجها لأفكار متطرفة، لكن كن يرفضن ذهاب أطفالهن الى المعسكرات".
وفي ربيع 2015 اصدر المكتب الإعلامي في "ولاية الفرات" (البوكمال السورية، والقائم العراقية) التابعة لداعش إصداراً جديداً بعنوان "حصاد الجواسيس"، أظهر فيه قيام طفل بإعدام ما أعتبره "جاسوساً" عراقياً لصالح الجيش رمياً بالرصاص.
كيف شارك الأطفال بجرائم التنظيم؟
ويعتقد المسؤول في الموصل، أن الأطفال كانوا مشروع داعش للسنوات المقبلة، ولم يشتركوا بأعمال ارهابية فعلية، على الرغم من انهم ظهروا في بعض المقاطع الدعائية يقتلون ويذبحون.
ويقول المسؤول الذي كانت ترده تقارير يومية عن الوضع في الموصل في فترة التنظيم: "ما فعله داعش كان يشبه خطط حزب البعث، الذي شكّل (أشبال صدام) وهم من الأطفال ضمن منظمة (فدائيي صدام). وأشار الى أن قيادات التنظيم كانت من البعثيين "وربما هم من أشاروا الى تلك الفكرة".
ويؤكد مراقبون، أن هناك 23 شخصاً من ضباط نظام صدام، يديرون 3 من أهم الحقائب في تنظيم داعش، ألا وهي الأمن والجيش والمالية.
كذلك قال وزير المالية السابق هوشيار زيباري في وقت سابق، إن "البعثيين السابقين الذين يعملون مع داعش يقدمون للتنظيم إرشادات قيّمة، في ما يتعلق بالمتفجرات والستراتيجية والتخطيط".
لكن النائب حنين قدو، عضو لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، يقول لـ(المدى) إن "الأطفال شاركوا في بعض العمليات المحدودة التي نفّذت بأحزمة ناسفة، خاصة اثناء عمليات اقتحام الموصل وكركوك".
وفي آب 2016، نجحت شرطة كركوك في اعتقال صبي في سن الـ12، قيل إنه كان يرتدي حزاماً ناسفاً، وكان متوجهاً إلى إحدى حسينيات الشيعة لتفجير نفسه هناك.
وقد أظهر رجال الشرطة وهم يمسكون بالصبي، الذي كان يرتدي قميصاً لنادي برشلونة وتحديداً لاعبها المفضّل ميسي، وبعدما نزعوا قميصه، وجدوا حزاماً ناسفاً كان يستعد لتفجيره، ثم قاموا بإبعاد الصبي وقاموا بتفجير الحزام الناسف في مكان بعيد.
وفي العام نفسه، ابلغت إمرأة في ديالى، الشرطة بأن ابنها محمد سمير خضير، البالغ من العمر 15 عاماً ينوي تفجير نفسه. ولم يعثر على الطفل حتى وقت تفجير نفسه في مقهى يعجّ بالزبائن في وسط بعقوبة.
وقبل 3 أشهر من تحرير الحويجة في تشرين الأول 2017، وقع انفجار في موقع لتدريب أشبال الخلافة، وتسبب بمقتل ١٤ من المتدربين الذين تتراوح اعمارهم بين 7 و16 عاماً.
كذلك لجأ تنظيم داعش في غرب الأنبار، الى إجبار الأطفال في مدينة القائم على حمل السلاح، لسد النقص الحاصل في صفوفه.
وقال قطري العبيدي، القيادي في حشد الغربية لـ(المدى) إنه "قبل تحرير القائم بعدة أيام، أجبر الأطفال على حمل السلاح وتهديد ذويهم بالقتل".
ولم يعرف بعد تحرير القضاء في تشرين الثاني، مصير هؤلاء الاطفال. وكان انتشار هؤلاء الصغار قد تسبّب بتعطيل العمليات العسكرية لبعض الوقت.
الأشبال بعد التحرير
يعتقد حنين قدو، عضو لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، أن الاطفال انتشروا في المخيمات مع العوائل النازحة، بينما آخرون اختفوا في المدن. وأشار أيضاً الى أن "بعض الاطفال هربوا الى سوريا أو دول أخرى، والبعض الآخر قتل في عمليات التحرير".
وكانت تقارير امنية ذكرت في بدايات الهجوم على الموصل في تشرين الأول 2016، انه عثر على "أكثر من 300 مقاتل طفل من أشبال الخلافة ضمن مجموعة من جثث مسلحي داعش".
وتعتقل الحكومة العراقية نحو 1500 عائلة من جنسيات أجنبية (روسية، اوزبكية وأخرى من دولة الاتحاد السوفيتي السابقة)، فيما قالت وزارة الخارجية الخميس الماضي، إن بغداد سلّمت روسيا أربع نساء و27 طفلاً يشتبه بأن لهم صلات بتنظيم داعش.
وقال ناطق باسم الوزارة للصحافيين إن "السلطات حقّقت مع النساء والأطفال وخلصت إلى أنهم لم يشاركوا في عمليات إرهابية ضد المدنيين والقوات الأمنية".
ووفق تقرير نشرته شركة الاستشارات الأميركية (Soufan) في تشرين الأول الماضي، فإن 3417 مقاتلاً روسياً انضموا لتنظيم داعش، وهي تتصدر بذلك قائمة الدول التي انحدر منها أعلى عدد من المقاتلين الأجانب الذين ذهبوا للقتال في سوريا والعراق وانضموا إلى التنظيم.
وأكد نواب عراقيون مؤخراً، أن الحكومة نقلت نحو 300 من عوائل داعش من الأجانب من أصل نحو ألفين، من معتقل ببلدة تلكيف الى معسكر التاجي في بغداد.
وقالت عضو لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، النائبة فيان دخيل في تصريحات صحافية، إنها لا تستبعد وجود مئات الأطفال العراقيين بمعية نساء داعش، سواء كانوا من آباء عراقيين أو من تم خطفهم من عوائلهم أثناء اجتياح داعش.
ونقل قبل 5 أشهر الى العاصمة الشيشانية، غروزني، الوجبة الثانية من عوائل تنظيم داعش. حيث كشفت مصادر حكومية روسية وقتذاك، عن وجود قنوات حوار لإرجاع عوائل التنظيم الذين ما زالوا عالقين في العراق وسوريا.
وكان قبل ذلك قد وصلت وجبة من نساء وأطفال مقاتلين في تنظيم داعش، الى العاصمة الشيشانية، فيما لم يكشف عن أعدادهم.
ويقود الرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، حملة لإعادة أبناء عناصر داعش الذين غادروا روسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة للالتحاق بالمجموعات المتطرفة في سوريا والعراق.
بالمقابل يعيش نحو 50 ألف نازح في مخيمات معزولة في جنوب الموصل، وهم من ذوي وأقارب داعش. ويقول المسؤول في الموصل: إن "هناك أطفالاً كثيرين بينهم. اغلبهم يتسولون بين الأحياء السكنية".
ويفتقد سكان تلك المراكز للاهتمام، كما لم ينخرط الأطفال في دورات خاصة لمكافحة الفكر المتطرف. ويحذر المسؤول من أن "هؤلاء الاطفال سيتحولون الى متطرفين في المستقبل خاصة الذين قتل ذووهم في المعارك".
ونشر جندي عراقي في غرب الموصل قبل أيام، فيديواً وهو يتحدث مع طفل لم يبلغ العاشرة من عمره، قتل والده وشقيقه في عمليات التحرير هناك.
ويقول الفتى بحسب المقطع الذي مدّته نحو 3 دقائق، أنه "يكره الجيش ويريد تفجير نفسه ضدهم (الجنود) لأنه قتلوا أهله". كما يرفض قبول طلب الجندي الذي قام بالحديث معه بأن يشتري له ملابس وألعاباً، ثم بدأ بالبكاء لأنه سمع بأن زعيم التنظيم "أبو بكر البغدادي" قد قُتل.
وحال هذا الطفل كحال الفتى "كرم" الذي عثرت عليه القوات الأمنية في الموصل وحيداً بين ركام المنازل في الموصل بعد عمليات التحرير.
ويرفض كرم وغيره من الأطفال الذين كانوا أسرى لدى داعش، أن يستعيد حياته الاعتيادية، لتعرضه لسنوات الى عمليات غسل للدماغ في مدارس التنظيم.
فيما يقول حنين قدو، إن "الحكومة غير مهتمة لتعليم هؤلاء الأطفال، والأمم المتحدة تقوم بذلك الدور الآن لكن على نطاق ضيق ."
من جهته يقول السياسي الأيزيدي صائب خدر، إن الايتام الأيزيديين الذين عثروا عليهم "توزّعوا بين الأقارب وفي بيوت صغيرة تشبه دور الأيتام في شيخان، شمال شرق الموصل".