بغداد/ المدى
بعد نقاشات حامية لشهور أقرّ البرلمان موازنة 2018 على وفق مبدأ الأغلبية لا التوافق السياسي للمرة الأولى منذ عام 2003، حدث ذلك بعد تحالف النواب الشيعة والسنّة وتخفيض حصة الكرد.
وأقر البرلمان العراقي قبل 10 أيام الموازنة العامة للعام الجاري متأخرا بثلاثة أشهر عن موعدها القانوني ، إذ يلزم قانون الإدارة المالية مجلس الوزراء بتقديم مشروع الموازنة إلى البرلمان في موعد أقصاه 11 تشرين الثاني من كل عام، ولكنّ الحكومة فشلت في هذا الاختبار بسبب الخلافات بين الأحزاب والأزمة المالية العميقة التي تضرب البلاد.
وتعتمد الموازنة على 90% من واردات النفط، وبلغت قيمتها (88) مليار دولار على أساس معدل سعر (46) دولاراً للبرميل الواحد بمعدل تصدير نحو ثلاثة ملايين و(800) ألف برميل يومياً، ولكنّ الموازنة تعاني من عجز مالي بقيمة عشرة مليارات دولار، وفقاً للقانون الذي أقره البرلمان.
وأصبح إقليم كردستان الخاسر الأكبر من هذه الموازنة بعد إقرارها بالأغلبية داخل البرلمان بعد انسحاب النواب الكرد من جلسة التصويت احتجاجاً على تخفيض حصة الإقليم من 17% الى 12.6%.
حتى الأسبوع الاخير الذي سبق إقرار الموازنة كان النواب السنّة ونواب المحافظات الشيعية المنتجة للنفط جنوب البلاد في صفّ الكرد برفض الموازنة، ولكنّ الحكومة نجحت في إرضائهم عبر الموافقة على بعض مطالبهم مقابل الموافقة على تمرير الموازنة.
وقال النائب عن الموصل أحمد الجبوري لـ(نقاش): لقد "تمكنا من إقناع الحكومة بالموافقة على صرف المرتبات المدخرة لموظفي المناطق المحررة، وأيضا منحهم قروضاً لمساعدتهم في بناء منازلهم المدمرة، وإعادة المفصولين من الخدمة من منتسبي الجيش والشرطة، وتعويض سكان هذه المحافظات وظائف حكومية للأعوام الثلاثة السابقة التي لم تشملهم بسبب سيطرة الإرهابيين"، بينما ذهبت حصص هذه المحافظات من الوظائف الى المحافظات الجنوبية.
أمّا بخصوص إعمار هذه المحافظات نصت المادة (43) من الموازنة على "منح مبلغ إضافي قيمته (355) مليون دولار الى تخصيصات المحافظات والمناطق التي خضعت لسيطرة داعش لغرض دعم إعادة الاستقرار وإعمار البنى التحتية وتوزع كالآتي: نينوى (152 مليون دولار)، صلاح الدين (84) مليون دولار، الأنبار (84) مليون دولار، كركوك (17) مليون دولار، ديالى (17 مليون دولار).
وفقاً لقانون صلاحيات مجالس المحافظات للعام 2013، تُمنح المحافظات المنتجة للنفط وغالبيتها من جنوب البلاد نسبة (5%) من إيرادات كل برميل نفط من النفط الخام، و(5%) أخرى لكل برميل نفط مكرر في مصافي المحافظات، و(5%) من إيرادات الغاز الطبيعي المنتج في كل محافظة، ولكنّ الحكومة لم تطبّق هذا القرار منذ سنوات بسبب الأزمة المالية وحاجتها الى المزيد من الأموال، ولكنّ النواب الشيعة أجبروا الحكومة هذه المرة على الخضوع للقانون.
وتوصلت الحكومة إلى تسوية حول مطالب المحافظات الشيعية المنتجة للنفط والغاز، ونصت المادة (2) من الفصل الثاني من قانون الموازنة على أن "تمنح نسبة (5%) من إيرادات النفط الخام المنتج في المحافظـة و(5%) مــــن إيرادات النفط الخام المكرر فــي مصافي المحافظة و(5 %) من إيرادات الغاز الطبيعي المنتج في المحافظة، ولكن على المحافظة إحدى هذه الإيرادات وليس جميعها".
وعلى سبيل المثال البصرة تنتج النفط وفيها مصافٍ لتكريره وأيضا فيها إنتاج للغاز، ويجب أن تحصل على (15%) من كل برميل نفط، ولكنها ستحصل على (5%)، وهي أفضل من لا شيء كما يقول رئيس كتلة الفضيلة في البرلمان النائب عمار طعمة.
ويقول طعمة لـ(نقاش) إنّ "الموازنة تتضمن أيضا منح المحافظات المنتجة للنفط (20%) من فائض إيرادات النفط في حال ارتفاع سعر برميل النفط عن السعر المحدد في الموازنة وهو (46) دولاراً للبرميل الواحد".
بدأت ملامح الأزمة المالية في البلاد منذ العام 2014 إثر انهيار أسعار النفط العالمية وتزامنت مع الهجوم الكاسح للمتطرفين واحتلالهم ثلث البلاد، وجاء تشكيل قوات الحشد الشعبي لتزيد الاعباء المالية على حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي.
ورغم محاولات العبادي تفكيك هذه الفصائل واختيار مجموعة منهم لدمجهم في الجيش والشرطة إلا أنها باءت بالفشل بعدما نجح النواب الشيعة في إصدار قانون بالأغلبية اعتبر الفصائل الشيعية قوة مسلحة رسمية في تشرين الثاني 2016 لتوضع الحكومة أمام الامر الواقع وكان عليها دفع مرتبات هؤلاء وتسليحهم.
ويخصص قانون الموازنة مبلغ مليارين ونصف المليار دولار للنفقات العسكرية، وزعت على النحو الآتي: (600 مليون دولار) لوزارة الدفاع، (146) مليون دولار لوزارة الداخلية، (80) مليون دولار لقوات الحشد الشعبي، (80) مليون دولار لجهاز مكافحة الإرهاب، والمبلغ المتبقي سيخصص لشراء الأسلحة.
ولكنّ قادة الفصائل الشيعية أعلنوا استنكارهم لهذه الموازنة بعد ساعات من إقرارها بعدما اعتبرت الحكومة مقاتلي الحشد الشعبي ليسوا موظفين دائمين بل متعاقدون، كما أن مرتبات عناصرهم حددت أقل من مرتبات وزارة الدفاع.
يكمن الخطر المقبل في ارتفاع مؤشرات البطالة في البلاد بشكل مخيف، بينما تظهر الموازنة الى اتخاذ سلسلة إجراءات تقشف كبيرة وضرائب جديدة لم يشهدها العراق منذ عقود.
وللمرة الاولى قررت الحكومة هذا العام إيقاف جميع التعيينات في الوظائف الحكومية التي يعتمد عليها الجزء الاكبر من الشباب العاطلين عن العمل، بينما توزعت تخصيصات الوظائف الحكومية على الأعوام الماضية بنسب متفاوتة، وعلى سبيل المثال توزعت الوظائف بأعداد متفاوتة منها (100) ألف وظيفة في 2013 و(37) ألفاً في 2014 و (30) ألفاً في 2015، فيما كانت حصة 2016 (32) ألفاً وبضعة آلاف في 2017، أما العام الحالي فلا وظائف في الميزانية.
وتقول المادة (11) من الفصل الثالث في الموازنة "على الوزارات الاتحادية إيقاف التعيينات ضمن التشكيلات التابعة لها من الشركات العامة والهيئات والمديريات الممولة ذاتياً التي تتلقى منحة من الخزينة العامة الاتحادية للدولة أو القروض من المصارف الحكومية".
وما يزيد الوضع صعوبة، قرار الحكومة فرض ضرائب جديدة لم يألفها العراقيون منذ عقود، وتقول المادة (17) من الباب الثالث "استمرار فرض ضريبة المبيعات على خدمة تعبئة الهاتف النقال وشبكات الإنترنت بنسبة (20%)، وضريبة مبيعات بنسبة (5%)، وضريبة (20) دولاراً لكل تذكرة سفر في جميع المطارات العراقية.
الديون الخارجية إحدى الأدوات التي لجأت إليها الحكومة لتمويل الموازنة على مدى السنوات الثلاث الماضية لتمكنها من محاربة داعش وضمان عدم انهيار البلاد اقتصادياً، وبلغت ديون البلاد نحو (130) مليار دولار، بينها (70) ملياراً ديون خارجية لدول ومنظمات دولية، و(40) ملياراً ديون داخلية.
وفي هذا العام قررت الحكومة أيضا الاعتماد على الديون لتعويض العجز المالي البالغ (9%) من حجم الموازنة البالغ (88) مليار دولار عبر اقتراض عشرة مليارات دولار من دول ومنظمات وبنوك دولية وعربية أبرزها اليابان وألمانيا وبريطانيا والسويد وإيطاليا والولايات المتحدة، إضافة الى صندوق البنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية بحسب ما نصّت عليه الموازنة في الفصل الثاني بباب العجز المالي.
ولكنّ التحدي الأكبر الذي يواجه الموازنة أنه سيكون متزامناً مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في أيار، وهذا الأمر يثير مخاوف من استغلال الكتل السياسية أموال الموازنة في الدعاية الانتخابية.
عن: موقع نقاش










