TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > واقع العلاقات العراقية الصينية وآفاقها المستقبلية

واقع العلاقات العراقية الصينية وآفاقها المستقبلية

نشر في: 29 إبريل, 2018: 06:14 م

  عباس جواد كديمي

العلاقات بين العراق والصين تتمتع بآفاق مشرقة، وكلاهما لديه الرغبة الحقيقية للتعاون. العراق لديه رغبة واستعداد للتعاون البنّاء والصين مستعدة أيضاً ولديها إمكانيات هائلة بكافة المجالات، وهذه الإمكانيات تسعى للمنفعة المشتركة، والدخول في مشاريع تعاونية ثنائية المنفعة، أو حتى متعددة الأطراف، على أساس الاحترام المتبادل والتشاور والتنسيق.
حالياً، هناك تعاون كبير جداً بين البلدين، يظهر في مشاريع تطوير الصناعة النفطية وبنيتها التحتية بكافة منشآتها ومرافقها(المساكن والخدمات الطبية والتعليمية وتشغيل العمالة المحلية)، في وسط وجنوبي العراق، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تطوير حقل الأحدب في واسط منذ 2008، وتطوير حقول أخرى في البزركان والفكة وحلفاية في ميسان، ومشروع مصفاة النفط في ميناء الفاو، والذي تُجري شركتان صينيتان هما (الصين للطاقة China Power ونيركو Nerco)، مفاوضات مع شركات أخرى من أجل تنفيذه. وهذا يعني أن الشركات الصينية ما تزال المستثمر الأكبر في العراق في هذا المجال. وفي مجال الكهرباء، هناك تعاون كبير أيضاً، يتمثل في أن شركات الطاقة الكهربائية الصينية تولد أكثر من 50% من الكهرباء المزودة لبغداد ونواحيها. ولكن، وعلى ضوء علاقة الشراكة الستراتيجية التي أقامها البلدان في ديسمبر/كانون الثاني عام 2015، هناك الكثير من المضامين والاتفاقات والتعهدات الواردة في الشراكة الستراتيجية، مازالت بحاجة لمزيد من التفعيل، وهذه طموحات مشروعة لاسيما في وقت تدخل فيه علاقات البلدين عامها الستين. والأمل يحدونا بأن تزداد التبادلات الرسمية بين البلدين على أعلى المستويات، وتتعزز الأواصر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وفي التعليم والصحة والإعلام وتدريب الكوادر وتطوير الإدارة، وتتوسع مجالات التعاون الحالية المركزة على قطاعي النفط والطاقة، وتتعمق وتمتد لمجالات أخرى وردت أصلاً في اتفاقية الشراكة، ولا بد من متابعة هذه الاتفاقات والتعهدات وتفعيلها على طريق تنفيذها والسعي لجني ثمارها. وهذه المجالات تحديداً هي "زيادة التبادلات الرفيعة المستوى وتعزيز التواصل الستراتيجي حول العلاقات الثنائية، بما يوسع الأرضية المشتركة ويرسخ الثقة الستراتيجية المتبادلة بشكل مستمر، وسيواصل الجانبان تعزيز التواصل والتعاون من أجل تعزيز الفهم المتبادل. ويؤكد الجانب الصيني دعمه لإعادة الإعمار الاقتصادي في العراق والمشاركة الفعالة فيه خاصة بالمجالات ذات الأولوية والتي لها علاقة بحياة الشعب." إن هذه العبارة الواردة بين قوسين صغيرين، مأخوذة من نص اتفاقية الشراكة الستراتيجية عام 2015، بين البلدين.
وبعد أن تمكن العراقيون من دحر الإرهاب والعودة مرة أخرى على طريق البناء بكافة المجالات، أصبح بإمكان العراق أن يمد يد التعاون مع الجميع، وخاصة مع الصين. ومن حقه، على ضوء جوهر العلاقات الثنائية والمبادرة الصينية، أن يطرح أية رؤية أو مقترح أو أولوية تتناسب مع واقعه الحالي واحتياجاته الفعلية ومستوى تنميته.
ومن حق العراق أن يعتز بما حققه في حربه على الإرهاب البغيض، وطيّ تلك الصفحة المربكة، وأن يركز قواه الآن على البناء السياسي والمجتمعي، وأن يولي اهتماماً لتعاون المنفعة المتبادلة على أساس الاحترام المتبادل. وكل المنصفين بالعالم يعترفون بتعقيدات الظروف الحالية، وجسامة المهام الملقاة على عاتق العراقيين جميعاً وخاصة الحكومة. ولكن التحرك المحدود وتكبيل الإمكانيات، لن يجدينا نفعاً، ولا ضير الآن أن يبذل العراقيون المعنيون بالنهوض بواقع البلاد، المزيد من الجهد ويركزون أكثر على المهمة العاجلة التي يعملون عليها حالياً، وهي وضع الرؤية الستراتيجية للتعاون مع العالم، وتحديد الأولويات وتنويع مجالات التعاون، ولا بد للعراق كله، من جهود جبارة توازي ملاحمه الكفاحية ضد الإرهاب، ليقف على قدميه بين دول العالم، التي تدرك جميعها أن عالمنا اليوم لا مكان فيه للضعيف. العراق والعراقيون جزء من النسيج الإنساني الكبير، والعراقيون، مثل بقية البشر بالعالم، غالبيتهم ذوو عقلية وطبيعة لا تقبل التقوقع والفشل.
ورغم ما مرّ به العراقيون من معاناة قاسية وحروب ظالمة وحشية مفروضة عليهم وتعقيدات أنهكت البلاد، ولكن لا يمكن تجاهل حيوية أجيال رائعة من العراقيين حاليا. لدينا الأمل المتأصل في نفوس البشر، ولدينا القدرة على أن نسعى بأقصى ما نستطيع لتنويع أرضيات تعاوننا مع العالم، ولدينا الفرصة؛ وبما أن الصين مستعدة، فلا عقبات مستعصية أمام التعاون معها، وحتى لو وجدت عقبات، فمن المؤكد أنها سهلة الحل بفضل العلاقات الطيبة جدا. الصينيون يقولون صراحة إن لديهم الاستثمارات المالية والإمكانيات العلمية والتكنولوجية والخبرات والرغبات، وهم مستعدون أن يدخلوا في شراكات تعاونية مع دول العالم، ومنها العراق. وهذا يعني أن الفرصة مؤاتية لبلدنا أن يمد أكثر يدَ التعاون مع الصين، التي لا تضع أية شروط لهذا التعاون، عدا الرغبة الجادة من الجانب المقابل. فلماذا نتردد في تجربة يمكن أن نحسبها جيدا ونتفادى أية خسارة، إن كان هناك احتمال ولو ضئيلا!؟ من الجدير بالذكر هنا، أن مبادرة الحزام والطريق الصينية تحظى بدعم ومشاركة أكثر من 70 دولة في العالم؛ وكل الدول العربية، وكذلك الدول المجاورة للعراق وفي محيطه الإقليمي، قد بدأت فعلاً مشاريع تعاونية مع الصين ضمن هذه المبادرة، والعراق لديه شراكة تعاون ستراتيجية مع الصين، ولديه اتفاقيات ومشاريع تعاون فعلية على مستوى رفيع، ولكنها مازالت قليلة جداً ومحدودة على ضوء ما يتمتع به البلدان من علاقات طيبة وإمكانيات هائلة، وعلى ضوء ما أشعر به أنا شخصيا وأطمح إليه، حيث أعيش بين الصينيين وأعرف جيدا مشاعرهم تجاه العراق.
هناك حقيقة مؤكدة وهي أن الصينيين يكنون مشاعر محبة واحترام للعراق وللعراقيين، وهناك حالة عامة بين الصينيين وهي أنهم حالما يعرفون أنك من العراق، فإنهم يرفعون إشارة الإعجاب بالإبهام دلالة على تقدير لحضارة وادي الرافدين، واحتراماً لقوة وجَلد وصبر وصمود العراقيين على مدى 5 عقود مضت من التاريخ الحديث. وهذه المشاعر حقيقية، وأساسها هو العلاقات الودية التي لم تشبها شائبة بين البلدين.
وعلى صعيد التعاون الملموس، الصين حالياً هي أكبر شريك تجاري للعراق، وهو ثالث أكبر شريك تجاري لها بين الدول العربية، وكانت قيمة التبادل التجاري بينهما أكثر من 22 مليار دولار في عام 2017، بزيادة 21.8% عن عام 2016. وهناك ميزة إيجابية ملحوظة في هذه العلاقات، تجعلها مختلفة عن الكثير من العلاقات التجارية للصين مع معظم شركائها في العالم، وهذه الميزة هي التوازن النسبي في الميزان التجاري، وهي إشارة صحية لمزيد من تطور العلاقات. ورغم أن الأرقام مهمة جدا في الحديث عن مستوى العلاقات بين الدول حالياً، ولكن لم نركز عليها، لأن الإمكانيات الفعلية يمكن أن تكون أكبر من الأرقام بكثير. لقد بادرت الصين لإعفاء العراق من ديون باهظة متراكمة من عهد النظام البائد، تقدر بمليارات الدولارات، ولم تخيّب أمل الرئيس العراقي الراحل مام جلال رحمه الله، عندما زارها في صيف 2007، وقال علناً في حفل استقبال له بالسفارة العراقية في بكين: "إن الصينيين كرماء جدا معنا؛ ورغم أنني لا أحبذ ذكر مبلغ الديون المُعفاة بالضبط، ولكنه كبير جدا". وقبيل الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي للصين عام 2015، تبادلت – شخصياً- الحديث مع إعلاميين وأكاديميين في بكين، وأكدوا على ضوء ما يعرفون ويتابعون من وسائل إعلامهم الرسمية، أن الصين تولي أهمية كبيرة للزيارة وتستعد وتتطلع لاستقبال رئيس الوزراء العراقي أحسن استقبال وبأقصى كرم الضيافة، وأتم الاستعداد للاستماع لما يصبو إليه العراق ويتطلع إليه، والعمل على تنفيذه. والصين هي البلد الوحيد الذي ظل مواطنوه يعملون بمشاريع متعاقد عليها في العراق، رغم المخاطر الناجمة عن احتلال الإرهابيين للموصل والمحافظات الغربية عام 2014، ولم ينسحبوا أو ينقضوا تعهداتهم بأعمالهم، بعد أن غادر جميع الأجانب العراق.
وبما أننا نستقبل هذا العام الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين، لنعمل معا على توطيد هذه الصداقة والعلاقات الطيبة ونتقرب أكثر من الصين، التي تمد ذراعيها لنا، ونسعى للاستفادة من تجربتها التنموية.
إن العراق في موقع حيوي على طريق مبادرة الحزام والطريق الصينية، ومؤهل لأن يلعب دورا كبيرا فيها، والصين تدرك هذه الأهمية، وهي مستعدة تماما لدعم المشاريع بالعراق ضمن هذه المبادرة. العراق حاليا يمر بفترة حساسة، ويحتاج الكثير، وشبابنا يحتاجون لفرص العمل والتنمية. والانشغال بالعمل المثمر يغنينا ويبعد عنا مشاكل البطالة، وتعاوننا مع الصين يحفظ لنا الكثير من استقلاليتنا وشئوننا الداخلية، بحيث نعمل وفقا لواقعنا وعلى ضوء احتياجاتنا العاجلة وإمكانياتنا.
إن تعزيز التعاون ودفع تنفيذ المشاريع المشتركة لا يعني زيادة فرص العمل فحسب، بل أيضاً تحريك المزيد من المجالات ومنها مثلاً زيادة الطلب على المترجمين باللغتين العربية والصينية، وهذا يحفز الشباب على تعلم لغة الجانب الآخر، ما يعني أيضاً المزيد من فرص التعارف والتبادل الثقافي بين الشعبين. حاليا، تقدم الصين 40 منحة دراسية سنوياً للطلاب العراقيين، والعراق بدوره يخصص مقاعد دراسية في معهد اللغة العربية للطلاب الصينيين الراغبين بدراسة اللغة العربية؛ وإذا تعززت أكثر العلاقات الدبلوماسية والتعاونية، فستبرز بالتأكيد فرصة للحديث عن مزيد من المنح الدراسية للطلاب العراقيين، وكذلك الفرص التدريبية للموظفين والفنيين العراقيين في معاهد الإدارة والخدمات الفنية والتقنية بالصين، وهو ما يحدث فعلا سنويا، ولكن نتطلع للمزيد من أجل رفع مستوى إمكانيات الإنتاج بالعراق.
خلال هذه الفترة الممتدة لنحو 20 عاما من عملي وإقامتي في الصين، شهدت بعيني التطورات الملموسة فيها، وتعزز مكانتها بالعالم، وهي حقيقة تدفع كل إنسان حريص على أن يتمناها لبلده. إن نمو الصين وتعزز مكانتها في كافة المجالات، أساسه الحقيقي هو اعتزاز شعبها بالجدية بالعمل والتطلع للبناء المثمر، وإدراكه أن ذلك لن يتم إلا من خلال صيانة السلام والاستقرار في داخل الصين، وخارجها. والصينيون يدركون جيداً أهمية السلام، لأنهم عانوا الأمرّين من الحروب والغزو والنهب الاستعماري. وكم نتمنى مخلصين لو تدرك كل بلدان العالم، أهمية السلام والاستقرار وتحرص عليهما.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

سقوط 3 شهداء في انفجارات لبنان

انفجارات جديدة بأجهزة اتصال لاسلكية لعناصر حزب الله في لبنان

البرلمان يؤجل انعقاد جلسته

السفيرة الأميركية: العراق قادر على خلق نموذج اقتصادي يحتذى به

تصاعد أزمة السكن في العراق.. نقص الوحدات السكنية يهدد مستقبل ملايين المواطنين!

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حاشية الكراهية

"حاكمية الفقهاء" انقلاب على دعوات السيستاني

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

نتائج اجتماعية سلبية محتملة لمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959

العمودالثامن: لماذا تصمت نقابة المحامين؟

العمودالثامن: حين تغضب النقيبة !!

 علي حسين لم يخترع بيان المثقفين العراقيين قصة اضطهاد وملاحقة المحاميتان زينب جواد وقمر السامرائي ، ولم يختلق المثقفون الموقعون على البيان حكاية صمت نقابة المحامين على ما جرى ويجري من شتائم واتهامات...
علي حسين

قناطر: بين طفولة الورق وشيخوخة الإلكترون

طالب عبد العزيز أشعر بغربة حقيقية أمام شاشة اللابتوب، وأنا أدوّن المادة هذه، لم أألفَّها والله، مع أنني أمضيت معها أكثر من عشرين سنة، تطالعني وأطالعها كل يوم، حتى صار بإمكاني ترتيب أفكاري، وكتابة...
طالب عبد العزيز

نتائج اجتماعية سلبية محتملة لمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959

لاهاي عبد الحسين وإنْ ظهرت بعض التصريحات المهدئة من قبل المتحمسين لمقترح التعديل الجائر بحق العائلة والمرأة العراقية والمواطن العراقي نتيجة الجهد الثقافي والأدبي والاعلامي العراقي المعارض الذي اشتركت به أكثرية من النساء والرجال...
لاهاي عبد الحسين

المجتمع الغربي يتجه نحو الفوضى والعنف!

ايف مونتناي ترجمة: عدوية الهلالي مع أعمال الشغب الأخيرة في المملكة المتحدة، رأينا أن المجتمع البريطاني لم يعد يمثل معجزة التوازن بين السكان المحليين والسكان القادمين حديثاً. بل إننا نشعر أن التوترات التي تم...
ايف مونتناي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram