دراسة استطلاعية :كيف يدرك أطفالنا عالمنا السياسي؟

آراء وأفكار 2018/05/07 06:25:22 م

دراسة استطلاعية :كيف يدرك أطفالنا عالمنا السياسي؟

  علي عبد الرحيم صالح

وسط ضجيج الصراع بين الأحزاب السياسية في العراق، ينتظر أطفالنا مصيرهم القادم في ضوء من سيتولى الحكم على السلطة، ويتأملون بعيونهم البريئة أن ينعموا بالسعادة واللعب والراحة وإشباع حاجاتهم الجسمية المختلفة، وعلى الرغم من أن الكثيرين يعتقدون أنه لا يوجد لدى الأطفال مدركات وأفكار حول الأوضاع السياسية للدولة، إلا أن مثل هذا المعتقد خاطئ تماماً، إذ يبدأ اطفالنا بعمر خمس سنوات تقريباً بتشكيل مفاهيمهم الخاصة حول السياسية، وتطوير توجهاتهم السياسية سواء كانت محافِظة أم متحررة، لتحدد فيما بعد مستقبل الحكم في البلاد.
نحن لا نفترض أن الاطفال بين الخامسة الى الحادية عشرة سنة لديهم إدراك ناضج تماماً لما يحدث حولهم من تغييرات وصراعات سياسية، ولكنهم يفهمون ويشعرون بالاوضاع السياسية الحالية في ضوء ارتباطها ببعض المظاهر الخارجية مثل دخل الوالدين او بطالتهما، واشباع حاجاتهم للأكل والسكن والملبس، والتعليم الذي يتلقونه، ومظاهر العنف والتعصب في الشارع، وما يسمعونه من أحاديث، وما يكتسبونه من أفكار واتجاهات من والديهم، وما يشاهدونه من مظاهر القبول والرفض للحكم السياسي الحالي، وبمرور الزمن تتطور مفاهيم الأطفال السياسية في ضوء البيئة التي يعيشون فيها.
وبهذا تختلف توجهات ومدركات أطفالنا حسب المنطقة والظروف التي يخبروها، فعلى سبيل المثال نجد أن توجهات الأطفال النازحين أو الذين تعرضوا للتهديد وقُتل أحد افراد عائلتهم يختلف كثيراً عن الاطفال الذين يعيشون في مناطق آمنة ومستقرة، فبينما قد يكتسب الطفل النازح توجهات سياسية معارضة للدولة (بحكم إنها لم توفر له الأمان، وتجاهلت حاجاته، وحرمته من اللعب والتعليم) فان الطفل في المناطق الآمنة يطور اتجاهات أكثر قبولاً ورضا وتعاطفاً. وقد أيد ذلك الكثير من الدراسات الحديثة في علم النفس السياسي، إذ وجدت نتائج دراسة البروفيسور غاري لويس التي اجريت على عينة من الأطفال والبالغين الذين عاشوا ظروف سيئة وعانوا من مشكلات سلوكية وانفعالية مثل العدوان والقلق والتهديد، أن لديهم مستويات مرتفعة من الرفض للسلطة، ويشعرون بالاستياء السياسي والاقتصادي تجاه الدولة، واسفرت نتائج دراسة كيرنز Cairns,1994 أن الاطفال الذين يعيشون في ظل ظروف سياسية واجتماعية سيئة يصبحون مهيئين في المستقبل الى تطوير سلوكيات العنف السياسي، كذلك وجدت دراسة كودارد Goddard et.al,2005 أن الاوضاع السياسية التي يعيش فيها الاطفال لا تؤثر على تشكيل توجهاتهم السياسية فحسب، وانما تنسحب آثارها على طريقة حديثهم ومستوى ذكائهم وقدرتهم على صنع القرار وتعاملهم مع الآخرين.
إذن تمارس الظروف والخبرات التي يعيش في ضوئها الاطفال دوراً اساسياً في تشكيل بناهم المعرفية وقيمهم السياسية، وتجعلهم يتخذون مسارات وأفعال سلوكية معينة للتعامل والحكم على الانظمة السياسية القادمة، ويمكن توضيح ذلك بالتفسير الآتي: عندما يختبر الأطفال ويواجهون مع عائلاتهم الاضطهاد والحرمان والجوع وسوء التعليم والظلم الاجتماعي فانهم يقومون ببناء مخططات معرفية بسيطة ذات توجه سلبي نحو الدولة، وتتضمن هذه المخططات مجموعة من الأفكار والمعتقدات مثل (إن الدولة ظالمة- غالبية السياسيين سراق وكذابون - ان السياسيين طماعون، سيكون مصير السياسيين النار)، ووفقاً لهذه المدركات سيميل الأطفال الى كراهية النظام السياسي، وعدم الاعتراف به، وتبني سلوكيات عنيفة تجاهه.
وقد تمتد آثار ذلك الى أبعد مما هو متوقع، إذ وجدت الدراسات السيكوسياسية إن نوعية البنية المعرفية التي يشكلها الأطفال تجاه نظام الدولة تتعلق بمدى صحتهم ورفاهيتهم النفسية، على سبيل المثال توصلت دراسة سكريتا Sgritta,1997 التي أجريت على عينة من الأطفال الذين يعيشون في مناطق شرقي وغربي أوروبا، الى أن الذين شعروا بالتمييز العرقي والظلم السياسي كانوا يعانون من القلق والاكتئاب وتدني تقدير الذات وعدم الرضا عن الحياة، في حين وجدت دراسة ثوماس Thomas,2009 التي أجريت على عينة من الاطفال البريطانيين الذين كانت صلتهم بالدولة جيدة، إنهم كانوا يشعرون بطيب الحال والسعادة، وقد تنبأت الدراسة بان هؤلاء الاطفال سيتمتعون بالفاعلية السياسية (الاعتقاد بان لديهم الامكانية على صناعة القرار السياسي في الدولة) في المستقبل.
أما الاطفال في العراق فقد حاولنا تعرف مدركاتهم السياسية في ضوء اختيار عينة استطلاعية صغيرة بلغت (60) طفلاً في سن المدرسة الابتدائية، إذ تم توجيه إليهم بعض الأسئلة حول مدى رضاهم عن الوضع السياسي الحالي، وإدراكهم لبعض المفاهيم السياسية، ورغبتهم في تغيير الوضع السياسي، وفي ضوء ذلك وجدنا أن استجابات الاطفال تختلف وفق الظروف التي يعيشون فيها، وإن وعيهم السياسي ينضج كلما تقدم الاطفال بالعمر، وأنهم يرغبون في نظام سياسي يحقق لهم الأمان، وفرص العمل لوالديهم وساحات خاصة للتنزه، والحصول على الهدايا والالعاب. وجدنا كذلك إن الاطفال في عمر 6 و7 سنوات إدراكهم غير ناضج تماماً مقابل الاطفال في عمر 11 سنة، وإن الاطفال الذين ينتمون الى عوائل ذات دخل اقتصادي جيد يكونون راضين على الحكومة ولا يرغبون بتغييرها مقارنة بالاطفال الذين ينتمون الى عوائل فقيرة ومسحوقة الذين بادروا الى إظهار انفعال الغضب والشتم لبعض القادة السياسيين، والرغبة في تغيير النظام السياسي، توصلنا أيضاً الى أن الاطفال الصغار بعمر 6-8 سنوات لا يدركون بعض المفاهيم السياسية مثل ما هو منصب رئيس الوزراء او ما دور مجلس النواب في حين وجدنا أن لدى الاطفال الكبار بعمر 11-12 سنة لديهم قدرة بسيطة على تمييز وظيفة هذين المنصبين في الدولة.
نستنتج مما سبق أن من المهم تنمية القيم والاتجاهات السياسية السليمة لدى أطفالنا، ومحاولة غرس الوعي الصحي القائم على معرفة حقوقهم والتزاماتهم واحترام حاجات الآخر وكيفية التعبير عن ارائهم بصورة سلمية بعيداً عن السلب والعنف، كذلك إن المهم تنمية الفاعلية السياسية لدى اطفالنا منذ الصغر، وتعليمهم مبدأ التعاون، والانتخاب، والاحتجاج السلمي، والمناقشة، والتفاوض، واعطائهم الثقة بأن لديهم الامكانية في التعبير عن انفسهم وحاجاتهم، والقدرة على التغيير، وأن يكونوا جهات فاعلة في المستقبل عسى أن يبنوا وطنهم بعيداً عن مبدأ اقتسام الحصص، والصراع على أساس المذهب والعرق والانتماء الخارجي.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top