كواليس: مسرحيو هذه الأيام يتنكرون لمنجز مسرحيي الماضي

سامي عبد الحميد 2018/06/04 06:34:31 م

كواليس: مسرحيو هذه الأيام يتنكرون لمنجز مسرحيي الماضي

سامي عبد الحميد

حين نقول إن المسرح في العراق هذه الأيام قد تراجع شكلاً ومضموناً عما كان عليه خلال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي تثور ثائرة مسرحي العراق الذين يحتلون الساحة، ويقولون إن الماضي راح وولى واندثرت أساليبه وغابت قيمه فنحن لا حاجة لنا به فلدينا قيمنا وأساليبنا التي تلبي حاجات زمننا التي تغيرت وتطوّرت واختلفت عما كان في الماضي البعيد أو القريب، ونرد عليم قائلين لو لم يكن ذاك الماضي بمنجزاته وعطايا فمن أين جاءتكم معرفتكم. أليس أولئك الذين أرسوا قواعد الفن المسرحي الحديث وطوروا أساليبه وتقنياته هم الذين علموكم أفتنكرون جميلهم؟
نحن عندما نقارن بين مستوى العروض المسرحية السابقة بشكلها ومضمونها ومستوى فروض هذه الأيام أنما نستخرج منها معايير للحكم لنقيس بموجبها عناصر التكامل الفني التي تعتبر أن مسرح الماضي قد حقق معظمها إن لم يكن جميعها في حين أن مسرح الحاضر لم يحقق إلا جزءاً صغيراً منها وأسمحوا لي أن أتطرق إلى تلك العناصر.
كان مسرح الماضي يختار نصوصاً مسرحية رصينة لمؤلفين أجانب وعرب وعراقيين يكتمل فيها بناء الفعل الدرامي ويتصاعد الصراع ليصل إلى نقطة التحوّل ونذكر على سبيل المثال (يوليوس قيصر) و(عطيل) و(هاملت) لشكسبير، و(الخال فانيا) و(الشقيقات الثلاث) و(أغنية التم) لجيكوف و(القرد الكثيف الشعر) لأونيل و(حفلة سمر من أجل خمسة حزيران) لسعد الله ونوس، و(ثورة الزنج) لمعين بسيسو، و(تموز يقرع الناقوس) لعادل كاظم و(المفتاح) ليوسف العاني و(ملحمة كلكامش) لمترجمها طه باقر.
أما اليوم فعندما يتصدى أحد المخرجين لإخراج إحدى مسرحيات شكسبير فتراه يقتطع منها أجزاء ليقدمها في عرض يغلب عليه التجريد. ونادراً ما يختار هذا المخرج أو ذاك نصاً عربياً مكتملاً مثل (باب الفتوح) بل الأكثر ندرة هو تناول نص لمؤلف مسرحي عراقي مثل طه سالم أو نور الدين فارس لأنه، كما أعتقد يجد صعوبة بالغة في معالجته فيلجأ إلى نصوص يعدها بنفسه عن نصوص أخرى ليسهل عليه الأمر.
كان مخرجو مسرح الماضي قد درسوا فن الاخراج في معاهد أجنبية وتعلموا تقنياته وحرفياته وطوروها بعد أن درسوها في معهد الفنون الجميلة ومارسوا التمثيل على يد أساتذة لديهم الخبرة الكافية هذا إضافة إلى تحليهم بالموهبة وسعة الثقافة وقوة المخيلة، أما العديد من مخرجي هذه الأيام فلا أعتقد أنهم يتحلون بتلك الصفات أو المميزات ويفتقر العديد منهم إلى المعرفة التامة بحرفيات الإخراج المسرحي وأساليبه المختلفة وقليل منهم من درس كتاب الكساندر دين (أسس الإخراج المسرحي). ويفتقر العديد منهم إلى الخبرة الكافية التي تؤهلهم لعملية الإخراج ويعتمد البعض منهم على موهبته ورغبته في التسيّد.
نعم هناك عدد من الممثلين ممن يمتلكون الموهبة ولكن هذه الصفة وحدها لا تؤهل الممثل ليكون مبدعاً ومفكراً ومرتجلاً فالتجربة والممارسة هي التي تطور الموهبة وتصقلها وأكون صريحاً بالقول إن معاهد وكليات المسرح هذه الأيام لا تخرّج ممثلين جاهزين كما كان الحال في الماضي.
فهل لدينا مدرس لفن الالقاء كما كان (بدري حسون فريد)؟ وهل لدينا معلم لفن التمثيل المسرحي كما كان (جاسم العبودي)؟
وإذا وصلنا إلى التصميم الذي يسمونه هذه الأيام (سينوغرافيا) فلا أعتقد أن هناك من يضاهي الراحل (كاظم حيدر) والراحل (فاضل قزاز) والمبدع (نجم حيدر) والفنان (سعد الطائي) والفنانة (أقبال الطائي).
فمن حقنا أذن أن نتباهى بمسرح الماضي ونفتخر به لكونه أقيم على أعمدة راسخة مسلحة بعناصر الأكتمال ابتداءً من القواعد والأصول ومروراً بالاستحداثات والابتكارات ووصولاً إلى مراحل الخلق والإبداع الفني.
لقد طرق مسرح الماضي أبواب جميع التيارات والاتجاهات والأساليب المسرحية ودخلها وخرج بمحصلة أهلته لأن يكون في مقدمة المسارح العربية وأن يكون في مصاف المسارح الاجنبية فقد اغترف المخرجون العراقيون الرواد من منهل المسرح الكلاسيكي والرومانتيكي والواقعي والرمزي والتعبيري واللامعقول أما مسرح هذه الأيام فتنكر إلى تلك التيارات والاساليب وما عادت عروضه تنتمي لتيار معين رغم أدعاء البعض منهم بمسرح جديد أو مسرح ما بعد الحداثة.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top