البصرة تستأنف التظاهرات تزامناً مع جلسة برلمانيّة تناقش خدماتها

البصرة تستأنف التظاهرات تزامناً مع جلسة برلمانيّة تناقش خدماتها

 وثائق حكوميّة صادرة قبل 13 عاماً تحذِّر من "سموم" شطّ العرب

 تنسيقيّات الاحتجاج: لقاءات الوفود الحكوميّة شكليّة وجرت مع متظاهرين "كومبارس"

 بغداد/ وائل نعمة

لا يجد سكان البصرة تغيّراً في مدينتهم، منذ انطلاق التظاهرات الغاضبة في تموز الماضي وتحولها الى حركة احتجاجية عارمة وُوجِهت بقمع مسلح أسفر عن مقتل 20 وإصابة المئات، فمازالت مشكلة اللسان الملحي مستمرة وبطالة الشباب في ارتفاع، ولم تُنشأ حتى الآن أي محطة جديدة لتحلية المياه على شط العرب.
وعلى الرغم من محاولات إظهار الحكومة والبرلمان الجديد تعاطفهما مع أهل البصرة وزيارة المدينة وتشكيل اللجان لحل المشكلة، إلا أن تنسيقيات الاحتجاج في البصرة ترى تلك الإجراءات "دعاية سياسية" واللقاءات شكلية جرت مع متظاهرين "كومبارس" ينتمون إلى أحزاب!

من المفترض أن يستضيف البرلمان الجديد في جلسته المقبلة أربعة وزراء للحديث عن أزمة البصرة، في وقت قررت فيه تنسيقيات التظاهرات العودة الى الاحتجاجات مرة أخرى بعد أسابيع من تعليق نشاطها بسبب عمليات الحرق والتخريب التي جرت في المدينة.

العودة إلى الشارع
ويقول كاظم السهلاني، أحد قادة الحراك المدني في البصرة لـ(المدى) أمس إنه في "يوم الثلاثاء المقبل ستستأنف التظاهرات مجدداً في المدينة لأن شيئاً لم يتغير في أوضاع المحافظة"، وأشار الى أن المتظاهرين "سيكررون المطالبة من الحكومة بمعاقبة مَنْ قتل وضرب المحتجين".
وأعلن أمس مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في البصرة عن مقتل 20 مواطناً وإصابة أكثر من 300 آخرين في التظاهرات التي شهدتها البصرة وتصاعدت حدتها في شهر أيلول الحالي.
وذكر المكتب في بيان صحفي أنّ: "أكثر من ٧٠ ألف حالة تسمم حصلت بسبب الماء الملوث"، مطالباً الحكومتين المركزية والمحلية بـ"تقديم إيضاح لمواطني البصرة عن أسباب التلكؤ بزيادة الإطلاقات المائية ومن يقف وراءها وأسباب الأزمة الحقيقية والمسؤولين المقصرين وأسباب عدم إعلان حالة الطوارئ". كما طالب بتقديم إيضاح عن المشاريع الآنية والمستقبلية للماء والخدمات وتسليمها لجهات رصينة، والابتعاد عن المشاريع الترقيعية التي تبتعد عن العلمية ولاتتناسب وحق مواطنيها بالحياة.
وقبل أسبوعين قررت "تنسيقيات البصرة" تعليق التظاهرات لفسح المجال للقوات الأمنية للسيطرة على الاوضاع بعد أن حرق محتجون 17 مبنىً حكومياً ومقارّ تابعة للحشد الشعبي ومنازل مسؤولين ومبنى القنصلية الإيرانية.
ومنذ 8 أيلول الحالي، لم تشهد البصرة منذ 3 أشهر انطلاق تظاهرات، فيما أعقبت زيارة رئيس حكومة تصريف الاعمال حيدر العبادي للمدينة مع عدد من وزرائه، عمليات ملاحقة واعتقال ناشطين بتهمة التورط في أعمال عنف، رغم أنّ العبادي اتهم جهات سياسية تملك أجنحة مسلحة بحوادث الحرق.

التيار الثالث
وقال الناشط المدني في البصرة تم الإفراج عن جميع المعتقلين المشاركين في التظاهرات الذين كان عددهم 35 ، باستثناء 12 شخصاً. وأضاف السهلاني إن المحتجزين هم "9 من البصرة و2 من الناصرية وشخص واحد من الكوت".
وتتهم القوات الامنية المعتقلين بأنهم ضمن مجموعة "التيار الثالث"، وهو فريق من المحتجين يرفع مطالبات سياسية كإلغاء الدستور والإطاحة بالحكومة، كما أن المجموعة متهمة بتبني خطاب عنيف وقريب من أفكار حزب البعث المحظور.
وفي الأسبوع الماضي أعلنت خلية الصقور الاستخبارية تفكيك مجموعة قالت إنها "إجرامية" قامت بقتل مواطنين ومنتسبين ونفذت عمليات حرق مبانٍ في البصرة.
وقالت الخلية في بيان إنها "قامت باعتقال مجموعة من المندسين والمخربين الذين استغلوا التظاهرات السلمية في البصرة من أجل القيام بالاعتداء على المدنيين ورجال الأمن والدفاع المدني وبأعمال تخريب وحرق واعتداءات غير مبررة ضد مواقع رسمية وخدمية عامة وأماكن خاصة".
وأضافت إن "سلسلة الاعتداءات هذه أدت إلى إشاعة الفوضى والبلبلة وانعدام الاستقرار في البصرة"، مشيرة الى انه "تم تنفيذ الاعتقالات طبقاً للضوابط والقوانين المعنية في الدولة العراقية وضمن مذكرات اعتقال قضائية".
وتابعت إنه "تمت مراعاة جميع الجوانب المتعلقة بحقوق المتهمين أثناء التحقيق معهم"، داعية الشخصيات والمؤسسات الرسمية والشعبية كافة الى "عدم التدخل في التحقيقات الجنائية التي تجريها مديرياتنا المختصة، خصوصا ان هذه التحقيقات التي تتعلق بجرائم يحاسب عليها القانون العراقي وتتحرك على وفق أدلة ومعلومات موثقة".
وعقب إحراق القنصلية الإيرانية في البصرة، التي أعيد افتتاحها مؤخراً، نشرت وسائل إعلام إيرانية حسابات إلكترونية وصوراً لشباب عراقيين مشاركين في تظاهرات البصرة، وزعمت أن لديهم علاقة مع السفارة الامريكية في العراق لتخريب المحافظة وحرق القنصلية.
وقالت وكالة مهر للأنباء الإيرانية في تقرير نشر قبل أسبوع، إن نشطاء عراقيين في شبكات التواصل الاجتماعي لهم "دور كبير" في تحريك شارع البصرة ونقل المتظاهرين إلى مرحلة الشغب، فكانت لرهام يعقوب وعلي نجيم وغيرهما علاقات وثيقة بالدبلوماسيين الامريكيين".
وكشفت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق، الأحد من الأسبوع الماضي، عن اعتقال نحو 35 شاباً في ظروف غامضة وتم اقتيادهم إلى جهات مجهولة.

البصرة في البرلمان
البرلمان بدوره قرر أن يخصص جلسة الثلاثاء المقبل، التي ستتزامن مع انطلاق التظاهرات، لمناقشة أزمة البصرة. وتقول زهرة البجاري النائبة عن المحافظة في تصريح لـ(المدى) أمس: "سنستضيف وزارة المالية، الموراد المائية، الصحة، ووزارة الإسكان، للحديث عن مشاكل البصرة".
وأكد وزير الموارد المائية حسن الجنابي، أمس، انه سيحضر جلسة البرلمان إذا طُلب استضافته فيها لمناقشة وضع محافظة البصرة المائي. وأضاف الجنابي في تصريحات صحفية انه كوزير للموارد المائية ليس لديه ما يخفيه، مؤكداً في الوقت ذاته أن وزارته ملتزمة وتتحمل كامل مسؤوليتها في تزويد المياه للبصرة.
بالمقابل وصفت البجاري جلسة ما بعد يوم غد بـ"المهمة" لأنها ستطالب الجهات الحكومة "بتدوير موازنة البصرة لعام 2018 دون أن تذهب الى خزينة الدولة للإسراع في إنشاء المشاريع الخدمية".
وقبل 10 أيام فقط، إذ لم يتبق على نهاية السنة المالية سوى أقل من 3 أشهر، وصلت أموال المنافذ الحدودية للبصرة وهي تفوق الـ200 مليار دينار، إلا انه يتوجب بحسب القانون إعادة الأموال منتصف شهر كانون الاول المقبل الى الخزينة، وهو ما يسعى البرلمان الى منعها.
كذلك تقول النائبة إن "البرلمان سيقوم بالمصادقة على الأموال التي قرر العبادي منحها الى البصرة، لأنها من دون غطاء قانوني ، لأن مجلس النواب كان غائبا والاموال لم تكن مدرجة ضمن موازنة 2018". ووعد رئيس الحكومة بعد اشتداد الاحتجاجات في تموز الماضي، البصرة بـ 3.5 ترليون دينار لحل مشكلة المياه.
وجاءت تلك التطورات بعدما اتفق نواب المحافظة ورئيس البرلمان الجديد محمد الحلبوسي، خلال زيارته الاخيرة الى البصرة، بتخصيص الجلسة المقبلة لمناقشة أوضاع المحافظة.
وقال الحلبوسي خلال مؤتمر صحفي في مدينة البصرة التي زارها على رأس وفد نيابي الثلاثاء الماضي إن "المشاكل الموجودة في البصرة ليست وليدة اللحظة، بل هي تراكمات من التقصير والإهمال للحكومة المركزية، والحكومات المحلية السابقة".
والتقى الحلبوسي محافظ البصرة أسعد العيداني، ورئيس مجلس المحافظة وليد حبيب كيطان. وأكد أن "مجلس النواب سيواصل التنسيق مع الحكومة الاتحادية والمحلية لأجل إعادة الحياة إلى البصرة".

تظاهرات الظلّ
ولا يأمل الناشطون في البصرة أية حلول من تلك الزيارات التي يقول عنها كاظم السهلاني وهو يتواجد منذ أشهر في الاحتجاجات، بأنها "دعاية سياسية وإن المسؤولين يلتقون بمن سبب المشكلة وليس مع المتظاهرين" في إشارة الى المحافظ ونائبه وبقية أعضاء الحكومة المحلية.
ويكشف السهلاني عن أن بعض اللقاءات التي تجري مع متظاهرين هي "شكلية" فمن يُجرى اللقاء معهم ليسوا المحتجين الحقيقيين. ويضيف قائلا: "شكلت الأحزاب عشرات التنسيقيات نطلق عليها (تنسيقيات تموزية)، وهي من أشخاص تابعين لهم"، مشيراً إلى أن تلك التنسيقيات تلتقي بالمسؤولين على أنها الممثل الحقيقي للمتظاهرين.
وتجنب رئيس الحكومة في زيارتين قام بهما الى البصرة في بداية تموز وفي أيلول الحالي، اللقاء مع المتظاهرين، واكتفى بلقاء مسؤولين أمنيين وحكوميين في المحافظة، فيما كان قد تعرض في الزيارة الأخيرة التي كانت برفقة عدد من وزرائه لانتقاد شديد من زعماء عشائر التقى بهم في فندق شيراتون وسط المحافظة.

الجنوب يُربك "الدعوة"
وكان العبادي قبل الزيارة الاخيرة الى البصرة قد تحدث الى حزبه "الدعوة" بأنّ ما يحدث في المحافظة قد يطيح بآمال الحزب في الاستمرار والاحتفاظ بمنصب رئاسة الوزراء في السنوات الأربع المقبلة، خصوصا أن حلفاءه كانوا قد انقلبوا عليه في الجلسة الثانية للبرلمان "الاستثنائية" التي خصصت لمناقشة أوضاع البصرة وشهدت مشادة كلامية مع حليفه في تحالف النصر المحافظ أسعد العيداني، الذي اتهمه رئيس الحكومة بعد ذلك بأنه كان متفقاً قبل الجلسة مع تحالف "البناء" الذي يضم العامري والمالكي.
وحين اشتدت أزمة البصرة خلال الأسابيع الماضية ووجدت الحكومة أنها قد تحمّلت لوحدها مسؤولية الإخفاق في المحافظة الغنية بالنفط، كشفت عن وثائق قديمة تؤكد وجود "سموم" في شط العرب قد تكون خطيرة على سكان المحافظة ولم يجرِ الاهتمام بها.
ويقول علي شداد الفارس وهو عضو في مجلس محافظة البصرة في اتصال مع (المدى) أمس إن "تاريخ تلك الوثائق يعود الى ماقبل 13 عاما". وبدت المحاولة لإظهار الجميع متورطاً في مشكلة المياه العذبة في البصرة، التي اعتبرها العبادي في رده الأخير على الأزمة مع حزب الدعوة، بأنها واحدة من وسائل التسقيط التي استخدمت ضده مؤخراً لمنعه من الترشح لولاية حكومية ثانية.
وتقول تلك الوثائق الصادرة عن الوزارات السابقة بعضها في عام 2005، على وفق ما يؤكده الفارس، أن "شط العرب فيه مخلفات صناعية وأن نهر الكارون القادم من إيران ترمى فيه سموم المعامل الإيرانية". ويضيف قائلا: "ورغم تلك التحذيرات إلا أن الحكومات المتعاقبة أصرت على أن تبقى معتمدة على شط العرب".

هروب الأجانب
في المقابل نفى الفارس، أن تكون الإطلاقات المائية التي أعلنت عنها وزارة الموارد مؤخراً قد دفعت اللسان المحلي، خصوصاً أن الملوحة قد وصلت الى منطقة الهارثة في شمال البصرة، واضاف أن "الحكومة قد أعطت صلاحيات واسعة إلى المحافظ للبدء في مشاريع التحلية ومد أنبوب من البدعة لحماية المياه من التلوث والتجاوزات".
وأكد المسؤول المحلي أن اليابان ممتعضة جداً من سوء إدارة العراق للقرض الذي منحته طوكيو لإنشاء مشروع ماء البصرة الكبير، وقال إن "المشروع بدأ في عام 2011 على أن ينتهي في غضون 3 سنوات، لكن العراق لم ينفذ التزاماته".
ومؤخراً كشف مسؤول المشروع عبد المنعم خيون الذي أقاله مجلس المحافظة ورفضت الحكومة في بغداد القرار باعتباره مشروعاً اتحادياً، عن توقف العمل بالمشروع بعد مغادرة شركة (هيتاشي) اليابانية جراء تعرضها لضغوط من قبل "جهات متنفذة" إضافة الى نزاعات عشائرية، فيما أشار إلى تلف معدات المشروع بسب سوء خزنها في الموانئ.
من جهته قال علي الفارس، إن "وزيرة الإسكان اتهمت المحافظ بأنه لم يوفر حماية جيدة للشركة اليابانية"، وأضاف: "في الحقيقة إن الاجانب يتركون البصرة بسبب التظاهرات وليس لسبب آخر، وإن الوزيرة استغلت الامر للتهرب من فشل تشغيل المشروع".
وبحسب التصريحات الاخيرة لوزيرة الإسكان آن نافع فإن المشروع سيدخل الخدمة نهاية العام الحالي، لكن الفارس يقول نقلا عن مهندسين ان "التشغيل التجريبي لن يكون جاهزاً قبل 6 أشهر في حال التزمت الوزارة بدفع التخصيصات المالية".

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top