العبادي في أربع سنوات.. لم يقتنع أحد بإصلاحاته  والنصر على داعش زاحموه عليه

العبادي في أربع سنوات.. لم يقتنع أحد بإصلاحاته والنصر على داعش زاحموه عليه

سلَم السلطة بهدوء إلى عبد المهدي رغم اعتراضه على "تجاهل" الكتلة الأكبر

 بغداد/ وائل نعمة

اهتم العراقيّون بـ"السجال الافتراضي" الذي دار الأسبوع الماضي، بين مرشح رئاسة الوزراء الجديد عادل عبد المهدي ورئيس حكومة تصريف الأعمال حيدر العبادي، في تبادل سلس لمواقع السلطة بدون "تشبّث".
وعلى الرغم من أن ديباجة الدستور العراقي الذي كتب عام 2005 تؤكد على "التداول السلمي" للسلطة، إلا أن العراقيين اعتادوا على حدوث نزاع في فترة انتقال رئاسة الحكومة من شخص إلى آخر، وحدث ذلك في الأعوام من 2006 إلى 2014.

وطلب عبد المهدي من سلفه العبادي في تغريدات على منصات التواصل الاجتماعي عقب تكليفه بتشكيل الحكومة "الدعم والمشورة" لإنجاز مهامه المقبلة، فيما كان الأخير قد تمنى لعبد المهدي "النجاح في تشكيل حكومته".
ويرى أنصار العبادي أنه كان ضحية "انقلاب" حلفائه، في وقت يحمّل مؤيدو زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، العبادي مسؤولية خروج منصب رئاسة الوزراء من حزب الدعوة لأول مرة منذ 13 عاماً.
وقال صلاح عبد الرزاق القيادي السابق في حزب الدعوة، تعليقاً على اختيار العبادي بديلا عن المالكي في 2014:"وافقنا عليه خوفاً من ضياع المنصب من الحزب".
وسكت ائتلاف العبادي "النصر" عن تكليف عبد المهدي بتشكيل الحكومة الجديدة دون تحديد الكتلة الأكبر عدداً كما جاء في الدستور، رغم أن الائتلاف حذّر في مطلع تشرين الأول الجاري مما اعتبره "محاولات الالتفاف على الكتلة الأكبر"، ووصفها بأنها "غير دستورية".

أول صورة
بدأ العبادي مشواره في رئاسة الوزراء، بالصورة الشهيرة التي جمعته مع الرئيس السابق فؤاد معصوم ورئيس البرلمان السابق سليم الجبوري وهما يكلفانه بتشكيل الحكومة الجديدة، فيما كان المالكي قبل ذلك يتوعد من يخطف منه الولاية الثالثة.
وكان وزير الخارجية إبراهيم الجعفري يتوسط الحاضرين في تلك الصورة، في إشارة حينها إلى أن الحكومة الجديدة سيكون فيها مكان لـ"الحرس القديم" الذي يمثله الجعفري، في حين كانت الحكومة قادمة بعنوان "التغيير والإصلاح".
وقدّم العبادي حكومته في أيلول 2014 أمام البرلمان ثلاث وزارات شاغرة هي المالية، التجارة، والصناعة. وصوّت مجلس النواب على 24 وزيراً في ذلك الوقت و3 نواب لرئيس الوزراء، فيما لم تتضمن الأسماء حينها مرشحي الوزراء الأمنيين ووزير الموارد المائية بسبب اختلاف الكتل.
ومنح العبادي في ذلك الوقت القوى السياسية أسبوعاً واحداً لترشيح الوزراء الأمنيين. وبعد نحو شهر صوت البرلمان على خالد العبيدي وزيراً للدفاع (أقاله البرلمان في 2016 واستبدل به بعد ذلك عرفان الحيالي)، ومحمد الغبان للداخلية (قدم استقالته عقب تفجيرات الكرادة في نفس السنة، واستبدل به قاسم الأعرجي).

احتجاجات الإصلاح
في صيف 2015 شهدت البلاد احتجاجات دعت إلى "الإصلاح"، ومع دخول المرجعية على خط التظاهرات، اضطر البرلمان لأن يمنح العبادي تفويضا "مستعجلا" بإجراء تعديلات حكومية تم التراجع عنه بعد ذلك بثلاثة 3 أشهر.
وفي خطوات مرتبكة قلّص العبادي في ما عرف "بحزمة إصلاحات آب" حكومته التي كانت قد وصلت حينها الى 33 منصبا الى 22، من ضمنها إلغاء مناصب نواب رئيسي الوزراء والجمهورية - عاد نواب رئيس الجمهورية بقرار قضائي في 2016 بسبب خطأ العبادي في استخدام القانون لإقالتهم.
وكانت الاحتجاجات حينها موجهة ضد وزير الكهرباء قاسم الفهداوي الذي تربطه بالعبادي علاقة عائلية (نسب)، وألغى الأخير وزارتي حقوق الإنسان والمرأة وقلص 8 وزارات أخرى، لكنه لم يعاقب الفهداوي إلا بعد 3 سنوات من ذلك الحادث، حيث قرر في تموز الماضي سحب يده.
وتعرضت إجراءات العبادي "الإصلاحية" لانتقادات شديدة من البرلمان خصوصاً بعد أن تراجع زخم الاحتجاجات، وقيل إن التغييرات لم تكن مستندة إلى قوانين واضحة. وفشل العبادي حتى انتهاء حكمه في إعادة هيكلة الوزارات المرشقة والمدمجة.
وكانت عملية الترشيق قد جعلت حكومته ذكورية بعد إلغاء المنصب الوحيد الذي كانت تشغله امرأة (وزيرة شؤون المرأة بيان نوري)، كما خلت الحكومة لأول مرة من المكون المسيحي، وبقي الأمر على حاله حتى تصويت البرلمان في صيف 2016 على آن نافع وزيرة مسيحية والمرأة الوحيدة لمنصب الإعمار والبلديات بعد دمج الوزارتين- تعرضت الوزيرة في الصيف الاخير الى انتقادات واسعة بسبب إخفاقها في أزمة الماء بالبصرة.

بعد اقتحام البرلمان
دفع اليأس من "الإصلاح" وبطء العبادي في تنفيذه إلى اقتحام متظاهرين مبنيي البرلمان والحكومة في نيسان 2016، ومجلس النواب مرة ثانية في أيار من نفس العام، واتهم أنصار التيار الصدري بالوقوف وراء عمليات الاقتحام.
وتسببت تلك الحوادث في نشوب أزمة داخل البرلمان حيث تشكلت كتلة عرفت بـ"جبهة الإصلاح"، اتضح في ما بعد أنها كانت مدعومة من نوري المالكي. وفشلت تلك الكتلة في إقالة رئيس البرلمان سليم الجبوري بعد تعطيل البرلمان لنحو شهرين.
واستطاع العبادي وسط الازمة إقناع البرلمان بتغيير 5 وزراء (الكهرباء، الصحة، العمل، الموراد المائية، والتعليم العالي)، ثم ألغت المحكمة الاتحادية نهاية حزيران 2016 القرار، وعاد 3 منهم إلى عملهم السابق -اثنان منهم فقط عديلة حمود ومحمد السوداني مستمران حتى الآن.
وكان العبادي قد أخفق في جلسة تغيير الوزراء التي عرفت بـ"جلسة الظرف المغلق" لأن أسماء المرشحين كانت موضوعة في ظرف مسدود، في استبدال وزيري الخارجية إبراهيم الجعفري والعدل حيدر الزاملي (مستمران في منصبهما حتى الآن) وكانت بعض الاسماء التي حصلت على المناصب مدعومة من التيار الصدري الذي قدم لائحة من "التكنوقراط" في ذلك الوقت فاقت الـ30 اسما.

صوت عمليّة التحرير أعلى
وقطع إعلان العبادي انطلاق عملية تحرير الفلوجة من سيطرة "داعش" في منتصف 2016، الجدال داخل البرلمان، حيث كان ينظر الى المدينة الواقعة في جنوب الفلوجة وكأنها "رأس أفعى" التنظيم، ولاستعادتها رمزية كبيرة.
وفي ثلاثة أسابيع فقط استطاعت القوات الامنية السيطرة على المدينة، فيما كان قبلها قد تم تحرير الرمادي وتكريت وجرف الصخر.
وبعدها عاد البرلمان لانتقاد العبادي والتلويح بإقالته، خصوصاً بعد رجوع بعض الوزراء المقالين ونواب الرئيس بقرارات قضائية، وعدم وضوح الجدوى المالية من عمليات الترشيق أو تقليص الموظفين الوهميين الذين عرفوا في ذلك الوقت بـ"الفضائيين".
ودافع رئيس الوزراء في حينه عن قراراته وأصدر مجموعة أوراق نشرها في صحيفة (الصباح) الرسمية ضمن ملف كامل عن إصلاحاته، لكنّ الكتل السياسية وحتى حلفاءه استمروا بالقول إنّ ما فعله العبادي "هواء في شبك".
وانشغل الجميع بعد ذلك بمتابعة عمليات التحرير حتى استعادة الحويجة في أيلول 2017، والتفاف القوات بعد ذلك لمحاصرة كركوك وإخراج "البيشمركة" إلى ما وراء خطوط عام 1990، كردّ فعل على قيام أربيل بتنظيم استفتاء تقرير المصير في 25 أيلول 2017.
وأدار العبادي، بحسب سياسيين، أزمة كركوك بطريقة غير ناجحة وقدّم خطوة وأعاد الثانية في قرارات وصفت بـ"السياسية" للسيطرة على حقول النفط وطرق التصدير، واستغل منافسوه تلك الفرصة للإيقاع به، وأبرزهم المالكي الذي بدأ بمغازلة كردستان لسحب بساط الولاية الثانية منه.

الحرب لم تنتهِ
وفي نهاية العام الماضي أعلن العبادي "القضاء على داعش" بشكل نهائي بعد تحرير الموصل، لكنّ الهجمات ظلت مستمرة حتى يوم أمس، حيث انفجرت مفخخة في الفلوجة وعبوة ناسفة في تكريت.
وبعد شهرين عاد ظهور "قيادات داعش" في الموصل، وتكررت الهجمات في القائم وصلاح الدين، وشنّ التنظيم المتطرف عمليات اقتناص فردي للمدنيين ولمنتسبين أمنيين بإقامة حواجز وهمية بالقرب من كركوك التي حدثت فيها صراعات قومية وأدت الى هجرة نحو 100 ألف كردي منها الى الإقليم بسبب أعمال عنف، وحتى الآن لم تعد الحياة في المدينة الى طبيعتها ومجلس المحافظة معطل وتدار المحافظة بالوكالة.
وبعد ستة أشهر من "إعلان النصر"، قال نائب رئيس هيئة الحشد أبو مهدي المهندس، إن هناك 20 ألف داعشي في العراق، 6 آلاف منهم فاعلون. وأكدت مصادر أمنية وتقارير أجنبية وجود أعداد مقاربة كالتي ذكرها المهندس.

الأزمة مع الحشد
وتنافس "الحشد" والعبادي على تجيير النصر لحساب كل منهما، فيما حاول الاخير أكثر من مرة ضم فصائل الحشد الى القوات الامنية وتحديد حركتها. ووصل الصراع الى أعلى مستوى حين قرر العبادي نهاية آب الماضي إعفاء فالح الفياض من إدارة الحشد، وتنصيب نفسه وكالة.
وكان العبادي قد أعطى لنفسه حق إدارة وزارة المالية بالوكالة بعد إقالة البرلمان هوشيار زيباري في أيلول 2016، واعتذار وزير التعليم العالي عبد الرزاق العيسى الذي كلف بالمهمة عن إدارة الوزارتين، وبقي المنصب شاغراً حتى الآن الى جانب وزارتي الصناعة والتجارة.
وتعرض العبادي الى انتقادات شديدة بعد إقالة الفياض، بسبب تزامنها مع إعلان الأخير انشقاقه عن اتئلاف "النصر" الذي كان قد أسسه رئيس الوزراء المنتهية ولايته، وانضمامه الى تحالف البناء (العامري-المالكي).
وأظهرت نتائج الانتخابات التي جرت في 12 أيار الماضي، تراجع ائتلاف العبادي الى المركز الثالث، وهي المرة الأولى التي يحصل فيها حزب بالسلطة على مركز متدنٍّ في الانتخابات. وأرجع ذلك إلى مجموعة عوامل تسبب في تراجع شعبية العبادي، أبرزها قضية الإصلاحات ومحاربة الفساد التي تعامل معها رئيس الوزراء المنتهية ولايته بنفس طريقة الملفات السابقة.
وعلى وفق تلك النتائج شعر حزب الدعوة الذي انشطر أنصاره إلى قائمتين، بأن حظوظه في الحفاظ على منصب رئاسة الوزراء باتت صعبة، وظهرت خلافات الحزب الى العلن بين جناحي العبادي والمالكي، حتى جاءت أزمة البصرة لتنهي وجود الحزب والعبادي معاً على رأس السلطة التنفيذية.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top