بعد فوزه بجائزة كتارا للرواية المخطوطة..عبدالكريم العبيدي لـ (المدى): اللحية الأميركية ستصل للمتلقي كجثة لم يعبث بها أحد

بعد فوزه بجائزة كتارا للرواية المخطوطة..عبدالكريم العبيدي لـ (المدى): اللحية الأميركية ستصل للمتلقي كجثة لم يعبث بها أحد

زينب المشاط

إعتاد أن يسرد تفصيلات مثيرة لأعماق الواقع السحيقة بشكل غاية بالدقة، حريص على تأسيس منظومته المشهدية السردية الخاصة به، ومن يقرأ له سيجزم إنه نجح في ذلك، فهو مُقل فيما قدم كروايات عراقية إلا أنه نوعي بما قدمه، يُمكن اعتباره روائي الحرب والحب، حيث تحدث في رواياته عمّا خلفته الحروب العراقية، وتداعياتها، وهذا يتجسد في رواية "كم أكره القرن العشرين" التي دارت أحداثها في الحرب العراقية الايرانية، كما جسد في رواية "ضياع في حفر الباطن" والتي قدمت كعمل درامي مهم جداً جانباً من الحرب العراقية الكويتية، أما الخيال وسحره وجماله فتجسد في رواية "الذباب والزمرد"، ما ميّز رواياته هي جرأته في نقل الحدث وتصويره ونقل الرعب الذي عايشه الفرد في ذلك الحدث، وهذا ما أهل روايته المخطوطة " اللحية الاميركية... معزوفة سقوط بغداد" لنيلها جائزة كتارا للرواية المخطوطة لعام 2018، وهذا ما منحها فرصة الترجمة الى اللغة الفرنسية والانكليزية، لتصدر الرواية في تشرين الأول 2019، ليتم تسويقها، قد تكون "المدى" هي إولى الوسائل الإعلامية والصحفية التي اقتنصت فرصة محاورة عبد الكريم العبيدي حول روايته الجديدة:

 بدايةُ هل يُمكن أن تكشف لنا عن جانب بسيط مما تدور حوله الرواية المخطوطة "اللحية الاميركية"؟ ولا اعرف لِمَ أشعر أن العنوان ذو ارتباط سياسي - ديني له علاقة بسياسيي اليوم؟
- ربما سيقتصر الكشف على آلية الاشتغال عن بعد، فالرواية ستُطبع وتُترجم ويتم تسويقها عالمياً، وبعد أن تصدر في تشرين الأول من العام القادم ستقيم جائزة كتارا حفل توقيع لي في العاصمة القطرية الدوحة، وبعدها ستكون مباحة وسيكون الحديث عنها أكثر تخصصاً وغزارة وعمقاً.
بداية اسم الرواية:" اللحية الأميركية.. معزوفة سقوط بغداد" وهي روايتي الرابعة، وقد حظيت بالفوز بجائزة كتارا للرواية العربية 2018 - فئة الروايات غير المنشورة، وعلى الفور أهديت الفوز مباشرة من العاصمة القطرية الدوحة الى بلدي ووطني الحبيب العراق.
تخوض الرواية في أخطر راهن دموي مر به العراق في العصر الحديث، وأظنها ستكون طازجة للمتلقي وتشبه جثة لم يعبث بها أحد، بل وصلت بدمها وترابها وملامح قتلها المخيفة الى الشارع الثقافي. هذا كل ما أستطيع قوله الآن.

 ما هو الجديد الذي تتضمنه الرواية وجعلها مؤهلة لنيل الجائزة؟
- الجديد فيها، كما هو شأن رواياتي الأخرى هو عنصر الإدهاش وصور الرعب وقبح الارهاب وجرائم "الولائميين" المؤدية – كما يتمنوا هم ذلك – الى تفتيت الروح العراقية ومحاولة دفعها الى العبث والاندثار، وقد كتبتها بـ "دمي" كالعادة بكل صدق وجرأة وشفافية.
لقد نافست الرواية ستمئة رواية مشاركة وحظيت بالفوز، ومن المؤكد أن سحرها وتوهجها وآليات اشتغالها هو من صنع فوزها.

 الرواية ستترجم الى اللغة الانكليزية والفرنسية، برأيك كم سيضيف هذا الى عملك الأدبي، وكم سيساعد على انتشار عبد الكريم العبيدي؟ وهل إن عدم ترجمة الروايات العراقية الى لغات اخرى هي واحدة من أسباب عدم انتشار الروائيين العراقيين، وبقائهم ضمن حدود الشهرة المحلية؟
- بداية، أظن إن هذه الجائزة تمكنت من تحديد الحقل الدلالي الإبداعي لي كروائي، وجعلتني أتلذذ باكتشافها مساحة الإبداع لروايتي الفائزة، ووضعتها مباشرة داخل هالة الفوز الكبير وجعلتني أحتفي به. وهذا التحفيز المبهر مكنني من التحقق من التقاط إشارات الابداع من الطرف الآخر – الخارج دائماً - واستكشاف تميزه وجودته، وفق آليات لجان متخصصة وعالية المستوى، اتسم أعضاؤها المنتخبون بالحيادية والانصاف في إدراك جودة النص وفق منهج نقدي رصين ومنظومة قواعد اجرائية اتبعت، على مدى عام، جملة من الحلقات السرية المحكمة، وأشرفت على عمليات الفرز المتسلسل والانتقاء المدروس والتصنيف ومن ثم ترشيح روايتي الفائزة من بين هذا الكم الهائل من الروايات العربية المشاركة الذي ناهز الـ 600 رواية!
مؤكد، ستزداد سعادتي حينما أشهد حفل توقيع روايتي في العاصمة القطرية الدوحة في العام القادم بعد طباعتها ونشرها وترجمتها الى اللغتين الانكليزية والفرنسية والإشراف على تسويقها وإطلاقها نحو العالمية.
أظن أن عدم الإقبال على ترجمة الرواية العراقية الرصينة قد أسهم في بقائها في فضاء المحلية. وهذا الدعم "اللا دعم" هو عنصر واحد من عناصر الإحباط والتقويض للرواية العراقية التي لم، وربما لن تجد من ينصفها من الداخل واطلاقها نحو العالمية، وسيبقى أي مبدع عراقي ينتظر إشارة تثمين من الخارج.

 بعد أن قُدّم عمل "ضياع في حفر الباطن" كمسلسل هل تعتقد إن العمل الأخير يصلح ليُقدم كعمل درامي؟ والى أي مدى تُفكر بأن يُقدم عملك كمسلسل أو فيلم حين تكتبه؟ أم إنها الصدفة هي التي تمنح العمل هذه السمة؟
- سبق وأن أقدمت جائزة كتارا على هذه الخطوة، وأظنها مقبلة على خطوات رائعة في هذا المضمار. نعم ما زالت الفرصة قائمة لتحويل هذه الرواية الى عمل درامي، وأظنه سيكون مدهشاً.
ربما بعد صدور الرواية بأكثر من لغة، ستقترب كثيراً من فضاء تجنيسها في عالم آخر، ومن المؤكد أنها ستخلق من جديد، وتبقى مستقلة في فضائها الروائي، بينما تذهب صورتها الفنية الى فضاء العدسة والديكور والتمثيل وغيرها.

 الى أي مدى استطعت تقديم أرشفة للتاريخ الحالي، والحدث الحالي في رواياتك؟ وبرأيك هل يكتفي أن نناقش حكايات الحرب والموت والحياة والمجتمع دون التطرق الى حكايات الحب في رواياتنا؟ الى أي مدى ناقشت قضايا الحب في كتاباتك؟
- لم أقدم على آلية أرشفة في كل رواياتي، ومن يقرأ الروايات سيجدها تقرأ الحدث وتتعمق به ثم تخلقه بلبوس جديد، وبعدها تنيب وتتقدم على التاريخ الذي تمّ تزييفه منذ عقود، وربما على مدار الزمن بسبب كتابته من قبل الحكام أو في عهودهم من قبل لاعقي مواعين الأنظمة في كل عصر.
للأرشفة آليتها وحياديتها التاريخية والإعلامية. أنا سارد ولست مؤرشفاً وغير معني بهذا الفضاء، لأن مهمتي هي الخلق والابتكار والصناعة الروائية. ولكل سارد روايته الكبرى في أعماقه، وما عليه سوى أن يغرف منها الثيمات المؤهلة لولادة رواية جديدة من تلك الرواية الكبرى. شخصياً أطلق على رواياتي ببناتي الجميلات الحالمات المصنوعات بعراقيتي الحبيبة.
أما موضوعة الحب فستجدينها موجودة بعمق في كل رواياتي، وغالباً ما تكون قصصها محبطة وتموت في أوجها، وكأنها صورة من صور الضياع الجمعي، وإشارة واضحة من إشارات الخراب، وموت الحياة والحلم في خضم الدم وعالم الجثث وظلام المعتقلات وحياة الهاربين من جحيم المعارك. هل ستصمد قصة حب في كل هذا العدم يا عزيزتي؟

 هل نستطيع أن نُسميك روائي الحروب العراقية؟ فكما وثقت أحداث الحرب العراقية الايرانية في رواية "كم أكره القرن العشرين" والحرب العراقية الكويتية في رواية " ضياع في حفر الباطن" واعتقد أن هناك توثيقاً لأحداث اليوم في "اللحية الأميركية" فهل تحاول أن تستحوذ على هذا اللقب بما تقدمه وتناقشه في رواياتك؟
- ها أنتِ لم تبتعد من الأرشفة والتوثيق. كلا، الأمر أعمق بكثير من مفردة توثيق بمعناها الفني. أظن أنني أسرد مشاهد الحياة وفق آلياتي التي يلتقطها المتلقي، والسرد لا يتكئ على المشهد بل يغرف ما يشاء من صور وآليات عديدة ليقدمه بأسلوب روائي لا يُعْتمد عليه تاريخياً، بقدر ما يكون شهادة صادقة حية بنيت بالسرد وليس بعدسة مصور أو قلم مؤرشف، بل بعين ساردة وحسب.
ربما أنا سارد ضياع الأجيال العراقية ومطاحن الحروب، وهو أمر لا يسعدني، لكنه الحقيقة رغم مرارتها. لقد وضعتني الحروب في رحمها، ولم أخرج منها إلا بروايات مؤلمة رغم سحرها وجاذبيتها.

 الجرأة، وسحر الخيال، وقوة نقل الحدث، من الصفات التي عُرفت بها أعمالك، هل تتقصد التركيز على هذه العوامل لتخلق أسلوبك الخاص بك؟ أم على أي شيء يعتمد أسلوب عبد الكريم العبيدي؟
- ربما من المحال أن يقترب أسلوب أي مبدع من "القصدية"، وإن حصل أمر كهذا فحليفه الفشل حتماً. الأسلوب لا يُصنع، بل تخلقه ملكة المبدع، ومثلما له من السحر والجاذبية والشد، فله مقومات البناء والنمو والتطوير القادمة من التفاعل مع الأشياء وتخمير ما تمّ اصطياده ومزجه مع الكثير من أدوات المبدع واجتهاده ومواظبته وأحاسيسه، وفي النهاية تأتي عمليات التكوين والمخاض والولادة.
أسلوبي في السرد، حسب ما أرى يعتمد على شعرية الكلمة وجاذبية الجملة ومعلوماتية الثيمة.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top