تجاوز حاجز الفقر عالمياً باكورة لمواجهة التحديات التنموية في العراق

آراء وأفكار 2018/11/04 06:55:26 م

تجاوز حاجز الفقر عالمياً باكورة لمواجهة التحديات التنموية في العراق

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

   تقرير البنك الدولي للعام 2018 يعطينا تنبُؤاً مهماً يحمل تفاؤلاً حذراً مفاده أن حاجز الفقر المدقع عالمياً الذي تقررت نسبته بحدود 10% من سكان العالم في عام 2015 انخفض إلى قرابة إلى 8.6 % ولكنه مايزال برغم ذلك يمثل رقماً كبيراً يستوجب النظر له بعناية ، خاصة إذا أضفنا إليهم  أعداد السكان الفقراء الذين لم يصلوا بعد لمستوى الفقر المدقع وإنما يتم تصنيفهم فقراء . إن التقديرات العالمية تشير أيضاً إلى أن نصف سكان العالم من الفقراء يمثلون شريحة الاطفال مآساة إنسانية بكل معنى الكلمة. أما نسبة الفقر في بلدنا وهو أمر مؤسف حقاً كون العراق ذا إمكانات ضخمة للغاية ، فقد تصاعدت من 18.9 % في عام 2012 إلى 22.5 % في عام 2014. علماً بإن النسبة قد سجلت ارتفاعاً أخر منذ 2014 إلى 2018 في جميع مناطق العراق إذ ووفقاً لتقديرات البنك الدولي للعام 2018 مايقارب من نصف سكان المناطق الجنوبية هم من الأطفال ، مضافاً إلى وجود أكثر من مليوني شخص من النازحين نسبة  النصف منهم تقريباً من الفقراء . قدر البنك الدولي World Bank  نسبة الفقر في المناطق المحررة (الشمالية والغربية) من دنس داعش بحدود 41.2 % ، وفي المناطق الجنوبية وصلت النسبة إلى قرابة 30% ، وفي الوسط وصلت النسبة 23% وأخيراً في المناطق الشمالية من كردستان قدرت النسبة ب12.5 % . نسب كبيرة ولاشك خاصة إذا ما عرفنا بإن مقياس الفقر المدقع الذي حدده البنك الدولي بحدود 1.90 دولار ما يكسبه الشخص من أجر يومي (أمر ينطبق على مناطق عدة في العالم ومنها العراق) . المشكلة تتصاعد أهميتها إذا ما عرفنا بإن القوى البشرية العراقية الراغبة بالعمل لاتعمل ( عاطلة ) عن العمل أو أن عملت فإن مجال عملها  " غير منتج أو بيروقرطي" يتم في ظروف بيئية – إجتماعية سيئة للغاية ، أو عمل لايرتبط أساساً بالتخصص العلمي أو المهني الذي حققه المواطن العراقي عبر إنجازه مراحل دراسية متقدمة . إن مأساوية الوضع العراقي تتجلى أكثر في عدم توفر شبكة مناسبة إنسانياً للحماية الاجتماعية والاقتصادية للكثير من فئات المجتمع المدني وعلى رأسهم فئات المحرومين والفقراء. إضافة لاتوجد أنظمة وقوانين مناسبة لحماية الاطفال الفقراء وغيرهم من فئات تتعرض للمخاطر يومياً. جدير بالاشارة من المنظور العالمي تعد الصين نموذجاً دولياً ناجحاً في تخفيض مساحة الفقر الذي عانت منه مناطق واسعة من الريف الصيني وصلت إلى مئات الملايين من البشر لتنقلهم أو تنقذهم من أوضاع الفقر أو حالة البؤس المحتم إلى أوضاع أكثر إنسانية حيث يعمل الكثير من الصينيين في المدن التي سارت أو تسير فعلياً على طريق التحديث السريع المواكب لعصر التقنيات الرقمية والصناعية . من جهته أشار رئيس البنك الدولي جيم يونج كم إلى أنه عبر ال25 عاماً الماضية تحررت نسبة مهمة من سكان العالم  البالغ عددها بليون نسمة من حالة الفقر المدقع مايعني أيضاً أن معدل الفقر العالمي قد نقص عن ما كان عليه سابقاً مقارنة بأية فترة سابقة. هذا وقد أضاف رئيس البنك الدولي مايلي : "إذا أردنا أن ننهي حالة الفقر بحلول 2030 نحتاج لإستثمارات هدفها بناء رأسمال البشري". إنطلاقاً مما تقدم ، لابد للعراق من إتخاذ خطوات سريعة لتحقيق درجات عالية من النمو للناتج القومي الاجمالي والذي بدوره سينعكس إيجاباً على تقليص مساحة الفقر خاصة عند فئة الأطفال التي لازالت كبيرة جداً بكل المقاييس . من هنا، كشف تقرير البنك الدولي عن إحصائية أخرى مهمة تشير إلى أن 48% من سكان العراق لاتتجاوز أعمارهم ال18 عاماً بينهم 23% من الفقراء بمعنى أن طفلاً من كل أربعة أطفال يمكن تصنيفه فقير. وضع كهذا لايبشر بخير طالما لم تترجم خطط التنمية الاقتصادية الشاملة لبرامج تنفذ وفقا لمراحل زمنية محددة هدفها حماية وتنمية جيل الطفولة من خلال تدعيم مسؤولية الدولة والقطاع الخاص التي بدورها في مرحلة لاحقة تدعم مايعرف بمرحلة "تمكين جيل الشباب" الذين هم عماد بناء وإعادة إعمار العراق . ترتيباً على ماتقدم ، مع ازدياد أسعار النفط (70-80 )دولار للبرميل الواحد) تتوفر فرصة جديدة أخرى لبناء عراق متماسك إجتماعياً –اقتصادياً بإمكانه تجاوز التحديات والازمات الاقتصادية التي تؤثر سلباً على التنمية البشرية. الأكثر أهمية أن يتم كل ذلك من خلال إعتماد التخطيط الستراتيجي الرصين المستدام الذي ساد وسارت عليه الدول المتقدمة ولعل ما يجب الاضافة يشير إلى أن العراق فيه من الامكانات والقدرات بعيدا عن الاقتصاد الريعي ما يسهل إنتقاله إلى اعتماد إقتصاد وطني إنتاجي-تنافسي يحقق مكاسب مهمة على الصعد الاقليمية والعالمية. إن توفر التماسك والامن المجتمعي بداية لابد منها لإنعاش العراق تعزيزا لقوته إقتصادياً – تنموياً وستراتيجياً. أخيراً من المهم الاطلاع على تجارب الدول المختلفة بضمنها دولا متقدمة مثل الولايات المتحدة والدول الاوروبية وأخرى دول دول صاعدة (تعد متوسطة القوة) تنموياً من أجل أخذ الدروس والعبر لعدم تكرار حصول أخطاء مستقبلية والعمل على إنجاح العراق في المحيط الخارجي في كل حقول الحياة الانسانية. السياسة –الاقتصاد والاجتماع والبيئة حقول اساسية من الحيوي معالجتها بعمق وبصورة تفاعلية لعلاقتها الوثيقة بتجاوز خط الفقرعالميا. احد الاختبارات المهمة لنجاح الحكومة العراقية الجديدة يرتبط بمدى نجاحها في حماية وتنمية جيل الطفولة وبضرورة عدم تضييع فرص التعليم الاساسي لها كي ينشأ جيل صحي بيئياً متقدم معرفياً بعيداً عن أوضاع الجهل والحرمان السائدة . مسؤولية كبرى لابد من إنجازها بصورة علمية صحيحة ، سليمة وشاملة وطنياً. 

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top