قصة النفط في العراق .. رؤية روسية

آراء وأفكار 2018/11/04 06:59:05 م

قصة النفط في العراق .. رؤية روسية

عبدالله حبه

إلتقيت في اثناء الإحتفالات بمناسبة مرور 200 عام على تأسيس معهد الإستشراق بموسكو الباحثة الروسية جلنار ولي أحمدوفا التي كرست جميع أعمالها البحثية الى صناعة النفط في العراق. وحسب قولها فإنها اصيبت بفيروس إسمه " نفط العراق" منذ أن تخرجت في عام 1996 من جامعة أوفا في جمهورية بشكيريا الروسية . وقد ناقشت أول أطروحة حول نفط العراق لنيل الدكتوراه في جامعة يكاترينبورغ حيث تعمل حاليا كأستاذة مختصة بتاريخ بلدان الشرق الأوسط . وبعد ذلك ناقشت أطروحة دكتوراه الدولة في معهد الإستشراق في موسكو بإشراف د. فيتالي ناؤمكين مدير المعهد آنذاك حول موضوع النفط العراقي أيضا.

وتناولت ولي احمدوفا في أربعة كتب موضوع نشوء صناعة النفط في العراق في مختلف المراحل منذ عام 1928 وحتى الإحتلال الأميركي للعراق في عام 2003.
وقالت ولي أحمدوفا في حديث مع " المدى ": إنني أنجذبت الى موضوع النفط العراقي لأنه لم يبحث من قبل الخبراء في روسيا سابقاً بشكل تفصيلي. وقد أبديت الإهتمام بالوضع الاقتصادي للعراق وثرواته الطبيعية أكثر من المواضيع الأخرى التي طرحها أساتذتي علي مثل بحث دور حكيموف وتورياكولوف المبعوثين السوفيتيين في اليمن والمملكة العربية السعودية. وقد آثرت الكتابة عن نفط العراق بالرغم من قلة المصادر الروسية وإعتمدت على أرشيف الدولة الروسي وأرشيف الكومنترن بموسكو وكذلك على مواد الأرشيفات البريطانية في لندن. وقد إلتقيت هناك في 4 نيسان 2008 الخبير العراقي فاضل الجلبي الذي عمل في "اوبك " فحدثني عن أمور كثيرة تتعلق بالصراعات بين الدول الكبرى لفرض السيطرة على النفط العراقي لاسيما بين بريطانيا والمانيا النازية وما قيل عن ميول رشيد عالي الكيلاني النازية. وفي الواقع إن الكيلاني لم يكن يعارض التعاون مع بريطانيا، ولكنه نظر الى إحتمال التقارب مع دول " المحور" فقط بصفتها وسيلة للضغط على لندن من أجل تقليل النفوذ البريطاني في العراق. ولم يتوجه الكيلاني للتحالف مع المانيا النازية إلا بعد أن نزلت القوات البريطانية في البصرة في نيسان عام 1941 وفشلت المحاولات للتوصل الى إتفاق سياسي بين بغداد ولندن. وآنذاك قررت بريطانيا إعادة احتلال العراق. وإعتمد الكيلاني في حركته ضد البريطانيين على الضباط العراقيين المتوجهين نحو التعاون مع برلين . ويعتقد فاضل الجلبي إن مواد الأرشيف البريطانية تظهر تحايل لندن بخصوص نوايا رشيد عالي الكيلاني الذي كان من ذوي الميول القومية والنزعة البراجماتية. وفي الواقع كانت لندن بحاجة الى ذريعة من أجل تحويل المواجهة السياسية مع العراق الى طور النزاع المسلح وبهذا تحقق هدفها الرئيس ألا وهو إحتلال العراق مجددا.W
وذكرت ولي أحمدوفا في كتابها " النفط ولإستقلال" إن السياسة الدولية كانت في فترة كسب العراق الاستقلال (1928-1932) مرتبطة إرتباطا شديدا بقضايا السيطرة على مصادر الوقود والطاقة . ومارس عامل النفط تأثيراً كبيراً في إنهاء الوصاية البريطانية على العراق. وتعددت أساليب الدول الكبرى لتحقيق مصالحها في هذا المضمار بمنطقة الشرق الأوسط. وغدا نفط العراق رهينة لسياسة " الكبار". وكانت المنافسة على نفط العراق مرتبطة بالوضع الدولي عموما ، وبدوره حدد توزيع القوى على النطاق العالمي. كما حدد خصائص التطور السياسي والاقتصادي لدولة العراق. إن نافورة النفط التي تدفقت في بابا- كركر قد دشنت عهدا جديدا ليس في تاريخ العراق فقط ، بل وفي منظومة العلاقات الدولية في الشرق الأوسط.وأزالت نتائج البحوث الجيولوجية كافة الشكوك بصدد مردود مواصلة الإستثمار في صناعة النفط العراقية. وساهمت في ذلك شركات من بريطانيا والولايات المتحدة وهولندا وفرنسا. وأظهر تطور الأحداث لاحقا أن العراق أصبح بسبب وجود النفط لديه رهينة الصراع بين الدول الغربية التي حاولت كل واحدة منها إستغلال بغداد في ألاعيبها السياسية المعقدة المتعددة الوسائل. وإحتل النفط العراقي المكانة الرئيسية في ذلك.
كما برزت مشكلة نقل النفط العراقي الى الخارج. وفي البداية تم نقل النفط بواسطة خط الأنابيب الى حيفا ، وبعد قيام دولة إسرائيل بدأ النقل بواسطة خطي طرابلس وبانياس. لكن في فترة الصراع بين صدام حسين وحافظ الأسد توقف ضخ النفط عبر الأراضي السورية وتم مد خط انابيب جديد الى تركيا. وفي أثناء الحرب الإيرانية العراقية توقف عمليا ضخ النفط من جنوبي العراق عبرالخليج العربي. وهكذا بقيت مشكلة النفط العراقي الى الخارج تحت تأثير التقلبات السياسية في المنطقة الى جانب هيمنة الشركات الأجنبية على قطاع النفط في البلاد .
وتناولت الباحثة في كتابها " نفط العراق في سياسة الدول الكبرى في الشرق الأوسط خلال فترة 1932-1941" موضوع المنافسة بين الدول الكبرى للسيطرة على حقول النفط العراقية في الأعوام الأولى بعد الإستقلال.وتدل المكونات السياسية الإستراتيجة والإقتصادية للسياسة الخارجية والنفطية للدول الغربية والشرقية على تنوع العوامل المؤثرة في هذه العملية . علما إنها تشبه كثيرا مكونات الوضع الراهن في الشرق الأوسط.
وأشارت ولي أحمدوفا الى أن قضايا النفط في الشرق الأوسط إتسمت منذ أعوام الثلاثينيات من القرن الماضي بعدة سمات أولها اكتشاف مكامن جديدة من النفط العالي الجودة في العراق ، وتغير الأوضاع في سوق النفط بعد إكتشاف النفط في شبه الجزيرة العربية ، وبدء المنافسة بين الشركات العالمية لاسيما الأمريكية مع الشركات الأوروبية للسيطرة على سوق النفط. وكانت الهيمنة في صالح الشركات الأميركية. كما إن الدبلوماسية النفطية أصبحت من مكونات سياسة الدول الكبرى في الشرق الأوسط. وإستخدمت بريطانيا النفط العراقي كعامل رئيسي لدى تحديد مهام السياسة الشرقأوسطية عموما في الأمد القريب والبعيد. وبعد نيل العراق الإستقلال سعت وزارة الخارجية البريطالنية بكل السبل الى ربط العراق بمعاهدات تحالف جائرة أثارت احتجاج القوى الوطنية في البلاد.زد على ذلك لجأت الحكومة البريطانية الى الأساليب السياسية- المالية في التدخل في سياسة العراق الخارجية والداخلية بغية إبقاء الدولة المستقلة حديثا تحت سيطرتها.ومن هذه الأسليب تقديم قروض تسهيلية لتنفيذ برامج التحديث الاقتصادي والبناء العسكري بهدف إبقاء العراق في حالة تبغية مالية الى بريطانيا ، وتقديم المساعدات الدبلوماسية الى شركة نفط العراق بغية فرض احتكارها لنفط العراق والحيلولة دون اقتراب العراق من الدول المنافسة لبريطانيا، وابعاد الاقتصاد العراقي عن الرأسمال الأجنبي بمنع الشركات الأوروبية الأخرى المنافسة للشركات البريطانية من العمل في العراق.وفي الواقع كانت الشركة تعمل بتنسيق كامل مع الحكومة البريطانية للحيلولة دون قيام العراق من إقامة أية علاقات مع الدول الأخرى ومنها المجاورة مثل تركيا وايران في مجال النفط وتسويقه. وفي وقت لاحق بدأت بريطانيا بالإعتماد على شركات النفط الأمريكية في الحفاظ على مواقعها بعد ضعف نفوذها في الشرق الأوسط وتصاعد حركة التحرر الوطني في المنطقة.
من جانب آخر سعت المانيا وايطاليا الى ايجاد موطئ قدم لها في الشرق الأوسط بإستخدام الوسائل العسكرية والسياسية على حد سواء بهدف الوصول الى أبار النفط هناك بواسطة هجمات خاطفة بقوات صغيرة العدد وبإستغلال نقاط ضعف الحلفاء وتصاعد الحركة القومية العربية. وقد أدركت القيادة البريطانية ذلك ولهذا أخمدت بسرعة وبقسوة حركة رشيد عالي الكيلاني في عام 1941. وطوال فترة الحرب العالمية الثانية سعت المانيا الى فرض الهيمنة السياسية والاقتصادية في المنطقة. وعندما فشلت في ذلك وضعت الرهان على تنفيذ عملية "بارباروس" ضد الإتحاد السوفيتي من أجل الزحف الى مناطق آبار النفط في القوقاز . لكن من جانب آخر سعت الشركات الأميركية الى التسلل الى المنطقة مستغلة ضعف مواقع بريطانيا في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية. وتراجعت بريطانيا أمام النفوذ الأميركي وعندئذ نشأ التحالف البريطاني – الأميركي لإبقاء النفوذ الغربي في المنطقة .
وتعتقد الكاتبة إن امكانيات التعاون متوفرة بين العراق وروسيا في مجال الصناعة النفطية بالرغم من معارضة الغرب ،وسيتم ذلك أذا ما تخذت قيادة البلاد موقفا براجماتيا من التعامل الإقتصادي مع الدول الأخرى. لكن تجري في الشرق الأوسط الآن ألاعيب قديمة وفق قواعد قديمة. ولحمتها وسداها جعل بلدان المنطقة في حالة تبعية وخضوع لهيمنة قوة أجنبية ما.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top