أين العراق من اعتماد الدبلوماسية العلمية طريقاً حيوياً لحل المشكلات والأزمات المتفجرة؟

آراء وأفكار 2018/11/13 09:21:15 م

أين العراق من اعتماد  الدبلوماسية العلمية  طريقاً حيوياً لحل المشكلات والأزمات المتفجرة؟

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

استرعى انتباهي وأنا أتابع بقلق ما ستؤول أليه مشكلات وأزمات العراق المتفجرة مثل أزمتي البصرة و نفوق الأسماك في الأشهر الماضية وغيرها من أزمات حياتية خطيرة يرتبط جزء كبيرمنها بأحوال المواطنين التي إزدادت سوءاً ولم تتحسن ألا قليلاً (نسبيا) إننا بحاجة لأستخدام أدوات جديدة تفكك الأزمات أو تقلل من مخاطرها أو قد تحتويها . من هنا تأتي أهمية مايعرف بمفهوم الدبلوماسية العلمية Science Diplomacy طريقاً منهجياً حيوياً لمعالجة المشكلات والأزمات المتفجرة أو التي في سبيلها. ورد تعريف الدبلوماسية العلمية - لم يعرف بشكل دقيق أو شامل - في عام 2009 في كتاب عنوانه: الدبلوماسية العلمية – العلم، القارة القطبية الجنوبية وحوكمة الفضاءات الدولية Science Diplomacy : Science , Antarctica and the governance of international spaces) ). جدير بالذكر إن لاعبي الدبلوماسية العلمية متعددون (أشخاصاً ، دولاً ، منظمات حكومية وغير حكومية ، أو إقليمية وعالمية ) كتعدد الموضوعات التي تدخل في صلب أهتماماتها ( موضوعات تخص تحديات عالمية لابد من مواجهتها : مشروعات علمية وتكنولوجية كبرى ، الأمن ومنع انتشار الأسلحة ، سياسات تجارية – اقتصادية –إجتماعية ، سياسات بيئية وصحية وأخرى تعتني بالرخاء الاقتصادي والاجتماعي وغيرها) . الفكرة وراء الموضوع إن استخدام الدبلوماسية العلمية قد أسهم أو يسهم وفقاً لظروف الدول المختلفة بتجسير الخلافات السياسية- الامنية - الاقتصادية – الاجتماعية – الثقافية –العلمية وغيرها على المستوى الدولي ما يطرح أملاً بأمكانية إيجاد حلول علمية ناجعة نسبياً لمشكلات وأزمات العالم . أنطلاقاً من ذلك ، تأتي أهمية إدراج الدبلوماسية العلمية جزءاً جوهرياً من صناعة السياسة الخارجية والدبلوماسية التي تعهدتها الدولة العراقية . مايعطي للموضوع أهمية خاصة إن العراق يود أن ينقل من خلال سياسته الخارجية ودبلوماسيته (الاداة المنفذة للسياسة الخارجية) رسالة شاملة دقيقة (علمية كونها مدعمة بالوقائع والارقام والوثائق) وواضحة شفافة هدفها حماية مصالح العراق أولاً وهو أمل يعقد على كل تحرك عراقي خاصة على أعلى المستويات كالزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية العراقية برهم صالح لمنطقة الخليج العربي . ولكن قد لا يعد لأية زيارة رسمية معنى كبير أكثر من كونها توصف بإنها "بروتوكولية مهمة رمزيا" وقد تتحول لزيارات عملية مهمة جدا فقط عندما تعتمد الدبلوماسية العلمية حيث تفتح ملفات لموضوعات حيوية تهم مصالح العراق والمنطقة بصورة متبادلة وفقا لمبدأ توازن القوى والمصالح . ما أشرت إليه من المفترض أن يطبق على كل الزيارات الرسمية للمسؤولين العراقيين. ولعل إشارة السيد عادل عبد المهدي رئيس الحكومة الذكية والمهمة جداً تأتي في هذا السياق بمعنى تعهد حكومته بعدم القيام بزيارات خارجية قبل قضاء 100 يوم من تشكلها حيث يمكن عندها فقط أن تطمئن حكومته نسبياً من أن تلك الزيارات ستؤتي ثمارها المستقبلية للعراق أولاً وللمنطقة بشكل متواز ثانياً . من هنا ، أهمية أن يدخل العراق في برنامجه الدبلوماسية العلمية باعتبارها نهجا يتفحص كل المطالب سواءً تلك التي للعراق ان يحصل عليها أو يفي بها أو تأكيدا للالتزامات الدولية . سياسة ترتبط اساسا بحماية الامن الوطني ، الاقليمي والدولي في كل عناصره الاساسية . من أمثلتها سياسة مهمة عرفت سابقا بحسن الجوار Good Neighbourly Policy أسس لها في عهد الملك فيصل الأول (1921-1933) واضحت مع مرور الوقت ركيزة اساسية لحماية امن ومصالح العراق رغم عدم تنفيذها بصورة شاملة أو مرضية بشكل كامل للعراق أو للمنطقة . من المناسب الإشارة إلى أن الملك فيصل الاول وإن لم يشر للدبلوماسية العلمية بالاسم ولكنه عرفنا بها من خلال عناصر حيوية لمذكرته الشهيرة للعام 1931 والتي أراد من خلالها إقامة علاقات تعاون ومصالح متبادلة متوازنة مع دول الجوار والعالم الخارجي (قدر إتاحة ظروف التأسيس لعراق جديد). وهذا ومن المناسب القول بانه لن يتم ذلك دون فتح صحائف جديدة أو متجددة مع كافة دول الجوار للنظر بإمكانية ترسيم رؤية استراتيجية واضحة تنقل صورة موضوعية نسبيا لطبيعة التحديات التي ستواجه العراق . ترتيباً على ذلك لابد من الاستفادة من كافة دروس المراحل السابقة التي مرت بالعراق كي لاتتكرر سيناريوهات الفشل والانطلاق بكل ثقة لمراحل متقدمة تنعكس خيراً على العراق اولا ومن ثم على المنطقة والعالم ثانيا . المشكلة او لنقل أحد التحديات المهمة التي تجابه العراق حاليا تكمن في ضرورة بناء هيكل سياسي وأمني داخلي قوي يمنع تدخل قوى الجوار في شؤون العراق إلا إذا كان تدخلاً مفيداً يترجم لمشروعات مشتركة هدفها حماية مصالح كل طرف بصورة متوازنة من جهة وبشكل يؤسس لعلاقات صحية متطورة تنهج نهجاً يبني العراق والمنطقة "دون أفراط أو تفريط" على حد سواء. ولعل من المناسب القول أن ما أشار اليه الملك فيصل الأول في مذكرته الواقعية والتي رتبت لخارطة طريق واضحة كان من المفترض ان تنعكس إيجابا على الشأن العراقي ضرورة النظر لتجربتي إيران وتركيا في الاكتفاء الذاتي ما يؤكد ضرورة أن يؤسس العراق ركائز صلبة جوهرها بناء مجتمع متماسك نسبيا في ظل أقتصاد متنوع غير ريعي مستقل معتمداً على طاقات وإمكانات ذاتية مهمة والتي لم يحسن استغلالها أو استثمارها في المراحل السابقة بهدف خلق وتنشيط قطاعات إنتاجية صناعية ، زراعية وخدمية تماما كما تمنى مؤسس العراق الحديث الملك فيصل الاول في رؤيته الثاقبة التي تشير إلى رغبته مثلاً بأنشاء معمل لنسيج القطن بدلاً من دار حكومة، أوأن يرى معملا للزجاج بدلاً من قصر ملكي . إن عراق مابعد فيصل الاول والعهد الملكي والعهود الجمهورية التي تلته يحتاج منا للنظر بشكل موسوعي معمق لإية بارقة أمل أو بوارق أمل ناجمة عن تحقق تجارب وإنجازات مشهود لها سبق وأن نجحت على مختلف الصعد من أجل البناء عليها حاضرا ومستقبلا . الشئ المؤسف حقا هو ضياع وقت كبير في جدل مبرر (أو ربما في نظر الكثير غير مبرر) حول كيفية تأليف كابينة وزارية جديدة "تقنية إفتراضا" برئاسة السيد عادل عبد المهدي. وزارة ينتظرها العراقيون بفارغ الصبر في ظل مناكفات لن تسهم حقاً ببناء عراق جديد يتمتع ب"سيادة وطنية ومستقلا" يحسب له ألف حساب على الصعيدين الاقليمي والدولي هذا إلا إذا خلصت النوايا وإتجهت لتأكيد علمية التوجه في التعمق في تشخيص أين الخلل وكيفية الحل؟؟. عقب هزيمة داعش عسكرياً لابد للاعبين الاساسيين في النظام السياسي أن يوحدوا صفوفهم بعيداً عن أية خلافات تدمي واقع العراق وتأخر مسيرته التنموية الانسانية المستدامة. العراقيون جميعاً حكومة وشعباً بأمس الحاجة لتوحيد الصفوف وللنظر بشغف لمستقبل زاهر وذلك بنفس الحماس الذي يحتاجه الوطن لبناء إقتصاد متين قوي متنوع يواكب بناء مجتمع ووطن عراقي متعدد الاطياف محمي في إطار قوة القانون من كافة الأوبئة والامراض الاقتصادية على رأسها الفساد استشرى في الدولة والذي هو صنو للارهاب وكذلك ضرورة إنهاء المحاصصة "المقيتة" بكل تقسيماتها قبلياً –مناطقياً – دينياً – مذهبياً – عرقياً –قومياً إلى غير ذلك . دون ذلك لن تتالف "كتلة حرجة تحت قيادة سياسية –دبلوماسية متنورة" ذات كفاية هدفها بناء دولة مواطنة تتكافأ فيها الفرص وتستند لمعطيات ومبادئ العدل الاجتماعي والاقتصادي بحيث تنظر إلى أهمية إنجاز أولويات شبكة الحماية الاجتماعية من خلال أنتشال الفئات والطبقات المحرومة من كبار السن إلى الاطفال المشردين في الشوارع إلى الشباب ذكوراً وأناثاً الذين لم يتسنَ للكثير مهم فرص عمل تليق بتخصصاتهم .. إن مرور الوقت الثمين وعدم الاستثمار الصحيح لبناء عراق متقدم يواكب العصر السريع الانتقال وفقا لمتغييرات تستوجب التجدد والتكييف لايعد امرا مثاليا ولكنه في واقع الامر مسالة حيوية وواقعية خاصة إذا ما نظرا كميات الهدر الاقتصادي للموارد المائية والطبيعية كتلك التي يمثلها قطاع الطاقة مثلا من نفط وغازطبيعي أو قطاع التعليم الذي يخرّج أعداداً كبيرة جدا من الطلبة دون استثمار حقيقي لتخصصاتهم العلمية . أمامنا اشواط طويلة لاستثمار مختلف طاقات العراق المتنوعة بشكل علمي وسريع نسبياً يتناسب مع احتياجات السكان المتصاعدة الامر الذي سيحقق في النهاية للعراق مدخولات مالية إضافية جديدة . الجميع ينتظر أن يعاد النظر في موازنة عام 2019 كي تحقق لكل العراقيين منافع عامة مهمة جداً أومصادر مالية تنعش اوضاعهم في كل انحاء العراق وبصورة ترفع من مستويات وجودة حياتهم في دولة تملك الكثير من الطاقات البشرية الكفوءة داخل وخارج العراق إضافة لأمكانات وقدرات مادية وطبيعية كبيرة جداً لابد من استثمارها وسريعاً بشكل سليم علمياً. من منظور مكمل لابد لصناع السياسة الخارجية العراقية أن يستوعبوا الفرق الاستشارية العلمية والمهنية المشهود لها بالكفاءة كي تدلي أيضا بدلوها من خلال تقديم الاستشارات العلمية لمواجهة التحديات مثل "التغيير الماخي" إتساقا مع بلورة استراتيجيات للتعاون العلمي والتقني (التكنولوجي) في دول الاستضافة لبعثاتنا وقنصلياتنا في الخارج. من هنا ، ضرورة الانتفاع من خبرات الدول التي كانت ظروفها تماثل العراق ولكنها حققت برغم ذلك نتائج باهرة في الاستفادة من قوة العمل والتخصصات في مختلف مجالات التنمية الانسانية . في الختام أود التأكيد على مايلي : أولاً : أن تلعب وزارات التعليم العالي والتقنية في العراق أدواراً نشطة فاعلة في طرح مشروعات تنموية تسهم ببناء عراق جديد بحق. ثانياً: تطوير ستراتيجيات وسياسات للتعاون وللتنسيق العلمي والتقني بين العراق ودول العالم خاصة مع عالمنا العربي ثالثا: تشجيع وإدامة حضور الخبرات والمواهب الوطنية العراقية بمختلف التخصصات كي تسهل إنجاز متطلبات التنمية الانسانية المستدامة. إذا "توفرت الإرادة توفر طريق الحل" كما تقول المقولة المعروفة.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top