المثقفون ووزارة الثقافة.. معركة امتيازات أم كفاءات

المثقفون ووزارة الثقافة.. معركة امتيازات أم كفاءات

زينب المشاط

الإشكالية الأزلية لوزارة الثقافة العراقية، التي بدأت منذ 2003 وحتى اليوم، ما بين مشاكل التخصيصات المالية المعتمدة على الموازنة السنوية للدولة العراقية، وبين منح منصب الوزير اعتماداً على المحاصصة بغض النظر عن " إن المثقف أدرى بشعاب الثقافة"، إضافة الى ما اقترحه المدى من إقامة مجلس أعلى للثقافة، يعمل مجاوراً للوزارة أسوةً بالطابع الثقافي الحكومي في مصر، والذي سيكون مؤلفاً من شخصيات ثقافية وفنية مختلفة تمثل المؤسسات الثقافية العامة والخاصة المعتمد عليها....

مشكلة وزارة الثقافة العراقية بعد انتخابات 2018، واختيار وزير ثقافة لاقى الرفض الاكبر من قِبل المثقفين والفنانين والذين اعلنوا عن رفضهم لهذا الاختيار، من خلال بيانات اصدروها، لم تنته مع استبدال الوزير المُختار، بل لا تزال قيد النقاش، والتخمين، والتأملات، والصراعات، المثقفون والفنانون يأملون أن تكون وزارة الثقافة سيادية، وفي الواقع هذا حلم صعب التحقق والمنال، من جانب آخر يتعايش البعض مع الواقع مُعترفاً أن الحكومة العراقية خاضعة بشتى ملاكاتها الوزارية الى المحاصصة، ولكن بالامكان أن تكون الوزارة هيئة إدارية وداعمة للثقافة، بينما تُسند المهام التنفيذية الى مجلس الثقافة الاعلى المؤمل الاعتراف به، بعد أن تمّ التصويت عليه وتقديم قراءة أولى في البرلمان العراقي بخصوصه، ويكون هذا المجلس مؤلف من ممثلين عن كل المؤسسات الثقافية العراقية، وهو المسؤول عن المشاريع الثقافية واقتراحها والعمل على انجازها وتحقيقها مع وجوب متابعته من قِبل الوزارة ودعمها له، يجد بعض الفنانين إن دور وزارة الثقافة العراقية هو الدعم المالي للمشاريع التي يخلقها الفنانون، بينما يؤكد آخرون على رغبتهم بحصول منح من قبل الوزارة، ويذكر آخرون إن واجب وزارة الثقافة هو انتاج مشاريع ثقافية وفنية.
المشاريع يخلقها المثقف والفنان، نقيب الفنانين د. جبار جودي يجد أن " المشاريع يخلقها المثقف والفنان أما دور وزارة الثقافة هي الدعم، والتنظيم والإدارة والتمويل، الثقافة من يصنعها؟ بالتأكيد يصنعها المثقف والفنان، وليس الوزير ولا الوزارة، والفن من يصنعه؟ يصنعه الفنان وليس الهيكل الوزاري، الوزارة عليها تخطيط وتنظيم وتمويل." مؤكداً " نحن لا نطالب منح شخصية من قبل الوزارة نحن نطالب بتمويل للمشاريع الفنية والثقافية ولانتاج هذه المشاريع."
اهتمام الدولة بالثقافة ضعيف جداً يشير جودي قائلاً "لا اعتقد أن الدولة العراقية تفكر أن تجعل من وزارة الثقافة العراقية وزارة سيادية، لنكن واقعيين هي لاتفكر بالثقافة بدايةً ولا بالفنون بدءاً الدولة العراقية تعتبر الثقافة أمراً كمالياً وليس أساسياً متناسين إنها حضارة البلد وعمقه التاريخي."
وجهات النظر تختلف من مثقف الى آخر بشأن الدور الذي يجب أن تلعبه وزارة الثقافة، الاكاديمي والمخرج المسرحي د. عقيل مهدي يوسف يقول " في العالم أجمع يكون دور وزارات الثقافة هو تسهيل أمر مشاريع مثقفين نوعيين، ودعم الفئات الشبابية خاصة أولئك الذين من شأنهم ان يخلقون مستقبل ثقافي مميز وأيضاً يدعمون ثقافة الاطفال ولكن في وضعنا العراقي يختلف الأمر مع الأسف، بالنسبة لوزارة الثقافة العراقية بشكل عام هي حالياً مؤسسة كبيرة وضخمة وهناك من يطرح مجلس أعلى للثقافة وقد عملنا لجان على مستوى وتم تكليف الكثيرين إضافة الى توصيات وبحوث عديدة، خاصة بشأن المجلس الأعلى للثقافة، ويجب عدم فهم موضوع المجلس الأعلى للثقافة بشكل ضيق المعنى، أو عدّه بديل عن وزارة الثقافة، ففي مصر يعمل المجلس الأعلى الثقافي الى الجانب من الوزارة ولهذا نجد أن الثقافة قد ازدهرت وهذا يحدث كذلك في سوريا والأردن وحتى في أربيل."
ويؤكد يوسف على " ضرورة اختيار وزير عالم بواقع الثقافة والمثقفين، دون أن يقدم حلول ارتجالية عن الوضع، وحين نتساءل عن نوع المنح أو النتاج الثقافي الذي يجب أن تقدمه الوزارة يجب أن نفهم ما مقصود بالمنح وما مقصود بجهة انتاجئة، فمعروف دولياً إن دور وزارة الثقافة يعني وجوب دعم أي مشروع متفرد من نوعه وليس فتح ولائم بأمور غير محسوب لها وغير مدروسة ."
وأشار يوسف " في الواقع أنا انتقد ثقافتنا وجلساتنا الثقافية واحتفالاتنا سواء في الاتحاد أونقابة الفنانين أو الجامعات، ذلك إن المشروع الثقافي بالنسبة لنا ولهذه المؤسسات هو مشروع مناسباتي ويطفأ بانتهاء حفل المناسبة، ويكون مليئاً بالصور والتغطيات الإعلامية وغيرها ولكن دون تأسيس عملي فعلي مشاريعنا مباهاة وإسقاط فرض دون وجود حراك مغاير للمألوف."
يبدو أن المثقفين والممثلين عنهم يرفضون منحاً وصفوها بالاستجدائية ، الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق عمر السراي يذكر قائلاً "بالتأكيد نبحث عن الانتاج الثقافي والفني واصدرنا بيانات عدة وكثيرة تعبر عن رغبتنا بشخص يدير المشهد الثقافي بشكل جيد ويمنح المؤسسات ذات الحضور القوي وخاصة تلك المختصة ثقافياً والفاعلة يجب منحهم الثقة لتقديم نتاجاتها ودعمها من قبل الوزارة، فدور الوزارة هي الدعم المادي للمشاريع الثقافية الفاعلة، بينما تقع مهام ادارة المشهد على عاتق المؤسسات الفاعلة ونحن لا نبحث عن أعطيات ، بل نحن ضد المبدأ الاستجدائي نحن نريد وزيراً متواصلاً مع المشهد الثقافي ومن الشخصيات الثقافية المتوصالة مع الجميع وله دور واضح تاريخياً."
بالنسبة الى رغبة المثقفين بان تكون وزارة الثقافة سيادية يؤكد السراي قائلاً " إننا نطمح بل ونؤكد على وجوب أن تكون كل الوزارات العراقية سيادية، وغير خاضعة للمحاصصة وخاصة وزارة الثقافة فهذا المبدأ "أي المحاصصة" أعاد الثقافة سنوات الى الوراء." مؤكداً " إن إحدى الخطوات التي قام اتحاد الادباء بتأسيسها هي تشكيل مجلس أعلى للثقافة، وقد تم قراءة هذا المشروع قراءة أولية ونحن نتمنى من اللجنة الثقافية التي سيشكلها البرلمان أن تدرج القانون ضمن جدول أعمال البرلمان لقراءته وتشريعه."
آراء أخرى للمثقفين والفنانين وهي إنهم لا يبحثون لا عن نتاج ثقافي وفني من قبل الوزارة ولا منح مادية، حيث يذكر رئيس جمعية الفنانين التشكيليين قاسم السبتي قائلاً " إن مهمة وزارة الثقافة بعيدة عن الإنتاج وعن المنح وتقتصر فقط على إدارة الفن والثقافة بوجود دعم تخصصة الحكومة والبرلمان وهذا الدعم يقدم للمشاريع المستحقة فقط."
مؤكداً " إننا بحاجة الى إدارة فنية مثلما كانت الراحلة ليلى العطار تدير المشهد الفني في وزارة الثقافة ونحتاج الى مدراء عامين فاهمين ومختصين وكفوئين وليسوا خاضعين الى المحاصصة، فالإدارات الكفوءة هي التي ستخدم المشهد الثقافي."

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top